جينا ميلر... صارت رمزًا بريطانيًا وطنيًا

مهاجرة نظفت أرضيات المطاعم قبل أن تشتهر بفضل «البريكست»

جينا ميلر... صارت رمزًا بريطانيًا وطنيًا
TT

جينا ميلر... صارت رمزًا بريطانيًا وطنيًا

جينا ميلر... صارت رمزًا بريطانيًا وطنيًا

شهدت السياسة البريطانية هذا الأسبوع أبرز تطوّر هز أروقة ويستمنستر منذ زلزال 23 يونيو (حزيران) 2016 الذي صوت خلاله 17 مليون بريطاني لصالح خروج بلادهم من الاتحاد الأوروبي. وفي تجلّ واضح للقيم الديمقراطية البريطانية، رضخت حكومة تيريزا ماي المحافظة لقرار المحكمة العليا بالحصول على موافقة غرفتي البرلمان قبل تفعيل المادة 50 من معاهدة لشبونة التي تتيح لها التخلي عن عضويتها الأوروبية. وجاء قرار المحكمة العليا في لندن نتيجة استئناف الحكومة قرار محكمة جاء لصالح قضية رفعها مواطنون طالبوا بتكريس حق النواب في توجيه مفاوضات الخروج. ومن أبرز هؤلاء المواطنين جينا ميلر، التي أصبح البعض يعتبرها «بطلاً وطنيًا»، بينما يزعم البعض الآخر أنها تسعى لتعطيل إرادة الشعب وعرقلة عملية الخروج من الاتحاد الأوروبي.
جينا ميلر (51 سنة) مديرة استثمار وفاعلة في الأعمال الخيرية، اسمها الأصلي جينا ناديرا سينغ، وهي سيدة أعمال تتحدر من أصول هندية من مواليد غيانا بأميركا الجنوبية. ونشأت جينا في أسرة مرموقة محليًا، إذ كان أبوها دودناوث سينغ نائبا في البرلمان ونائبا عامًا ووزيرا للشؤون القانونية في غيانا بعد استقلالها عن التاج البريطاني.
في سن العشرة أرسلها والدها مع شقيقها للدراسة في بريطانيا والعيش في مدينة إيستبورن على الساحل الجنوبي لمحافظة ساسكس الشرقية بجنوب إنجلترا. وهناك تلقت تعليمها في مدرسة مويرا هاوس للفتيات بإيستبورن، قبل أن تدرس الحقوق مؤقتًا في بوليتكنيك شرق لندن (جامعة شرق لندن حاليًا). غير أنها قطعت دراستها وعادت إلى غيانا بناءً على رغبة ذويها. لكنها عادت فيما بعد إلى بريطانيا ودرست التسويق في جامعة لندن حيث تخرجت، ثم حصلت على درجة الماجستير منها.
وخلال مقابلة مع مجلة «فوغ» تتذكر ميلر عملها الأول في الفنادق المحلية في وظيفة خادمة الغرف أو في مهام التنظيف في بعض المطاعم. بينما كان شقيقها يعمل في توزيع الجرائد وغسيل الصحون في المطابخ لأنها لم يكن مسموحًا يومذاك للوالدين بإرسال الأموال إلى المملكة المتحدة. وقالت ميلر في المقابلة «في حين أننا افتقدنا والدينا كثيرا، وكان من الصعب المزج بين حياتنا المنزلية والفروض والواجبات المنزلية والمدرسة، فإن هذه الصعوبات هي السبب فيما وصلنا إليه اليوم».
وفي لقاء مع هيئة الإذاعة البريطانية الـ(بي بي سي) أشارت إلى جوانب من حياتها الشخصية، فقالت: إنها تزوجت لأول مرة – من أصل ثلاث زيجات – عند بلوغها العشرين من عمرها، وأنجبت ابنة (واحدة من 3 أولاد رزقت بهم) تعاني من صعوبات كبيرة في التعلم، كما قالت في لقاء صحافي آخر تناولت فيها حياتها الشخصية مع صحيفة «الميل» البريطانية، غير أنها تابعت القول: إن لدى ابنتها «ذكاء عاطفيًا مدهشًا»، وإنها مصدر الإلهام الرئيسي في حياتها.

