من التاريخ: «الصحوة العثمانية الأخيرة».. وحصار فيينا الثاني

أحمد كوبرولو
أحمد كوبرولو
TT

من التاريخ: «الصحوة العثمانية الأخيرة».. وحصار فيينا الثاني

أحمد كوبرولو
أحمد كوبرولو

بدأ الانحسار العثماني التدريجي يأخذ مجراه لأسباب تتعلق في الأساس بالمشاكل الداخلية وضعف النخبة الحاكمة وحالة التآكل السياسي في الدولة.
وإلى جانب تولي سلسلة من السلاطين الضعاف الحكم، فإن تغيير مسار التجارة الدولية والانشقاقات الداخلية وضعف السلطة المركزية أدت إلى مشاكل اقتصادية وسياسية متفاقمة، خاصة أن الدولة العثمانية كانت من أكثر الدول تنوعًا عرقيًا ولغويًا ودينيًا بفضل توسعاتها المختلفة بما شمل جنسيات وعرقيات وديانات متباينة.
إلا أن القدر ساق لهذه الدولة خلال هذه المرحلة الحرجة أسرة كوبرولو العظيمة التي مثلت ما يمكن أن نسميه «الصحوة الأخيرة» للدولة العثمانية. وكانت من ثم كفيلة بتحريك الجسد العثماني الخامل بعدما تولى محمد كوبرولو رئاسة الوزراء بدلاً من سلسلة من الساسة الفاسدين والقليلي الحنكة.
ذلك أن محمد كوبرولو كان رجلا مستنيرًا وداهية سياسية من الطراز الأول، ولقد تدرج في المناصب كحاكم لولايات مختلفة بما ساعده على فهم طبيعة الدولة ومشاكلها.
وبمجرد توليه مقاليد الحكم الفعلي في البلاد ترك السلطان لحياته الخاصة وملذاته بعيدًا عن أمور السياسة، وباشر كوبرولو تطبيق «سياسة حديدية» مكنته من السيطرة تمامًا على الدولة بالقضاء على عناصر الفتن في الديوان السلطاني ثم في الدولة ككل من خلال الإعدامات والنفي وغيرهما من الأدوات المتاحة في ذلك الوقت. بعد ذلك اهتم بإعادة بناء الجيش وتدريبه على الأساليب الحديثة خاصة بعد تطور التسليح والتكتيكات العسكرية السريعة في أوروبا.
لم يمهل القدر محمد كوبرولو طويلاً، ولكن مع وفاته انتقلت رئاسة الوزراء إلى ابنه أحمد كوبرولو الذي سار على نهج والده في ممارسة الحكم تاركًا السلطان محمد الرابع لهواياته وملذاته. وسرعان ما أصبح الجيش العثماني جاهزًا للقيام بجولة عسكرية جديدة في المجر التي كانت تمثل مسرح الصراع التقليدي مع النمساويين، وبالفعل، استطاع أن يهزمهم في عام 1663، ولكن في العام التالي صمد النمساويون وهزموا الجيش العثماني في معركة سان غوثارد الشهيرة مع أنها لم تضعف إمكانيات الجيش الذي احتفظ إلى حد بعيد بقوته. وبالتوازي، تفرغ رئيس الوزراء للإصلاحات الداخلية ووضع نظامًا ضريبيًا حديثًا وقضى على نسبة كبيرة من الفساد الإداري السائد في هذه الدولة.
وبحلول عام 1672 فتح العثمانيون الجبهة الأوروبية مرة أخرى بدعم القوزاق الأوكرانيين ضد حكامهم البولنديين، وهو ما زج الدولة في حالة حرب مع بولندا انتهت بهزيمة القائد جون سوبييتسكي، وانتزاع جزء من أراضيه وضمها لحلفائه القوقازيين.
غير أن أحمد كوبرولو توفي فجأة في سن الثانية والأربعين من عمره بسبب إفراطه في شرب الخمر، وتولى من بعده قرة مصطفى رئاسة الوزراء، وفي عهده هزمت روسيا الجيوش العثمانية في شرق أوروبا واستعادت كل الأراضي التي حصل عليها أحمد كوبرولو.
