لعل التحدي الأبرز الذي سيواجهه آلاف العوائل الفارة من تنظيم داعش أو الموجودة في المناطق المحررة حديثا من التنظيم هم الأطفال «بدون هوية» أي الذين ولدوا خلال فترة سيطرة التنظيم على الموصل وأطرافها، ولا يمتلكون أي وثيقة تثبت هوياتهم.
لا يعي الطفل إياد عامر الذي بلغ عمر الأربعة أشهر المشاكل والصعوبات التي سيواجهها والداه في المستقبل القريب للحصول على جنسية عراقية له لأنه ولد في فترة كانت قريته قرية الشهيد صبحي التابعة لناحية النمرود جنوب شرقي الموصل خاضعة لسيطرة تنظيم داعش الإرهابي. ويقول عامر الجبوري، والد الطفل إياد، وهو جندي في الجيش العراقي الذي شارك مع القوات العراقية في تحرير قريته خلال الأسابيع الماضية لـ«الشرق الأوسط»: «أنجبت زوجتي أثناء سيطرة التنظيم على منطقتنا في مستشفى ناحية النمرود، عند الولادة أخذوا مني مبلغ 75 ألف دينار عراقي مقابل تزويدي بورقة وردية اللون تحمل شعار تنظيم داعش وختم المسؤول عن المستشفى وهذه الورقة ذكر فيها جنس الطفل وتأريخ ولادته وهي بمثابة شهادة الميلاد لكنها غير رسمية ولا يمكن التعامل بها ولا تثبت هوية الطفل لأنها صادرة من تنظيم إرهابي». وأضاف الجبوري «من لم يملك هذا المبلغ من المال لم يستطع أن يحصل على تلك الورقة أيضا فأطفاله اليوم لا يملكون أي وثيقة تثبت هويتهم».
عامر الجبوري كان جنديا في صفوف الجيش العراقي قبل أن يحتل التنظيم الموصل وأطرافها لكنه لم يستطع الخروج من القرية وظل فيها، وبعد ولادة طفله بنحو شهر أي قبل ثلاثة أشهر تمكن من الهروب من قريته والنزوح إلى المناطق الخاضعة لسيطرة البيشمركة الكردية، ومن ثم التحق مرة أخرى بالجيش العراقي وشارك في عملية تحرير قريته والقرى الأخرى المجاورة لها من تنظيم داعش.
ينتظر عامر اليوم وبعد تحرير قريته أن تفتتح الدوائر الحكومية المعنية ليبدأ إجراءات تسجيل ابنه رسميا ويحصل على الجنسية العراقية، ويقول: «هذه هي مشكلتنا الرئيسية ونرجو من الحكومة أن تساعدنا في حلها وضمان مستقبل أطفالنا». هذه ليست مشكلة عامر الجبوري لوحده فالكثير من العائلات في الموصل رزقت بأطفال في عهد تنظيم داعش الإرهابي، وبات المجتمع العراقي أمام أعداد هائلة من هؤلاء الأطفال الذين لا يمتلكون أي وثائق ثبوتية. وبحسب الأمم المتحدة فإن الأطفال «البدون» مهددون بأن تفوتهم فرصة التمتع بحقوقهم الأساسية مثل التعليم والرعاية الصحية ومن المرجح أن يواجهوا صعوبات عندما يكبرون في الحصول على وظيفة كما أنهم معرضون للاستغلال وأن يصبحوا سلعة في تجارة الرقيق.
هذا الموضوع الحساس دفع بـ«الشرق الأوسط» إلى زيارة مخيمات النزوح في أربيل التي تستقبل يوميا الآلاف من المواطنين القادمين من الموصل وأطرافها، الآلاف من هؤلاء المواطنين لديهم نفس المشكلة أنهم «أطفال بلا هوية». شخص قدم لنا نفسه باسم محمد اللهيبي قال: إنه قدم قبل أيام من الموصل إلى مخيم الخازر غرب أربيل وهو يحمل طفلته شيماء البالغة من العمر 10 أشهر، وأضاف: «شيماء لا تمتلك الجنسية أو أي ورقة تثبت هويتها، لأنني لم أسجلها في مستشفيات الموصل كونها خاضعة لسيطرة داعش وأنا لم أحبذ أن تحمل شهادة ميلاد عليها ختم وعلم التنظيم الإرهابي».
ويوضح مسؤول مخيمات ديبكة وحسن شام والخازر في أربيل رزكار عبيد المسؤول في مؤسسة بارزاني الخيرية التي تشرف على المخيمات الثلاثة «ليست لدينا إحصائية دقيقة بعدد هؤلاء الأطفال لأننا لا نعتمد في تسجيلهم على بيان الولادة أو البطاقة التموينية لأن هذه العوائل لا تمتلك بسبب احتلال التنظيم للموصل وأطرافها بطاقات تموينية. لذا نعتمد على عدد أفراد الأسرة، لكن أعداد (الأطفال البدون) كبيرة». وتابع عبيد: «نحن من جانبنا فاتحنا الدوائر المعنية بتسجيل هؤلاء الأطفال ومنحهم أوراق ثبوتية، وسيباشر قسم من هذه الدوائر في المستقبل القريب عمله من داخل المخيمات ويبدأ بإتمام معاملات منح هؤلاء الأطفال الأوراق الثبوتية والجنسية وحل مشاكلهم بشكل قانوني، وقد جربنا هذه الخطوة من قبل في مخيمات ديبكة أيضا». وقال: «ليست مشكلة الأطفال من دون وثائق هي الوحيدة فهناك مشكلة عقود الزواج التي أبرمت في عهد (داعش) فهي الأخرى ليس لها أي اعتبار لذا ستحل هذه المشكلة أيضا من قبل دوائر النفوس والأحوال المدنية وستصدر لهذه العوائل عقود زواج قانونية».
ظاهرة «أطفال البدون».. تحدٍ آخر تواجهه العوائل النازحة من الموصل
الأمم المتحدة تحذر من حرمانهم من التعليم والرعاية الصحية
ظاهرة «أطفال البدون».. تحدٍ آخر تواجهه العوائل النازحة من الموصل
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة