لبنان تحت ضغط مليوني لاجئ سوري

الخسائر تتخطى ما حدث في حرب تموز.. والحكومة تتجه لتطبيق سياسات «جديدة وحازمة»

لبنان تحت ضغط مليوني لاجئ سوري
TT

لبنان تحت ضغط مليوني لاجئ سوري

لبنان تحت ضغط مليوني لاجئ سوري

يتخطى عدد اللاجئين السوريين المسجلين في لبنان المليون و25 ألفا، بحسب مفوضية الأمم المتحدة. أما عددهم الإجمالي (أي المسجلين وغير المسجلين) فيلامس المليونين، بحسب مصادر رسمية، ما يشكل ضغطا سياسيا وأمنيا واقتصاديا على البلاد، بالإضافة إلى التداعيات الإجتماعية. وبعد ان تعدت لبنان «عتبة المليون»، أعلنت تركيا أمس انها أيضا باتت تستضيف مليون لاجئ سوري.
ويبلغ عدد اللاجئين الفلسطينيين المسجلين والذين يعيشون في لبنان منذ النكبة في عام 1948 نحو 460 ألفا، مما يعني أن مجمل عدد اللاجئين بات يوازي نصف عدد سكان لبنان، الذي أعلنت مفوضية شؤون اللاجئين أنّه بات يسجّل أعلى نسبة كثافة نازحين في العالم في التاريخ الحديث مقارنة بعدد السكان، مع وجود نحو 230 نازحا سوريا مسجلين مقابل كل 1000 لبناني.
وقد تضخم عدد اللاجئين السوريين المسجلين بشكل لافت خلال العامين الماضيين، فبعدما سجّل شهر أبريل (نيسان) 2012 دخول 18000 لاجئ سوري إلى لبنان؛ وصل العدد إلى 356000 بحلول أبريل من عام 2013، ليصل في الثالث من الشهر الحالي إلى مليون شخص. ورفضت الحكومة اللبنانية في الأعوام الثلاثة الماضية إقامة مخيمات للاجئين السوريين خوفا من تكرار تجربة اللجوء الفلسطيني بحيث لا يزال نحو نصف مليون لاجئ فلسطيني يستقرون منذ عام 1948 في 12 مخيما موزعة على المناطق اللبنانية.
ويعيش اللاجئون السوريون إما في شقق استأجروها أو في غرف صغيرة أو لدى عائلات لبنانية مضيفة، وإما في مخيمات عشوائية منتشرة على الأراضي اللبنانية تفتقر لحد أدنى من مقومات العيش.

* سياسة لبنانية جديدة

* وقد استنفرت أجهزة الدولة مؤخرا للتصدي لتداعيات أزمة اللجوء السوري والتي طالت كل القطاعات، وباشرت لجنة حكومية يترأسها رئيس مجلس الوزراء تمام سلام إعداد خطة جديدة وحازمة للتعاطي مع الملف. وأشار وزير الشؤون الاجتماعية رشيد درباس إلى أن هذه الخطة سترتكز بشكل أساسي على تنظيم الدخول السوري إلى لبنان، متسائلا «ماذا يفعل ابن الحسكة ودرعا ودير الزور في لبنان؟ نتفهم أن يأتينا نازحون من حمص وحماه ويبرود والنبك وغيرها من المناطق الحدودية، لكن ليس سوريين من مناطق حدودية مع الأردن وتركيا».
ولفت درباس في حديث مع «الشرق الأوسط» إلى أنه بعدما أغلقت الدول المذكورة أبوابها في وجه اللاجئين بات لا مفر لهم إلا اللجوء إلى لبنان حيث الأبواب دائما مفتوحة من دون قيود، وأضاف «في السابق كنا نتحدث عن بضعة آلاف لبضعة أشهر، أما اليوم فنحن بصدد بضعة ملايين لبضع سنوات، وبالتالي فإن التعاطي مع الملف كما كان يتم سابقا لم يعد مسموحا».
وأشار إلى أن المطلوب اليوم إيجاد وسيلة لحث اللاجئين السوريين على العودة إلى مناطقهم خاصة أن هناك ما بين 700 و900 مخيم عشوائي منتشرة على الأراضي اللبنانية، وهي مخيمات تضم 17 في المائة من النازحين الذين لا يخضعون لأي نوع من الرقابة. وقال «المطلوب البحث جديا عن إنشاء أماكن استقبال للاجئين عند الحدود السورية كتوطئة لعودتهم إلى قراهم، على أن تهتم الأمم المتحدة بحماية هؤلاء اللاجئين وتأمين كل احتياجاتهم».
وشدّد درباس على أن القضية ليست قضية لبنانية بحتة بل قضية عربية – قومية، لافتا إلى أنه على الدول العربية وانطلاقا من جامعة الدول العربية إنشاء خلية أزمة لمعالجة القضية، خاصة أن «الوضع بات ينذر بإمكانية تحول اللجوء السوري إلى ما يشبه اللجوء الفلسطيني، مع اعتماد سياسة تطهير مناطق كاملة في سوريا لإخلائها بشكل تام من السكان».
ووصف وزير الشؤون الاجتماعية لبنان في كنف الظروف الحالية بأنها «قنبلة نووية بشرية موقوتة»، مما بات يستدعي استنفارا دوليا.