بعدها أراد قرة مصطفى محو خطيئته العسكرية في شرق أوروبا فقرر فتح الجبهة مع النمساويين مرة أخرى في عام 1683 وأرسل جيشًا قويًا إلى المجر لدعم المجريين البروتستانت ضد الكاثوليك، واستغل الفرصة لمحاولة فتح فيينا بعدما فشل في ذلك السلطان سليمان القانوني منذ قرنين من الزمان. إلا أن الرجل كان يفتقر للكفاءة العسكرية لإدارة هذه الحملة أو لحصار النمسا، وارتكب سلسلة من الأخطاء العسكرية إذ فرض الحصار عليها من دون مدفعية ثقيلة تستطيع ضرب الأسوار الشاهقة للمدينة. ثم إن خطة الحصار لم تكن محكمة إضافة إلى وجود ثغرات تكتيكية متعددة، ما اضطره إلى اللجوء لشق الأنفاق من أجل الوصول للأسوار حتى يستطيع أن يلغم الجدران ما فتح المجال أمام المدافعين لإعاقة تحركاته. غير أن أكبر أخطاء السياسي العثماني أنه لم يأخذ احتياطاته في مواجهة الجيش البولندي بقيادة سوبييتسكي الذي كان في طريقه لرفع الحصار عن المدينة، وعند وصول هذا الجيش وجد العثمانيين في حالة انفلات كامل، وقد استغرب سوبييتسكي من هذا الإهمال ووصف قائد الجيش العثماني بأنه غير مدرب ولا يعرف كيف يدير حصارًا، إذ ترك معسكره بلا أي حماية تذكر. وهكذا أجهز الجيش البولندي - النمساوي المشترك على الجيش العثماني ورفع الحصار عن المدينة واستولى على غنائم كثيرة للغاية، وخرجت أراضٍ واسعة في شرق أوروبا من قبضة العثمانيين خاصة في البلقان.
إزاء الهزيمة النكراء اضطر قرة مصطفى لسحب ما تبقى من قواته وعاد يجر أذيال الخيبة، إلا أنه دفع حياته ثمنًا لهذه الهزيمة إذ أعدم بأوامر من السلطان. ولكن سرعان ما قامت الثورة ضد السلطان محمد الرابع بسبب الهزائم العسكرية المتتالية.
ومن ثم انتهت آخر صحوة للدولة العثمانية في السياسة الدولية، ومنذ ذلك التاريخ تحولت هذه الدولة إلى لاعب احتياطي في المعادلة السياسية الأوروبية والدولية وأصبح وجودها مرتبطًا في الأساس للحفاظ على التوازن الاستراتيجي الأوروبي، إذ لم تسمح لها القوى الأوروبية المختلفة بالاندثار السياسي خشية اندلاع الصراع على إرثها، بينما لم تسمح لها ظروفها المتهاوية أي نوع من أنواع المقاومة الجدية، وكان الإخفاق في الاستيلاء على فيينا نقطة تحول في موازين القوى الأوروبية خفت من بعدها النجم العثماني تدريجيًا.
لقد تركت هزيمة العثمانيين النمسا ومعها أوروبا في حالة نشوة سياسية وعسكرية، فنسجت الروايات حول هذا اليوم المشهود، ومنها رواية ابتكار معجنات «الكرواسون» الشهيرة الذي أرجعه البعض خطأ على أنه ابتكار للاحتفال بهذه المناسبة لأنه أخذ شكل الهلال (وكلمة «كرواسون» الفرنسية تعني «الهلال») ابتهاجًا بهزيمة العثمانيين الذين كانوا يضعون الهلال رمزًا لهم. ولكن هذا غير صحيح لأن الكرواسون ظهر في القرن التاسع عشر.
أما الثابت تاريخيًا فهو أن النمسا تعرّفت على مشروب القهوة من العثمانيين، فعندما استولى النمساويون على غنائم حرب كثيرة بعد رفع الحصار كان منها كميات كبيرة جدًا من القهوة أو البنّ.
ومن هنا عرفت أوروبا الغربية القهوة وتم افتتاح أول مقهى يقدم هذا المشروب الجديد عقب فك الحصار مباشرة، ولهذا يسمى نوع من أنواع القهوة إلى اليوم «قهوة تركي» علمًا بأن العثمانيين عرفوها من العرب لأن زراعة البن كانت تقليديًا منتشرة في اليمن وكانت تُصدر بكميات كبيرة عبر ميناء المُخا اليمني.
وهكذا، نسبت القهوة إلى الأتراك ونسب مشروب «الموكا» إلى الميناء اليمني، وفي كل الأحوال ترك حصار العثمانيين لفيينا تركة شرب القهوة بينما تركت الهزيمة الأوروبية للدولة العثمانية علامة نهايتها كدولة لاعبة في مقدرات السياسة الأوروبية.



