عمليات وتصفيات بارزة

عمليات وتصفيات بارزة
TT

عمليات وتصفيات بارزة

عمليات وتصفيات بارزة

في كل سنة يجتمع في ديوان رئيس الدولة، كل من رئيس الوزراء ووزير الدفاع ورئيس «الموساد» الحالي وكل من بقي على قيد الحياة من رؤساء الجهاز السابقين، لكي يوزّعوا شهادات التقدير والاستحقاق لمجموعة من العاملين في «الموساد»؛ تقديرا على عملياتهم. وفي سنوات عدة يقام احتفال كهذا مرتين في السنة. وهناك جملة تتردد في كل احتفال: «أنتم تقومون بأعمال جبارة بعضها سيُعرَف بعد زمن طويل وغالبيتها لن تُعرَف إلى الأبد».
وكما هو معروف، فإن «الموساد» قلما ينسب إلى نفسه عمليات عينية، وقلما يعترف بما ينسب إليه من عمليات. ومع ذلك، فإن الأدبيات السياسية والعالمية ملأى بالقصص عن هذه العمليات، التي تعتبر الهوية الحقيقية لهذا الجهاز، بنجاحاته وإخفاقاته على السواء. وللعلم، نجاحاته كثيرة وإخفاقاته أيضًا كثيرة. وكلها تصب في خانة «الحرب القذرة»، التي يروح ضحيتها الكثير من الأبرياء. ومن أبرز هذه العمليات، التي تم نسبها إلى «الموساد»:
* عملية «بيرن»: اكتشف «الموساد» أن ضابطًا إسرائيليًا كبيرًا يدعى ألكسندر يسرائيل يتجسّس لصالح مصر، فخطفوه من إحدى دول غرب أوروبا عام 1954 وخدروه وطاروا به إلى إسرائيل. وخلال الرحلة توفي الرجل فألقوا بجثته في البحر الأبيض المتوسط أثناء الطيران.
* «خطاب خروشوف»: عام 1956 وصلت أوجها الخلافات داخل روسيا وألقى الرئيس نيكيتا خروشوف خطابًا سريًا عدّد فيه جرائم الرئيس السابق جوزيف ستالين. وكان «الموساد» الإسرائيلي هو الذي حصل على هذا الخطاب وسلمه للولايات المتحدة وهكذا عرفت التغييرات في نسق الحكم بموسكو.
* «عملية مراكش»: في السنوات 1956 – 1964 تمكن «الموساد» من تهجير يهود المغرب.
* أدولف آيخمان: ضمن مهمات «الموساد» كان تصيد كبار الضباط النازيين الألمان، الذين اختفت آثارهم بعد الحرب العالمية الثانية، وخصوصا أولئك الذين كان لهم دور مباشر في محرقة اليهود. أحد هؤلاء، أدولف آيخمان، تمكن من الهرب إلى الأرجنتين والعيش فيها تحت اسم مستعار، لكن عام 1960 اقتفى «الموساد» آثاره وخطفه ونقله إلى إسرائيل، حيث حوكم وأعدم شنقًا.
* الصواريخ المصرية: في شهر يوليو (تموز) 1962، نشر نبأ عن تجارب لصنع الصواريخ في مصر. وشوهد بعض من هذه الصواريخ في استعراض عسكري بشوارع القاهرة في ذكرى ثورة 23 يوليو. وقال المصريون يومها إن مدى هذه الصواريخ يصل إلى جنوبي بيروت. ولقد فحص «الموساد» الأمر فتيقن من صحة المعلومات. وكانت النتيجة أن أحد المهندسين الألمان اختفى من القاهرة، ووصلت مغلفات ملغومة إلى عدد آخر. وجرى اعتقال اثنين من عملاء «الموساد» هما يوصف بن غال وأوتو يوكليك في سويسرا وحوكما بتهمة هذه العملية. وتبين لاحقا أن مصر لم تنتج صواريخ باليستية كهذه. وعام 1965 أقدم «الموساد» على اغتيال ضابط نازي من لاتفيا كان قد هرب إلى الأوروغواي.
* «عملية الجوهرة»: هذا هو الاسم الذي أطلقه «الموساد» على العملية التي تمكن فيها عام 1966 من تجنيد طيار عراقي اسمه منير روفا إلى صفوفه، فهرب الطيار بطائرة «ميغ 21» روسية الصنع إلى إسرائيل. وهكذا تعرفت إسرائيل والولايات المتحدة إلى أهم أسرار هذه الطائرة؛ ما ساعدها لاحقًا في حرب 1967.
* «غضب الله»: عام 1970. قرّرت الحكومة الإسرائيلية، يومذاك، برئاسة غولدا مائير تصفية جميع المسلحين الفلسطينيين المسؤولين عن تنفيذ عملية اغتيال الرياضيين الإسرائيليين في أولمبياد ميونيخ. وأطلق على العملية اسم «غضب الله». واستطاع «الموساد» اغتيال قادة التنظيم واحدًا تلوَ الآخر، بوسائل مختلفة كتفجير هاتف، أو تفجير سريري في فندق، أو إطلاق نار من مسافة قريبة، باستثناء علي حسن سلامة «أبو حسن»، رئيس المجموعة الفلسطينية، الذي استطاع الإفلات من عملات اغتيال عدة. وفي يوليو من عام 1973 قتَل «الموساد» أحمد بوشيكي عن طريق الخطأ، وهو مواطن نرويجي من أصول مغربية اشتبه عن طريق الخطأ بأنه سلامة، في مدينة ليلهامر النرويجية. وقدّمت إسرائيل تعويضًا بمئات آلاف الشواقل لزوجة بوشيكي. وفقط في عام 1979 وصلت ملاحقة سلامة إلى نهاية الطريق عندما انفجرت به سيارته الملغومة في لبنان. ونشر لاحقا أنه تم تجنيد مواطنة بريطانية تدعى أريكا تشايمبرز من قبل «الموساد» واستأجرت منزلاً مقابلا لمنزل سلامة في بيروت، وهي التي قامت بتفجير القنبلة بواسطة جهاز تحكم عن بُعد.
