افتتاحيات الصحف الأميركية ضد ترامب وروسيا

الصحف الأوروبية ركزت على الهجمات الإلكترونية والقلق من الحقبة المقبلة لقيادة الولايات المتحدة

افتتاحيات الصحف الأميركية ضد ترامب وروسيا
TT

افتتاحيات الصحف الأميركية ضد ترامب وروسيا

افتتاحيات الصحف الأميركية ضد ترامب وروسيا

خلال الأسبوع الماضي، طغت أخبار دور روسيا في الانتخابات الأميركية على تغطية، وعلى افتتاحيات الصحف، وآراء معلقي التلفزيونات، الرئيسية الأميركية. وكان واضحا ميل هذه نحو إدانة روسيا، رغم أن الرئيس المنتخب دونالد ترامب يستمر يدافع عن روسيا.
قالت افتتاحية صحيفة «واشنطن بوست»، تحت عنوان «لا يجب أن نخدع أنفسنا»، مشيرة إلى ترامب «رغم كل ما كشف عن دور روسيا، بداية بدور خاص قام به الرئيس بوتين، يبدو أن ترامب يعيش في عالم آخر. يبدو أنه لا يهتم. هذا أسوأ من حتى لو دافع عن بوتين».
وقالت افتتاحية صحيفة «نيويورك تايمز»: «إذا كان عدم تصديق ترامب لأجهزة الاستخبارات شيئا مهما، فالأكثر أهمية منه هو معنى ما يفعل. عندما يقول: إنه لا يصدق هذه الأجهزة، كأنه يقول: إن ليس هناك داع لها. حتى إذا عادت المياه إلى مجراها، هز ترامب معنى، ودور، وصورة، الأجهزة الاستخباراتية الأميركية».
وقالت افتتاحية صحيفة «بوسطن غلوب»، تعليقا على موضوع آخر يهم ترامب، وهو نقد ترامب لقادة الحزب الجمهوري في الكونغرس؛ لأنهم قدموا مشروع قانون لتعديل صلاحيات المحقق المستقل للأخلاق في الكونغرس: «أصاب ترامب، وأخطأ. أصاب لأنه انتقد، وأخطأ لأنه قال هناك أشياء أهم (من قانون الأخلاق). كان يجب أن يقول: (لا تلمسوا قانون الأخلاق)».
وقالت افتتاحية صحيفة «شيكاغو تربيون»، تعليقا على إدمان ترامب لتغريدات «تويتر»: «خيرا أو شرا، خطأ أو صوابا، يقودنا الرئيس المنتخب ترامب نحو ما يمكن أن نسميه (الرئاسية التويترية). يبدو واضحا أنه لن يتوقف عن التغريد عندما يدخل البيت الأبيض، كما يقول البعض، مثلما لم يتوقف بعد أن فاز في الانتخابات، كما قال البعض».
نبدأ جولتنا في الصحف الأوروبية من العاصمة البريطانية لندن، فقد اهتمت صحيفة «صنداي تايمز» بقصة زوجين غربيين تنقلا بين الغرب وعالم الحركات المسلحة الإسلامية، بينما تخصص صحيفة «أوبزرفر» افتتاحيتها لتتساءل: من المسؤول عن خسارة الغرب لتركيا؟ كذلك تواصل الصحف البريطانية الاهتمام بالحملات الانتخابية لمرشحي التيار اليميني. ونشرت صحيفة «صنداي تايمز» تحقيقًا تتبعت فيه قصة زوجين غربيين انتقلا من كنف الحضارة الغربية إلى عالم الحركات القتالية قبل أن تكتب التطورات السياسية في منطقة الشرق الأوسط نهاية لزواجهما. واهتمت صحيفة «أوبزرفر» في افتتاحيتها بما تصفه بتدهور العلاقات بين تركيا والغرب لصالح التقارب بين أنقرة وموسكو.
