خيار العودة يتلاشى أمام اللاجئين السوريين

بينما ينصرف العالم عن سبب معاناتهم

لاجئ سوري يحاول إصلاح «بيته» المؤقت في منطقة عنجر اللبنانية (نيويورك تايمز)
لاجئ سوري يحاول إصلاح «بيته» المؤقت في منطقة عنجر اللبنانية (نيويورك تايمز)
TT

خيار العودة يتلاشى أمام اللاجئين السوريين

لاجئ سوري يحاول إصلاح «بيته» المؤقت في منطقة عنجر اللبنانية (نيويورك تايمز)
لاجئ سوري يحاول إصلاح «بيته» المؤقت في منطقة عنجر اللبنانية (نيويورك تايمز)

داخل الخيم المنتشرة عبر أرجاء الحقول والقرى في سهل البقاع في شرق لبنان، يعكف لاجئون سوريون على حفر آبار مياه وصب أعمدة خراسانية وتركيب مواسير للصرف الصحي وأسلاك كهرباء تحت الأرض، في الوقت الذي يشرعون فيه في بناء شركات وتكوين أسر جديدة.
أما الأمر الوحيد الذي لا يقدمون عليه، فهو اتخاذ استعدادات للرحيل الجماعي، رغم مناشدات مسؤولين سوريين ولبنانيين لهم للعودة إلى وطنهم، ويدعي المسؤولون أن ثمة تحسنا ملحوظا على صعيدي الأمن والسلامة داخل سوريا وأن الوقت قد حان قد يعود اللاجئون لوطنهم.
ومع انطلاق جولة جديدة من المفاوضات في جنيف، الخميس، طرح عدد من اللاجئين السوريين وقع الاختيار عليهم بصورة عشوائية، أجرينا معهم لقاءات داخل منطقة البقاع هذا الأسبوع، وجهات نظرهم حيال الواضع الراهن. وأشار هؤلاء إلى أن ديارهم إما تعرضت للدمار أو ما تزال غير آمنة، وأعربوا عن مخاوفهم من إلقاء قوات الأمن القبض عليهم حال عودتهم إلى الوطن. كما أشاروا إلى أنهم مدركون أنه رغم التقدم الميداني الأخير الذي حققته القوات الموالية للنظام، فإن أعمال القصف والقتال ما تزال مستمرة. وعليه فإنهم قرروا البقاء في لبنان.
جدير بالذكر أن ما يقدر بنحو 1.5 مليون سوري لجأوا إلى لبنان، ليشكلوا بذلك قرابة ربع إجمالي سكان البلاد، تبعًا لما أفاده مسؤولون ومنظمات إغاثة. والملاحظ أن ثمة اعتقادًا واسع النطاق داخل لبنان بأن اللاجئين يشكلون عبئًا على اقتصاد البلاد وبنيتها الاجتماعية.
واللافت أنه بعد مرور قرابة ست سنوات على اشتعال حرب بدأت بشن حملة إجراءات أمنية قاسية ضد مظاهرات مناهضة للرئيس بشار الأسد، بدأت الآن بعض الدول التي كانت حريصة من قبل على رحيله في تركيز اهتمامها على احتواء أزمة اللاجئين وإنزال الهزيمة بتنظيم داعش، بجانب استعدادها للنظر في تسوية تسمح للأسد بالبقاء في السلطة.
والمعروف أن الكثير من الدول الغربية استثمرت في الآمال المبهمة المرتبطة بإمكانية التوصل إلى مثل هذه التسوية، بغض النظر عن مدى هشاشتها أو سطحيتها، سعيًا للحيلولة دون تفاقم الأزمة السورية على نحو خطير والتخفيف من حدة المخاوف إزاء إرهاب تنظيم داعش، الأمر الذي أسهم نهاية الأمر في صعود تيار اليمين السياسي.
علاوة على ذلك، فإن مثل هذا الوضع يجعل لكثرة من الدول مصلحة قوية وراء إعلان سوريا آمنة للعودة، حتى دون تسوية القضايا السياسية التي أشعلت الصراع من البداية، بما في ذلك انتهاكات حقوق الإنسان من قبل سلطات النظام السوري.