* «ربيع الشباب»: عام 1973 نفذ «الموساد» بالاشتراك مع وحدة الأركان العامة والكوماندوز البحري 13 عملية في قلب بيروت؛ إذ وصلت الوحدة الإسرائيلية إلى شواطئ بيروت بواسطة قوارب، وهناك انتظرهم رجال «الموساد» الذين أقلّوهم بسيارات مستأجرة في يوم سابق. وكان نصف المهاجمين الإسرائيليين متنكّرين بأزياء نساء، ومشوا معانقين، كمجموعة من الأزواج العشاق. وقال إيهود باراك، الذي كان رئيس سرية هيئة الأركان العامة في تلك الفترة، إنه كان متنكّرًا بزي امرأة سمراء. وهو الذي أصبح رئيسا لأركان ووزيرا للدفاع ثم رئيسا للحكومة. كما اشترك في العملية يوناثان نتنياهو، أخو رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو (الذي قتل بعد مرور ثلاث سنوات في عملية تهريب الرهائن الإسرائيليين في عنتيبي بأوغندا) كما شارك أمنون ليبكين شاحاك، الذي أصبح فيما بعد رئيس أركان الجيش. وفي هجمات في مواقع عدة مختلفة من المدينة، اغتيل نحو مائة رجل من حركتي «فتح» والجبهة الشعبية، إضافة إلى ثلاثة من كبار مسؤولي «فتح» هم: يوسف النجار «أبو يوسف» وكمال ناصر وكمال عدوان.
* عام 1978، تمكن «الموساد» من اغتيال الدكتور وديع حداد، القائد البارز في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، في ألمانيا الشرقية بواسطة السم.
* عام 1986. أقدم الموساد على خطف مردخاي فعنونو، العامل في مفاعل ديمونا النووية، الذي كان قد نشر أسرارا عن السلاح النووي. ولقد أغري بواسطة عميلة «الموساد» ساندي، التي أقامت معه قصة حب مخادعة. وجرى نقله من إيطاليا وهو مخدّر. ولقد حوكم وسجن، وهو اليوم ممنوع من السفر ويعيش في القدس العربية.
* عام 1988: اغتيال القائد الفلسطيني خليل الوزير «أبو جهاد» بعملية عسكرية ضخمة، دخلت فيها قوات إسرائيلية كبيرة من «الموساد» والكوماندوز العسكري إلى تونس العاصمة عبر البحر. وقاد العملية موشيه يعلون، وزير الدفاع السابق ورئيس أركان الجيش الأسبق، عندما كان قائدا لوحدة الكوماندوز، وأشرف عليها عبر سفينة في البحر رئيس الأركان يومذاك إيهود باراك.
* عام 1992، حاول عملاء «الموساد» اغتيال نائب وزير الدفاع الإيراني مجيد عباسفور في فينا، ففشلوا. ووقع اثنان منهم في حادث طرق فانكشف أمرهما واعتقلا.
* عام 1997 اغتيال قائد «الجهاد الإسلامي» الدكتور فتحي الشقاقي في مالطة.
* خالد مشعل: في السنة نفسها، فشل «الموساد» في اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، خالد مشعل، بقرار من رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو. كان ذلك في العاصمة الأردنية عمان. وقد أقدم ضباط «الموساد» على اعتراض طريق مشعل ورش أحدهم غازا ساما من نوع فنتانيل على أذن مشعل، الذي كان من المفترض أن يقتله في غضون ساعات. ولكن العملية تورطت، فقد تم القبض على القاتلَيْن بواسطة الشرطة الأردنية.
* عام 1998، اغتيل المهندس الكندي جيرالد بول، الذي ساعد العراق على تطوير مدفع حديث ذي إمكانيات تدميرية ذات مدى بعيد.
* عام 2010، اغتيل محمود المبحوح في دبي، وهو مسؤول مشتريات الأسلحة في حماس.
* في 16 ديسمبر (كانون الأول) الماضي، اغتيل التونسي محمد الزواري، مهندس الطائرات بلا طيار، وذلك بعدما اتضح أنه اخترع غواصة غير مأهولة لصالح حماس.
وهناك عمليات كثيرة أخرى نسبت إلى «الموساد» لكن تنفيذها تم بواسطة أجهزة أخرى مثل الجيش و«الشاباك».



