العنصرية... أداة هيمنة ثقافيّة

عن الجذور التاريخيّة للظاهرة وارتباطها بتطور الرأسمالية

مشهد من فيلم «الجذور»
مشهد من فيلم «الجذور»
TT

العنصرية... أداة هيمنة ثقافيّة

مشهد من فيلم «الجذور»
مشهد من فيلم «الجذور»

عادت قضيّة «العرق» العنصريّة لتحتل عناوين الأخبار وتشغل فضاءات النقاش العام ذلك بعد انحياز الأغلبيّات في دول العالم الغربي لسياسيين شعبويين وسياسات انعزالية، فكان أن انتخب الأميركيون الرئيس دونالد ترمب، وصوت البريطانيون لمصلحة الانفصال عن الاتحاد الأوروبي، وأصبح السياسيون اليمينيون قريبين أكثر من أي وقت مضى لتولي السلطات بعد أي انتخابات عامة قادمة في فرنسا وربما في ألمانيا. لم يكد الرئيس الأميركي الجديد يتولى مهام منصبه حتى أصدر قرارات مثيرة للجدل حظر فيها دخول البلاد على مواطني سبع دول إسلاميّة كبرى واستأنف العمل باستكمال بناء الجدار الأميركي العازل مع الجارة الجنوبيّة - المكسيك.
هذه الاستعادة لأجواء الفصل العرقي والتمييز العنصري التي ادعى الغرب في عصوره الليبراليّة والنيوليبراليّة أنه تجاوزها لمصلحة القرية المعولمة الواحدة التي تقبل الجميع ما داموا خاضعين جميعهم للمنظومة الرأسماليّة العابرة للحدود، إنما تؤكد على حقيقة أن الثقافة الغربيّة ما تزال عموما مسكونة بهواجسها العرقيّة القديمة وغير قادرة على تمثل فكرة وحدة العرق البشري رغم مرور أكثر من سبعين عامًا على السقوط «العلمي» النهائي لكل نظريات الفصل العنصري مع نهاية الحرب العالميّة الثانيّة وانكسار الفاشيات الأوروبيّة الحديثة.
ظاهرة كراهيّة الأجانب - النابعة أساسًا من الجهل والخوف - وجدت لا شك منذ تشكل المجموعات الإثنيّة، لكن علم الأحياء المعاصر لا يعترف بأي تقسيم للبشر إلى أعراق مختلفة، ومنظوره أن البشريّة هي عرق إنساني واحد فقط وإن تعددت فئاتهم التاريخيّة والثقافيّة وحتى الشكليّة نظرًا لتنوع بيئاتهم الحضاريّة والمناخيّة والجغرافيّة. لا شك هذا أمر أساسي لفهم العنصريّة، «إذ ليس المهم الاختلاف بحد ذاته»، يقول جون ستوري مؤلف كتاب النظرية الثقافية والثقافة الشعبيّة، و«لكن في كيفيّة جعله ذا دلالة من حيث الهرميّة الاجتماعيّة والسياسيّة». فالاختلافات لا تصدر معاني، بل إن المعنى مضاف عليها من قبل صانعي الهيمنة الثقافيّة في المجتمع، وهي بالتالي ليست حتميّة من دون أدنى شك، بل نتاج تفاعلات السياسة والسلطة والثقافة في مناخ فكر محدد. العنصريّة كمنتج آيديولوجي هي ما يبقي مفهوم العرق حيًّا.
تاريخيًّا تبدو جذور العنصريّة المعاصرة مرتبطة على نحو وثيق للغاية بتطور الرأسماليّة والاتجاهات السياسيّة المحافظة في مدارسها المختلفة. يقول بول جيلروي: «يجب أن يشكّل العرق أو يبنى اجتماعيا وسياسيا، وأنه في الحقيقة قد بُذل جهد آيديولوجي موجه هائل لبناء العرقنة التي ميزت تطور الرأسماليّة والمحافظة». لكن خطورتها كمنت دائمًا، كما يضيف، «في النفوس الجبانة التي استسلمت للفكرة العنصريّة كمفهوم سهل مقارنة بالجهد الخلاق المطلوب لتخيّل عالم أكثر عدالة مطهّر من الهرميّة العنصريّة».
يشير ستيوارت هول في دراسته عن تمثيل الآخر إلى أنه كانت هنالك ثلاث لحظات فاصلة رئيسة مترابطة معًا في تاريخ العرق والعنصريّة بالغرب تمحورت أولها حول تجارة العبوديّة والرقيق، وثانيها حول مرحلة الإمبرياليّة والاستعمار وآخرها كان هجرة ما بعد الحرب العالميّة الثانيّة إلى الغرب بعد سقوط الاستعمار الغربي التقليدي. ويبدو أننا نعيش اليوم أجواء مرحلة رابعة تستعيد تلك الأجواء المسمومة التي كلفت البشريّة ملايين الأرواح وأكوامًا من العذابات والآلام.