* الخسائر الاقتصادية

* وترك اللجوء السوري بصمات كبيرة على الأوضاع الأمنية والاقتصادية والإنسانية والصحية والاجتماعية في لبنان، وتخطى حجم الخسائر الاقتصادية التي مني بها لبنان في السنوات الثلاث الماضية، بحسب دراسة أعدها البنك الدولي، 7.5 مليار دولار، مما يعني أن الخسائر نتيجة النزوح السوري تخطت حجم خسائر حرب تموز، كما تؤكد مصادر رسمية. وأفادت دراسة البنك الدولي، التي أجريت بطلب من الحكومة اللبنانية نهاية العام الماضي، بأن المصاريف المباشرة للخزينة اللبنانية لتأمين الخدمات الإضافية للنازحين السوريين بلغت 1.1 مليار دولار، ونبّهت إلى أن 170 ألف لبناني سيكونون تحت خط الفقر في إطار التداعيات السورية على لبنان، علما بأن 40 في المائة من اللبنانيين هم أصلا تحت هذا الخط.
ولفت الخبير الاقتصادي وليد أبو سليمان إلى أن تكلفة النازح السوري الواحد على لبنان تتراوح ما بين 1700 و2000 دولار أميركي لتأمين الخدمات الصحية والتعليمية والطاقة والمياه وغيرها، مشيرا إلى أن لبنان بحاجة اليوم لما يقارب المليارين و200 مليون دولار أميركي لتغطية تكاليف النازحين الموجودين على أراضيه.
وأوضح أبو سليمان، في حديث مع «الشرق الأوسط»، أن المدارس الرسمية اللبنانية تستقبل حاليا 450 ألف تلميذ سوري مقابل 350 ألف طالب لبناني، مشيرا إلى أن الإشكالية الكبيرة التي تشهدها البلاد هي لجهة منافسة اللاجئ السوري المواطن اللبناني بسوق العمل، باعتبار أن اللاجئ يتقاضى نحو 16 في المائة أقل مما يتقاضاه اللبناني. وقد قدرت منظمة العمل الدولية نسبة البطالة في لبنان بنحو 22 في المائة في عام 2013، فيما يقدر البنك الدولي هذه النسبة بنحو 34 في المائة. وكشفت منظمة العمل الدولية، في تقرير لها بعنوان «اتجاهات العمل العالمية لعام 2014»، أن تدفق النازحين السوريين إلى لبنان قد يزيد حجم القوى العاملة بنسبة 30 إلى 50 في المائة.
وأشار أبو سليمان إلى أنه عندما تزيد البطالة ترتفع تلقائيا نسبة الفقر خاصة في بلد تخطى الدين العام فيه الـ64 مليار دولار في نهاية يناير (كانون الثاني) الماضي، أي بزيادة 400 مليون دولار عن نهاية عام 2013. ولفت إلى أن لبنان وصل للذروة في ما يخص موضوع اللاجئين، وعليه دق ناقوس الخطر كي تتحرك المنظمات العالمية لإغاثته «فهو يعيش في حالة كساد منذ نشوب الأزمة السورية، وقد انخفضت وارداته 6 في المائة في مقابل ازدياد النفقات 5.5 في المائة جراء انعدام النمو».

