فيلسوفان في بلاطي الرئيسين

نسق فكري يوحّد الشعبوية الجديدة من روسيا وعبر أوروبا إلى الولايات المتحدة

الرئيس الأميركي دونالد ترمب  -  الرئيس الروسي فلاديمير بوتين  -  ألكسندر دوجين  -  ستيف بانون
الرئيس الأميركي دونالد ترمب - الرئيس الروسي فلاديمير بوتين - ألكسندر دوجين - ستيف بانون
TT

فيلسوفان في بلاطي الرئيسين

الرئيس الأميركي دونالد ترمب  -  الرئيس الروسي فلاديمير بوتين  -  ألكسندر دوجين  -  ستيف بانون
الرئيس الأميركي دونالد ترمب - الرئيس الروسي فلاديمير بوتين - ألكسندر دوجين - ستيف بانون

قُضِي الأمر إذن. فقد نصّب دونالد ترمب رئيسًا للولايات المتحدة، متوِجًا موجة صعود الفاشية الشعبوية الجديدة على الجانب الغربي من الأطلسي هذه المرة. والمحتم أنه ولعقد مقبل على الأقل - ستعيش المجتمعات الغربية أجواء صراع آيديولوجي حاد بين قوى النظام القديم التي أفرزتها مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية، والتيارات الشعبوية العنصرية ذات الطابع الفاشي التي صعدت إلى مراكز السلطة والتأثير في غير ما بلد أوروبي: من روسيا الجديدة في عهد الرئيس بوتين، إلى تيار الانعزال البريطاني، ولاحقًا في تيارات يمينية متطرفة على البر الأوروبي: هنغاريا وألمانيا وفرنسا، تبدو مرشحة وبقوة لإزاحة التيارات الليبرالية الحاكمة في كل انتخابات مقبلة، وانتهاءً اليوم بتولي ترمب المنصب التنفيذي الأرفع في الولايات المتحدة.
وكما علمتنا تجربة صعود الفاشية الإيطالية من بدايات عشرينات القرن الماضي، فإن هذه الموجة الشعبوية المتلفعة برداء العملية الديمقراطية والانتخابات إنما هي نتاج مناخات فشل اقتصادي حاد للطبقات البرجوازية الحاكمة في مرحلة معينة شديدة التكثيف، ما تلبث أن تنتج استقطابات عنصرية ودينية وقومية حادة سمتها السذاجة وشدة التسطيح، يكرسها انكماش اليسار وبهتان الحلول الاشتراكية - الاجتماعية وغياب الوعي الطبقي لمصلحة الانقسامات العمودية. وهكذا ننتهي إلى «زعيم» مفوه، يتحدث باسم «الشعب»، يريد «إعادة مجد روما» الغابر وإنقاذ «الطبقة الوسطى» من المعاناة الاقتصادية لمصلحة «الوطن» المسيج ضد قوى «العولمة» والأنظمة الاقتصادية العابرة للحدود، فيفكك من خلال ذلك التحالفات الطبقية القائمة لمصلحة تحالف جديد بين الرأسماليين والمؤسسة العسكرية والقوى اليمينية المتطرفة لا يمكن في نهايته أن يرتوي من دون حروب طاحنة.
لكن ما يقلق في فاشية القرن الحادي والعشرين اليوم - أقله مقارنة بفاشية القرن الماضي - أنها تتنامى في أكبر دول العالم الغربي وأكثرها تأثيرًا: من روسيا وعبر أوروبا إلى الولايات المتحدة، وهي ذاتها المجتمعات التي كان عليها أن تحالفت معًا رغم خلافاتها العقائدية والآيديولوجية الظاهرة لمواجهة المد النازي - الفاشي في دول المحور: ألمانيا وإيطاليا واليابان - أساسًا، وبالتالي فإن المغامرة هذه المرّة قد لا تمر بـ«سلام الحرب العالمية الثانية» الذي كلف البشرية 50 مليونًا من الضحايا، بل قد تطيح بتجربة الكوكب الأرضي كلّها بالنظر إلى التفوق التكنولوجي الهائل الذي تمتلكه «فاشيات» القرن الحادي والعشرين.
في ظل هذا المناخ الكئيب، تكبر صورة الزعيم الفرد الملهم حتى تغدو أكبر من الحياة ذاتها، وتتابع الجماهير خطاباته ومواقفه و«تغريداته» لتحدد اتجاه بوصلتها القومية. وهكذا تُختصَرُ روسيا بشخص الزّعيم بوتين، والولايات المتحدة بشخص الرئيس ترمب. لكن الحقيقة دائمًا أن هؤلاء الأشخاص في النهاية ما هم إلا خلاصة تحالفات مجتمعية يقفون على ظهرها وينطقون باسمها. بل وربما لا يعلم الكثيرون أن كلا الزعيمين؛ بوتين وترمب مثلاً «يتتلمذان» - إن جاز التعبير - على أيدي فيلسوفين - منظرين آيديولوجيين، يقوم كل منهما بصياغة النموذج الفكري الفلسفي والأساس النظري لسياسات صاحبه، ويقدمان لهما الربط الآيديولوجي الذي لا بد منه لمجموعة التوجهات الأخلاقية والعنصرية والدينية والقومية والطبقية التي يدعون إليها وذلك في خطاب لغوي - فلسفي متكامل.
في روسيا بوتين، هناك ألكسندر دوجين. في أميركا ترمب، هناك ستيف بانون.
وبين أفكار الرّجلين من التشابه ووحدة الحال ما يجعلهما أشبه بمدرستين متوازيتين لتفسير ذات النص. ألكسندر دوجين - الفيلسوف والمنظر السياسي النجم في أجواء مؤسسة الحكم الروسية - ينظّر لروسيا العظمى، الدولة القومية لكل الناطقين بالروسية عبر الفضاء الأورو - آسيوي، في إطار ثقافة مسيحية أرثوذكسية محافظة متجانسة، ويعادي الطبقة النيوليبرالية التي ورثت الاتحاد السوفياتي البائد وحاولت أخذ روسيا نحو النظام الرأسمالي المعولم، داعيًا إلى ثورة وطنية تقصي القيم الاستهلاكية البرجوازية وفوضى السوق، وتُعلي من شأن العمل النزيه، في ظل رأسمالية مسؤولة ذات ضمير. وهو من أشد المدافعين عن السياسات الرغماتية والخيارات السياسية للرئيس بوتين، وإن انتقده لعدم قيامه بما يكفي لتحقيق طموحات الأمة الروسية.
بدوره حدد ستيف بانون - الفيلسوف والمنظر السياسي الأقرب للرئيس ترمب في خطابه أمام مؤتمر عقد في الفاتيكان في 2014 - أي قبل ترشح ترمب للرئاسة، بل وقبل تنظيم استفتاء «البريكست» في المملكة المتحدة - معالم رؤيته لنظام عالمي جديد. فهو يرى أن الغرب كان تجمع دول وطنية ذات ثقافة يهودية - مسيحية طبقت شكلاً من رأسمالية ذات ضمير ديني وحدت نسيج المجتمعات الداخلي في إطار متجانس واضح المعالم قبل أن يتولى حزب دافوس - كما أسماهم، كناية عن النخبة المعولمة النيوليبرالية المهيمنة - تفكيك المكونات الأخلاقية المحافظة لهذه المجتمعات عبر سياسات الانفتاح والتربيط المعولم، والتنوع وتراجع سيادة الدول لمصلحة رأسمالية متوحشة عابرة للقارات وتنظيمات ملفقة كالاتحاد الأوروبي وغيره. وهكذا - يرى بانون - فقد الغرب روحه، وأصبح هدفًا سهلاً للفاشية الإسلاموية الدموية التي اعتبرها شيطانًا أكبر يهدد نموذج الحياة الغربي من جذوره.
بانون، يرى في بوتين وسياساته الشعبوية، حليفًا للولايات المتحدة لا عدوًا منافسًا خارجًا عن النسق الرأسمالي المعولم كما كانت عليه عقيدة النخبة الأميركية منذ سقوط حكم الرئيس الروسي - صديق الغرب الحميم - بوريس يلتسين. فبوتين، وفق بانون - يسعى إلى تحقيق الغايات ذاتها للتيار الشعبوي الأميركي: كسر النظام القائم على النيوليبرالية المعولمة، واستعادة الدولة الوطنية - القومية القائمة على القيم التقليدية المسيحية، ومواجهة «التطرف الإسلاموي».
هو نسق فكري فلسفي واحد إذن ينطلق منه جميع الفاشيين، ويسهل قيام تحالفات موضوعية بينهم. قد تقاوم النخبة المعولمة والهياكل القائمة في بيروقراطيات الحكم الغربية صعود هذه الفاشية الجديدة، وقد يجد بوتين وترمب - كلاهما - صعوبات عملية جادة في إيجاد حلول اقتصادية ناجعة تحسن من نوعية حياة الكتل الشعبية الأوسع نطاقًا على نحو سيفقدهما شيئًا من الشعبية. لكن في ظل غياب بديل فكري نظري أو فلسفة متكاملة لمواجهة المنظومة الفكرية الصاعدة لفلاسفة الشعبوية الجدد من أمثال دوجين وبانون، فإنه بات في حكم المحتم أن موجة الفاشية الجديدة ستستمر وتتصاعد، وأنها ستعيد تشكيل العالم والعلاقات الدولية في نظام عالمي جديد خلال عقد من السنوات أو نحو ذلك.
فلننتظر الرياح السوداء المقبلة من الغرب إذن..



