شبح «الحركة الخضراء» طارد خامنئي في تشييع رفسنجاني

هتافات مناصرة لخاتمي وموسوي وكروبي هزت شوارع طهران

جنازة رئيس مجلس تشخيص مصلحة النظام علي أكبر هاشمي رفسنجاني في شارع انقلاب وسط طهران أمس (أ.ف.ب)
جنازة رئيس مجلس تشخيص مصلحة النظام علي أكبر هاشمي رفسنجاني في شارع انقلاب وسط طهران أمس (أ.ف.ب)
TT

شبح «الحركة الخضراء» طارد خامنئي في تشييع رفسنجاني

جنازة رئيس مجلس تشخيص مصلحة النظام علي أكبر هاشمي رفسنجاني في شارع انقلاب وسط طهران أمس (أ.ف.ب)
جنازة رئيس مجلس تشخيص مصلحة النظام علي أكبر هاشمي رفسنجاني في شارع انقلاب وسط طهران أمس (أ.ف.ب)

شارك مئات الآلاف من الإيرانيين أمس، وسط إجراءات أمنية مشددة، في جنازة رسمية للرجل الثاني في النظام الإيراني على مدى العقود الأربعة الماضية، علي أكبر هاشمي رفسنجاني، بحضور كبار المسؤولين في النظام الإيراني.
وتدفقت منذ أول ساعات النهار حشود واسعة من أنصار التيار الإصلاحي إلى وسط العاصمة الإيرانية، مرددين هتافات تطالب برفع الإقامة الجبرية عن مهدي كروبي ومير حسين موسوي، داعية إلى دعم الرئيس الإصلاحي الأسبق محمد خاتمي.
وأمّ المرشد الإيراني علي خامنئي الصلاة على جثمان رفسنجاني في جامعة طهران قبل دفنه بجوار مرقد الخميني في جنوب طهران. وبحسب صور نقلتها وكالات أنباء رسمية فإن الرئيس الإيراني حسن روحاني، ورئيسي البرلمان والقضاء الإخوة لاريجاني، وكبار القادة العسكريين، على رأسهم قائد الأركان محمد باقري، وقائد «فيلق القدس» قاسم سليماني، والقائد العام للحرس الثوري محمد علي جعفري، كانوا ضمن أبرز المشاركين في وداع «رجل الأسرار والقرارات الكبيرة» في إيران ما بعد ثورة الخميني.
وكان رفسنجاني فارق الحياة بعد ساعة من إصابته بنوبة قلبية وصفتها أوساط طبية في إيران بالمفاجئة، كما لم يستبعد موقع «آمدنيوز» المعارض داخل النظام، أن يكون رفسنجاني ضحية «اغتيال كيماوي» قبل انتخابات 2016.
أثارت تأدية خامنئي صلاة الجنازة جدلا واسعا في إيران أمس، وكان خامنئي تجاهل خلال صلاة الجنازة جملة «اللهم إنا لا نعلم منه إلا خيرا وأنت أعلم به منا»، يقرأها عادة أئمة الشيعة في الجنازة وهي «غير واجبة»، وتحول الموضوع إلى مادة مثيرة لشبكات التواصل والمواقع المقربة من رفسنجاني. وبحسب التقارير الإيرانية فإن خامنئي استبدل تكرار ثلاثة مرات «اللهم عفوك»، بالدعاء المعروف.
وشهدت حياة رفسنجاني مراحل مختلفة، ابتعد في جزء كبير منها من الشارع الإيراني، بينما تحسنت علاقاته ببعض أجزاء أطياف المجتمع، بسبب معارضته بعض السياسات التي تبنتها السلطة في ثمانية أعوام من رئاسة محمود أحمدي نجاد إيران، وهو ما جعلت مراسم تشييعه فرصة لإحياء ذكريات أشرس احتجاجات ضربت الشارع الإيراني لفترة ثمانية أشهر، عقب إعلان نتائج الانتخابات الرئاسية في 2009.
وكانت مطالبة هاشمي رفسنجاني بإطلاق سراح المعتقلين وإعادتهم إلى ذويهم في أول خطبة جمعة بعد خروج المتظاهرين إلى شوارع طهران، تسببت في إشهار البطاقة الحمراء له من كبار النظام، وإقصائه من قائمة خطباء جمعة طهران.
وبعد سنوات من الضغوط على رفسنجاني عادت صوره إلى الشوارع الرئيسية في طهران بالتزامن مع جنازته، وبحسب وكالة «إيلنا» الإصلاحية، فإن مئات الآلاف من أنصاره حملوا صوره وحاولوا اجتياز الحواجز الأمنية في الطرق المؤدية إلى ساحة «الثورة». وتناقلت المواقع الإيرانية مواجهات بين المشيعين وقوات الأمن، بعد ترديد هتافات تندد بمنع الرئيس السابق محمد خاتمي من حضور الجنازة، وتطالب بفك الحصار عن الزعيمين الإصلاحيين مهدي كروبي ومير حسين موسوي.