العمل التجاري
انخرطت ميلر في العمل التجاري، عندما أسست أول شركة تسويق خاصة بها في بدايات عقد التسعينات، وما لبثت أن حصلت على الطلاق من زوجها، ثم تزوجت من المموّل جون ماغواير. ولكن زواجها بماغواير لم يستمر طويلاً فانفصلا في عام 2002، وكان ماغواير من أنصار اليمين الراديكالي في بريطانيا ومن أشد المعارضين للاتحاد الأوروبي. ثم جاء زواجها الثالث بآلان ميلر مدير أحد صناديق التحوّط، في عام 2005 وأنجبت منه طفلين.
واشتهرت ميلر بحملتها من أجل تحقيق الشفافية في صناديق الاستثمار وصناديق التقاعد. وفي عام 2009، شاركت في تأسيس شركة «إس سي إم» الاستثمارية الخاصة ودشنت مؤسسة «العدل والإنصاف»، التي كانت معروفة من قبل باسم جمعية ميلر الخيرية، وذلك بمشاركة من زوجها الأخير.
ووفق موقع المؤسسة، فإنها تعمل على دعم الجمعيات الخيرية الصغيرة من خلال توفير التمويل والدعم. وتشير سجلات لجنة الجمعيات الخيرية أن المؤسسة أنفقت مبلغ 135.982 جنيه إسترليني على الأعمال الخيرية في عام 2015. وبدأت ميلر أيضا في حملة جديدة عبر المؤسسة في عام 2012، وهي حملة ضد الاتهامات بسوء البيع والتمويلات المخفية في صناعة إدارة الصناديق في حي «السيتي» مقر المال والأعمال بلندن.
ووفقا للمقابلة الشخصية التي أجرتها مع صحيفة «الفايننشيال تايمز» في أبريل (نيسان) من العام الماضي، فإن هذه الحملة دفعت بعض شخصيات الصناعة إلى وصفها بـ«عنكبوت الأرملة السوداء» وهو من الحشرات السامة. وفي معرض حديثها حول تلك الحملة قالت: إنها سألت ثلاثة من الرجال في احتفالية خاصة بالصناعة لماذا كانوا يحدقون النظر إليها، كما قالت للصحيفة «فأجاب أحدهم قائلا لها إنها ليست إلا وصمة عار على الصناعة، وإن جهود الحملة التي خاضتها سوف تؤدي إلى انهيار حي المال بأكمله».

القضية ضد «بريكست»
وفي يوليو (تموز) من العام الماضي، أطلقت ميلر إلى جانب مصفّف الشعر الإسباني دير توزيتي دوس سانتوس ومنظمة «تحدي الناس» دعوى قضائية ضد الحكومة البريطانية المحافظة، لمطالبتها بالحصول على موافقة البرلمان قبل تفعيل الخروج من الاتحاد الأوروبي، باعتبار أن الاستفتاء ليس ملزمًا من الناحية القانونية. وفي إطار الإجراءات القانونية التي قادتها شركة «ميشكون دي رايا» القانونية المرموقة في لندن بحق الحكومة البريطانية لضمان طرح الخروج من الاتحاد الأوروبي على البرلمان قبل تنفيذه، قال إيفو إليك جبارة، المتحدث باسم المدعية الرئيسية في تصريحات سابقة لـ«الشرق الأوسط»، إن القضية طرحت على المحكمة العليا في لندن منتصف يوليو الماضي. وأقرت الأخيرة بمشروعية الدعوى، وحددت جلسة جديدة في المنتصف الثاني من أكتوبر (تشرين الأول).
وأوضح جبارة، وهو المتحدث الرسمي باسم جينا ميلر المدعية الرئيسية في القضية المرفوعة ضد الحكومة البريطانية، أنه تم رفع سبع دعاوى قضائية على الأقل، من طرف شركة «ميشكون دي رايا»، لإجبار الحكومة على قبول فكرة ترك القرار للبرلمان لتحديد ما إذا كانت بريطانيا ستُفعِل المادة 50 من معاهدة لشبونة أم لا، بدلا من ترك الأمر لرئيسة الوزراء. وعينت المحكمة ميلر، كمدعية رئيسية، لينطبق الحكم النهائي في القضية على الدعاوى الست الأخرى المشابهة.
وعن هدف القضية التي رفعتها ميلر، أوضح جبارة أن الأخيرة مواطنة بريطانية تسعى إلى ضمان تطبيق الديمقراطية والقانون، وإعطاء البرلمان جل صلاحياته المشروعة، مؤكدا أن الحكومة أفادت بعد الجلسة الأولى في المحكمة أنها تأخذ القضية بعين الاعتبار.
وفي حال لم تستجب الحكومة لمطالب ميلر ورفضت مصادقة البرلمان على المادة 50 قبل تفعيلها، قال جبارة إن المحكمة العليا في المملكة المتحدة ستنظر في القضية في شهر ديسمبر (كانون الأول) ومن ثم صدر قرار المحكمة في لندن لصالح المدعين، لتقدم الحكومة استئنافا لدى المحكمة العليا.