انطلاق الدورة الـ19 لـ«البابطين الثقافية» بمضاعفة جوائز الفائزين

وزير الثقافة والإعلام عبد الرحمن المطيري ووزير الخارجية عبد الله اليحيا ورئيس مجلس الأمة السابق مرزوق الغانم وأمين عام «مؤسسة البابطين الثقافية» سعود البابطين وضيوف الدورة الـ19 (الشرق الأوسط)
وزير الثقافة والإعلام عبد الرحمن المطيري ووزير الخارجية عبد الله اليحيا ورئيس مجلس الأمة السابق مرزوق الغانم وأمين عام «مؤسسة البابطين الثقافية» سعود البابطين وضيوف الدورة الـ19 (الشرق الأوسط)
TT

انطلاق الدورة الـ19 لـ«البابطين الثقافية» بمضاعفة جوائز الفائزين

وزير الثقافة والإعلام عبد الرحمن المطيري ووزير الخارجية عبد الله اليحيا ورئيس مجلس الأمة السابق مرزوق الغانم وأمين عام «مؤسسة البابطين الثقافية» سعود البابطين وضيوف الدورة الـ19 (الشرق الأوسط)
وزير الثقافة والإعلام عبد الرحمن المطيري ووزير الخارجية عبد الله اليحيا ورئيس مجلس الأمة السابق مرزوق الغانم وأمين عام «مؤسسة البابطين الثقافية» سعود البابطين وضيوف الدورة الـ19 (الشرق الأوسط)

كرمّت «مؤسسة عبد العزيز سعود البابطين الثقافية»، صباح اليوم (الأحد)، الفائزين بجوائز الدورة الـ19 للجائزة، مع انطلاق هذه الدورة التي حملت اسم مؤسس وراعي الجائزة الراحل عبد العزيز سعود البابطين، تخليداً لإرثه الشعري والثقافي.

وأُقيم الاحتفال الذي رعاه أمير الكويت، الشيخ مشعل الأحمد الصباح، في مركز الشيخ جابر الأحمد الثقافي، بحضور (ممثل أمير البلاد) وزير الإعلام والثقافة وزير الدولة لشؤون الشباب عبد الرحمن المطيري، ومشاركة واسعة من الأدباء والمثقفين والسياسيين والدبلوماسيين وأصحاب الفكر من مختلف أنحاء العالم العربي، كما حضر الحفل أعضاء المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب.

جانب من حضور دورة الشاعر عبد العزيز سعود البابطين (الشرق الأوسط)

وقال وزير الثقافة والإعلام الكويتي، عبد الرحمن المطيري، في كلمته، إن هذا الملتقى «الذي يحمل في طياته عبق الشعر وأريج الكلمة، ليس مجرد احتفالية عابرة، بل هو تأكيد على أن الثقافة هي الروح التي تحيي الأمم، والجسر الذي يعبر بنا نحو مستقبل زاخر بالتسامح والتعايش والمحبة».

وأضاف: «إن لقاءنا اليوم ليس فقط تكريماً لمن أبدعوا الكلمة وشيَّدوا صروح الأدب، بل هو أيضاً دعوة لاستلهام الإرث الثقافي الكبير الذي تركه لنا الشاعر الراحل عبد العزيز سعود البابطين (رحمه الله)، والذي كان، وسيبقى، قامة ثقافية جمعت بين جمال الكلمة وسمو الرسالة... رسالة تُعبِّر عن القيم التي تجمع بين الحضارات. ومن هنا جاءت مبادراته الرائدة، التي عرَّف من خلالها الشرقَ بالشعر العربي، وقدَّم للغرب بُعدَه الإنساني، جاعلاً من الشعر جسراً يربط القلوب، ومفتاحاً للحوار بين الثقافات».