والمؤكد أن الأسد ومسؤولين سوريين وحلفاءهم في لبنان يرصدون هذا المزاج العام. ويذكر أن أمين عام «حزب الله»، حسن نصر الله، دعا لعودة المهاجرين، في الوقت الذي دعا حليفه فيه الرئيس اللبناني ميشال عون القوى العالمية لتيسير عودتهم.
ومع ذلك، فإنه داخل مستوطنة من الخيام في قرية الصويري، أوضح سوريون أنه لن يفلح اتفاق يعد بالنسبة لهم بمثابة ورقة توت، ولا نصر واضح وصريح لقوات النظام في دفع الكثيرين منهم للعودة إلى سوريا.
والملاحظ أن جميع الأسر التي التقيناها كان فيها فرد واحد على الأقل من أبنائها قد اختفى أو ألقي القبض عليه أو جرى تجنيده قسرا من قبل النظام. كما ذكر لاجئون أنهم لا يعبأون كثيرًا ببقاء أو رحيل الأسد بقدر ما يهتمون بإصلاح النظام الأمني، مشددين على أنه من دون وضع نهاية للتعذيب وأعمال الاختفاء والاعتقال العشوائي، سيبقى بداخلهم دومًا الخوف إزاء العودة. وأكد جميعهم تقريبًا على أن حلم العودة ما يزال يداعب خيالهم، لكنه يبدو على نحو متزايد حلمًا لن يتحقق إلا مع الجيل القادم. وعلى سبيل المثال، أكد خالد خضر(23 سنة) والذي أمضى أربعة أيام في أحد السجون اللبنانية لتسلله عبر الحدود، أنه: «إذا خيرني الرئيس اللبناني بين البقاء في السجن هنا إلى الأبد أو العودة إلى سوريا، سأختار السجن». واستطرد «إنهم لم يعذبوني أو يضربوني. وكان هذا أمرًا جيدًا. أما في سوريا، فإنه حال القبض عليك، تختفي إلى الأبد».
يذكر أن خضر مطلوب لدى السلطات السورية لهروبه من الجيش السوري عام 2012، ويطرح خضر سببين وراء إقدامه على ذلك: الفزع الذي تملكه حيال المشاركة في قصف ضاحية بابا عمرو الثائرة بمدينة حمص، بجانب تلقيه تهديدات من مسلحين ينتمون لمسقط رأسه.
من ناحيته، تعهد الأسد بالعفو عن الجنود الفارين من الجيش، لكن خضر قال إن ابن عم له صدق هذا العرض فتعرض للاعتقال داخل سوريا منذ خمسة شهور وانقطعت أخباره منذ ذلك الحين.
وأكد خضر أن السبيل الوحيد لعودته توافر ضمانات دولية تضمن سلامته. ولدى سؤاله حول كيفية تنفيذ ذلك، ابتسم وأجاب: «لا أدري. ولهذا فقدت الأمل».
من ناحية أخرى، يعتبر هذا المعسكر الخاص باللاجئين والواقع قرب الحدود السورية أفضل من كثير من المعسكرات الأخرى، ذلك أنه يخلو من المصارف الصحية المفتوحة أو أكوام المخلفات التي تعج بها معسكرات أخرى. كانت قرابة 40 أسرة قد استأجرت قطعًا من الأرض من محمود حسين الطحان، الذي قال إن المال الذي حصل عليه يكافئ تقريبًا ما كان يجنيه من وراء زراعة الطماطم والباذنجان بالأرض ذاتها.
داخل المعسكر، تندر فرص العمل، وتعتبر غالبية الأسر مدينة للطحان. وحسب عامل إغاثة على اطلاع بالأوضاع داخل المخيم فإن نسبة قليلة فقط من الأطفال يرتادون المدارس، بينما دفع الآباء والأمهات البعض الآخر للعمل في الحقول.