نكسة للحكومة
بعدها تعرضت حكومة تيريزا ماي إلى انتكاسة ثانية الثلاثاء الماضي، إذ صدر قرار المحكمة العليا قاطعا مؤكدا حق البرلمان بغرفتيه النظر في تفعيل المادة 50 والموافقة على المفاوضات مع بروكسل. وفي وثيقة من 96 صفحة، أعلن رئيس المحكمة العليا ديفيد نوبيرغر أنه «بغالبية 8 ضد 3 أصوات، قضت المحكمة العليا بأن الحكومة لا يمكنها تفعيل المادة 50 (من معاهدة لشبونة) دون قانون يصوت عليه البرلمان يسمح لها بذلك».
وعن تداعيات هذا القرار، قال روب موراي، المحامي في شركة «ميشكون دي رايا» لـ«الشرق الأوسط» هذا الأسبوع، إن البرلمان يتمتع بالسيادة، ويتمتع بالصلاحيات القانونية للتصويت ضد تفعيل المادة 50، وتابع: «إذا صوت البرلمان ضد مشروع قانون يتيح للحكومة تفعيل المادة 50، فإن التفعيل لن يتم، مما يعني أنها لن تستطيع الانخراط في مفاوضات للخروج من الاتحاد الأوروبي، وبريطانيا ستبقى جزءا منه».
وفي حين لا يتوقع المراقبون أن يعرقل البرلمان تفعيل عملية الخروج، فإنه سيتدخل حتمًا في سير المفاوضات مع الاتحاد الأوروبي لضمان مصالح المواطنين في مختلف أنحاء البلاد. ولا ينتظر أن تواجه رئيسة الحكومة المحافظة صعوبة في دفع البرلمان إلى التصويت على بدء المفاوضات، إذ إن حزب العمال (أكبر أحزاب المعارضة) قد وعد بألا يعرقل ذلك. وأوضح موراي بهذا الصدد أن البرلمان قادر على مراقبة وفرض قيود على الحكومة، في إطار تسييرها للمفاوضات، إلا أن ماي ووزراءها يتوقعون من النواب ألا يعرقلوا خططها.
أما من جانب الحكومة، فقد كان رد الفعل المباشر تأكيدا على أن القرار لن يغير الجدول الذي أعلنت عنه رئيستها ماي بتفعيل إجراءات الخروج بحلول نهاية مارس (آذار) المقبل. وقال المتحدث باسم الحكومة، في بيان، إن «البريطانيين صوتوا للانسحاب من الاتحاد الأوروبي، والحكومة ستحقق لهم ذلك، من خلال تفعيل المادة 50 (من معاهدة لشبونة) قبل نهاية مارس، مثلما هو مقرر. وحكم اليوم (الثلاثاء الماضي) لن يغير شيئا من ذلك».
وخلال الأيام القليلة الماضية، مثل ديفيد ديفيس، الوزير المكلف بشؤون «بريكست» أمام النواب البريطانيين للإجابة عن أسئلتهم، مؤكًدا أن الحكومة ستقدم للبرلمان «في الأيام القريبة المقبلة» مشروع قانون «مبسط» لإطلاق عملية الخروج من الاتحاد الأوروبي، أو ما يعرف بـ«الورقة البيضاء». وفي حين واجه ديفيس أسئلة ساخنة من طرف النواب، أوضح أن الحكومة لن تكشف كل أوراقها «للحفاظ على موقف قوي خلال المفاوضات» مع الاتحاد الأوروبي.
وأضاف الوزير أمام النواب أن مشروع القانون «سيتم تبنيه في الوقت المناسب» لتفعيل المادة 50 من معاهدة الاتحاد الأوروبي قبل 30 مارس 2017، وتابع ديفيس أنه ينتظر من غرفتي البرلمان التصويت لصالح مشروع قانون تفعيل المادة 50، مشدًدا على أن قرار الخروج من الاتحاد الأوروبي اتخذ في 23 يونيو من العام الماضي، ولا رجعة فيه. كما أوضح أن مشروع قانون آخر سيقدم في الأشهر المقبلة لإلغاء القانون الذي وافق عليه البرلمان البريطاني عام 1972 بهدف الانضمام إلى اتحاد بروكسل.
وقال ديفيس «أنا على يقين بأنه لا أحد يسعى (لاستخدام مشروع القانون) لمحاولة المضي ضد إرادة البريطانيين أو تأخير العملية»، وأكد أنه «لا يمكن العودة إلى الوراء... إن عتبة اللاعودة تم اجتيازها في 23 يونيو الماضي».
على صعيد آخر، لم يكن قرار المحكمة العليا لصالح دعوى جينا ميلر مخيًبا لآمال حكومة ماي فحسب، إذ إنه لم يكن في صالح نيكولا ستورجن، رئيسة حكومة اسكوتلندا، كذلك، وهي التي صوتت منطقتها للبقاء في الاتحاد الأوروبي. إذ أجمع القضاة الـ11 في المحكمة على أنه من غير الضروري استشارة البرلمانات المحلية لاسكوتلندا وويلز وآيرلندا الشمالية. وأكدت ستورجن، التي لوحت في السابق بتقديم مشروع قرار لتنظيم استفتاء جديد لاستقلال اسكوتلندا، أنها ستقدم مذكرة تشريعية لتضمن «منح برلمان اسكوتلندا فرصة التصويت» لتفعيل المادة 50. وفي هذا السياق، أوضح المحامي روب موراي أن «سيادة» البرلمانات المحلية لاسكوتلندا وويلز وآيرلندا الشمالية لم تتأثر بقرار المحكمة العليا، إذ إن سلطاتها لا ترتقي إلى علاقات المملكة المتحدة الخارجية، بما فيها علاقتها بالاتحاد الأوروبي.



الحدود العراقية ــ السورية... وذكريات صيف 2014

شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
TT

الحدود العراقية ــ السورية... وذكريات صيف 2014

شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)

شأن معظم دول المنطقة والإقليم، تسببت الأزمة السورية المتصاعدة في تراجع الاهتمام الرسمي والشعبي العراقي بالحرب التي تشنّها إسرائيل على غزة ولبنان، بعد أن كانت تحظى بأولوية قصوى، خصوصاً بعد التهديدات الإسرائيلية بتوجيه ضربات عسكرية ضد الفصائل المسلحة العراقية التي استهدفتها بأكثر من 200 هجمة صاروخية خلال الأشهر الماضية. وأظهر رئيس الوزراء محمد شيّاع السوداني، موقفاً داعماً للحكومة السورية في ظروفها الحالية منذ اليوم الأول للهجوم الذي شنَّته الفصائل السورية المسلحة وتمكّنت من السيطرة على محافظة حلب ومدن أخرى، إذ أجرى اتصالاً بالرئيس السوري بشار الأسد وكذلك الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، وأكد دعمه لدمشق.

أعلن رئيس الحكومة العراقي محمد شيّاع السوداني، يوم الثلاثاء الماضي، موقفاً أكثر وضوحاً بالنسبة لدعم نظام دمشق، وذلك خلال اتصال - مماثل لاتصاليه مع القيادتين السورية والإيرانية - أجراه مع الرئيس التركي رجب طيب إردوغان.