وكان مقربون من خاتمي أعلنوا أول من أمس منعه من المشاركة في الجنازة بقرار قضائي، بعدما شارك في مجلس عزاء رفسنجاني المقام بحسينية جماران معقل أنصار الخميني.
ووفقا لبيان وزارة الداخلية الإيرانية، فإن أكثر من مليونين ونصف المليون شاركوا في تشييع رفسنجاني، وهي نسبة الأصوات نفسها التي حصدها رفسنجاني في انتخابات مجلس خبراء القيادة التي جرت فبراير (شباط) 2016، وكانت آخر انتخابات شارك فيها رفسنجاني قبل وفاته.
ونشر ناشطون مقاطع مسجلة تظهر ترديد هتافات: «وصية هاشمي دعم خاتمي»، و«وداعا هاشمي سلاما خاتمي»، و«رسالتنا واضحة يجب رفع الحصار»، و«يا حسين مير حسين». وبحسب التقارير فإن ابنة رفسنجاني تفاعلت مع الشعارات التي تشيد بخاتمي لحظة دخولها إلى جامعة طهران. وتناقلت مواقع دعوة فائزة هاشمي إلى التجمع الاحتجاجي وسط طهران، إلا أنها رفضت صحة ما تناقل عنها، ودعت المشاركين إلى الهدوء والمشاركة في مراسم تأبين والدها الأربعاء. ونقلت مواقع إيرانية عن فائزة هاشمي قولها، إنه لا توجد خطط للنزول إلى الشارع، لكن وكالة «إيسنا» نشرت صورة لها تلوح بشارة النصر إلى المشيعين.
كما ردد المشيعون هتافات «المكبرات لكم وصوت الحق لنا»، تنديدا بهيئة الإذاعة والتلفزيون أهم المؤسسات التابعة للمرشد خامنئي التي دخلت في حرب باردة ضد رفسنجاني في سنواته الأخيرة.
وأرسلت جنازة رفسنجاني رسالة تظهر مخاوف، عبر عنها محافظ طهران مؤخرا، حول صعوبة وتعقيد الانتخابات المقبلة، وخروج احتجاجات كبيرة على غرار 2009 التي شكلت تحديا وجوديا للنظام الإيراني.
وشهد محيط جامعة طهران ساعات مثيرة أمس، حيث حاول الإصلاحيون استغلال جنازة هاشمي لحشد أنصارهم بعد إخفاقات متكررة منذ وقف الاحتجاجات، كما شهدت جموع المشيعين ترديد هتافات تدعو إلى دعم روحاني في الانتخابات الرئاسية 2017 للاستمرار في مسيرة رفسنجاني الذي يعد «الأب الروحي» للرئيس الحالي.
بموازاة ذلك أجبرت كثرة الشعارات المنددة بتعامل السلطات مع المعارضة في داخل النظام، على كتم صوت الهتافات خلال لحظات البث المباشر. كما تحدث ناشطون عن قطع خدمة الجوال في محيط الجنازة. في السياق ذاته أظهرت مقاطع على شبكة «تويتر» صدامات بين القوات الخاصة التابعة للأمن الإيراني وأنصار «الإصلاحيين» في مفترق ولي عصر وجسر كالج. وأشارت معلومات إلى اعتقالات في صفوف المشيعين.
يشار إلى أن هاشمي رفسنجاني لعب دورا كبيرا في منع تزييف نتائج الانتخابات الرئاسية في إيران عام 1997 التي فاز بها محمد خاتمي بالرئاسة، وبقي في المنصب لفترة ثمانية أعوام، ومنذ ذلك الحين شكل نقطة التوازن بين التيارات المتصارعة في النظام.
خلال الأيام الماضية تحت تأثير الهزات الارتدادية لزلزال وفاة رفسنجاني، خصصت الصحف جميع صفحاتها لتناول مسيرته السياسية ودوره في النظام الإيراني منذ بداية مشواره مع الخميني حتى نهايته بدفنه إلى جواره. كما منحت مناسبة رحيله المجال لتناول الشرخ السياسي الحالي في دوائر النظام الإيراني. ورأى كثير من المحللين أن وفاة رفسنجاني والمواقف التي تبعتها منذ إعلان وفاته قدمت ملخصا عن المشهد السياسي الحالي في إيران.