داخل الخيمة التي يسكن فيها خضر ويشترك فيها مع ثمانية آخرين من أقاربه، بينهم زوجته وثلاثة أطفال، يوجد جهاز تلفزيون وموقد وأرضية إسمنتية. أما منزله في سوريا، فقد تعرض للدمار.
وعن ذلك، قال: «لا أهتم بأمر المنزل»، مضيفًا أنه لو كان يضمن سلامة أسرته «لقبلت العيش في خيمة كهذه في سوريا». إلا أنه بدلاً عن ذلك، ما يزال لاجئون جدد يفدون إلى لبنان.
من ناحيته، فر مصطفى سليم (19 سنة) من سوريا برفقة والدته وأشقائه فقط، الخريف الماضي، إذ كانت المعارك قد اندلعت قرب منزله، وألقي القبض على أحد أشقائه وأجبر على التجنيد في صفوف الجيش أثناء توجهه إلى الجامعة. والآن، لا يعلمون ما إذا كان حيًا. وقال سليم: «يكذب النظام عندما يقول إن الوضع آمن. كي تضمن البقاء على قيد الحياة في سوريا، يجب أن تكون جنديًا، لكن من المستحيل ضمان ذلك لو كنت مدنيًا. وإذا التحقت بالجيش فإنك في النهاية إما قاتل أو مقتول».
ومع ذلك، يعكف بعض اللاجئين على بناء حياة جديدة لهم، مثل نعمة قاسم (38 سنة) الذي يستأجر شاحنة ويقودها من معسكر لآخر لبيع الخضراوات واللبنة لغير القادرين على الوصول إلى الأسواق. وبالفعل، يجني ما يكفي من مال لاستئجار غرفة على مسافة قصيرة من إحدى المدارس.
لكنن ومع هذا، فإن نجله البالغ 9 سنوات لم يتعلم القراءة بعد. وأعرب قاسم عن اعتقاده بأن المدارس اللبنانية نقلت أسوأ مدرسيها إلى النوبات الليلية المكتظة بالسوريين.
من جانبه، أبدى الطحان، الذي حاول رسم صورته كرجل إحسان يعطف على اللاجئين، رفضه لفكرة أنهم يضرون باقتصاد البلاد ويشكلون عبئًا على الخدمات الاجتماعية، متهمًا الحكومة باختلاق هذه الفكرة للحصول على مزيد من المال من الأمم المتحدة.
وتابع الطحان إن اللاجئين يفيدون اللبنانيين من أصحاب المولدات الكهربائية التي يستعين بها اللاجئون في الحصول على الطاقة الكهربائية، وأصحاب المتاجر الذين ينفق اللاجئون لديهم كوبونات الغذاء التي يحصلون عليها من الأمم المتحدة، وملاك الأراضي الذين يجدون في اللاجئين عمالة زهيدة التكلفة. في الواقع، هذه هي الرؤية التي تطرحها منظمات دولية تؤكد أن العبء الناجم عن استضافة لاجئين يجري تعويضه في الجزء الأكبر منه في صورة الزخم الاقتصادي الذي يوفره اللاجئون، ناهيك عن مساعدات دولية بلغت 1.9 مليار دولار عام 2016 فقط، حسبما أعلنت الأمم المتحدة. من ناحيته، قال الطحان إنه بناءً على تجربته مع الحرب الأهلية اللبنانية، فإنه يعتقد أن السوريين سيبقون داخل لبنان لسنوات. وتابع «كان لدينا المئات من مؤتمرات جنيف قبل نهاية الحرب، وحتى بعد مرور سنوات على نهايتها ما تزال الأوضاع غير جيدة». داخل المعسكر، لم تثر أنباء عقد جولة جديدة من المفاوضات في جنيف أملا يذكر في صفوف اللاجئين، الذين قالوا إنه لا أحد من مفاوضي الحكومة أو المعارضة يمثلهم.
*خدمة: «نيويورك تايمز»