ومما قاله السوداني إن «العراق لن يقف متفرجاً على التداعيات الخطيرة الحاصلة في سوريا، خصوصاً عمليات التطهير العرقي للمكوّنات والمذاهب هناك»، طبقاً لبيان حكومي.

كذلك شدّد الزعيم العراقي على أنه سبق لبلاده أن «تضرّرت من الإرهاب ونتائج سيطرة التنظيمات المتطرّفة على مناطق في سوريا، ولن يُسمَح بتكرار ذلك»، مؤكداً «أهمية احترام وحدة سوريا وسيادتها، وأن العراق سيبذل كل الجهود من أجل الحفاظ على أمنه وأمن سوريا».

محمد شياع السوداني (آ ف ب)

السوداني كان قد انهمك بسلسلة اتصالات خلال الأيام القليلة الماضية مع عدد من قادة الدول، بخصوص الوضع في سوريا؛ من «أجل دعم الاستقرار في المنطقة، وعدم حصول أي تداعيات فيها، خصوصاً مع ما تشهده من حرب إجرامية صهيونية مستمرة منذ أكثر من عام» بحسب بيان حكومي.

وأظهرت قوى «الإطار التنسيقي» الشيعية موقفاً مماثلاً وداعماً لحكومة السوداني في مواقفها حيال سوريا، لكنها أعربت خلال اجتماع، الثلاثاء الماضي أيضاً، عن قلقها جراء الأوضاع في سوريا بعد «احتلال الإرهابيين مناطق مهمة» طبقاً لبيان صدر عن الاجتماع. وعدّت «أمن سوريا امتداداً للأمن القومي العراقي للجوار الجغرافي بين البلدين، والامتدادات المختلفة لذلك الجوار».

الحدود المشتركة مؤمّنة

للعلم، مع الشرارة الأولى لاندلاع الأزمة السورية، اتخذت السلطات العراقية على المستوى الأمني إجراءات عديدة «لتأمين» حدودها الممتدة لأكثر من 600 كيلومتر مع سوريا. وصدرت بيانات كثيرة حول جاهزية القوات العراقية وقدرتها على التصدّي لأي محاولة توغّل داخل الأراضي العراقية من قبل الفصائل المسلحة من الجانب السوري، مثلما حدث صيف عام 2014، حين تمكَّنت تلك الجماعات من كسر الحدود المشتركة والسيطرة على مساحات واسعة من العراق.

اللواء يحيى رسول، الناطق باسم القائد العام للقوات المسلحة العراقية، أوضح (الثلاثاء) أبرز الإجراءات المُتَّخذة لتحصين الحدود مع سوريا. وقال في تصريحات صحافية إن «الحدود مؤمَنة ومُحكمة بشكل كبير من تحكيمات وتحصينات، وهناك وجود لقوات الحدود على خط الصفر الذي يربطنا مع الجارة سوريا مدعومة بالأسلحة الساندة والجهد الفني، المتمثل بالكاميرات الحرارية وأبراج المراقبة المحصّنة». وأضاف رسول: «لا خوف على الحدود العراقية، فهي مؤمّنة ومحكمة ومحصّنة، وأبطالنا منتشرون على طولها»، مشيراً إلى أنه «تم تعزيز الحدود بقطاعات من الألوية المدرعة وهي موجودة أيضاً عند الحدود».

أيضاً، وصل وفد أمني برئاسة الفريق أول قوات خاصة الركن عبد الأمير رشيد يارالله، رئيس أركان الجيش، يوم الأربعاء، إلى الشريط الحدودي العراقي - السوري. وذكر بيان عسكري أن «هدف الزيارة جاء لمتابعة انتشار القطعات الأمنية وانفتاح خطوط الصد».