حذر روسي في التعامل مع «انفتاح» ترمب على كسر الجليد مع موسكو

من لقاء الرئيسين دونالد ترمب وفلاديمير بوتين في العاصمة الفنلندية هلسنكي عام 2018 (آ ب)
من لقاء الرئيسين دونالد ترمب وفلاديمير بوتين في العاصمة الفنلندية هلسنكي عام 2018 (آ ب)
TT

حذر روسي في التعامل مع «انفتاح» ترمب على كسر الجليد مع موسكو

من لقاء الرئيسين دونالد ترمب وفلاديمير بوتين في العاصمة الفنلندية هلسنكي عام 2018 (آ ب)
من لقاء الرئيسين دونالد ترمب وفلاديمير بوتين في العاصمة الفنلندية هلسنكي عام 2018 (آ ب)

طوال فترة الحملات الانتخابية في الولايات المتحدة، حرص الرئيس المنتخب دونالد ترمب على تأكيد قدرته على كسر كل الحواجز، وإعادة تشغيل العلاقات مع موسكو عبر تفاهمات سريعة وفعالة لوقف القتال في أوكرانيا، ووضع خريطة طريق لمعالجة الملفات الخلافية المتراكمة مع الكرملين. وقبل أيام قليلة من تسلم صلاحياته رسمياً، برزت اندفاعة جديدة من الرئيس الجمهوري نحو روسيا، عندما أعلن استعداده لتنظيم لقاء عاجل مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين يرسم ملامح العلاقة المستقبلية ويضع خطط إنهاء الحرب وتخفيف التوتر على مسار التنفيذ. لكن اللافت أن هذه التصريحات لم تُقابَل بشكل حماسي في روسيا. بل فضَّل الكرملين التزام لهجة هادئة تؤكد الانفتاح على الحوار، مع التذكير في الوقت ذاته، بعنصرين ضروريين لنجاح أي محاولة لكسر الجليد بين البلدين، أولهما اتضاح الملامح الأولى لرؤية الرئيس الأميركي الجديد لتسوية الملفات الخلافية المتراكمة، والآخر التذكير بشروط الكرملين لإنهاء الحرب في أوكرانيا. وبالتوازي مع ذلك، بدت تعليقات الأوساط المقربة من الكرملين متشائمة للغاية، حيال فرص إحراز تقدم جدّي على أي مسار... لا في الحرب الأوكرانية ولا العلاقات مع «ناتو»، ولا ملفّات الأمن الاستراتيجي في أوروبا.