وتعليقا على مشاركة المسؤولين، وما تداول نقلا عنهم في وسائل الإعلام بعد إعلان وفاته، قال وزير الثقافة الأسبق أحمد مسجد جامعي (في حكومة خاتمي الثانية) لوكالة «إيلنا»، إن «في هذه الأوقات الجميع يتكلم بشكل جيد عن رفسنجاني، لكنه قبل وفاته تجاهلوا حسناته وتعرض لهجوم غير أخلاقي».
يعد رفسنجاني الكلمة الرمز في وصول خامنئي إلى منصب المرشد الأعلى بعد وفاة الخميني في 1989، إذ كانت شهادة رفسنجاني أمام مجلس خبراء القيادة حول رغبة الخميني بتولي خامنئي للمنصب بعده كفيلة بتخطيه المرشحين الآخرين للمنصب.
وفي تصريح لموقع «اعتدال»، الناطق باسم التيار المعتدل، قال السياسي الإيراني مهدي خزعلي، نقلا عن رفسنجاني، إنه ارتكب «خطأين في حياته؛ الأول بيعه أرضي تجارية بالخطأ، والثاني بتعيينه شخصا في غير محله».
في المقابل نشر قائد «فيلق القدس» قاسم سليماني تغريدة، عبر حسابه الرسمي على «تويتر»، قال فيها إن «رفسنجاني كان نفسه منذ البداية وحتى النهاية. استراتيجياته كانت مختلفة بعض الأوقات، لكنه رفسنجاني معاد للاستكبار والصهيونية».
يشار إلى أن تنامي قدرات الحرس الثوري وتمدده خارج إيران يرجع إلى الدعم الواسع الذي قدمه هاشمي رفسنجاني في زمن توليه رئاسة الجمهورية 1989 التي تزامنت مع تأسيس «فيلق القدس»، كما أن كلا من رفسنجاني وسليماني ينحدران من كرمان.
من جانب آخر، أثارت صورة غلاف مجلة تابعة لبلدية طهران غضبا واسعا بين أنصار هاشمي رفسنجاني ومجموعة وسائل الإعلام التابعة له. وكانت مجلة «ماه» الصادرة من مجموعة «همشهري» نشرت على غلافها صورة رجل يمسك بيده عملة إيرانية ويمدها من نافذة سيارته الفارهة إلى فتاة تبيع الورد في جانب الشارع، وتظهر لوحة المرور اللون الأحمر مع رقم «96»، في إشارة إلى غياب رفسنجاني عن انتخابات الرئاسة 2017. ويعتبر عمدة طهران اللواء محمد باقر قاليباف الأوفر حظا لمنافسة روحاني في الانتخابات الرئاسية المقرر في مايو (أيار) المقبل.
وفي وقت كانت تشهد فيه الأوساط الإيرانية نقاشا حادا حول خليفة خامنئي، فإن رحيل رفسنجاني المفاجئ الآن أعاد النقاش حول هوية الرجل الذي يشغل المنصب في المرحلة المقبلة، وبحسب تحاليل إيرانية فإن روحاني يعد أبرز المرشحين إلى جانب رئيس القضاء السابق محمود هاشمي شاهرودي، ورئيس مفتش خامنئي الخاص علي أكبر ناطق نوري، ومستشار خامنئي الدولي علي أكبر ولايتي. كما تداولت تقارير غير مؤكدة عن استعداد محمود أحمدي نجاد وسعيد جليلي، فضلا عن تداول اسم رئيس القضاء صادق لاريجاني ورئيس مجلس خبراء القيادة أحمد جنتي ومحمد يزدي وإبراهيم رئيسي صاحب الحظ الأوفر لخلافة المرشد علي خامنئي.
في هذا الصدد، نقل موقع «خبر أونلاين» عن نائب رئيس البرلمان علي مطهري قوله، إن «فراغ رفسنجاني لا يمتلئ أبدا»، مضيفا أن «علي أكبر ناطق نوري بإمكانه القيام بدور هاشمي للمعتدلين».
وارتبط اسم رفسنجاني بصعود الحرس الثوري لاعبا أساسيا في السياسة والاقتصاد الإيرانيين في ثمانية سنوات، شغل فيها رفسنجاني منصب الرئيس الإيراني. كما يعد رفسنجاني صاحب المواقف الرمادية والشخصية المركبة الأكثر تعقيدا بين اللاعبين المتنفذين في السياسة الإيرانية.
وحاول رفسنجاني ترميم علاقاته بالشارع الإيراني خلال العقد الأخير، إلا أن سجله في حقوق الإنسان وتصفية السجناء السياسيين والمعارضين والمشاريع التي كانت برعاية مباشرة منه حالت دون تحوله إلى رمز شعبي، رغم أنه نجح في تحقيق ذلك بين الإصلاحيين المعتدلين في طهران.



