تحليل ترشيحات الأوسكار المقبل ‪‬(2) : 5 مديري تصوير... و5 أساليب مختلفة

فوز أحدهم مؤخرًا لا يضمن له الأوسكار

من «وصول» (تصوير: برادفورد يونغ) - مشهد من «ليون» (تصوير: غريغ فرايزر)
من «وصول» (تصوير: برادفورد يونغ) - مشهد من «ليون» (تصوير: غريغ فرايزر)
TT

تحليل ترشيحات الأوسكار المقبل ‪‬(2) : 5 مديري تصوير... و5 أساليب مختلفة

من «وصول» (تصوير: برادفورد يونغ) - مشهد من «ليون» (تصوير: غريغ فرايزر)
من «وصول» (تصوير: برادفورد يونغ) - مشهد من «ليون» (تصوير: غريغ فرايزر)

في الرابع من هذا الشهر، منحت «الجمعية الأميركية للمصوّرين السينمائيين» جائزتها السنوية إلى مدير التصوير غرايغ فرايزر عن إدارته التصويرية لفيلم «ليون». ومنافسوه كانوا نخبة من المحترفين المهرة، وهم برادفورد يونغ عن «وصول» ولينوس ساندغرن عن «لا لا لاند»، وروبرت بريتو عن «صمت»، وجيمس لاكستون عن «مونلايت».
* حكاية جيلين
إنها الأفلام ذاتها المرشحة لجائزة الأوسكار في التصوير السينمائي مع فارق أن أهل المهنة اختاروا فيلم «ليون»، وهم أعلم بأصول مهنتهم، بينما الأوسكار يمنحه نحو ستة آلاف عضو لا يشكل المصوّرون في عدادهم سوى نسبة محدودة (لا توفر الأكاديمية ما يعني أن أصحاب الحرف الأخرى، من ممثلين ومخرجين وكتاب وموسيقيين وفناني مونتاج ومصممين، قد يستهوون فيلما آخر للغاية.
من منظور بعيد، يجد الناظر أن مدير التصوير غرايغ فرايزر يتعامل مع موضوع فيلم «ليون»، إخراج غارث ديفيز، تبعًا لإدراكه بأن هذا الفيلم المستقل هو فيلم شخصيات حميمة قبل أي شيء آخر. إنه ليس فيلم تقنيات صعبة، ويخلو من ضرورة إيجاد حلول لمسائل تصويرية معقدة.
هذا لا يعني أنه لا يعتمد على التقنيات الحديثة بدوره. ما يعنيه هو أن الفيلم خال من ضرورات تركيب المشاهد المصوّرة تبعًا لشروط السرد ونوعية الموضوع المطروق، وهذا على عكس ما قام به في «روغ وان: ستار وورز ستوري» الذي صوّره مباشرة بعد انتهائه من «ليون»، لكنه كان يعمل عليهما معًا خلال التحضير. سيسجل له أنه استخدم الإضاءة ذاتها في نوعين متناقضين من الأفلام وبنجاح.
هذا لا يتراءى جيدًا للعين غير المحترفة. فقط مديرو تصوير آخرون يستطيعون تحديد تفاصيل ما قام به فرايزر ومدى نجاحه، ومنحه جائزة جمعيتهم لا بد أن يؤخذ على أن ما قام به من جهد وصل وتفاصيله إلى المقترعين.
صوّر فريزر فيلمه بكاميرتين، هما Alexa XT وRed Dragon، لكنه استخدم في الإضاءة جهازًا جديدة اسمه RGB LED الذي، حسب حديثه في محاضرة داخل مركز الجمعية، ساعده على إضاءة الوجوه على نحو جديد.
على صعيد الأوسكار ذاته، فإن سباق «أوسكار أفضل مدير تصوير» في العام الماضي كان حاشدًا بالأسماء الكبيرة؛ لجهة أن معظم من اشترك فيها كان من جيل أسبق لجيل مخرجي هذه السنة عمومًا، ولجهة مدى الشهرة التي تتمتع بها؛ ففي العام الماضي لمعت أسماء روجر ديكنز عن «سيكاريو» وجون سيل عن «ماد ماكس: طريق الغضب» وإدوارد لاتشمان عن «كارول» وروبرت رتشردسون عن «الثمانية الكارهون» والأربعة من كبار العاملين في هذا الحقل مكانة وفنًا. أما الخامس، وهو إيمانويل لوبزكي، فهو انتمى إلى الجيل اللاحق، وهو من خطف الأوسكار لبراعة تصويره فيلم اليخاندرو غونزاليس إيناريوت «المنبعث».
* بين الفيلم والديجيتال