لا ينظر أحد في روسيا بجدية إلى إمكانية تحقيق قفزات سريعة تؤدّي إلى تحسّن العلاقات مع الولايات المتحدة، وتضع إطاراً واقعياً للحوار حول الملفات الخلافية. وعلى الرغم من أن الرئيس الأميركي العائد دونالد ترمب صرّح مرّات عدة بأن موقف روسيا يمكن فهمه، وأن سبب الصراع كان إلى حد كبير السياسة المناهضة لروسيا التي تنتهجها «الدولة العميقة» الأميركية، فإن الأوساط الروسية تنظر بريبة إلى قدرة ترمب، العائد بقوة إلى البيت الأبيض، في تجاوز الكثير من «المطبّات» التي تعترض طريق إعادة تشغيل العلاقات بين موسكو وواشنطن.

رسائل روسية واضحة

في هذا الصدد، كان لافتاً أن موسكو تعمّدت توجيه رسائل واضحة إلى الإدارة الأميركية الجديدة، عبر إطلالتين إعلاميتين لشخصيتين تعدّان من أبرز المقربين لبوتين، هما وزير الخارجية سيرغي لافروف والمستشار الرئاسي وعضو مجلس الأمن الروسي نيكولاي باتروشيف. وفي الحالتين كان التوقيت وشكل التعامل مع «اندفاعة ترمب» يحظيان بأهمية خاصة.

جوهر كلام المسؤولين ركّز على قناعة بأن العالم قد يكون أمام «فرصة حقيقية للسلام» في عهد ترمب، بيد أن الانفتاح الروسي على الحوار مرتبط باستناد هذا الحوار إلى أسس «مبادرات ملموسة وخطوات ذات معنى بشأن الاتصالات على أعلى مستوى»، والأهم من ذلك، أن تتوافر لدى ادارة ترمب «اقتراحات محددة» بشأن أوكرانيا، وفق تعبير لافروف.

والاقتراحات المحددة المطلوبة روسياً، ينبغي أن تنعكس - كما قال الوزير – بـ«جدية في الاستعداد لحل المشاكل المتراكمة عبر الحوار لا عبر الضغوط والتهديدات» التي لم ينجح سلف ترمب في معالجتها.

وفي إشارة ذات مغزى، قال لافروف إنه «من المفيد أن نرى ما هي الأساليب التي سيستخدمها ترمب لجعل أميركا أعظم». وهذه عبارة أكملها باتروشيف بقوله: «هل سيكون ترمب قادراً على ترجمة نواياه بالكامل؟ وكما أظهرت ولايته الأولى، فإن (الدولة العميقة) السيئة السمعة في الولايات المتحدة... قوية للغاية».

أوكرانيا «رأس الأولويات»

الموقف الذي أعرب عنه المسؤولان الروسيان ينطلق من «الاستعداد للمناقشة والاتفاق على أي شيء باستثناء شيء واحد - أوكرانيا. (...) لقد عبّرنا عن موقفنا مراراً وتكراراً، وهو موقف لا يمكن تغييره». وفي هذا الإطار، لوّح لافروف بأنه إذا توصّلت روسيا إلى استنتاج مفاده أن واشنطن ستواصل دعم «النظام النازي المعادي في كييف» فإنها (أي موسكو) ستضطر إلى اتخاذ قرارات صعبة. في حين قال باتروشيف إن أوكرانيا «قد تختفي عن الخريطة خلال هذا العام» إذا استمرت السياسات الغربية السابقة.

الرسالة الروسية الثانية لترمب كان فحواها أن أي تسوية أو ضمانات لأوكرانيا، يجب أن تكون مرتبطة باتفاقيات أوسع نطاقاً. وهنا قال لافروف إن «روسيا مستعدة لمناقشة الضمانات الأمنية لأوكرانيا، لكنها يجب أن تكون جزءاً من اتفاقيات أكبر». بينما أوضح باتروشيف أنه بالإضافة إلى التوصل إلى ترتيبات أمنية في القارة الأوروبية «يجب وقف التمييز ضد السكان الروس في عدد من البلدان، وبالطبع، في دول البلطيق ومولدوفا».