كان الإنجليز بالذات رواد صناعة العنصريّة، إذ ما إن بدأت تجارة الرقيق الإنجليزيّة لاستخدامهم في مزارع السكّر والصناعات التحويليّة المتعاظمة بشكلِ ربحي متشابك حتى بدأ العمل الثقافي المؤدلج الدؤوب للدفاع عن هذه المنظومة التي تدر ذهبًا على رأس المال. وتبدو النصوص الأولى المؤسسة للعنصريّة سافرة في استعلاء الأوروبي ضد الآخر المختلف، فكتب إدوارد لونغ عام 1774 تاريخه لجامايكا منطلقًا من تقسيم نهائي ومطلق بين السود والبيض، جاعلاً السود عرقًا أقرب للأورانج أوتان منه لذوي البشرة البيضاء. وكتب أيضًا تشارلز وايت عام 1792 متحدثًا عن تفوق فطري للعرق الأبيض على أشكال البشر الآخرين. وهناك نصوص أخرى بذات الفترة واضحة في تحذيرها من تسرّب الأعراق الأخرى إلى إنجلترا بغية «الحفاظ على عرق البريطانيين من الاتساخ والتلوث» وكي لا تصبح «الأمة كلها شبيهة بالبرتغاليين والموريسكيين الأندلسيين في لون البشرة وانحطاط العقل». وذهبت رسالة نشرت في صحيفة لندنيّة رئيسيّة عام 1764 إلى الدعوة لتطبيق «حظر على استيراد المزيد منهم - أي العبيد - كبعض العلاج الاقتصادي، لأنهم يأخذون مواقع الكثيرين من أبناء شعبنا فيحرمونهم كسب خبزهم، وبالتالي نقلل من نسبة السكان الأصليين لمصلحة عرق يعيبنا الاختلاط به».
هذه المرحلة التأسيسية للعنصريّة داخل الثقافة الغربيّة في موازاة نشأة النظام الاقتصادي الرأسمالي المعاصر جعلت من انطلاق النشاط الإمبريالي الأوروبي لاستعمار العالم لا أمرًا منطقيًّا فحسب، بل واجبا مقدسًا في خدمة الرب. فانتشار الأفكار العنصريّة «لم يكن وقتئذ مقصورًا على حفنة من المهووسين»، فعليًّا فقد «كان كل عالم ومفكر بريطاني في القرن التاسع عشر يعتبر أنه من المسلمات كون ذوي البشرة البيضاء وحدهم دون البشر لديهم ملكة التفكير والحكم» كما يقول جون ستوري، وهو أمر استمر في بدايات القرن العشرين. وعن ذلك كتب إدوارد سعيد في كتابه الثقافة والإمبريالية يقول: «إن إحدى الحقائق المؤلمة التي اكتشفتها جراء عملي على هذا الكتاب هي ندرة المثقفين والفنانين الفرنسيين والبريطانيين الذين اعترضوا على مفاهيم مثل الأعراق الخاضعة والأدنى مكانة التي طبقها وعمل بها موظفو الاستعمار في حكمهم للجزائر أو الهند باعتبارها حقائق بديهية». واعتبر سعيد أن نظرة الغرب الدونيّة إلى الشرق (الآخر والمختلف) - وهو ما أطلق عليه مصطلح الاستشراق - كانت جزءا هامًا لا يتجزأ في تكوين الشخصيّة الغربيّة ذاتها وذلك من خلال تناقض الصورة والفكر والشخصية والتجربة. وقد أفضت هذه الثقافة المتمحورة حول كراهية الآخر تجارب الفاشيّة الأوروبيّة التي لم تنقضِ إلا بعد أن أفنت أوروبا أرواح عشرات الملايين من شبانها في حروب عبثيّة.
الأميركيون تشربوا - وهم كانوا في غالبيتهم مهمشي أوروبا ومغامريها - منذ حروب الإبادة ما قبل حرب الاستقلال كل موبقات التفكير العنصري من جذورهم الأوروبيّة، وليس ثمة أميركي واحد - يقول سعيد - يتمتع بالمناعة من هذه المشاعر: نحن الأولون، نحن رمز الحرّية والنظام، ومن المحتم علينا أن نتولى قيادة العالم!
أخذت عنصريّة الغرب ضد الآخر داخل الحدود بالتراجع تدريجيًّا منذ الخمسينات - على الأقل من حيث الشكل -، إذ غن نضالات السود والأقليات بدأت تثمر إنجازات في مجالات قانونيّة وإجرائية تعيد الاعتبار لأحفاد الأجيال المضطهدة، بينما وجدت المشاعر العنصريّة ضد الآخرين ملعبها في جمهور المهاجرين الجدد الذين تدفقوا على الغرب بعد نهاية الحرب العالميّة الثانية أساسًا من العالم الثالث ولاحقًا من العالم الثاني بعد تفكك المنظومة السوفياتيّة وحلف وارسو لأسباب اقتصادية غالبًا.
وفي ظل العولمة المتزايدة وانتصار النيوليبرالية في الّربع الأخير من القرن العشرين فإن العنصريّة تحولت إلى نموذج عزل اقتصادي لقطاعات واسعة من المهمشين والفقراء والأقل حظًا كان أكثرهم بحكم بنية المجتمعات من الأقليات والمهاجرين والسود، لكن قطاعًا كبيرًا أيضًا من ذوي البشرة البيضاء وقعوا في ذات العزلة، وهؤلاء هم الكتلة التي كان هدفا سهلاً للسياسيين الشعبويين على جانبي الأطلسي استنفارهم ضد الفقراء الآخرين، ودائمًا لخدمة الرأسماليين، باستخدام الرّصيد التاريخي الذي لم ينته يومًا من العنصريّة البغيضة.
وعنصريّة اليوم نتاج تراكمي لتجربة تاريخيّة من قبل النخبة هناك في بناء مشاعر الكراهيّة ضد الآخر كجزء من منظومة العمل الآيديولوجي المتكامل والموجه لضمان استمرار الهيمنة السياسيّة والاقتصادية على الطبقات الأخرى وبقيّة العالم. لذلك ربما من السذاجة بمكان أن نتفاجأ بما يحدث في الأجواء السياسيّة الآن. المفاجأة ستكون لو يمتلك الغرب الشجاعة الأدبيّة فعلاً لتجاوز كل هذا التراث البغيض.