وتسرد الصحيفة عدة أحداث وتصريحات صدرت أخيرًا تظهر التدهور في العلاقات التركية - الأميركية على خلفية دعم واشنطن للمسلحين الأكراد السوريين، الذين تراهم أنقرة امتدادًا لحزب العمال الكردستاني المصنف إرهابيًا من قبل الحكومة التركية. وتحت عنوان: «هل تتبنى مارين لوبان خطابًا أكثر مرونة؟»، تنشر صحيفة «أوبزرفر» تقريرًا لمراسلتها كيم ويلشر تتناول فيه الصورة التي تحاول مرشحة التيار اليميني الفرنسي المتطرف مارين لوبان أن تظهر بها أمام الرأي العام والناخبين قبل نحو 4 أشهر من الانتخابات الرئاسية في البلاد. وننتقل إلى العاصمة الفرنسية باريس ونجد كثيرًا من أجواء القلق المحيطة برئاسة دونالد ترامب وأيضًا تساؤلات عدة حول ما يمكن اعتباره أزمة وجودية يعيشها الغرب.
«لوجورنال دو ديمانش» خصصت الغلاف لتهديد الهجمات الإلكترونية على الانتخابات الرئاسية الفرنسية على خلفية ما كشفت عنه الاستخبارات الأميركية عن دور مفترض لموسكو في فوز دونالد ترامب. وقد أعدت «لوجورنال دو ديمانش» ملفًا كاملاً عن هذا الموضوع، وفيه مقابلة مطولة مع وزير الدفاع الفرنسي جان - ايف لو دريان، الذي اعتبر أنه لو صحت فرضية التلاعب في الانتخابات الأميركية، فإن ذلك «سيعد تدخلاً غير مقبول. وسئل لو دريان عما إذا كانت فرنسا بمنأى عن مثل هذه الهجمات أم لا، فقال: «بالطبع لا يجب أن نكون ساذجين». وكشف وزير الدفاع الفرنسي أن «عدد الهجمات الإلكترونية ضد وزارته تضاعف، وأنه خلال العام الماضي تم إحباط 24 ألف هجوم خارجي من بينها محاولات لتعطيل أنظمة الطائرات الفرنسية بلا طيار».وفيما خص العلاقة مع روسيا، رفض جان - ايف لو دريان مقولة العودة إلى الحرب الباردة، ورأى في بروز روسيا «إثباتًا للذات الأمر الذي ينطبق أيضًا على الصين وإيران»، كما قال. واعتبر لو دريان أن «حوار فرنسا مع روسيا لم ينقطع يومًا وأنه كان يأمل منها أن تفعل مزيدًا من أجل القضاء على (داعش)، لكن روسيا كانت منكبة على حلب»، أضاف لو دريان، إلى حد «جعلها تخسر تدمر، وهي المدينة التي كانت قد انتزعتها من (داعش)»، يقول وزير الدفاع الفرنسي.