أما النقطة الثالثة التي تحدّد شروط الحوار، فتنطلق من ضرورة البدء بمنح روسيا ضمانات كاملة عبر ملفي: وقف مسار ضم أوكرانيا إلى حلف شمال الاطلسي (ناتو) وتأكيد حيادها لعشرات السنوات، وتقليص القدرات العسكرية لهذا البلد ومنع تسليحه مجدداً.

هكذا، ترى موسكو المدخل الصحيح للحوار، الذي يجب أن يتأسس - كما قال الرئيس الروسي سابقاً - على قاعدة الإقرار بالتغييرات الميدانية التي وقعت خلال سنتين، بما يضمن الاعتراف الغربي بضم شبه جزيرة القرم والمناطق الأربع التي ضمتها روسيا خلال عام 2022.

تشكل هذه القاعدة التي تنطلق منها موسكو سبباً وجيهاً للتوقعات المتشائمة حول فرص إحراز تقدم، تضاف إلى الشكوك المحيطة بقدرة ترمب الفعلية على تجاوز كل العقبات والضغوط الداخلية والانطلاق نحو تقديم تنازلات مهمّة للروس.

يرى خبراء روس أن ترمب لن ينجح في قلب الموازين الداخلية،

لصالح إطلاق تغييرات جذرية في السياسة الخارجية الأميركية

التداعيات على أوكرانيا

كيف يتأثر الوضع في أوكرانيا؟

في هذا الإطار، وضع أحد أبرز خبراء السياسة في «المجلس الروسي للسياسة والأمن»، وهو مؤسسة مرموقة ومقربة من الكرملين، التصور التالي لشكل العلاقة مع ترمب في ملفات رئيسة:

بدايةً، في أوكرانيا ستفشل محاولة ترمب للتوصل إلى وقف إطلاق النار على طول خط التماس. وذلك لأن المخططات الأميركية لـ«وقف الحرب» تتجاهل تماماً المصالح الأمنية الروسية، كما تتجاهل الأسباب التي أدت أولاً إلى الأزمة ثم إلى الصراع العسكري واسع النطاق في أوكرانيا.

في المقابل، لن تقبل واشنطن الشروط الروسية لبدء المفاوضات ومعايير السلام التي أعلن عنها الرئيس فلاديمير بوتين في يونيو (حزيران) الماضي؛ لأنها تعني في الواقع استسلام كييف وهزيمة استراتيجية للغرب. وخلافاً لتوقعات التهدئة، فإن ترمب «المهان»، رداً على رفض خطته، سيعلن دعمه لأوكرانيا ويجمع حزمة أخرى من العقوبات على موسكو. لكنه في الوقت نفسه، سيمتنع عن التصعيد الجدي للصراع؛ كي لا يستفز روسيا ويدفعها إلى ضرب أراضي دول «ناتو»، بما في ذلك القواعد الأميركية الموجودة هناك. ومع هذا، ورغم غطاء الخطاب القاسي المعادي لروسيا، فإن المساعدات الأميركية لنظام كييف ستنخفض، وسيتعيّن على الأوروبيين تغطية العجز الناتج من ذلك. ومن حيث المبدأ، فإن الاتحاد الأوروبي مستعدٌ لذلك، وبالتالي لن يكون هناك خفض كبير في الدعم المادي لأوكرانيا من الغرب في العام الجديد على الأقل.

إلى جانب ذلك، قد تحاول واشنطن، وفقاً للخبير البارز، بدعم من بريطانيا وحلفاء آخرين، تعزيز الموقف السياسي الداخلي لنظام كييف من خلال المطالبة بإجراء انتخابات في أوكرانيا، وبالتالي استبدال فولوديمير زيلينسكي وفريقه المكروهين بشكل متزايد بمجموعة أخرى بقيادة رئيس الأركان السابق فاليري زالوجني. لكن التأثير السياسي المحلي لمثل هذا الاستبدال سيكون قصير الأجل.