الحدود العراقية ــ السورية... وذكريات صيف 2014

شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
TT

الحدود العراقية ــ السورية... وذكريات صيف 2014

شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)

شأن معظم دول المنطقة والإقليم، تسببت الأزمة السورية المتصاعدة في تراجع الاهتمام الرسمي والشعبي العراقي بالحرب التي تشنّها إسرائيل على غزة ولبنان، بعد أن كانت تحظى بأولوية قصوى، خصوصاً بعد التهديدات الإسرائيلية بتوجيه ضربات عسكرية ضد الفصائل المسلحة العراقية التي استهدفتها بأكثر من 200 هجمة صاروخية خلال الأشهر الماضية. وأظهر رئيس الوزراء محمد شيّاع السوداني، موقفاً داعماً للحكومة السورية في ظروفها الحالية منذ اليوم الأول للهجوم الذي شنَّته الفصائل السورية المسلحة وتمكّنت من السيطرة على محافظة حلب ومدن أخرى، إذ أجرى اتصالاً بالرئيس السوري بشار الأسد وكذلك الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، وأكد دعمه لدمشق.

أعلن رئيس الحكومة العراقي محمد شيّاع السوداني، يوم الثلاثاء الماضي، موقفاً أكثر وضوحاً بالنسبة لدعم نظام دمشق، وذلك خلال اتصال - مماثل لاتصاليه مع القيادتين السورية والإيرانية - أجراه مع الرئيس التركي رجب طيب إردوغان.

ومما قاله السوداني إن «العراق لن يقف متفرجاً على التداعيات الخطيرة الحاصلة في سوريا، خصوصاً عمليات التطهير العرقي للمكوّنات والمذاهب هناك»، طبقاً لبيان حكومي.