* التكلفة الصحية السنوية

* ويشكل الملف الصحي أحد أبرز التحديات التي يواجهها لبنان مع بروز أمراض جديدة لم يعرفها من قبل، مما استدعى استنفار وزارة الصحة والمنظمات العالمية المعنية لمنع انتقال الأمراض المعدية إلى المجتمعات اللبنانية المضيفة. ولفت الدكتور بهيج عربيد، مستشار شؤون التخطيط في وزارة الصحة اللبنانية، إلى أنه تم تسجيل 110 حالات سل في صفوف اللاجئين السوريين في لبنان، وأكثر من 1300 حالة من اللشمانيا (حبة حلب) في عام 2013، وأكثر من 220 حالة في العام الحالي، وهو داء لم يعرفه لبنان من قبل، وقد يتسبب في تشوهات.
وأوضح عربيد، في حديث مع «الشرق الأوسط»، أن ازدياد أعداد اللاجئين وكثرة حركتهم يعقدان الأمور لجهة مراقبتهم صحيا ومنع انتقال الأمراض إلى لاجئين آخرين أو إلى اللبنانيين. ونظّمت وزارة الصحة بالتعاون مع منظمات صحية عالمية 4 حملات للتلقيح ضد شلل الأطفال بعد ظهور 60 حالة في سوريا و220 حالة أخرى غير مؤكدة، علما بأن هذا المرض لم يعرفه لبنان منذ أكثر من 12 عاما. وتستهدف الحملة الرابعة التي انطلقت يوم الجمعة الماضي نحو 600 ألف طفل سوري ولبناني وفلسطيني لا تتعدى أعمارهم خمس سنوات. وأشار عربيد إلى أن الظروف السيئة التي يعيش بكنفها اللاجئون تجعلهم عرضة لكل هذه الأمراض وسواها، لافتا إلى أن الأمراض الأكثر شيوعا حاليا بينهم هي: التيفويد، الحمى الملطية (التهاب الكبد)، والتهاب السحايا. ولم تتسلم وزارة الصحة اللبنانية أي مبالغ مالية لإغاثة اللاجئين منذ 3 سنوات وحتى اليوم باعتبار أن المنظمات الدولية فضّلت تقديم الخدمات الصحية بشكل مباشر أو عبر جمعيات محلية وأهلية.
ونبّهت منظمة «الأمم المتحدة للطفولة» (اليونيسيف) في فبراير (شباط) الماضي إلى أن هناك قرابة ألفي طفل سوري لاجئ في لبنان يعانون من سوء التغذية الحاد ويحتاجون إلى علاج فوري كي يكتب لهم البقاء على قيد الحياة. وأشارت «اليونيسيف» إلى أن أشد فئات أطفال اللاجئين السوريين ضعفا في لبنان، خاصة الأطفال دون سن الخامسة الذين يعيشون ظروفا عصيبة، هم الأكثر عرضة لخطر الإصابة بسوء التغذية.