المتنافسون هذا العام متقاربون في هذه الناحية، وجلّـهم يستخدم كاميرات الديجيتال في معظم ما يحققونه هذه الأيام. «وصول» مثلاً تم تصويره باستخدام الكاميرا المذكورة ذاتها مع عشرات العدسات تبعًا للحكاية التي تتطلب مشاهد داخلية مغلقة أمام واجهة مضيئة، كما مشاهد خارجية مفتوحة على الطبيعة. ومثله من حيث استخدام كاميرا آري ألكسا فيلم «مونلايت» مع كاميرا صغيرة سهلة الحمل أسمها Hawk V Lite.
أما ‫«لا لا لاند» فقد استخدم كاميرا من نوع Aaton A - Minma ‬ركّـب مدير التصوير لينوس ساندغرن عدسة بانافيجين ليمنح المشاهد الشاشة العريضة المناسبة لفيلم استعراضي.
الوحيد الذي قرر أن يختلف هو مدير التصوير رودريغو بريتو الذي أسند إليه مارتن سكورسيزي مهمة تصوير فيلمه «صمت». بريتو فضّـل استخدام كاميرا بفيلم سينمائي وليس ديجيتال. فصوّر الفيلم بمقاس 35 مم بعد أن تشاور مع المخرج حول ذلك. وحسب تصريح لمدير التصوير، فإن التصوير بكاميرا فيلم أمّـن ما هو مطلوب من الفيلم أكثر فيما لو تم تصويره بكاميرا ديجيتال.
يقول: «منذ البداية اتفقت وسكورسيزي على التصوير بالفيلم. الفيلم يوفر عمقًا في الألوان لا يوجد كاميرا ديجيتال تستطيع توفيره. وفيلم «صمت» يدور في الطبيعة، والمطلوب كان نقل جمالها واختلافها من مشهد لمشهد بالارتباط مع الدراما الحاصلة، وهذا كله يتطلب كاميرا نيغاتيف».
على ذلك، هناك بضعة مشاهد تطلّـبت وجودًا لكاميرا ديجيتال صغيرة يمكن لها أن توحي بصغر المكان والخوف الذي يعيش في أركانه. هذا المشهد بالتحديد هو عندما لجأ الراهبان في الفيلم (أندرو غارفلد وأدام درايڤر) إلى كوخ للاختباء من ملاحقة رجال الـسُـلطة الذين يريدون إلقاء القبض عليهما كما يروي الفيلم. لتلك الغاية استخدم بريتو عدسة تضيف ظلامًا للنور الخفيف المستخدم.
وفي حين أن الفائز بجائزة الجمعية لا يضمن فوزه بالأوسكار، فإن المقترعين من أهل أكاديمية العلوم والفنون السينمائية قد يرون في «صمت» التحدي الأكثر وضوحًا من بين الأفلام الأخرى المتنافسة. إنه فيلم ملحمي، يحتوي على مشاهد خارجية حادة الألوان، ومتعددة المواقع وعلى مشاهد داخلية مركّـبة تستخدم فيها الشموع (بعضها تم إخفاؤه وراء الممثلين)، وكل ذلك ما سبق وأن تمّـت مشاهدته من تصوير لبيئة المدينة كما الحال في «مونلايت» و«ليون».
التحدي الماثل الذي قد يعرقل وصول «صمت» إلى أوسكار أفضل تصوير يتمثل بالعمل الجيد الذي قام به لينوس ساندرغون الذي خبر العمل في أفلام قليلة، لكن مميّـزة حتى الآن، منها فيلمان من إخراج ديفيد أو راسل، هما «خدعة أميركية» American Hustle و«جوي» (قبل عامين).
برادفورد يونغ هو أيضًا من جيل حديث نسبيًا (أول عمل له يعود إلى 2009)، وقد برهن عن موهبته في فيلم «أليست أبدانا ملائكية؟» للمخرج ديفيد لاوري، كما سبق له وأن صوّر «سلما» لآفا دوفرني الذي كان من عداد الأفلام التي رشحت لأوسكارات 2015.
ما يسجل هنا ليونغ هو أنه استوحى، خلال التحضير لتصوير «وصول»، أعمالاً فوتوغرافية للفنانة السويدية مارتينا هوغلاند إيفانوف، واقترح على مخرج الفيلم، دنيس فيلينييف السماح له بتكوين مشاهد الفيلم الداخلية على غرارها بعدما وجدها الأنسب لتقديم حالات الغربة والدهشة في تلك اللقاءات الأولى بين أهل الأرض ومخلوقات الفضاء.