كذلك شدّد الزعيم العراقي على أنه سبق لبلاده أن «تضرّرت من الإرهاب ونتائج سيطرة التنظيمات المتطرّفة على مناطق في سوريا، ولن يُسمَح بتكرار ذلك»، مؤكداً «أهمية احترام وحدة سوريا وسيادتها، وأن العراق سيبذل كل الجهود من أجل الحفاظ على أمنه وأمن سوريا».

محمد شياع السوداني (آ ف ب)

السوداني كان قد انهمك بسلسلة اتصالات خلال الأيام القليلة الماضية مع عدد من قادة الدول، بخصوص الوضع في سوريا؛ من «أجل دعم الاستقرار في المنطقة، وعدم حصول أي تداعيات فيها، خصوصاً مع ما تشهده من حرب إجرامية صهيونية مستمرة منذ أكثر من عام» بحسب بيان حكومي.

وأظهرت قوى «الإطار التنسيقي» الشيعية موقفاً مماثلاً وداعماً لحكومة السوداني في مواقفها حيال سوريا، لكنها أعربت خلال اجتماع، الثلاثاء الماضي أيضاً، عن قلقها جراء الأوضاع في سوريا بعد «احتلال الإرهابيين مناطق مهمة» طبقاً لبيان صدر عن الاجتماع. وعدّت «أمن سوريا امتداداً للأمن القومي العراقي للجوار الجغرافي بين البلدين، والامتدادات المختلفة لذلك الجوار».

الحدود المشتركة مؤمّنة

للعلم، مع الشرارة الأولى لاندلاع الأزمة السورية، اتخذت السلطات العراقية على المستوى الأمني إجراءات عديدة «لتأمين» حدودها الممتدة لأكثر من 600 كيلومتر مع سوريا. وصدرت بيانات كثيرة حول جاهزية القوات العراقية وقدرتها على التصدّي لأي محاولة توغّل داخل الأراضي العراقية من قبل الفصائل المسلحة من الجانب السوري، مثلما حدث صيف عام 2014، حين تمكَّنت تلك الجماعات من كسر الحدود المشتركة والسيطرة على مساحات واسعة من العراق.

اللواء يحيى رسول، الناطق باسم القائد العام للقوات المسلحة العراقية، أوضح (الثلاثاء) أبرز الإجراءات المُتَّخذة لتحصين الحدود مع سوريا. وقال في تصريحات صحافية إن «الحدود مؤمَنة ومُحكمة بشكل كبير من تحكيمات وتحصينات، وهناك وجود لقوات الحدود على خط الصفر الذي يربطنا مع الجارة سوريا مدعومة بالأسلحة الساندة والجهد الفني، المتمثل بالكاميرات الحرارية وأبراج المراقبة المحصّنة». وأضاف رسول: «لا خوف على الحدود العراقية، فهي مؤمّنة ومحكمة ومحصّنة، وأبطالنا منتشرون على طولها»، مشيراً إلى أنه «تم تعزيز الحدود بقطاعات من الألوية المدرعة وهي موجودة أيضاً عند الحدود».

أيضاً، وصل وفد أمني برئاسة الفريق أول قوات خاصة الركن عبد الأمير رشيد يارالله، رئيس أركان الجيش، يوم الأربعاء، إلى الشريط الحدودي العراقي - السوري. وذكر بيان عسكري أن «هدف الزيارة جاء لمتابعة انتشار القطعات الأمنية وانفتاح خطوط الصد».

غموض في الموقف

إلا أنه حتى مع المواقف الحكومية الداعمة لدمشق في أزمتها الراهنة، يبدو جلياً «الالتباس» بالنسبة لكثرة من المراقبين، وبالأخص لجهة شكل ذلك الدعم وطبيعته، وما إذا كانت السلطات الحكومية العراقية ستنخرط بقوة لمساعدة نظام الأسد عسكرياً، أم أنها ستبقى عند منطقة الدعم السياسي والدبلوماسي، تاركة أمر الانخراط والمساعدة الميدانية للفصائل المسلحة.