* تحذير من صراع لبناني ـ سوري على لقمة العيش

* وتخشى مصادر رسمية من انفجار أزمة اللجوء السوري على شكل صراع لبناني – سوري على لقمة العيش، لافتة إلى أن معظم الدول التي تعرب عن نيتها لتقديم مساعدات للاجئين السوريين باتت تعي تماما أن هذه المساعدات يجب أن توزع وبالتساوي على اللاجئين والمجتمعات المضيفة نظرا للحساسية الكبيرة التي تتزايد بين المجتمعين اللبناني والسوري.
وأشارت المصادر في حديث مع «الشرق الأوسط» إلى أن الأمور حتى الساعة لا تزال مضبوطة لكنها قد لا تبقى كذلك خاصة أنه باتت للسوريين مجتمعاتهم الخاصة في لبنان، مدارسهم ومؤسساتهم التي لا توظف إلا السوريين. وقد قدمت ألمانيا نهاية الشهر الماضي 5 ملايين دولار أميركي للحكومة اللبنانية لدعم المجتمعات المستضيفة للاجئين السوريين، على أن يتم ذلك من خلال إدخال مشاريع تنموية تعمل على تطوير بنى الإنتاج المحلي، مما يؤمن عملا لائقا يساعد اللبنانيين على الصمود والمواجهة واحتضان اللاجئين.
ولفتت الناطقة باسم مفوضية شؤون اللاجئين في بيروت جويل عيد إلى أن المفوضية كما الدولة اللبنانية دقت ناقوس الخطر بعدما تخطى عدد اللاجئين السوريين المليون في دولة هي الأصغر في العالم التي تستوعب هذا العدد من النازحين. ونبّهت عيد في حديث مع «الشرق الأوسط» من تداعيات جمّة لملف اللاجئين على مجمل القطاعات اللبنانية خاصة على الاقتصاد، مشددة على وجوب وقوف المجتمع الدولي إلى جانب لبنان في هذه المحنة، خاصة أن وتيرة النزوح لا تزال على حالها مع توقعات بأن يتم تسجيل مليون و500 ألف نازح سوري في لبنان نهاية العام الحالي.
وشددت على وجوب أن يبقي لبنان حدوده مفتوحة على الرغم من كل الصعوبات التي ترافق ذلك باعتبار أن اللاجئين هم مدنيون فروا مضطرين من القتال الدائر في سوريا ولم يجدوا خيارا آخر إلا الهروب، داعية المجتمع الدولي لإيجاد حلول طارئة للأزمة خاصة في ظل غياب القرار السياسي اللبناني بإنشاء مخيمات لهم. وأشار مصدر دبلوماسي أوروبي في حديث مع «الشرق الأوسط» إلى أن أكثرية الدول الأوروبية كانت تدعم ومنذ اندلاع الأزمة السورية إقامة مخيمات للاجئين في لبنان على غرار ما حصل في تركيا والأردن، باعتبار أن ذلك يتيح «إدارة أفضل لملفات الصحة والغذاء والتعليم والأمن».
ولفت المصدر إلى أن قرار الحكومة اللبنانية السابقة كان نهائيا لجهة رفض خيار المخيمات، مما جعل الأمور تتفاقم على كل المستويات.



الحدود العراقية ــ السورية... وذكريات صيف 2014

شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
TT

الحدود العراقية ــ السورية... وذكريات صيف 2014

شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)

شأن معظم دول المنطقة والإقليم، تسببت الأزمة السورية المتصاعدة في تراجع الاهتمام الرسمي والشعبي العراقي بالحرب التي تشنّها إسرائيل على غزة ولبنان، بعد أن كانت تحظى بأولوية قصوى، خصوصاً بعد التهديدات الإسرائيلية بتوجيه ضربات عسكرية ضد الفصائل المسلحة العراقية التي استهدفتها بأكثر من 200 هجمة صاروخية خلال الأشهر الماضية. وأظهر رئيس الوزراء محمد شيّاع السوداني، موقفاً داعماً للحكومة السورية في ظروفها الحالية منذ اليوم الأول للهجوم الذي شنَّته الفصائل السورية المسلحة وتمكّنت من السيطرة على محافظة حلب ومدن أخرى، إذ أجرى اتصالاً بالرئيس السوري بشار الأسد وكذلك الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، وأكد دعمه لدمشق.

أعلن رئيس الحكومة العراقي محمد شيّاع السوداني، يوم الثلاثاء الماضي، موقفاً أكثر وضوحاً بالنسبة لدعم نظام دمشق، وذلك خلال اتصال - مماثل لاتصاليه مع القيادتين السورية والإيرانية - أجراه مع الرئيس التركي رجب طيب إردوغان.

