تتعدد الجبهات التي يقاتل عليها تنظيم داعش الإرهابي المتطرف بدءًا من تدمر إلى دير الزور وصولاً إلى الباب والرقة، لكن الحرب التي تخوضها قوى متعددة، ومتضاربة الأجندات والأهداف، لم تؤد غرضها بعد، وما دام التنظيم يستفيد من تناقضات كبيرة في سوريا، وما زال قادرا على شراء السلاح من جيش النظام، بحسب معلومات بعض الخبراء.
إذا كان التنظيم يخسر بالنقاط في معركة الباب التي يخوضها بمواجهة قوات «درع الفرات» المدعومة من تركيا، ومعركة الرقة التي تشكل الميليشيات الكردية رأس حربتها، بدعم واسع من قوات التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأميركية، فإن وضعه في تدمر ودير الزور يبقى الأفضل.
ويبدو أن قوة التنظيم في سوريا مستندة إلى عوامل كثيرة، كما يقول الدكتور رياض قهوجي، رئيس مركز الخليج للدراسات العسكرية والاستراتيجية، الذي أكد في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن «(داعش) يعدّ لمرحلة جديدة، بدأ يعيد فيها تموضعه سواء داخل سوريا، أو في المناطق العراقية القريبة من سوريا، عدا أنه يسعى ليكون ثمن سقوط الموصل عاليًا جدًا».
وشدد قهوجي على أن «معظم سلاح (داعش) من الجيش السوري، ويصله بطريقة مريبة عبر شرائه من ضباط النظام الفاسدين، خصوصًا، بعدما تحول جيش النظام إلى مجموعة ميليشيات». وأضاف: «بات معلومًا كيف ينتقل مقاتلو هذا التنظيم من العراق إلى سوريا، ويمرّون عبر حواجز النظام على الحدود بواسطة ضباط المخابرات مقابل أموال طائلة». وتساءل قهوجي: «أليس من الغريب احتلال تدمر من قبل (داعش) بهذه السهولة، وكيف شاهد العالم جيش الأسد يترك سلاحه الثقيل ويفرّ من أرض المعركة؟».
يذكر أن تنظيم داعش استعاد السيطرة على مدينة تدمر الأثرية وعلى حقول النفط والغاز بريف المدينة في الثامن من ديسمبر (كانون الأول) الماضي بعد طرده منها في ربيع العام الماضي. في حين وسّع نطاق سيطرته في مدينة دير الزور، وحاصر مطارها العسكري، وبات قريبًا من إحكام قبضته على كامل محافظة دير الزور التي يتطلّع لتكون عاصمتها عاصمته البديلة عن الموصل.
وأمس استهدفت قوات النظام بالصواريخ الموجهة مراكز التنظيم في الأطراف الشمالية في محيط مطار «التيفور» العسكري القريب من تدمر بريف محافظة حمص ومحيط المدينة، وسط اشتباكات عنيفة دارت بين الطرفين.
ولم يخف الدكتور قهوجي أن «النظام السوري أكبر المستفيدين من (داعش)، لأن بقاء هذا التنظيم يعطي شرعية للوجود الروسي والإيراني وكل الميليشيات التي تقاتل في سوريا، بينما يحاول (النظام) نزع الشرعية عن الجيش الحرّ»، مشيرًا إلى أنه «إذا تم القضاء على (داعش) يصبح النظام في ورطة، لذلك هو يواصل معزوفة عدم وجود ثورة في سوريا، بل (داعش) والإرهاب».
بعدها تحدث قهوجي عن «خبرات قتالية عالية لدى عناصر التنظيم، لأن قسمًا من مقاتليه كان في الجيش السوري، وقسمًا آخر من فلول البعث العراقي، والباقون اكتسبوا خبرات قتالية في حرب أفغانستان»، مؤكدًا أن «كل هذه المعطيات تجعل الحرب على (داعش) طويلة وصعبة جدًا». وإلى جانب القدرات القتالية والخلفية العقائدية، ثمة عوامل داخلية تبقي هذا التنظيم قويًا، برأي رئيس مركز الخليج للدراسات العسكرية والاستراتيجية، الذي قال إن «(داعش) استفاد ولا يزال من تناقضات الساحتين السورية والعراقية، التي يوجد فيها الإيراني والأميركي والروسي وغيرهم، والكل استغلّ هذا التنظيم واستفاد منه لفترة ما جعله يقوى، ويجعل عملية القضاء عليه شاقة وطويلة».
من ناحية أخرى، يطرح تردد قوات «درع الفرات» والجيش التركي باقتحام مدينة الباب رغم الوصول إلى محيطها كثيرا من الأسئلة، لكن المحلل العسكري والاستراتيجي السوري عبد الناصر العايد، رأى أن «داعش» لديه قوة دفاعية كبيرة في بلدة الباب، بمحافظة حلب، تعززت بعد انسحاب مقاتليه من ريف المحافظة الشمالي الجنوبي إليها. ولاحظ أن «كثافة المدنيين داخل البلدة، يجعل الأتراك يتريثون في اقتحامها»، مؤكدًا في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن «الجيش التركي حذر جدًا من سقوط ضحايا مدنيين». وتابع العايد: «لا شكّ أن الأتراك لا يمتلكون القوة والتقنية العالية الموجودة عند الأميركيين، الذي يقدمون دعمًا كبيرًا للميليشيات الكردية في الرقة، كما أنهم لا يمتلكون الخبرة في حرب العصابات، كما هي حال الأكراد».
أما على جبهة الرقة، فإن المعركة تسير وفق برنامجها، حسبما أعلن عبد السلام أحمد، القيادي في حركة المجتمع الديمقراطي الكردية، الذي قال لـ«الشرق الأوسط»، إن «المرحلة الحالية تركز على عزل الرقة عن محيطها الجغرافي الواسع، لتبدأ مرحلة تحرير المدينة التي تشكّل إمارة التنظيم»، لافتًا إلى أن المعارك «باتت الآن على أبواب مدينة الطبقة الاستراتيجية وسدّ الفرات».
وفي القراءة العسكرية لمعركة الرقة، أوضح المحلل العسكري عبد الناصر العايد، أن الأميركيين «يضعون ثقلهم العسكري في هذه المعركة، وهم مستعجلون السيطرة على كامل منطقة الجزيرة (التي تشمل محافظة الحسكة) مع حليفه الكردي، لتكون منطقة نفوذهم لتقاسم النفوذ مع الروسي والتركي». وأشار إلى أن «هناك أكثر من 500 مقاتل من القوات الخاصة الأميركية على الأرض، مهمتهم السيطرة على سدّ الفرات»، لافتًا إلى أن «أسبابًا لوجيستية تحول دون استخدام قوة تدميرية أميركية في تحرير سدّ الفرات، لأن أي خطأ تقني، قد يؤدي إلى تدمير السدّ وغرق مئات القرى القريبة منه».
«داعش» يستفيد من تناقضات الحرب ويعزز نفوذه في جبهاتها
خبير استراتيجي: التنظيم يشتري أسلحته من ضباط فاسدين
«داعش» يستفيد من تناقضات الحرب ويعزز نفوذه في جبهاتها
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة