الخارجية السودانية تتحدث عن أشهر من المفاوضات السرية سبقت تعليق العقوبات

الخرطوم تجدد التزامها باتفاقاتها وتتوقع حذفها من قائمة الدول الراعية للإرهاب

وزير الخارجية السوداني ابراهيم الغندور أثناء عقده مؤتمرا صحافيا في الخرطوم أمس (أ ف ب)
وزير الخارجية السوداني ابراهيم الغندور أثناء عقده مؤتمرا صحافيا في الخرطوم أمس (أ ف ب)
TT

الخارجية السودانية تتحدث عن أشهر من المفاوضات السرية سبقت تعليق العقوبات

وزير الخارجية السوداني ابراهيم الغندور أثناء عقده مؤتمرا صحافيا في الخرطوم أمس (أ ف ب)
وزير الخارجية السوداني ابراهيم الغندور أثناء عقده مؤتمرا صحافيا في الخرطوم أمس (أ ف ب)

يستعد السودان في دخول مرحلة جديدة، بعد قرار واشنطن رفع بعض العقوبات الاقتصادية المفروضة عليه منذ عام 1997 كلفت البلاد الكثير من الموارد وأخرت من تقدمه وتنميته.
وتهللت أسارير العاصمة السودانية الخرطوم، وانطبعت على وجوه المسؤولين السودانيين ابتسامة لا تخطئها العين، وهم يدخلون على الصحافيين بمقر وزارة الخارجية أمس، للإدلاء بإفاداتهم بشأن الموضوع، يتقدمهم وزيرا الخارجية والمالية، ومدير الأمن الوطني.
وزير الخارجية إبراهيم غندور، الذي كلفه الرئيس عمر البشير بمتابعة الحوار مع الولايات المتحدة، حتى الوصول إلى رفع نهائي للعقوبات، أكد خلال مؤتمر صحافي إلى أن 23 اجتماعا سريا عقدت بين مسؤولين أميركيين وسودانيين في الخرطوم أدت إلى رفع قسم من العقوبات الأميركية. وقال غندور «عقدنا 23 اجتماعا داخل الخرطوم بعيدا عن أعين الإعلام منذ يونيو (حزيران) 2016 على مدى ستة أشهر، وانتهت هذه الاجتماعات في الحادي والثلاثين من ديسمبر (كانون الأول) 2016». وقال: إن عمل لجنته التي كونها الرئيس البشير في مايو (أيار) 2015 ظل بعيدًا عن عيون الإعلام باتفاق بين الجانبين الأميركي والسوداني. وأوضح أن اللجنة باشرت العمل في يونيو من العام نفسه، واستمرت حتى أكتوبر (تشرين الأول) منه، لتلتقي وزير الخارجية الأميركي جون كيري في أول لقاء مؤسسي، تم الاتفاق فيه على خمسة مسارات، شاركت في إعدادها خمس مؤسسات أميركية، وزارة الخارجية، البنتاغون، السي آي إيه، الأمن القومي والرئاسة، وأن لجنته تسلمت المقترحات الخمسة في يونيو 2016.
وقال غندور إن تسلم المقترحات أعقب اجتماعًا مع مستشارة الأمن القومي الأميركي سوزان رايس في واشنطن لبحث خطة المسارات الخمسة، تم الاتفاق فيه على بدء المباحثات في 15 يونيو لمدة 6 أشهر لتنتهي في 15 ديسمبر (كانون الأول) 2016. وهو التوقيت الذي بدأ فيه الحديث عن إرهاصات بأن هناك قرارًا برفع العقوبات سيتخذ. وكشف رأس الدبلوماسية السودانية للمرة الأولى عن عقد 23 اجتماعًا مع الجانب الأميركي في الخرطوم، دون أن تتسرب لإعلام البلدين، وأن المباحثات جرت بعيدًا عن الأعين وفي صمت تام، وفقًا لطلب سوزان رايس، والتزم به الجانب الذي تمثله.
وأوضح أن المسارات الخمسة تتمثل في «مكافحة الإرهاب، العمل على مكافحة جيش الرب، المحافظة على السلام في جنوب السودان ودعمه، السلام في السودان وإكمال مسيرته، الشأن الإنساني والعمل فيه».
واعتبر غندور الحوار الذي جرى بين الجانبين الأميركي والسوداني، وأثمر رفع العقوبات عن السودان «خطوة لتطبيع العلاقات بين البلدين، ولفتح مجال الاستثمار أمام شركات كبرى، وجهات دولية كانت تتردد بسبب العقوبات وبسبب صعوبة تحويل أموالها، وهذا القرار سيرفع هذه الصعوبات حتى عن كاهل بعض العمال البسطاء الذين كانوا لا يستطيعون تحويل حتى مائة دولار». وتعهد غندور بالالتزام بالحوار الذي تم بين الجانبين. من جهته، كشف مدير جهاز الأمن والمخابرات الوطني الفريق محمد عطا المولى، عن لقاءين جمعاه مع مدير وكالة المخابرات المركزية الأميركية (سي آي إيه) جون برينان، تعلقا بالتعاون على مكافحة الإرهاب والتطرف. وقال عطا المولى إن حكومته أبدت استياءها من إبقاء السودان ضمن لائحة الدول الراعية للإرهاب، أثناء جولات المباحثات، وعبرت عن هذا الاستياء بوقف برامج التدريب المشترك وتلقي المساعدات الفنية الأميركية التي كشف للمرة عن أن الأميركيين كانوا يقدمونها لهم. وقال المسؤول الأمني الأول إن التعاون بين جهازه ووكالة المخابرات المركزية قديم يرجع للمرحلة السابقة للعام 2000.
وكان وزير الدولة بالرئاسة السودانية، الفريق طه عثمان الحسين، أكد لـ«الشرق الأوسط» أول من أمس، أن المملكة العربية السعودية لعبت دورًا رئيسيًا في رفع بعض العقوبات عن السودان، ومارست ضغوطًا متواصلة على الإدارة الأميركية، من أجل تحقيق هذا الهدف. وأوضح الحسين أن خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، وجّه ولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، ببذل مزيد من الجهود من أجل الرفع الكلي للعقوبات عن السودان. وأضاف أن الدور السعودي المتعاظم في رفع العقوبات عن السودان كان وراء الانفراجة التي تحققت «ولولاه لما تحقق ما تحقق».
وقال الحسين، إن حكومته ظلت تبذل جهودًا كبيرة مع الجانب الأميركي لرفع العقوبات، منذ عهد وزير الخارجية السابق علي كرتي. وأضاف: «بدأنا المفاوضات مع الجانب الأميركي قبل زهاء خمس سنوات على عهد وزير الخارجية السابق علي كرتي، الذي أحدث اختراقًا مميزًا، يشاد به، لكن الأمور لم تتحرك، إلا بعد تحسن علاقتنا مع السعودية والإمارات العربية المتحدة».



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».