ومما قاله السوداني إن «العراق لن يقف متفرجاً على التداعيات الخطيرة الحاصلة في سوريا، خصوصاً عمليات التطهير العرقي للمكوّنات والمذاهب هناك»، طبقاً لبيان حكومي.

كذلك شدّد الزعيم العراقي على أنه سبق لبلاده أن «تضرّرت من الإرهاب ونتائج سيطرة التنظيمات المتطرّفة على مناطق في سوريا، ولن يُسمَح بتكرار ذلك»، مؤكداً «أهمية احترام وحدة سوريا وسيادتها، وأن العراق سيبذل كل الجهود من أجل الحفاظ على أمنه وأمن سوريا».

محمد شياع السوداني (آ ف ب)

السوداني كان قد انهمك بسلسلة اتصالات خلال الأيام القليلة الماضية مع عدد من قادة الدول، بخصوص الوضع في سوريا؛ من «أجل دعم الاستقرار في المنطقة، وعدم حصول أي تداعيات فيها، خصوصاً مع ما تشهده من حرب إجرامية صهيونية مستمرة منذ أكثر من عام» بحسب بيان حكومي.

وأظهرت قوى «الإطار التنسيقي» الشيعية موقفاً مماثلاً وداعماً لحكومة السوداني في مواقفها حيال سوريا، لكنها أعربت خلال اجتماع، الثلاثاء الماضي أيضاً، عن قلقها جراء الأوضاع في سوريا بعد «احتلال الإرهابيين مناطق مهمة» طبقاً لبيان صدر عن الاجتماع. وعدّت «أمن سوريا امتداداً للأمن القومي العراقي للجوار الجغرافي بين البلدين، والامتدادات المختلفة لذلك الجوار».

الحدود المشتركة مؤمّنة

للعلم، مع الشرارة الأولى لاندلاع الأزمة السورية، اتخذت السلطات العراقية على المستوى الأمني إجراءات عديدة «لتأمين» حدودها الممتدة لأكثر من 600 كيلومتر مع سوريا. وصدرت بيانات كثيرة حول جاهزية القوات العراقية وقدرتها على التصدّي لأي محاولة توغّل داخل الأراضي العراقية من قبل الفصائل المسلحة من الجانب السوري، مثلما حدث صيف عام 2014، حين تمكَّنت تلك الجماعات من كسر الحدود المشتركة والسيطرة على مساحات واسعة من العراق.

اللواء يحيى رسول، الناطق باسم القائد العام للقوات المسلحة العراقية، أوضح (الثلاثاء) أبرز الإجراءات المُتَّخذة لتحصين الحدود مع سوريا. وقال في تصريحات صحافية إن «الحدود مؤمَنة ومُحكمة بشكل كبير من تحكيمات وتحصينات، وهناك وجود لقوات الحدود على خط الصفر الذي يربطنا مع الجارة سوريا مدعومة بالأسلحة الساندة والجهد الفني، المتمثل بالكاميرات الحرارية وأبراج المراقبة المحصّنة». وأضاف رسول: «لا خوف على الحدود العراقية، فهي مؤمّنة ومحكمة ومحصّنة، وأبطالنا منتشرون على طولها»، مشيراً إلى أنه «تم تعزيز الحدود بقطاعات من الألوية المدرعة وهي موجودة أيضاً عند الحدود».

أيضاً، وصل وفد أمني برئاسة الفريق أول قوات خاصة الركن عبد الأمير رشيد يارالله، رئيس أركان الجيش، يوم الأربعاء، إلى الشريط الحدودي العراقي - السوري. وذكر بيان عسكري أن «هدف الزيارة جاء لمتابعة انتشار القطعات الأمنية وانفتاح خطوط الصد».

غموض في الموقف

إلا أنه حتى مع المواقف الحكومية الداعمة لدمشق في أزمتها الراهنة، يبدو جلياً «الالتباس» بالنسبة لكثرة من المراقبين، وبالأخص لجهة شكل ذلك الدعم وطبيعته، وما إذا كانت السلطات الحكومية العراقية ستنخرط بقوة لمساعدة نظام الأسد عسكرياً، أم أنها ستبقى عند منطقة الدعم السياسي والدبلوماسي، تاركة أمر الانخراط والمساعدة الميدانية للفصائل المسلحة.