وهنا يلاحظ إياد العنبر، أستاذ العلوم السياسية في جامعة بغداد، وجود «التباس واضح حيال الموقف من الحدث السوري، وهذا الالتباس نختبره منذ سنوات، وليس هناك تمييز واضح بين العراق الرسمي وغير الرسمي». وتابع العنبر لـ«الشرق الأوسط» أن «مستويات تفعيل المساهمة العراقية في الحرب غير واضحة، وإذا ما قررت الحكومة البقاء على المستوى الدبلوماسي بالنسبة لقضة دعم سوريا، أم أن هناك مشاركة عسكرية».

غير أن إحسان الشمري، أستاذ الدراسات الاستراتيجية والدولية في جامعة بغداد، يعتقد بأن «العراق الرسمي عبَر عتبة التردّد، وبات منخرطاً في الأزمة السورية». وفي لقاء مع «الشرق الأوسط» بنى الشمري فرضيته على مجمل المواقف الرسمية التي صدرت عن رئيس الوزراء، والناطق الرسمي، وزعماء «الإطار التنسيقي»، وشرح قائلاً إن «هذه المواقف بمجملها كسرت مبدأ الحياد وعدم التدخل في شؤون الدول الأخرى الذي يتمسّك به العراق، إلى جانب كونها انخراطاً رسمياً عراقياً بالأزمة السورية».

نتنياهو غير مضمون

ولكن، بعيداً عن الانشغال الراهن بالأزمة السورية، ما زالت التهديدات الإسرائيلية بين أهم القضايا التي تشغل الرأي العام ببعدَيه السياسي والشعبي. وحتى مع الترحيب العراقي بقرار وقف إطلاق النار بين إسرائيل و«حزب الله»، ما زالت مخاوف البلاد من ضربة إسرائيلية محتملة قائمةً.

ولقد قال الناطق باسم الحكومة باسم العوادي، الأربعاء قبل الماضي، في تصريحات صحافية، إنه «مع عملية وقف إطلاق النار في لبنان، نحن أنهينا الجزء الأسهل، فالمعركة انتهت والحرب لم تنتهِ، فالأصعب أنك ستدخل بالمخططات غير المعلومة. ونحن (العراق) واقعون في المنطقة الحرام، لكن السياسة العقلانية المتوازنة استطاعت أن تجنبنا الضرر».

وأجاب، من ثم، عن طبيعة الرد العراقي إذا ما هاجمت إسرائيل أراضيه، بالقول: «إلى حد أيام قليلة كانت تأتي نتائج جيدة من المعادلات التي اشتغل عليها رئيس الوزراء، لكن رغم ذلك فلا أحد يضمن ما الذي يدور في بال حكومة نتنياهو، وما هو القادم مع الإدارة الأميركية الجديدة، وكيف سيتصرف نتنياهو».

وتابع العوادي، أن «الإسرائيليين عملوا على تفكيك الساحات، وتوجيه ضربات إلى اليمن وسوريا، لكن الطرف العراقي هو الوحيد الذي لم يستطيعوا الوصول إليه بفضل المعادلة... وقد يكونون وضعونا للحظات الأخيرة أو الأيام الأخيرة بنوع ما، وهذا وارد جداً، وتتعامل الحكومة العراقية مع ذلك».

شبح هجوم إسرائيلي

وحقاً، لا يزال شبح هجوم إسرائيلي واسع يخيم على بغداد، إذ تناقلت أوساط حزبية تحذيرات جدية من شنِّ ضربات جوية على العراق. وفي وقت سابق، قال مصدر مقرّب من قوى «الإطار التنسيقي» الشيعية، لـ«الشرق الأوسط»، إنَّ «مخاوف الأحزاب الشيعية من جدية التهديد دفعتها إلى مطالبة رئيس الحكومة للقيام بما يلزم لمنع الهجمات». وأكَّد المصدر أنَّ «فصائل عراقية مسلّحة لجأت أخيراً إلى التحرك في أجواء من التكتم والسرية، وقد جرى بشكل مؤكد إبدال معظم المواقع العسكرية التابعة لها».