ضربات وقائية على طاولة ترمب لمنع إيران من تطوير قنبلة نووية

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (إ.ب.أ)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (إ.ب.أ)
TT

ضربات وقائية على طاولة ترمب لمنع إيران من تطوير قنبلة نووية

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (إ.ب.أ)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (إ.ب.أ)

يدرس الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، خيارات لمنع إيران من إنتاج سلاح نووي، بما في ذلك إمكانية شن غارات جوية استباقية، مما يشكل خرقاً للسياسة الأميركية القائمة على احتواء طهران بالدبلوماسية والعقوبات.

وأفادت صحيفة «وول ستريت جورنال» إن فريق ترمب الانتقالي يناقش تداعيات ضعف موقف إيران الإقليمي وسقوط نظام الأسد في سوريا، بالإضافة إلى تدمير إسرائيل لميليشيات مثل «حزب الله» و«حماس».

وقال مسؤولون انتقاليون إن ضعف موقف إيران الإقليمي، والكشف عن تقدم الجهود النووية لطهران، قد أديا إلى تفاقم المناقشات الداخلية الحساسة. ومع ذلك، لا تزال جميع المداولات حول هذه القضية في المراحل المبكرة.

تساؤلات حول نوع الضغوط التي قد يمارسها ترمب على نتنياهو (أ.ف.ب)

وقال شخصان مطلعان على محادثاتهما، إن ترمب أبلغ رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في مكالمات هاتفية حديثة، بأنه قلق بشأن اندلاع حرب نووية إيرانية في عهده، مما يشير إلى أنه يبحث عن مقترحات لمنع هذه النتيجة.

ويريد ترمب خططاً تتوقف عن إشعال حرب جديدة، خصوصاً تلك التي يمكن أن تجرَّ الجيش الأميركي، حيث إن الضربات على المنشآت النووية في طهران لديها القدرة على وضع الولايات المتحدة وإيران على مسار تصادم.

وتمتلك إيران ما يكفي من اليورانيوم عالي التخصيب وحده لبناء 4 قنابل نووية، مما يجعلها الدولة الوحيدة غير النووية التي تنتج 60 في المائة من المواد الانشطارية التي تقترب من درجة الأسلحة، ولن يستغرق الأمر سوى بضعة أيام لتحويل هذا المخزون إلى وقود نووي صالح للأسلحة.

وقال مسؤولون أميركيون، في وقت سابق، إن الأمر قد يستغرق من إيران أشهراً عدة لنشر سلاح نووي.

وقال أشخاص مطلعون على التخطيط إن الفريق الانتقالي للرئيس المنتخب يبتكر ما يطلق عليها استراتيجية «الضغط الأقصى 2» ضد النظام الإيراني، وهي استكمال لنهجه في فترة ولايته الأولى، الذي ركز على العقوبات الاقتصادية الصارمة.

وهذه المرة، يقوم الرئيس المنتخب ومساعدوه بوضع خطوات عسكرية يمكن أن تكون محوريةً لحملته المناهضة لطهران، وإن كانت لا تزال مقترنةً بعقوبات مالية أكثر صرامة.

قال 4 أشخاص مطلعون على التخطيط إن خيارين ظهرا في المناقشات، بما في ذلك في بعض المحادثات التي جرت مع ترمب.

وأحد المسارات، الذي وصفه شخصان مطلعان على الخطة، يتضمَّن زيادة الضغط العسكري من خلال إرسال مزيد من القوات الأميركية والطائرات الحربية والسفن إلى الشرق الأوسط، ويمكن للولايات المتحدة أيضاً بيع أسلحة متقدمة لإسرائيل، مثل القنابل الخارقة للتحصينات، مما يعزز قوتها الهجومية لإخراج المنشآت النووية الإيرانية عن الخدمة.