8 أفلام عن أزمات الإنسان والوطن المُمزّق

«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬
«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬
TT

8 أفلام عن أزمات الإنسان والوطن المُمزّق

«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬
«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬

تُحرّك جوائز «الأوسكار» آمال العاملين في جوانب العمل السينمائي المختلفة، وتجذبهم إلى أمنية واحدة هي، صعود منصّة حفل «الأوسكار» وتسلُّم الجائزة وإلقاء ما تيسَّر له من تعابير فرحٍ وثناء.

لا يختلف وضع العام الحالي عن الوضع في كل عام، فجميع آمال العاملين في هذه الصّناعة الفنية المبهرة يقفون على أطراف أصابعهم ينتظرون إعلان ترشيحات «الأوسكار» الأولى هذا الشهر. وحال إعلانها سيتراجع الأمل لدى من لا يجد اسمه في قائمة الترشيحات، وترتفع آمال أولئك الذين سترِد أسماؤهم فيها.

يتجلّى هذا الوضع في كل مسابقات «الأوسكار» من دون تمييز، لكنه أكثر تجلّياً في مجال الأفلام الأجنبية التي تتقدّم بها نحو 80 دولة كل سنة، تأمل كل واحدة منها أن يكون فيلمها أحد الأفلام الخمسة التي ستصل إلى الترشيحات النهائية ومنها إلى الفوز.

«ما زلت هنا» لوولتر ساليس (ڤيديو فيلمز)

من المسافة صفر

لا يختلف العام الحالي في شكل التنافس وقيمته بل بأفلامه. لدينا للمناسبة الـ97 من «الأوسكار» 89 دولة، كلّ واحدة منها سبق أن تنافست سابقاً في هذا المضمار. لكن المختلف هو بالطبع الأفلام نفسها. بعض ما شُوهد منها يستحق التقدير، والفرق شاسع بين ما يستحق التقدير وبين ما يستحق الترشيح والوصول إلى التّصفية.

الحلمُ في تحقيق هذه النقلة يسيطر على المخرجين والمنتجين العرب الذين نفّذوا أعمالهم الجديدة خلال هذه السنة وسارعوا لتقديمها.