الخارجية الفلسطينية ترحب بموافقة الأمم المتحدة على تمديد ولاية «الأونروا»

رجل يعلق علماً فلسطينياً على هوائي في مبنى شبه مدمّر كان يضم عيادة لـ«الأونروا» في مخيم جباليا بغزة (أ.ف.ب)
رجل يعلق علماً فلسطينياً على هوائي في مبنى شبه مدمّر كان يضم عيادة لـ«الأونروا» في مخيم جباليا بغزة (أ.ف.ب)
TT

الخارجية الفلسطينية ترحب بموافقة الأمم المتحدة على تمديد ولاية «الأونروا»

رجل يعلق علماً فلسطينياً على هوائي في مبنى شبه مدمّر كان يضم عيادة لـ«الأونروا» في مخيم جباليا بغزة (أ.ف.ب)
رجل يعلق علماً فلسطينياً على هوائي في مبنى شبه مدمّر كان يضم عيادة لـ«الأونروا» في مخيم جباليا بغزة (أ.ف.ب)

رحبت وزارة الخارجية الفلسطينية، الجمعة، بتبني الجمعية العامة بأغلبية ساحقة خمسة قرارات لصالح الشعب الفلسطيني، من بينها تجديد ولاية وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين «الأونروا».

وقالت الوزارة، في بيان، إن هذه القرارات «تعكس تضامناً واسعاً من جميع أنحاء العالم مع الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة، وتمثل إقراراً بمسؤولية المجتمع الدولي في دعم الاحتياجات السياسية والإنسانية، بما فيها حق لاجئي فلسطين».

وأضافت أن هذا التضامن يؤكد دعم العالم لوكالة «الأونروا» سياسياً ومالياً، ولحماية حقوق اللاجئين وممتلكاتهم وإدانة الاستيطان الإسرائيلي.

وأشارت الخارجية الفلسطينية إلى أن هذا التصويت «تعبير إضافي عن رفض المجتمع الدولي للضم والاستيطان والتهجير القسري والعقاب الجماعي والتدمير الواسع للبنية التحتية في الأرض الفلسطينية المحتلة، والإبادة في قطاع غزة».


حديث ترمب عن تعديل المرحلة الثانية... هل يُفعل «البند 17» بـ«اتفاق غزة»؟

يملأ فلسطينيون حاوياتهم بالمياه في مخيم النصيرات للنازحين الفلسطينيين وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)
يملأ فلسطينيون حاوياتهم بالمياه في مخيم النصيرات للنازحين الفلسطينيين وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)
TT

حديث ترمب عن تعديل المرحلة الثانية... هل يُفعل «البند 17» بـ«اتفاق غزة»؟

يملأ فلسطينيون حاوياتهم بالمياه في مخيم النصيرات للنازحين الفلسطينيين وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)
يملأ فلسطينيون حاوياتهم بالمياه في مخيم النصيرات للنازحين الفلسطينيين وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)

حديث عابر للرئيس الأميركي دونالد ترمب عن «تعديل المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة» دون أن يوضح تفاصيل ذلك التعديل، أثار تساؤلات بشأن تنفيذ ذلك.

هذا الحديث الغامض من ترمب، يفسره خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط» بأنه سيكون تغييراً في تنفيذ بنود الاتفاق، فبدلاً من الذهاب لانسحاب إسرائيلي من القطاع الذي يسيطر فيه على نسبة 55 في المائة، ونزع سلاح «حماس»، سيتم الذهاب إلى «البند 17» المعني بتطبيق منفرد لخطة السلام دون النظر لترتيباتها، وتوقعوا أن «المرحلة الثانية لن يتم الوصول إليها بسهولة في ظل عدم إنهاء ملفات عديدة أهمها تشكيل مجلس السلام ولجنة إدارة غزة ونشر قوات الاستقرار».

و«البند 17» في اتفاق وقف إطلاق النار بغزة الذي دخل حيز التنفيذ في 10 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، ينص على أنه «في حال أخّرت (حماس) أو رفضت هذا المقترح، فإنّ العناصر المذكورة أعلاه، بما في ذلك عملية المساعدات الموسّعة، ستنفّذ في المناطق الخالية من الإرهاب التي يسلّمها الجيش الإسرائيلي إلى قوة الاستقرار الدولية».

و«وثيقة السلام» التي وُقعت في أكتوبر الماضي بين «حماس» وإسرائيل تناولت فقط النقاط المتعلقة بما يسمى «المرحلة الأولى»، وتشمل الهدنة الأولية وانسحاب قوات الجيش الإسرائيلي، وشروط تبادل الأسرى والمحتجزين، وتسهيل دخول المساعدات الإنسانية، فيما لم يتم التوصل إلى اتفاق رسمي بشأن «المرحلة الثانية» المتعلقة بإدارة غزة بعد الحرب.

وأعلن ترمب في تصريحات نقلت، الخميس، أن المرحلة الثانية من خطته للسلام في غزة «ستخضع للتعديل قريباً جداً»، وسط تصاعد القلق من تعثرها وعدم إحرازها تقدماً ملموساً في التنفيذ، دون توضيح ماهية تلك التعديلات.