غازي القصيبي يحضر في أول ملتقى سعودي للأدب الساخر

غازي القصيبي يحضر في أول ملتقى سعودي للأدب الساخر
TT

غازي القصيبي يحضر في أول ملتقى سعودي للأدب الساخر

غازي القصيبي يحضر في أول ملتقى سعودي للأدب الساخر

تشهد منطقة الباحة، جنوب السعودية، انطلاقة الملتقى الأول للأدب الساخر، الذي يبدأ في الفترة من 22-24 ديسمبر (كانون الأول) الحالي، وينظمه نادي الباحة الأدبي.

وأوضح رئيس النادي، الشاعر حسن الزهراني، أن محاور الملتقى تتناول «الأدب الساخر: المفهوم، والدلالات، والمصادر»، و«الاتجاهات الموضوعية للأدب الساخر، والخصائص الفنية للأدب الساخر في المملكة»، وكذلك «مستويات التأثر والتأثير بين تجارب الكتابة الساخرة محلياً ونظيراتها العربية»، و«حضور الأدب الساخر في الصحافة المحلية قديماً وحديثاً»، و«أثر القوالب التقنية الحديثة ومواقع التواصل في نشوء أشكال جديدة من الأدب الساخر محلياً»، و«سيميائية الصورة الصامتة في الكاريكاتير الساخر محلياً».

بعض المطبوعات الصادرة بمناسبة انعقاد أول ملتقى للأدب الساخر (الشرق الأوسط)

وشارك في صياغة محاور الملتقى لجنة استشارية تضم: الدكتور عبد الله الحيدري، والدكتور ماهر الرحيلي، والقاص محمد الراشدي، ورسام الكاريكاتير أيمن يعن الله الغامدي.