غموض في الموقف

إلا أنه حتى مع المواقف الحكومية الداعمة لدمشق في أزمتها الراهنة، يبدو جلياً «الالتباس» بالنسبة لكثرة من المراقبين، وبالأخص لجهة شكل ذلك الدعم وطبيعته، وما إذا كانت السلطات الحكومية العراقية ستنخرط بقوة لمساعدة نظام الأسد عسكرياً، أم أنها ستبقى عند منطقة الدعم السياسي والدبلوماسي، تاركة أمر الانخراط والمساعدة الميدانية للفصائل المسلحة.

وهنا يلاحظ إياد العنبر، أستاذ العلوم السياسية في جامعة بغداد، وجود «التباس واضح حيال الموقف من الحدث السوري، وهذا الالتباس نختبره منذ سنوات، وليس هناك تمييز واضح بين العراق الرسمي وغير الرسمي». وتابع العنبر لـ«الشرق الأوسط» أن «مستويات تفعيل المساهمة العراقية في الحرب غير واضحة، وإذا ما قررت الحكومة البقاء على المستوى الدبلوماسي بالنسبة لقضة دعم سوريا، أم أن هناك مشاركة عسكرية».

غير أن إحسان الشمري، أستاذ الدراسات الاستراتيجية والدولية في جامعة بغداد، يعتقد بأن «العراق الرسمي عبَر عتبة التردّد، وبات منخرطاً في الأزمة السورية». وفي لقاء مع «الشرق الأوسط» بنى الشمري فرضيته على مجمل المواقف الرسمية التي صدرت عن رئيس الوزراء، والناطق الرسمي، وزعماء «الإطار التنسيقي»، وشرح قائلاً إن «هذه المواقف بمجملها كسرت مبدأ الحياد وعدم التدخل في شؤون الدول الأخرى الذي يتمسّك به العراق، إلى جانب كونها انخراطاً رسمياً عراقياً بالأزمة السورية».

نتنياهو غير مضمون

ولكن، بعيداً عن الانشغال الراهن بالأزمة السورية، ما زالت التهديدات الإسرائيلية بين أهم القضايا التي تشغل الرأي العام ببعدَيه السياسي والشعبي. وحتى مع الترحيب العراقي بقرار وقف إطلاق النار بين إسرائيل و«حزب الله»، ما زالت مخاوف البلاد من ضربة إسرائيلية محتملة قائمةً.

ولقد قال الناطق باسم الحكومة باسم العوادي، الأربعاء قبل الماضي، في تصريحات صحافية، إنه «مع عملية وقف إطلاق النار في لبنان، نحن أنهينا الجزء الأسهل، فالمعركة انتهت والحرب لم تنتهِ، فالأصعب أنك ستدخل بالمخططات غير المعلومة. ونحن (العراق) واقعون في المنطقة الحرام، لكن السياسة العقلانية المتوازنة استطاعت أن تجنبنا الضرر».

وأجاب، من ثم، عن طبيعة الرد العراقي إذا ما هاجمت إسرائيل أراضيه، بالقول: «إلى حد أيام قليلة كانت تأتي نتائج جيدة من المعادلات التي اشتغل عليها رئيس الوزراء، لكن رغم ذلك فلا أحد يضمن ما الذي يدور في بال حكومة نتنياهو، وما هو القادم مع الإدارة الأميركية الجديدة، وكيف سيتصرف نتنياهو».

وتابع العوادي، أن «الإسرائيليين عملوا على تفكيك الساحات، وتوجيه ضربات إلى اليمن وسوريا، لكن الطرف العراقي هو الوحيد الذي لم يستطيعوا الوصول إليه بفضل المعادلة... وقد يكونون وضعونا للحظات الأخيرة أو الأيام الأخيرة بنوع ما، وهذا وارد جداً، وتتعامل الحكومة العراقية مع ذلك».

شبح هجوم إسرائيلي

وحقاً، لا يزال شبح هجوم إسرائيلي واسع يخيم على بغداد، إذ تناقلت أوساط حزبية تحذيرات جدية من شنِّ ضربات جوية على العراق. وفي وقت سابق، قال مصدر مقرّب من قوى «الإطار التنسيقي» الشيعية، لـ«الشرق الأوسط»، إنَّ «مخاوف الأحزاب الشيعية من جدية التهديد دفعتها إلى مطالبة رئيس الحكومة للقيام بما يلزم لمنع الهجمات». وأكَّد المصدر أنَّ «فصائل عراقية مسلّحة لجأت أخيراً إلى التحرك في أجواء من التكتم والسرية، وقد جرى بشكل مؤكد إبدال معظم المواقع العسكرية التابعة لها».