شركات التكنولوجيا ووسائل الإعلام الليبرالية تتجه يميناً

إيلون ماسك (رويترز)
إيلون ماسك (رويترز)
TT

شركات التكنولوجيا ووسائل الإعلام الليبرالية تتجه يميناً

إيلون ماسك (رويترز)
إيلون ماسك (رويترز)

استقالت رسامة الكاريكاتير الأميركية -السويدية الأصل- آن تيلنيس، الحائزة على جائزة «بوليتزر»، من عملها في صحيفة «واشنطن بوست» خلال الأسبوع الماضي، بعد رفض قسم الآراء في الصحيفة رسماً كاريكاتيرياً يصوّر مالك الصحيفة، الملياردير جيف بيزوس مع مليارديرات آخرين من عمالقة التكنولوجيا، وهم ينحنون أمام تمثال للرئيس المنتخب دونالد ترمب. وفور إعلان الخبر رأى كثيرون أن الواقعة الجديدة تختصر صورة المرحلة المقبلة في الولايات المتحدة.

مارك زوكربيرغ (آ ب)

إعادة تموضع

خلال الحملة الانتخابية الأخيرة، بعدما بدا أن ترمب يتجه إلى العودة مجدداً إلى البيت الأبيض، بدأ الكثير من مسؤولي الشركات الكبرى ووسائل الإعلام الأميركية، رحلة «إعادة تموضع» تماشياً مع العهد الثاني لترمب. وهو ما تُرجم بداية بامتناع وسائل إعلام كانت دائماً تُعد رمزاً لليبرالية، مثل: «واشنطن بوست» و«لوس أنجليس تايمز»، عن تأييد أي من المرشحين الرئاسيين، فضلاً عن تغيير غرف التحرير في محطات تلفزيونية عدة، ومراجعة الكثير من سياسات الرقابة والإشراف والمعايير الناظمة لعملها، إلى إعادة النظر في تركيبة مجالس إدارات بعض شركات التكنولوجيا.

وبعيداً عن انحياز الملياردير إيلون ماسك، مالك تطبيق «إكس»، المبكر لترمب، واتجاهه للعب دور كبير في إدارته المقبلة، كانت الاستدارة التي طرأت على باقي المنصات الاجتماعية والإعلامية مفاجئة وأكثر إثارة للجدل.

ان تيلنيس (جائزة بوليتزر)

خضوع سياسي أم تغيير أعمق؟

البعض قال إنه «خضوع» سياسي للرئيس العائد، في حين عدّه آخرون تعبيراً عن تغيير أعمق تشهده سياسات واشنطن، لا يُختصر في ترمب، بل يشمل أيضاً كل الطبقة السياسية في الحزبَيْن الجمهوري والديمقراطي، وحتى المزاج الشعبي الذي أظهرته نتائج الانتخابات.

في بيانها الموجز، قالت تيلنيس التي تعمل في «واشنطن بوست» منذ عام 2008، إن قرار الصحيفة رفض رسمها الكاريكاتيري «مغيّر لقواعد اللعبة» و«خطير على الصحافة الحرة». وكتبت: «طوال ذلك الوقت لم يُمنع رسم كاريكاتيري قط بسبب مَن أو ما اخترت أن أوجّه قلمي إليه حتى الآن». وأدرجت تيلنيس مسوّدة من رسمها الكاريكاتيري في منشور على موقع «سبستاك»، يظهر بيزوس، مؤسس «أمازون» ومالك الصحيفة، مع مؤسس شركة «ميتا» مارك زوكربيرغ، وسام ألتمان الرئيس التنفيذي لشركة «أوبن إيه آي»، وباتريك سون شيونغ مالك صحيفة «لوس أنجليس تايمز»، و«ميكي ماوس» التميمة المؤسسية لشركة «والت ديزني»، ينحنون أمام تمثال ترمب.

وطبعاً كان من الطبيعي أن «يختلف» ديفيد شيبلي، محرّر الآراء في الصحيفة، مع تقييم تيلنيس، وبالفعل قال في بيان إنه يحترم كل ما قدمته للصحيفة، «لكن يجب أن يختلف مع تفسيرها للأحداث»، معتبراً قرار منع نشر رسم الكاريكاتير «تفادياً للتكرار»، بعدما نشرت الصحيفة مقالات عن الموضوع.