والتهديد باستخدام القوة العسكرية، خصوصاً إذا اقترن بالعقوبات التي تفرضها الولايات المتحدة والتي تنجح في شلِّ الاقتصاد الإيراني، قد يقنع طهران بأنه لا يوجد خيار سوى حل الأزمة دبلوماسياً.

عرض عدد من أجهزة الطرد المركزي في طهران خلال اليوم الوطني للطاقة النووية الإيرانية (أرشيفية - رويترز)

والمسار البديل هو السعي إلى استخدام التهديد باستخدام القوة العسكرية، خصوصاً إذا اقترن بالعقوبات التي تفرضها الولايات المتحدة؛ لدفع طهران إلى قبول حل دبلوماسي، وهذه هي الاستراتيجية التي استخدمها ترمب مع كوريا الشمالية في ولايته الأولى، على الرغم من تعثر الدبلوماسية في نهاية المطاف.

وليس من الواضح أي خيار سيختاره ترمب، الذي تحدَّث عن تجنب حرب عالمية ثالثة، والتوسط في صفقات مع طهران.

في حين أصرَّ ترمب على أنه يسعى إلى تجنب التصعيد الهائل في الشرق الأوسط، فإنه قال لمجلة «تايم»، في مقابلة نُشرت يوم الخميس، إن هناك فرصةً لأن تخوض الولايات المتحدة حرباً مع إيران، ويرجع ذلك جزئياً إلى أن طهران خطَّطت لاغتياله، وقال: «أي شيء يمكن أن يحدث. إنه وضع متقلب للغاية».

ولم يقم بعض المسؤولين الجدد في الإدارة بعد بإبداء رأيهم الكامل في هذه القضية، وقد تتغير المقترحات المتعلقة بإيران مع تولي المسؤولين الحكوميين مناصبهم، وتوافر المعلومات السرية، وعقد المناقشات مع الحلفاء الإقليميين مثل إسرائيل.

والأمر الحاسم هو أن ترمب نادراً ما يخوض بعمق في التفاصيل المتعلقة بمسائل السياسة الخارجية حتى يتم تقديم خيارات نهائية له ويجب اتخاذ قرار، كما يقول مسؤولون سابقون في إدارة ترمب.

وفي نوفمبر (تشرين الثاني)، بعد إجراء 3 مكالمات مع ترمب، قال نتنياهو إنهما «يتفقان على التهديد الإيراني في جميع مكوناته، والخطر الذي يشكِّله».

وقال مسؤولون سابقون إن ترمب درس فكرة توجيه ضربات استباقية للبرنامج النووي الإيراني نحو نهاية ولايته الأولى، بعد وقت قصير من كشف المفتشين الدوليين عن نمو مخزون إيران من المواد النووية لكن ترمب، الذي كان من بين القادة الذين عارضوا بشدة، لم يعلق على هذا الأمر.

وبعد أن ترك منصبه، نفى منذ ذلك الحين أنه فكَّر في العمل العسكري بجدية، مدعياً أن كبار مساعديه وضعوا خطط حرب ودفعوه إلى تفويض ضربة.

وقال مساعدو ترمب والمقربون منه، الذين يدعمون الخيارات العسكرية لولايته الثانية، إن الفكرة الرئيسية ستكون دعم الضربات الإسرائيلية للمنشآت النووية الإيرانية؛ مثل «فوردو» و«أصفهان»، وربما حتى مشاركة الولايات المتحدة في عملية مشتركة.

ترمب ونتنياهو يتصافحان في «متحف إسرائيل» بالقدس يوم 23 مايو 2017 (أ.ب)

يقول كثير من المسؤولين الإسرائيليين الحاليين والسابقين إن هناك شكوكاً كبيرة حول مدى نجاح إسرائيل في شن هجوم منفرد على المنشآت النووية الإيرانية، وبعضها مدفون عميقاً تحت الأرض.

ومع ذلك، يصرُّ بعض حلفاء ترمب على أن الأشهر الأولى من عودته إلى منصبه تُقدِّم له فرصةً نادرةً لمواجهة البرنامج النووي الإيراني، بينما النظام في وضع ضعيف.