من بينهم المخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي، الذي وفّر خلال العام الحالي فيلمين، واحدٌ من إخراجه بعنوان «أحلام عابرة»، والثاني بتوقيع 22 مخرجاً ومخرجة أشرف مشهراوي على جمع أفلامهم في فيلم طويل واحد بعنوان «من المسافة صفر»، وجميعها تتحدّث عن غزة، وما حدث فيها في الأسابيع الأولى لما يُعرف بـ«طوفان الأقصى». بعض تلك الحكايا مؤثرٌ وبعضها الآخر توليفٌ روائي على تسجيلي متوقع، لكنها جميعها تكشف عن مواهب لو قُدِّر لها أن تعيش في حاضنة طبيعية لكان بعضها أنجز ما يستحق عروضاً عالمية.

لا ينحصر الوضع المؤلم في الأحداث الفلسطينية بل نجده في فيلم دانيس تانوفيتش الجديد (My Late Summer) «صيفي المتأخر». يقدم تانوفيتش فيلمه باسم البوسنة والهرسك، كما كان فعل سنة 2002 عندما فاز بـ«الأوسكار» بصفته أفضل فيلم أجنبي عن «الأرض المحايدة» (No Man‪’‬s Land). يفتح الفيلم الجديد صفحات من تاريخ الحرب التي دارت هناك وتأثيرها على شخصية بطلته.

«صيفي الأخير» لدانيس تانوفيتش (بروبيلر فيلمز)

مجازر كمبودية

تختلف المسألة بالنسبة للاشتراك الصّربي المتمثّل في «قنصل روسي» (Russian Consul) للمخرج ميروسلاڤ ليكيتش. في عام 1973 عندما كانت يوغوسلاڤيا ما زالت بلداً واحداً، عاقبت السلطات الشيوعية هناك طبيباً إثر موت مريض كان يعالجه، وأرسلته إلى كوسوڤو حيث وجد نفسه وسط تيارات انفصالية مبكرة ونزاع حول الهوية الفعلية للصرب. حسب الفيلم (الاشتراك الثاني لمخرجه للأوسكار) تنبأت الأحداث حينها بانهيار الاتحاد السوفياتي و«عودة روسيا كروسيا» وفق قول الفيلم.

التاريخ يعود مجدداً في فيلم البرازيلي والتر ساليس المعنون «ما زلت هنا» (I‪’‬m Still Here) وبطلته، أيضاً، ما زالت تحمل آلاماً مبرحة منذ أن اختفى زوجها في سجون الحقبة الدكتاتورية في برازيل السبعينات.

في الإطار نفسه يعود بنا الاشتراك الكمبودي (التمويل بغالبيته فرنسي) «اجتماع مع بُل بوت» (Meeting with Pol Pot) إلى حقبة السبعينات التي شهدت مجازرعلى يد الشيوعيين الحاكمين في البلاد، ذهب ضحيتها ما بين مليون ونصف ومليوني إنسان.

وفي «أمواج» (Waves) للتشيكي ييري مادل، حكاية أخرى عن كيف ترك حكمٌ سابقٌ آثاره على ضحاياه ومن خلفهم. يدور حول دور الإعلام في الكشف عن الحقائق التي تنوي السلطة (في السبعينات كذلك) طمسها.

تبعات الحرب الأهلية في لبنان ليست خافية في فيلم ميرا شعيب «أرزة»، الذي يدور حول أم وابنها يبحثان عن سارق دراجة نارية ويتقمصان، في سبيل ذلك، شخصيات تنتمي إلى الطائفة التي قد تكون مسؤولة عن السرقة. هما سنّيان هنا وشيعيان هناك ومسيحيان أو درزيان في مواقع أخرى وذلك للتأكيد على أن التربة الطائفية ما زالت تنبض حية.

حتى كوريا الجنوبية ما زالت تحوم حول الانقلاب (وهي تعيش اليوم حالة مشابهة) الذي وقع في مثل هذا الشهر من سنة 1979 عندما اغتيل الرئيس بارك على يد رئيس شعبة الدفاع لي تايدو-غوانغ (أُلقي القبض عليه لاحقاً وأُعدم). هذا هو ثالث فيلم شاهده الناقد كاتب هذه الكلمات حول الموضوع نفسه.