المحلل في الشأن الإسرائيلي بمركز «الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية»، الدكتور سعيد عكاشة، يرى أن التعديل الذي يمكن أن يرتكز عليه ترمب للحيلولة دون انهيار الاتفاق كما يعتقد هو اللجوء لـ«البند 17» الذي يرسخ لتقسيم غزة، لغزة قديمة وجديدة، وهذا ما كان يطرحه المبعوث الأميركي، ستيف ويتكوف الشهر الماضي في عدد من لقاءاته.

وأشار إلى أن هذا التعديل هو المتاح خاصة أن الاتفاق أقر في مجلس الأمن الشهر الماضي، ويمكن أن يعاد تفعيل ذلك البند تحت ذرائع عدم استجابة «حماس» لنزع السلاح أو ما شابه، متوقعاً أن يقود هذا الوضع لحالة لا سلم ولا حرب حال تم ذلك التعديل.

رد فعل فلسطينية على مقتل أحد أقربائها في غارة إسرائيلية بخان يونس (أ.ف.ب)

ويرجح المحلل السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، أنه في ظل عدم توضيح ماهية تعديلات ترمب بشأن المرحلة الثانية، فإن «هناك مخاوف من ترسيخ تقسيم غزة يمكن أن نراها في التعديل مع رغبة إسرائيلية في استمرار بقائها في القطاع، تطبيقاً لما يتداول بأن هذا غزة جديدة وأخرى قديمة».

ووسط ذلك الغموض بشأن التعديل، أفاد موقع «أكسيوس» بأن ترمب يعتزم إعلان انتقال عملية السلام في غزة إلى مرحلتها الثانية، والكشف عن هيكل الحكم الجديد في القطاع قبل 25 ديسمبر (كانون الأول) الجاري. ونقل الموقع، الخميس، عن مسؤولَين أميركيين قولهما إن «تشكيل القوة الدولية وهيكل الحكم الجديد لغزة في مراحله الأخيرة»، متوقعين أن يعقد الرئيس الأميركي اجتماعاً مع رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو قبل نهاية ديسمبر الجاري لمناقشة هذه الخطوات.

غير أن الرقب يرى أن المرحلة الثانية أمامها عقبات تتمثل في «عدم تشكيل مجلس السلام وحكومة التكنوقراط، وعدم تشكيل الشرطة التي ستتولى مهامها وقوة الاستقرار، وأن أي تحركات لن ترى النور قبل يناير (كانون الثاني) المقبل».

ولا يرى عكاشة في المستقبل القريب سوى اتساع احتلال إسرائيل للمناطق التي تقع تحت سيطرتها في القطاع لتصل إلى 60 في المائة مع استمرار تعثر تنفيذ الاتفاق دون تصعيد كبير على نحو ما يحدث في جنوب لبنان من جانب إسرائيل.

فلسطينيون يسيرون أمام الخيام الممتدة على طول الشوارع وسط أنقاض المباني المدمرة في جباليا (أ.ف.ب)

وقبل أيام، تحدثت صحيفة «يديعوت أحرونوت» عن أن هناك خطة إسرائيلية لإعادة توطين نحو مليوني فلسطيني في مناطق جديدة خاضعة لإسرائيل شرق الخط الأصفر، وتفريغ المناطق الخاضعة لسيطرة «حماس» من المدنيين بالكامل، وملاحقة عناصر حركة «حماس» في هذه المناطق تدريجياً. كما نقلت صحيفة «تلغراف» البريطانية، عن دبلوماسيين غربيين أن الخطة الأميركية بشأن غزة تنطوي على خطر تقسيم القطاع إلى جزأين للأبد، ما يؤسّس لوجود قوات الاحتلال بشكل دائم في القطاع المنكوب.

وقبل نحو أسبوع، أكد وزير الخارجية المصري، بدر عبد العاطي، في لقاء ببرشلونة مع الممثلة العليا للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية للاتحاد الأوروبي، كايا كالاس، على وحدة الأراضي الفلسطينية بين الضفة الغربية وقطاع غزة ورفض مصر أي إجراءات من شأنها تكريس الانفصال بين الضفة الغربية وغزة أو تقويض فرص حل الدولتين على الأرض.