... وزوكربيرغ يعود إلى أصوله

بيد أن تزامن منع الكاريكاتير مع الخطوة الكبيرة التي اتخذتها شركة «ميتا» يوم الثلاثاء، عندما أعلن مارك زوكربيرغ أن «فيسبوك» و«إنستغرام» و«ثريدز» ستُنهي عملية التدقيق في الحقائق من قِبل أطراف ثالثة، قرأها العالم السياسي بوصفها نوعاً من الاستسلام؛ إذ قال زوكربيرغ في مقطع فيديو نشره على «فيسبوك» إن «(ميتا) ستتخلّص من مدقّقي الحقائق، وستستعيض عنهم بملاحظات مجتمعية مشابهة لمنصة (إكس)»، وهو ما رآه البعض «تضحية بقيم الشركة على (مذبح) دونالد ترمب وسياسة (حرية التعبير)» للحزب الجمهوري الجديد. بالنسبة إلى المحافظين اليمينيين، الذين يعتقدون أن المشرفين ومدققي الحقائق ليبراليون بشكل شبه موحّد، واثقون بأن النهج الأكثر تساهلاً في تعديل المحتوى سيعكس الواقع بشكل أكثر دقة، من خلال السماح بمجموعة أوسع من وجهات النظر. وعدّ هؤلاء، ومنهم بريندان كار الذي اختاره ترمب لإدارة لجنة الاتصالات الفيدرالية، قرار «ميتا» انتصاراً.

في المقابل، أعرب الليبراليون عن «فزعهم»، وعدّوه «هدية لترمب والمتطرّفين في جميع أنحاء العالم». وقال معلقون ليبراليون إن من شأن خفض معايير التأكد من الحقائق من قِبل أكبر منصة في العالم يُنذر بمجال رقمي أكثر غرقاً بالمعلومات الكاذبة أو المضللة عمداً مما هو عليه اليوم.

ابتعاد عن الليبرالية

هذا، ومع أنه من غير المتوقع أن يؤدي قرار زوكربيرغ بالضرورة إلى تحويل الإنترنت إلى «مستنقع للأكاذيب أو الحقائق»؛ لأن الخوارزميات هي التي تتحكم بما يُنشر في نهاية المطاف. فإن قراره يعكس، في الواقع، ابتعاد شركات التكنولوجيا عن الرؤية الليبرالية لمحاربة «المعلومات المضلّلة». وهذه مسيرة بدأت منذ سنوات، حين تراجعت «ميتا» عام 2019 عن التحقق من صحة الإعلانات من السياسيين، وعام 2023 عن تعديل الادعاءات الكاذبة حول انتخابات 2020.

وحقاً، كان إعلان يوم الثلاثاء هو الأحدث في سلسلة من تراجعات الشركة، واتجاهها نحو اليمين منذ إعادة انتخاب ترمب. ففي الأسبوع الماضي، عيّنت الشركة الجمهوري جويل كابلان رئيساً عالمياً للسياسة، وعيّنت، يوم الاثنين، دانا وايت، حليفة ترمب التي لعبت دوراً رئيساً خلال المؤتمر الوطني للحزب الجمهوري، في مجلس إدارة الشركة. وفي السياق نفسه تضمّن إعلان يوم الثلاثاء نقل فريق الثقة والسلامة في الشركة من ولاية كاليفورنيا «الليبرالية»، إلى ولاية تكساس «الجمهورية»؛ مما يعكس دعوات من قادة التكنولوجيا اليمينيين مثل إيلون ماسك إلى تركيز الصناعة في بيئات «أقل ليبرالية» من «وادي السيليكون».

ترمب ممثلاً للأكثرية

في مطلق الأحوال، مع أن كثيرين من النقاد والخبراء يرون أن هذا التغيير يعكس بالفعل حقيقة ابتعاد شركة «ميتا» وغيرها من شركات ومواقع التواصل الاجتماعي عن الرؤية الليبرالية للحوكمة الرقمية، لكنهم يشيرون إلى أنه ابتعاد مدفوع أيضاً بالقيم الأساسية للصناعة التي جرى تبنيها إلى حد كبير، تحت الإكراه، استجابة للحظات سياسية مشحونة.

ومع تحوّل ترمب تدريجياً من كونه متطفلاً دخيلاً على الحياة السياسية الأميركية، إلى الممثل الأبرز للأكثرية التي باتت تخترق كل الأعراق -وليس فقط البيض- فقد بدا أن هذا النهج الذي يشبه نظام المناعة بات أقل ملاءمة، وربما، بالنسبة إلى شركات مثل «ميتا»، أكثر ضرراً سياسياً وأقل ربحية.