وفي سياق متصل، تتحدَّث مصادر صحافية عمَّا وصفتها بـ«التقديرات الحكومية» التي تشير إلى إمكانية تعرّض البلاد لـ«300 هجوم إسرائيلي». وفي مطلع الأسبوع الماضي، شدَّدت وزارة الخارجية العراقية، في رسالة إلى مجلس الأمن، على أهمية «تدخل المجتمع الدولي لوقف هذه السلوكيات العدوانية لإسرائيل».

كما أنَّه حيال التهديدات الجدية والخشية الحقيقية من عمل عسكري إسرائيل ضد البلاد، اهتدت بعض الشخصيات والأجواء المقرّبة من الحكومة والفصائل إلى «رمي الكرة» في الملعب الأميركي، مستندين بذلك إلى اتفاقية «الإطار الاستراتيجي» المُوقَّعة منذ عام 2011، بين بغداد وواشنطن، وهو العام الذي خرجت فيه القوات الأميركية من العراق.

التهديدات الإسرائيلية من أهم القضايا التي تشغل الرأي العام العراقي

هادي العامري (رووداو)

العامري يلوم واشنطن

أيضاً، وجد هادي العامري، زعيم منظمة «بدر»، بنهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، الفرصة ليحمّل واشنطن مسؤولية حماية الأجواء العراقية، بعدما شنَّت إسرائيل هجوماً عسكرياً ضد إيران، مستخدمةً الأجواء العراقية في هجماتها. ويومذاك، حمّل العامري الجانب الأميركي «المسؤولية الكاملة» على انتهاك إسرائيل سيادة الأجواء العراقية في طريقها لضرب إيران. وقال، إن «الجانب الأميركي أثبت مجدّداً إصراره على الهيمنة على الأجواء العراقية، وعمله بالضد من مصالح العراق وشعبه وسيادته، بل سعيه لخدمة الكيان الصهيوني وإمداده بكل ما يحتاج إليه لممارسة أساليبه العدوانية، وتهديده للسلام والاستقرار في المنطقة».

وأضاف العامري: «لهذا باتت الحاجة ماسة أكثر من أي وقت مضى لإنهاء الوجود العسكري الأميركي في العراق بأشكاله كافة». وللعلم، فإن منظمة «بدر» - التي يقودها العامري - وردت ضمن لائحة المنظمات التي اتهمتها إسرائيل بشنِّ هجمات ضدها خلال الشكوى التي قدمتها إلى مجلس الأمن في 18 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي.

وبناءً على تصريحات العامري السالفة، وتصريحات أخرى لشخصيات مقرّبة من الفصائل المسلحة وقوى «الإطار التنسيقي» الشيعية، تبلورت خلال الأسبوع الأخير، قناعة داخل أوساط هذه القوى مفادها، بأن واشنطن «ملزمة وبشكل مباشر بحماية الأجواء العراقية» من أي هجوم محتمل من إسرائيل أو غيرها، أخذاً في الاعتبار الاتفاقية الاستراتيجية الموقعة و«سيطرتها على الأجواء العراقية».

وبالتوازي، سبق أن حمّل فادي الشمري، المستشار السياسي لرئيس الوزراء، الولايات المتحدة، أيضاً وفقاً لـ«اتفاقية الإطار الاستراتيجي والاتفاقية الأمنية»، مسؤولية «الردع، والرد على أي هجمات خارجية تمسّ الأمن الداخلي العراقي».