وأعاد عبد العاطي، التأكيد على ذلك في تصريحات، الأربعاء، قائلاً إنه «لا مجال للحديث عن تقسيم غزة، فغزة هي وحدة إقليمية متكاملة، وجزء لا يتجزأ من الدولة الفلسطينية القادمة، جنباً إلى جنب مع الضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية، وهذه هي قرارات الشرعية الدولية وبالتأكيد يتعين الالتزام بذلك»، مؤكداً أنه إلى الآن يجرى التشاور بشأن لجنة إدارة قطاع غزة مع الأطراف المعنية، حتى تتولى هذه اللجنة الإدارية من التكنوقراط مهام العمل على الأرض. وأشار عكاشة إلى أن الجهود المصرية ستتواصل لمنع حدوث تقسيم في قطاع غزة أو حدوث تعديل يؤثر على الاتفاق، لافتاً إلى أن السيناريوهات مفتوحة بشأن التطورات المرتبطة بخطة ترمب.


«المعاقون» في صنعاء... فئة منسيّة تحت مقصلة الحرمان

معاقون في صنعاء أخضعهم الحوثيون للمشاركة في فعالية طائفية (فيسبوك)
معاقون في صنعاء أخضعهم الحوثيون للمشاركة في فعالية طائفية (فيسبوك)
TT

«المعاقون» في صنعاء... فئة منسيّة تحت مقصلة الحرمان

معاقون في صنعاء أخضعهم الحوثيون للمشاركة في فعالية طائفية (فيسبوك)
معاقون في صنعاء أخضعهم الحوثيون للمشاركة في فعالية طائفية (فيسبوك)

تتفاقم معاناة الآلاف من ذوي الإعاقة في العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء، في ظل انهيار شبه كامل لمنظومة الرعاية الاجتماعية، واتهامات مباشرة للجماعة الحوثية بتحويل الموارد المخصصة لهذه الفئة إلى قنوات تخدم مشروعها العسكري والآيديولوجي.

ومع استمرار انقطاع البرامج الحكومية والدعم الدولي، يجد المعاقون أنفسهم أمام واقع قاسٍ تتضاعف فيه الاحتياجات وتتراجع فيه فرص العلاج والرعاية.

مصادر محلية أكدت لـ«الشرق الأوسط» أن الجماعة الحوثية كثفت خلال الأسابيع الأخيرة من ممارساتها التي تستهدف ذوي الإعاقة في صنعاء ومدن أخرى تحت سيطرتها، سواء عبر استغلالهم في فعاليات ومناسبات سياسية، أو من خلال إجبار عشرات الأطفال على حضور دورات تعبئة فكرية تستند إلى خطاب طائفي، في مخالفة صريحة لأبسط قواعد الرعاية الإنسانية.

وتشير المصادر إلى أن ما تبقى من المراكز والمنشآت المتخصصة التي كانت تقدم خدمات طبية وتأهيلية للمعاقين، تحوّل إلى أماكن شبه مهجورة بعد إغلاقات تعسفية ووقف شبه تام للبرامج الفنية والدعم الخارجي، نتيجة استحواذ الجماعة على المخصصات والموارد المالية.

مبنى «صندوق رعاية وتأهيل المعاقين» الخاضع للحوثيين في صنعاء (إكس)

وكشف سكان في صنعاء أن مئات المعاقين فقدوا مصادر دخلهم المحدودة. ومع غياب برامج الدعم، اضطرت كثير من الأسر إلى إرسال أبنائها من ذوي الإعاقة إلى شوارع المدينة، بحثاً عن أي مساعدة تساهم في تغطية احتياجاتهم الغذائية أو تكاليف العلاج باهظة الثمن.

وتؤكد أسرة تقيم في ضواحي صنعاء أن اثنين من أبنائها من ذوي الإعاقة لم يعودا قادرين على تلقي جلسات العلاج الطبيعي أو الحصول على أجهزة طبية مساعدة، مثل الأطراف الصناعية أو السماعات، بعد ارتفاع أسعارها وغياب الدعم المخصص لهم من «صندوق رعاية وتأهيل المعاقين» الخاضع لسيطرة الحوثيين.

وتضيف الأسرة أن الصندوق ـ الذي كان يعد المتنفس الوحيد لهذه الفئة ـ توقف عن تقديم معظم خدماته التعليمية والتأهيلية، مما أدى إلى حرمان مئات الأطفال من ذوي الإعاقة من حقهم في التعليم المتخصص.