العلاقة مع أوروبا

أيضاً، يرى خبراء روس أن ترمب لن ينجح في قلب الموازين الداخلية، لصالح إطلاق تغييرات جذرية في السياسة الخارجية الأميركية. وهذا يعني أنه لن يحقق وعوده حيال علاقة الولايات المتحدة مع «ناتو»، وبدلاً من ذلك، سيرفع السعر الذي يتوجب على الأوروبيين دفعه للانضمام إلى التكتل.

ووفقاً لبعض الخبراء، سيكون لزاماً على الأوروبيين، الذين كانوا يخشون عودة ترمب، أن يقسموا يمين الولاء له. وبالتالي، «لن تكون هناك معارضة ضد ترمب بأي شكل من الأشكال؛ لأن دول الاتحاد الأوروبي تحتاج إلى أميركا زعيمةً: ليس فقط حاميةً عسكريةً، بل وأيضاً زعيمةً سياسيةً ــ لا تقل عن حاجتها إلى روسيا باعتبارها «تهديداً مباشراً على الأبواب».

بهذا المعنى، تتطابق آراء الخبراء في مسألة أن «العداء لروسيا سيظل العامل الحاسم في توحيد أوروبا في عام 2025».

ويضيف بعضهم القناعة بأنه خلافاً للفكرة الرائجة بأن الأوروبيين متردّدون في مواجهة روسيا، بشكل رئيس بسبب الضغوط الأميركية، فإن الحقيقة أن روسيا، باعتبارها عدواً، تشكل عاملاً قوياً في توحيد النخب الأوروبية ودولها. بمعنى أنه كان لا بد من «اختراع التهديد الروسي»، وتقديم الحرب في أوكرانيا باعتبارها المرحلة الأولى من «الاختطاف الروسي لأوروبا».

في السياق ذاته، ينظر إلى الانتخابات المقبلة في ألمانيا، بأنها ستحمل إلى السلطة ائتلافاً جديداً، سيعمل أيضاً على تشديد السياسة تجاه موسكو. ولكن في الوقت نفسه، من غير المرجح إرسال قوات أوروبية إلى أوكرانيا بناءً على دعوة من فرنسا، لأن أوروبا تنظر إلى خطر الصدام العسكري المباشر مع روسيا على أنه مفرط في المخاطرة.

وداخلياً، ينتظر أن تواصل أوروبا الاستعداد بنشاط للحرب مع روسيا - وفقاً لأنماط الحرب الباردة في النصف الثاني من القرن العشرين، لكن على حدود جديدة، تحولت بشكل كبير نحو الشرق. كذلك، سيزداد الإنفاق العسكري للدول، ويتوسع الإنتاج العسكري، وتتحسن البنية التحتية العسكرية، وبخاصة، على الجانب الشرقي لـ«ناتو». وبناءً عليه؛ سيصبح المناخ الاجتماعي والسياسي أكثر صعوبة أيضاً.

وهكذا، بشكل عام، يقول خبراء روس إن عام 2025 عموماً سيكون مليئاً بالصراعات، الممتدة من عهد ولاية الرئيس جو بايدن حول روسيا وفي أوروبا، كما سيكون محفوفاً بالمنعطفات غير المتوقعة والخطيرة.

ومع القناعة بأن الاضطراب الاستراتيجي يتزايد باطراد، فإن نتيجة المعركة من أجل النظام العالمي الجديد ليست مُحددة مسبقاً بأي حال من الأحوال. إذ إن نقطة التوازن الافتراضية في النظام العالمي لا تزال بعيدة كل البعد عن الأفق. وفي هذا الصدد، يرون أن روسيا ستواجه في عهد الإدارة الجديدة تحدّيات جديدة في العديد من المجالات... ولا بد أن تكون مستعدة لها.