وفكرت إسرائيل لسنوات في مهاجمة المنشآت النووية الإيرانية، لكنها لم تفعل ذلك، جزئياً؛ بسبب الحذر الأميركي ضدها.

وفي عام 2012، حذَّرت إدارة أوباما نتنياهو من شن هجمات، بينما كانت إيران تبني برنامجها النووي قبل الاتفاق النووي لعام 2015. وقالت إدارة بايدن باستمرار إنها تسعى إلى حل دبلوماسي للتقدم النووي الإيراني.

ستكون المناقشات حول ضربة إسرائيلية للمنشآت النووية الإيرانية مختلفًة هذه المرة.

وقال غابرييل نورونها، الذي عمل على ملف إيران في وزارة الخارجية خلال إدارة ترمب الأولى: «هناك دعم قوي لإسرائيل لاتخاذ إجراء عسكري كما تراه في مصلحتها، ولا تملك إيران مساحةً كبيرةً قبل أن تصل إلى الخطوط الحمراء لإسرائيل، ولا تزال تبدو عازمة على التصعيد أكثر».

ويقول المسؤولون في فريق ترمب إنهم ينوون فرض العقوبات الحالية وفرض عقوبات جديدة، بما في ذلك إعادة تصنيف الحوثيين المدعومين من طهران في اليمن «منظمةً إرهابيةً أجنبيةً»، ومنع الدول التي تشتري النفط الإيراني من شراء الطاقة الأميركية.

لكن هناك حاجة إلى بذل مزيد من الجهود أكثر من زيادة الضغوط الاقتصادية والمالية؛ لأن إيران «تحاول بنشاط قتل الرئيس ترمب، وهذا يؤثر بالتأكيد في تفكير الجميع عندما يتعلق الأمر بما ستكون عليه العلاقة في المستقبل».

وقدمت إيران للولايات المتحدة تأكيدات بأنها لن تغتال ترمب رداً على أمره الصادر في عام 2020 بقتل الجنرال قاسم سليماني، وهو العمل العسكري الأكثر عدوانية من قبل الولايات المتحدة ضد إيران منذ سنوات.

وأشار الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان إلى أنه منفتح على المحادثات الدبلوماسية مع إدارة ترمب المقبلة، التي تصرُّ على أنه لا يمكن مواجهة شبكة وكلاء طهران بالكامل ما لم يتم حرمان إيران من الموارد الاقتصادية والعسكرية. وقال مسؤول: «إنها رأس الأخطبوط. لن نحلَّ كل هذه القضايا حيث هي. سنحلها في كيفية تعاملنا مع طهران».

منشأة بوشهر النووية الإيرانية (أ.ف.ب)

ويبدو أن الرئيس الإيراني الجديد يستجيب لرغبة ترمب في إبرام اتفاقات رفيعة المستوى، فقد كتب جواد ظريف، نائب الرئيس الإيراني للشؤون الاستراتيجية، في مجلة «فورين أفيرز»، الأسبوع الماضي: «بزشكيان يأمل في إجراء مفاوضات بشأن الاتفاق النووي... وربما أكثر».

ولكن النهج الدبلوماسي له عيوبه. يقول المسؤولون الإيرانيون إنهم لن يتفاوضوا مع الولايات المتحدة تحت الضغط، وأخبروا المسؤولين الأوروبيين في جنيف، الشهر الماضي، بأنهم لن يتخذوا أي خطوات أحادية الجانب لتقليص برنامجهم النووي.

وفقاً لتقديرات استخباراتية أميركية، صدرت الأسبوع الماضي، تمتلك طهران بالفعل ما يكفي من المواد الانشطارية لإنتاج أكثر من 12 قنبلة نووية، وعلى الرغم من أن إيران لا تبني قنبلة حالياً، فإن التقرير قال إنها مستعدة بشكل أفضل للقيام بذلك بفضل الأبحاث التي أجرتها في الأشهر الأخيرة.

لقد أوضح المسؤولون الإيرانيون، منذ فترة طويلة، أن رد فعلهم على أي ضربة سوف يكون طرد مفتشي الأمم المتحدة، والانسحاب من معاهدة حظر الانتشار النووي، التي تلزم إيران بوقف برنامجها النووي.

والدولة الوحيدة التي فعلت ذلك هي كوريا الشمالية، التي بدأت في إنتاج الأسلحة النووية سراً، وهو المسار الذي لمَّحت طهران إلى أنها قد تسلكه.