وفي سياق متصل، تتحدَّث مصادر صحافية عمَّا وصفتها بـ«التقديرات الحكومية» التي تشير إلى إمكانية تعرّض البلاد لـ«300 هجوم إسرائيلي». وفي مطلع الأسبوع الماضي، شدَّدت وزارة الخارجية العراقية، في رسالة إلى مجلس الأمن، على أهمية «تدخل المجتمع الدولي لوقف هذه السلوكيات العدوانية لإسرائيل».

كما أنَّه حيال التهديدات الجدية والخشية الحقيقية من عمل عسكري إسرائيل ضد البلاد، اهتدت بعض الشخصيات والأجواء المقرّبة من الحكومة والفصائل إلى «رمي الكرة» في الملعب الأميركي، مستندين بذلك إلى اتفاقية «الإطار الاستراتيجي» المُوقَّعة منذ عام 2011، بين بغداد وواشنطن، وهو العام الذي خرجت فيه القوات الأميركية من العراق.

التهديدات الإسرائيلية من أهم القضايا التي تشغل الرأي العام العراقي

هادي العامري (رووداو)

العامري يلوم واشنطن

أيضاً، وجد هادي العامري، زعيم منظمة «بدر»، بنهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، الفرصة ليحمّل واشنطن مسؤولية حماية الأجواء العراقية، بعدما شنَّت إسرائيل هجوماً عسكرياً ضد إيران، مستخدمةً الأجواء العراقية في هجماتها. ويومذاك، حمّل العامري الجانب الأميركي «المسؤولية الكاملة» على انتهاك إسرائيل سيادة الأجواء العراقية في طريقها لضرب إيران. وقال، إن «الجانب الأميركي أثبت مجدّداً إصراره على الهيمنة على الأجواء العراقية، وعمله بالضد من مصالح العراق وشعبه وسيادته، بل سعيه لخدمة الكيان الصهيوني وإمداده بكل ما يحتاج إليه لممارسة أساليبه العدوانية، وتهديده للسلام والاستقرار في المنطقة».

وأضاف العامري: «لهذا باتت الحاجة ماسة أكثر من أي وقت مضى لإنهاء الوجود العسكري الأميركي في العراق بأشكاله كافة». وللعلم، فإن منظمة «بدر» - التي يقودها العامري - وردت ضمن لائحة المنظمات التي اتهمتها إسرائيل بشنِّ هجمات ضدها خلال الشكوى التي قدمتها إلى مجلس الأمن في 18 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي.

وبناءً على تصريحات العامري السالفة، وتصريحات أخرى لشخصيات مقرّبة من الفصائل المسلحة وقوى «الإطار التنسيقي» الشيعية، تبلورت خلال الأسبوع الأخير، قناعة داخل أوساط هذه القوى مفادها، بأن واشنطن «ملزمة وبشكل مباشر بحماية الأجواء العراقية» من أي هجوم محتمل من إسرائيل أو غيرها، أخذاً في الاعتبار الاتفاقية الاستراتيجية الموقعة و«سيطرتها على الأجواء العراقية».

وبالتوازي، سبق أن حمّل فادي الشمري، المستشار السياسي لرئيس الوزراء، الولايات المتحدة، أيضاً وفقاً لـ«اتفاقية الإطار الاستراتيجي والاتفاقية الأمنية»، مسؤولية «الردع، والرد على أي هجمات خارجية تمسّ الأمن الداخلي العراقي».