وكشف الزهراني أن النادي تلقى ما يزيد على 40 موضوعاً للمشاركة في الملتقى، وأقرت اللجنة 27 بحثاً تشمل؛ ورقة للدكتورة دلال بندر، بعنوان «حمزة شحاتة... الأديب الجاد ساخراً»، والدكتور محمد الخضير، بعنوان «الخصائص الفنية في الأدب الساخر عند حسن السبع في ديوانه ركلات ترجيح - دراسة بلاغية نقدية»، والدكتور صالح الحربي، بعنوان «المجنون ناقداً... النقد الأدبي في عصفورية القصيبي»، والدكتور عادل خميس الزهراني، بعنوان «الصياد في كمينه: صورة الحكيم في النكت الشعبية بمواقع التواصل الاجتماعي»، والدكتور حسن مشهور، بعنوان «الكتابة الساخرة وامتداداتها الأدبية... انتقال الأثر من عمومية الثقافة لخصوصيتها السعودية»، والدكتورة بسمة القثامي، بعنوان «السخرية في السيرة الذاتية السعودية»، والدكتورة كوثر القاضي، بعنوان «الشعر الحلمنتيشي: النشأة الحجازية وتطور المفهوم عند ابن البلد: أحمد قنديل»، والدكتور يوسف العارف، بعنوان «الأدب الساخر في المقالة الصحفية السعودية... الكاتبة ريهام زامكة أنموذجاً»، والدكتور سعد الرفاعي، بعنوان «المقالة الساخرة في الصحافة السعودية... الحربي الرطيان والسحيمي نموذجاً»، والدكتور عمر المحمود، بعنوان «الأدب الساخر: بين التباس المصطلح وخصوصية التوظيف»، والدكتور ماجد الزهراني، بعنوان «المبدع ساخراً من النقاد... المسكوت عنه في السرد السعودي»، والمسرحي محمد ربيع الغامدي، بعنوان «تقييد أوابد السخرية كتاب: حدثتني سعدى عن رفعة مثالاً»، والدكتورة سميرة الزهراني، بعنوان «الأدب الساخر بين النقد والكتابة الإبداعية... محمد الراشدي أنموذجاً». والدكتور سلطان الخرعان، بعنوان «ملخص خطاب السخرية عند غازي القصيبي: رؤية سردية»، والدكتور محمد علي الزهراني، بعنوان «انفتاح الدلالة السيميائية للصورة الساخرة... الرسم الكاريكاتوري المصاحب لكوفيد-19 نموذجاً»، والكاتب نايف كريري، بعنوان «حضور الأدب الساخر في كتابات علي العمير الصحافية»، والدكتور عبد الله إبراهيم الزهراني، بعنوان «توظيف المثل في مقالات مشعل السديري الساخرة»، والكاتب مشعل الحارثي، بعنوان «الوجه الساخر لغازي القصيبي»، والكاتبة أمل المنتشري، بعنوان «موضوعات المقالة الساخرة وتقنياتها عند غازي القصيبي»، والدكتور معجب الزهراني، بعنوان «الجنون حجاباً وخطاباً: قراءة في رواية العصفورية لغازي القصيبي»، والدكتور محمد سالم الغامدي، بعنوان «مستويات الأثر والتأثير بين تجارب الكتابة الساخرة محلياً ونظرياتها العربية»، والدكتورة هند المطيري، بعنوان «السخرية في إخوانيات الأدباء والوزراء السعوديين: نماذج مختارة»، والدكتور صالح معيض الغامدي، بعنوان «السخرية وسيلة للنقد الاجتماعي في مقامات محمد علي قرامي»، والدكتور فهد الشريف بعنوان «أحمد العرفج... ساخر زمانه»، والدكتور عبد الله الحيدري، بعنوان «حسين سرحان (1332-1413هـ) ساخراً»، ويقدم الرسام أيمن الغامدي ورقة بعنوان «فن الكاريكاتير»، والدكتور يحيى عبد الهادي العبد اللطيف، بعنوان «مفهوم السخرية وتمثلها في الأجناس الأدبية».

بعض المطبوعات الصادرة بمناسبة انعقاد أول ملتقى للأدب الساخر (الشرق الأوسط)

وخصص نادي الباحة الأدبي جلسة شهادات للمبدعين في هذا المجال، وهما الكاتبان محمد الراشدي، وعلي الرباعي، وأعدّ فيلماً مرئياً عن رسوم الكاريكاتير الساخرة.

ولفت إلى تدشين النادي 4 كتب تمت طباعتها بشكل خاص للملتقى، وهي: «معجم الأدباء السعوديين»، للدكتورين عبد الله الحيدري وماهر الرحيلي، وكتاب «سامحونا... مقالات سعد الثوعي الساخرة»، للشاعرة خديجة السيد، وكتاب «السخرية في أدب علي العمير» للدكتور مرعي الوادعي، و«السخرية في روايات غازي القصيبي» للباحثة أسماء محمد صالح.