وهنا يلاحظ إياد العنبر، أستاذ العلوم السياسية في جامعة بغداد، وجود «التباس واضح حيال الموقف من الحدث السوري، وهذا الالتباس نختبره منذ سنوات، وليس هناك تمييز واضح بين العراق الرسمي وغير الرسمي». وتابع العنبر لـ«الشرق الأوسط» أن «مستويات تفعيل المساهمة العراقية في الحرب غير واضحة، وإذا ما قررت الحكومة البقاء على المستوى الدبلوماسي بالنسبة لقضة دعم سوريا، أم أن هناك مشاركة عسكرية».

غير أن إحسان الشمري، أستاذ الدراسات الاستراتيجية والدولية في جامعة بغداد، يعتقد بأن «العراق الرسمي عبَر عتبة التردّد، وبات منخرطاً في الأزمة السورية». وفي لقاء مع «الشرق الأوسط» بنى الشمري فرضيته على مجمل المواقف الرسمية التي صدرت عن رئيس الوزراء، والناطق الرسمي، وزعماء «الإطار التنسيقي»، وشرح قائلاً إن «هذه المواقف بمجملها كسرت مبدأ الحياد وعدم التدخل في شؤون الدول الأخرى الذي يتمسّك به العراق، إلى جانب كونها انخراطاً رسمياً عراقياً بالأزمة السورية».

نتنياهو غير مضمون

ولكن، بعيداً عن الانشغال الراهن بالأزمة السورية، ما زالت التهديدات الإسرائيلية بين أهم القضايا التي تشغل الرأي العام ببعدَيه السياسي والشعبي. وحتى مع الترحيب العراقي بقرار وقف إطلاق النار بين إسرائيل و«حزب الله»، ما زالت مخاوف البلاد من ضربة إسرائيلية محتملة قائمةً.

ولقد قال الناطق باسم الحكومة باسم العوادي، الأربعاء قبل الماضي، في تصريحات صحافية، إنه «مع عملية وقف إطلاق النار في لبنان، نحن أنهينا الجزء الأسهل، فالمعركة انتهت والحرب لم تنتهِ، فالأصعب أنك ستدخل بالمخططات غير المعلومة. ونحن (العراق) واقعون في المنطقة الحرام، لكن السياسة العقلانية المتوازنة استطاعت أن تجنبنا الضرر».

وأجاب، من ثم، عن طبيعة الرد العراقي إذا ما هاجمت إسرائيل أراضيه، بالقول: «إلى حد أيام قليلة كانت تأتي نتائج جيدة من المعادلات التي اشتغل عليها رئيس الوزراء، لكن رغم ذلك فلا أحد يضمن ما الذي يدور في بال حكومة نتنياهو، وما هو القادم مع الإدارة الأميركية الجديدة، وكيف سيتصرف نتنياهو».

وتابع العوادي، أن «الإسرائيليين عملوا على تفكيك الساحات، وتوجيه ضربات إلى اليمن وسوريا، لكن الطرف العراقي هو الوحيد الذي لم يستطيعوا الوصول إليه بفضل المعادلة... وقد يكونون وضعونا للحظات الأخيرة أو الأيام الأخيرة بنوع ما، وهذا وارد جداً، وتتعامل الحكومة العراقية مع ذلك».

شبح هجوم إسرائيلي

وحقاً، لا يزال شبح هجوم إسرائيلي واسع يخيم على بغداد، إذ تناقلت أوساط حزبية تحذيرات جدية من شنِّ ضربات جوية على العراق. وفي وقت سابق، قال مصدر مقرّب من قوى «الإطار التنسيقي» الشيعية، لـ«الشرق الأوسط»، إنَّ «مخاوف الأحزاب الشيعية من جدية التهديد دفعتها إلى مطالبة رئيس الحكومة للقيام بما يلزم لمنع الهجمات». وأكَّد المصدر أنَّ «فصائل عراقية مسلّحة لجأت أخيراً إلى التحرك في أجواء من التكتم والسرية، وقد جرى بشكل مؤكد إبدال معظم المواقع العسكرية التابعة لها».