ضحايا بلا رعاية

تقدّر مصادر يمنية حقوقية أن عدد ذوي الإعاقة في صنعاء وبقية مناطق سيطرة الحوثيين يتجاوز 4.5 مليون معاق، بينهم مصابون بإعاقات خلقية، وآخرون نتيجة الحرب التي أشعلتها الجماعة منذ انقلابها. وتؤكد التقديرات أن أكثر من 70 في المائة منهم محرومون من الحصول على أهم الاحتياجات الأساسية، وعلى رأسها الكراسي المتحركة، والأجهزة التعويضية، وجلسات العلاج الطبيعي، وبرامج التأهيل المهني.

جانب من زيارة قيادات حوثية لـ«صندوق رعاية وتأهيل المعاقين» في صنعاء (إعلام حوثي)

وأكد عاملون في «صندوق رعاية وتأهيل المعاقين» بصنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن هناك تراجعاً حاداً في الخدمات المقدمة، مشيرين إلى أن الصندوق يستقبل شهرياً نحو 800 حالة جديدة، معظمها تحتاج إلى رعاية طويلة المدى لا يستطيع الصندوق تلبيتها حالياً. وقالوا إن سيطرة الحوثيين على موارد الصندوق وقراراته أدت إلى إيقاف عشرات المراكز وتجميد برامج التأهيل، إضافة إلى تحويل جزء كبير من الدعم لصالح الجرحى والمقاتلين العائدين من الجبهات.

وأشار العاملون إلى أن المساعدات النقدية والأجهزة التعويضية تُمنح بشكل شبه حصري لعناصر الجماعة وجرحاها، في الوقت الذي يُترك فيه آلاف المعاقين المدنيين لمواجهة مصيرهم دون أي دعم.

تعبئة فكرية

وسط هذا الانهيار الإنساني، تواصل الجماعة الحوثية إخضاع عشرات الأطفال من ذوي الإعاقة في صنعاء لدورات فكرية وتعبوية تحت اسم «دورات توعوية»؛ إذ أفادت مصادر مطلعة بأن الجماعة جمعت خلال الأيام الماضية أطفالاً ومراهقين من تسعة مراكز وجمعيات متخصصة، تتراوح أعمارهم بين 10 و18 عاماً، وأخضعتهم لمحاضرات تهدف إلى غرس أفكارها العقائدية.

وتقول المصادر إن هذه هي المرة الثالثة منذ مطلع العام التي يتم فيها إخضاع قاصرين معاقين لمثل هذه الأنشطة، في خطوة أثارت سخطاً واسعاً بين أسر الضحايا، الذين اعتبروا ذلك استغلالاً فجاً لفئة يُفترض حمايتها وتمكينها بدلاً من تجييرها لصالح مشروع سياسي.

ويأتي ذلك بعد زيارة مفاجئة للقيادي الحوثي محمد مفتاح، القائم بأعمال رئيس حكومة الانقلاب، إلى مقر الصندوق، وهي زيارة رأى فيها مراقبون محاولة لشرعنة ممارسات الجماعة لا أكثر.

فتيات معاقات لدى مشاركتهن في برنامج تعبوي نظمه الحوثيون في صنعاء (فيسبوك)

ويحذر مختصون اجتماعيون في صنعاء من أن استمرار الإهمال وغياب برامج الدعم قد يدفعان بمزيد من ذوي الإعاقة إلى دوامة الفقر المدقع، ويعمق من معاناتهم الصحية والإنسانية. ويتهمون الجماعة الحوثية بأنها حولت هذه الفئة من مواطنين يحتاجون إلى رعاية إلى وسيلة للابتزاز السياسي والاستغلال الإعلامي.

ويطالب المختصون المؤسسات الدولية والمانحين بضرورة إعادة تفعيل برامج الدعم والتأهيل وضمان وصول المساعدات إلى مستحقيها بعيداً عن تدخّلات الحوثيين، داعين إلى وضع آلية رقابة مستقلة على البرامج الموجهة لذوي الإعاقة.

ويؤكد المختصون أن إنقاذ هذه الفئة يتطلب جهوداً عاجلة، خصوصاً في ظل الانهيار المتواصل للخدمات الصحية وارتفاع تكاليف العلاج وتوقف التمويل المحلي والدولي عن معظم المراكز.