الرد الأميركي قاطع

في المقابل، تخلي واشنطن مسؤوليتها حيال هذا الأمر. ورداً على المزاعم العراقية المتعلقة بـ«الحماية الأميركية»، قالت ألينا رومانوسكي، السفيرة الأميركية في بغداد، صراحةً إن بلادها غير معنية بذلك. وأردفت رومانوسكي، خلال مقابلة تلفزيونية سابقة، أن التحالف الدولي دُعي إلى العراق لـ«محاربة (داعش) قبل 10 سنوات، وقد حققنا إنجازات على مستوى هزيمة هذا التنظيم، لكنه ما زال يمثل بعض التهديد، ودعوة الحكومة العراقية لنا تتعلق بهذا الجانب حصراً. أما اتفاقية الإطار الاستراتيجي فتلزمنا ببناء القدرات العسكرية العراقية، لكنها لا تتطرق لمسألة حماية الأجواء والدفاع بالنيابة». ونفت السفيرة أن تكون بلادها قد «فرضت سيطرتها على سماء العراق».

والاثنين قبل الماضي، قالت رومانوسكي، خلال لقاء «طاولة مستديرة» لعدد من وسائل الإعلام: «أود أن أكون واضحة جداً، ومنذ البداية، بأن الإسرائيليين وجّهوا تحذيرات ردع للميليشيات المدعومة إيرانياً والموجودة هنا في العراق، التي تعتدي على إسرائيل». وأضافت: «هذه الميليشيات هي التي بدأت الاعتداء على إسرائيل. ولأكون واضحة جداً في هذه النقطة، فإن الإسرائيليين حذّروا حكومة العراق بأن يوقف هذه الميليشيات عن اعتداءاتها المتكررة والمستمرة على إسرائيل... إن رسالتنا إلى حكومة العراق هي أن تسيطر على هذه الميليشيات المنفلتة، والتي لا تعتد بأوامر الحكومة وأوامر القائد العام للقوات المسلحة رئيس الوزراء. إن إسرائيل دولة لها سيادتها، وهي سترد على أي اعتداء من أي مكان ضدها».

جدعون ساعر (آ ف ب)

 

حقائق

قلق عراقي جدّي من التهديدات الإسرائيلية مع مطالبة واشنطن بالتدخّل

خلال الأسبوع قبل الماضي، بعث وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر رسالةً إلى مجلس الأمن تكلّم فيها عمّا أسماه بـ«حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها»، وحمّل فيها الحكومة العراقية المسؤولية عن الهجمات التي تشنها الفصائل العراقية عليها، داعياً مجلس الأمن للتحرك والتأكد من أن الحكومة العراقية تفي بالتزاماتها. ساعر اتّهم بالتحديد «عصائب أهل الحق» و«كتائب حزب الله» و«ألوية بدر» وحركة «النُّجباء» و«أنصار الله الأوفياء» و«كتائب سيد الشهداء»، بمهاجمة إسرائيل، ومعظم هذه الفصائل مشاركة في الحكومة العراقية الحالية ولها نفوذ كبير داخلها. هنا، تجدر الإشارة إلى أنه سبق لرئاسة الوزراء العراقية توجيه وزارة الخارجية لمتابعة ملف التهديدات الإسرائيلية في المحافل الأممية والدولية وأمام هيئات منظمة الأمم المتحدة، واتخاذ كل الخطوات اللازمة، وفق مبادئ القانون الدولي، لحفظ حقوق العراق وردع تهديدات إسرائيل العدوانية. كذلك طالبت رئاسة الوزراء بـ«دعوة جامعة الدول العربية إلى اتخاذ موقف حازم وموحّد ضد تهديدات سلطات الكيان المحتل، يتضمن إجراءات عملية تستند إلى وحدة المصير والدفاع المشترك». وهذا بجانب «مطالبة مجلس الأمن الدولي بالنظر في الشكاوى المقدمة من جمهورية العراق ضد سلطات الكيان المحتل، واتخاذ إجراءات رادعة تكفل تحقيق الاستقرار والسِّلم الإقليمي والدولي»، وباتخاذ الولايات المتحدة مع العراق، من خلال الحوارات الأمنية والعسكرية ضمن إطار القسم الثالث من «اتفاقية الإطار الاستراتيجي»، خطوات فعالة «لردع سلطات الكيان المحتل» مع دعوة «التحالف الدولي والدول الأعضاء فيه إلى كبح هذه التهديدات والحدّ من اتساع رقعة الحرب».