رئيس مجلس أمناء «مؤسسة البابطين الثقافية» سعود البابطين يلقي كلمته في افتتاح الدورة الـ19 (الشرق الأوسط)

في حين قال رئيس مجلس أمناء «مؤسسة البابطين الثقافية»، سعود البابطين، إن هذه الدورة تأتي احتفاءً «بالشعر، فن العرب الأول على مر العصور، وتكريماً للمبدعين والفائزين مِنَ الشعراءِ والنقاد، ووفاءً ومحبة لشاعر هذه الدورة (عبد العزيز البابطين) الذي أخلص في رعاية الشعر العربي وخدمة الثقافة العربية بصدق ودأب وتفانٍ طيلة عمره كله، بلا ملل ولا كلل».

وفي خطوة لافتة، قدَّم رئيس مجلس الأمناء، أمين عام المؤسسة السابق، الكاتب عبد العزيز السريع، الذي رافق مؤسس الجائزة منذ نشأتها، ليتحدث عن ذكرياته مع راعي الجائزة الراحل، والخطوات التي قطعها في تذليل العقبات أمام إنشاء المؤسسة التي ترعى التراث الشعري العربي، وتعمل فيما بعد على بناء جسور التواصل بين الثقافات والحضارات.

وأعلن البابطين، في ختام كلمته عن مضاعفة القيمة المالية للجوائز ابتداءً من هذه الدورة، وفي الدورات المقبلة لـ«جائزة عبد العزيز البابطين».

ونيابة عن الفائزين، تحدَّث الأديب والشاعر الكويتي الدكتور خليفة الوقيان، مشيداً بـ«جهود (مؤسسة البابطين الثقافية) في دعمها اللامحدود للفعل والنشاط الثقافي داخل وخارج الكويت».

وأضاف: «في هذا المحفل الثقافي البهيج، يمرُّ في الذاكرة شريط لقاءات تمَّت منذ 3 عقود، كان فيها الفقيد العزيز الصديق عبد العزيز البابطين يحمل دائماً هَمّ تراجع الاهتمام بالشعر، ويضع اللَّبِنات الأولى لإقامة مؤسسة تُعنى بكل ما من شأنه خدمة ذلك الفن العظيم، ثم ينتقل عمل المؤسسة إلى الأفق الدولي، من خلال ما يُعنى بقضية حوار الثقافات والحضارات».

وألقى الشاعر رجا القحطاني قصيدة عنوانها «إشعاع الكويت»، من أشعار الراحل عبد العزيز البابطين.

يُذكر أن فعاليات الدورة الـ19 مستمرة على مدى 3 أيام، بدءاً من مساء الأحد 15 ديسمبر (كانون الأول) إلى مساء الثلاثاء 17 ديسمبر الحالي. وتقدِّم الدورة على مسرح مكتبة البابطين المركزية للشعر العربي 5 جلسات أدبية، تبدأ بجلسة بعنوان «عبد العزيز البابطين... رؤى وشهادات»، تليها 4 جلسات أدبية يعرض المختصون من خلالها 8 أبحاث عن الشاعر عبد العزيز سعود البابطين المحتَفَى به، و3 أمسيات شعرية ينشد فيها 27 شاعراً.

وزير الثقافة والإعلام عبد الرحمن المطيري ووزير الخارجية عبد الله اليحيا ورئيس مجلس الأمة السابق مرزوق الغانم وأمين عام «مؤسسة البابطين الثقافية» سعود البابطين وضيوف الدورة الـ19 (الشرق الأوسط)

الفائزون:

* الفائز بالجائزة التكريمية للإبداع الشعري الشاعر الدكتور خليفة الوقيان، وقيمة الجائزة 100 ألف دولار.

* الفائزان بجائزة الإبداع في مجال نقد الشعر «مناصفة»، وقيمتها 80 ألف دولار: الدكتور أحمد بوبكر الجوة من تونس، والدكتور وهب أحمد رومية من سوريا.

* الفائزة بجائزة أفضل ديوان شعر، وقيمتها 40 ألف دولار: الشاعرة لطيفة حساني من الجزائر.

* الفائز بجائزة أفضل قصيدة، وقيمتها 20 ألف دولار: الشاعر عبد المنعم العقبي من مصر.

* الفائز بجائزة أفضل ديوان شعر للشعراء الشباب، وقيمتها 20 ألف دولار: الشاعر جعفر حجاوي من فلسطين.