وفي سياق متصل، تتحدَّث مصادر صحافية عمَّا وصفتها بـ«التقديرات الحكومية» التي تشير إلى إمكانية تعرّض البلاد لـ«300 هجوم إسرائيلي». وفي مطلع الأسبوع الماضي، شدَّدت وزارة الخارجية العراقية، في رسالة إلى مجلس الأمن، على أهمية «تدخل المجتمع الدولي لوقف هذه السلوكيات العدوانية لإسرائيل».

كما أنَّه حيال التهديدات الجدية والخشية الحقيقية من عمل عسكري إسرائيل ضد البلاد، اهتدت بعض الشخصيات والأجواء المقرّبة من الحكومة والفصائل إلى «رمي الكرة» في الملعب الأميركي، مستندين بذلك إلى اتفاقية «الإطار الاستراتيجي» المُوقَّعة منذ عام 2011، بين بغداد وواشنطن، وهو العام الذي خرجت فيه القوات الأميركية من العراق.

التهديدات الإسرائيلية من أهم القضايا التي تشغل الرأي العام العراقي

هادي العامري (رووداو)

العامري يلوم واشنطن

أيضاً، وجد هادي العامري، زعيم منظمة «بدر»، بنهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، الفرصة ليحمّل واشنطن مسؤولية حماية الأجواء العراقية، بعدما شنَّت إسرائيل هجوماً عسكرياً ضد إيران، مستخدمةً الأجواء العراقية في هجماتها. ويومذاك، حمّل العامري الجانب الأميركي «المسؤولية الكاملة» على انتهاك إسرائيل سيادة الأجواء العراقية في طريقها لضرب إيران. وقال، إن «الجانب الأميركي أثبت مجدّداً إصراره على الهيمنة على الأجواء العراقية، وعمله بالضد من مصالح العراق وشعبه وسيادته، بل سعيه لخدمة الكيان الصهيوني وإمداده بكل ما يحتاج إليه لممارسة أساليبه العدوانية، وتهديده للسلام والاستقرار في المنطقة».

وأضاف العامري: «لهذا باتت الحاجة ماسة أكثر من أي وقت مضى لإنهاء الوجود العسكري الأميركي في العراق بأشكاله كافة». وللعلم، فإن منظمة «بدر» - التي يقودها العامري - وردت ضمن لائحة المنظمات التي اتهمتها إسرائيل بشنِّ هجمات ضدها خلال الشكوى التي قدمتها إلى مجلس الأمن في 18 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي.

وبناءً على تصريحات العامري السالفة، وتصريحات أخرى لشخصيات مقرّبة من الفصائل المسلحة وقوى «الإطار التنسيقي» الشيعية، تبلورت خلال الأسبوع الأخير، قناعة داخل أوساط هذه القوى مفادها، بأن واشنطن «ملزمة وبشكل مباشر بحماية الأجواء العراقية» من أي هجوم محتمل من إسرائيل أو غيرها، أخذاً في الاعتبار الاتفاقية الاستراتيجية الموقعة و«سيطرتها على الأجواء العراقية».

وبالتوازي، سبق أن حمّل فادي الشمري، المستشار السياسي لرئيس الوزراء، الولايات المتحدة، أيضاً وفقاً لـ«اتفاقية الإطار الاستراتيجي والاتفاقية الأمنية»، مسؤولية «الردع، والرد على أي هجمات خارجية تمسّ الأمن الداخلي العراقي».