الرد الأميركي قاطع

في المقابل، تخلي واشنطن مسؤوليتها حيال هذا الأمر. ورداً على المزاعم العراقية المتعلقة بـ«الحماية الأميركية»، قالت ألينا رومانوسكي، السفيرة الأميركية في بغداد، صراحةً إن بلادها غير معنية بذلك. وأردفت رومانوسكي، خلال مقابلة تلفزيونية سابقة، أن التحالف الدولي دُعي إلى العراق لـ«محاربة (داعش) قبل 10 سنوات، وقد حققنا إنجازات على مستوى هزيمة هذا التنظيم، لكنه ما زال يمثل بعض التهديد، ودعوة الحكومة العراقية لنا تتعلق بهذا الجانب حصراً. أما اتفاقية الإطار الاستراتيجي فتلزمنا ببناء القدرات العسكرية العراقية، لكنها لا تتطرق لمسألة حماية الأجواء والدفاع بالنيابة». ونفت السفيرة أن تكون بلادها قد «فرضت سيطرتها على سماء العراق».

والاثنين قبل الماضي، قالت رومانوسكي، خلال لقاء «طاولة مستديرة» لعدد من وسائل الإعلام: «أود أن أكون واضحة جداً، ومنذ البداية، بأن الإسرائيليين وجّهوا تحذيرات ردع للميليشيات المدعومة إيرانياً والموجودة هنا في العراق، التي تعتدي على إسرائيل». وأضافت: «هذه الميليشيات هي التي بدأت الاعتداء على إسرائيل. ولأكون واضحة جداً في هذه النقطة، فإن الإسرائيليين حذّروا حكومة العراق بأن يوقف هذه الميليشيات عن اعتداءاتها المتكررة والمستمرة على إسرائيل... إن رسالتنا إلى حكومة العراق هي أن تسيطر على هذه الميليشيات المنفلتة، والتي لا تعتد بأوامر الحكومة وأوامر القائد العام للقوات المسلحة رئيس الوزراء. إن إسرائيل دولة لها سيادتها، وهي سترد على أي اعتداء من أي مكان ضدها».

جدعون ساعر (آ ف ب)

 

حقائق

قلق عراقي جدّي من التهديدات الإسرائيلية مع مطالبة واشنطن بالتدخّل

خلال الأسبوع قبل الماضي، بعث وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر رسالةً إلى مجلس الأمن تكلّم فيها عمّا أسماه بـ«حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها»، وحمّل فيها الحكومة العراقية المسؤولية عن الهجمات التي تشنها الفصائل العراقية عليها، داعياً مجلس الأمن للتحرك والتأكد من أن الحكومة العراقية تفي بالتزاماتها. ساعر اتّهم بالتحديد «عصائب أهل الحق» و«كتائب حزب الله» و«ألوية بدر» وحركة «النُّجباء» و«أنصار الله الأوفياء» و«كتائب سيد الشهداء»، بمهاجمة إسرائيل، ومعظم هذه الفصائل مشاركة في الحكومة العراقية الحالية ولها نفوذ كبير داخلها. هنا، تجدر الإشارة إلى أنه سبق لرئاسة الوزراء العراقية توجيه وزارة الخارجية لمتابعة ملف التهديدات الإسرائيلية في المحافل الأممية والدولية وأمام هيئات منظمة الأمم المتحدة، واتخاذ كل الخطوات اللازمة، وفق مبادئ القانون الدولي، لحفظ حقوق العراق وردع تهديدات إسرائيل العدوانية. كذلك طالبت رئاسة الوزراء بـ«دعوة جامعة الدول العربية إلى اتخاذ موقف حازم وموحّد ضد تهديدات سلطات الكيان المحتل، يتضمن إجراءات عملية تستند إلى وحدة المصير والدفاع المشترك». وهذا بجانب «مطالبة مجلس الأمن الدولي بالنظر في الشكاوى المقدمة من جمهورية العراق ضد سلطات الكيان المحتل، واتخاذ إجراءات رادعة تكفل تحقيق الاستقرار والسِّلم الإقليمي والدولي»، وباتخاذ الولايات المتحدة مع العراق، من خلال الحوارات الأمنية والعسكرية ضمن إطار القسم الثالث من «اتفاقية الإطار الاستراتيجي»، خطوات فعالة «لردع سلطات الكيان المحتل» مع دعوة «التحالف الدولي والدول الأعضاء فيه إلى كبح هذه التهديدات والحدّ من اتساع رقعة الحرب».