الرد الأميركي قاطع

في المقابل، تخلي واشنطن مسؤوليتها حيال هذا الأمر. ورداً على المزاعم العراقية المتعلقة بـ«الحماية الأميركية»، قالت ألينا رومانوسكي، السفيرة الأميركية في بغداد، صراحةً إن بلادها غير معنية بذلك. وأردفت رومانوسكي، خلال مقابلة تلفزيونية سابقة، أن التحالف الدولي دُعي إلى العراق لـ«محاربة (داعش) قبل 10 سنوات، وقد حققنا إنجازات على مستوى هزيمة هذا التنظيم، لكنه ما زال يمثل بعض التهديد، ودعوة الحكومة العراقية لنا تتعلق بهذا الجانب حصراً. أما اتفاقية الإطار الاستراتيجي فتلزمنا ببناء القدرات العسكرية العراقية، لكنها لا تتطرق لمسألة حماية الأجواء والدفاع بالنيابة». ونفت السفيرة أن تكون بلادها قد «فرضت سيطرتها على سماء العراق».

والاثنين قبل الماضي، قالت رومانوسكي، خلال لقاء «طاولة مستديرة» لعدد من وسائل الإعلام: «أود أن أكون واضحة جداً، ومنذ البداية، بأن الإسرائيليين وجّهوا تحذيرات ردع للميليشيات المدعومة إيرانياً والموجودة هنا في العراق، التي تعتدي على إسرائيل». وأضافت: «هذه الميليشيات هي التي بدأت الاعتداء على إسرائيل. ولأكون واضحة جداً في هذه النقطة، فإن الإسرائيليين حذّروا حكومة العراق بأن يوقف هذه الميليشيات عن اعتداءاتها المتكررة والمستمرة على إسرائيل... إن رسالتنا إلى حكومة العراق هي أن تسيطر على هذه الميليشيات المنفلتة، والتي لا تعتد بأوامر الحكومة وأوامر القائد العام للقوات المسلحة رئيس الوزراء. إن إسرائيل دولة لها سيادتها، وهي سترد على أي اعتداء من أي مكان ضدها».

جدعون ساعر (آ ف ب)

 

حقائق

قلق عراقي جدّي من التهديدات الإسرائيلية مع مطالبة واشنطن بالتدخّل

خلال الأسبوع قبل الماضي، بعث وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر رسالةً إلى مجلس الأمن تكلّم فيها عمّا أسماه بـ«حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها»، وحمّل فيها الحكومة العراقية المسؤولية عن الهجمات التي تشنها الفصائل العراقية عليها، داعياً مجلس الأمن للتحرك والتأكد من أن الحكومة العراقية تفي بالتزاماتها. ساعر اتّهم بالتحديد «عصائب أهل الحق» و«كتائب حزب الله» و«ألوية بدر» وحركة «النُّجباء» و«أنصار الله الأوفياء» و«كتائب سيد الشهداء»، بمهاجمة إسرائيل، ومعظم هذه الفصائل مشاركة في الحكومة العراقية الحالية ولها نفوذ كبير داخلها. هنا، تجدر الإشارة إلى أنه سبق لرئاسة الوزراء العراقية توجيه وزارة الخارجية لمتابعة ملف التهديدات الإسرائيلية في المحافل الأممية والدولية وأمام هيئات منظمة الأمم المتحدة، واتخاذ كل الخطوات اللازمة، وفق مبادئ القانون الدولي، لحفظ حقوق العراق وردع تهديدات إسرائيل العدوانية. كذلك طالبت رئاسة الوزراء بـ«دعوة جامعة الدول العربية إلى اتخاذ موقف حازم وموحّد ضد تهديدات سلطات الكيان المحتل، يتضمن إجراءات عملية تستند إلى وحدة المصير والدفاع المشترك». وهذا بجانب «مطالبة مجلس الأمن الدولي بالنظر في الشكاوى المقدمة من جمهورية العراق ضد سلطات الكيان المحتل، واتخاذ إجراءات رادعة تكفل تحقيق الاستقرار والسِّلم الإقليمي والدولي»، وباتخاذ الولايات المتحدة مع العراق، من خلال الحوارات الأمنية والعسكرية ضمن إطار القسم الثالث من «اتفاقية الإطار الاستراتيجي»، خطوات فعالة «لردع سلطات الكيان المحتل» مع دعوة «التحالف الدولي والدول الأعضاء فيه إلى كبح هذه التهديدات والحدّ من اتساع رقعة الحرب».