لاقت التعيينات الأخيرة التي أعلن عنها أمس الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب صدى جيدا لدى الجمهوريين، غير أنها أثارت قلق الديمقراطيين الذين عارضوا تعيين ستيف بانون رئيس موقع بريتبارت اليميني المتطرف كبيرا للمستشارين الاستراتيجيين في البيت الأبيض.
وأعلن ترامب أمس الجمعة في إدارته شخصيات من ذوي المواقف المتشددة في قضايا الأمن الوطني والهجرة، فيما تم تداول أسماء شخصيات أخرى أكثر توافقية لتولي وزارة الخارجية وطمأنة حلفاء الولايات المتحدة.
اختار الرئيس المنتخب دونالد ترامب ثلاث شخصيات بارزة لتتولى ثلاثة مناصب هامة في إدارته القادمة حيث اختار الجنرال المتقاعد مايكل فلين في منصب مستشار الأمن القومي الأميركي، والنائب الجمهوري مايك بومبيو لمنصب مدير وكالة المخابرات المركزية.
السيناتور جيف سيشنز
وقرر الرئيس الأميركي المنتخب أن يعهد بوزارة العدل إلى السيناتور جيف سيشنز (69 عاما) المؤيد لسياسة الحزم الشديد فيما يتعلق بالهجرة غير الشرعية التي شكلت أحد المواضيع الرئيسية خلال حملة ترامب الذي وعد بترحيل 11 مليون مهاجر غير شرعي. وتسبب سيشنز قبل عقود في جدل بسبب تصريحاته العنصرية.
ويعد سيشنز (69 عاما) أول منصب وزاري يتم إعلانه من قبل الرئيس المنتخب لتولي وزارة العدل خلفا للنائب العام لويتا لينش وهي أول امرأة أميركية من أصول أفريقية ترأس أكبر وزارة لإنفاذ القانون.
ووصفت حملة ترامب السيناتور سيشنز بأنه «العقل القانوني الراجح على المستوى العالمي» ورد سيشنز قائلا: «أشعر بالتواضع لاختياري من قبل الرئيس المنتخب ترامب في منصب النائب العام للولايات المتحدة ولا شرف أعظم من هذا».
وكان السيناتور الجمهوري لأربع دورات متتالية من أوائل الداعمين لترامب في حملته الانتخابية وقد دارت التكهنات حول توليه منصب وزير الدفاع أو وزير الأمن الداخلي لكن توجهات سيشنز وتركيزه على الهجرة غير الشرعية ووجهات نظره المتشددة التي تتماشى مع وجهات نظر ترامب أدت إلى اختياره لقيادة وزارة العدل.
وقد عمل سيشنز مدعيا عاما ورشحه الرئيس الأميركي الأسبق رونالد ريغان لمنصب القاضي الاتحادي عام 1986 لكن ترشيحه قوبل بالرفض من اللجنة القضائية في مجلس الشيوخ الذي كان يسيطر عليه الجمهوريون بسبب تصريحات وتصرفات لسيشنز وصفت بالعنصرية ضد السود.
وفي عام 1996 تم انتخاب سيشنز لعضوية مجلس الشيوخ وهو ما اعتبره انتصارا شخصيا له، وأصبح عضوا في اللجنة القضائية عام 1997 وهي اللجنة التي رفضت ترشيحه من قبل ليصبح قاضيا اتحاديا. وقال السيناتور الجمهوري ريتشارد شيلبي إن اختيار سيشنز لمنصب وزير العدل سيجلب النزاهة والخبرة بسبب خبرته المثيرة للإعجاب خلال عقود في المجال القانوني.
مايكل فلين
أما منصب مستشار الأمن القومي الذي يعتبر مهما جدا وتشغله حاليا سوزان رايس فسيتم إسناده إلى الجنرال المتقاعد مايكل فلين (58 عاما) الذي ترأس جهاز الاستخبارات العسكرية (وكالة استخبارات الدفاع) بين عامي 2012 و2014 وأثار جدلا بسبب تصريحات مناهضة للإسلام. وهو معروف أيضا بمواقفه التصالحية تجاه روسيا. كما أعلن الملياردير الذي انتخب في 8 نوفمبر (تشرين الثاني)، أن وكالة الاستخبارات المركزية (سي آي إيه) ستكون بقيادة مايك بومبيو (52 عاما) عضو مجلس النواب عن ولاية كنساس.
مايك بومبيو
والنائب مايك بومبيو وهو أحد أعضاء حركة حزب الشاي وتخرج في كلية وست بوينت العسكرية وخدم كضابط في سلاح الفرسان وحصل على شهادة في القانون من جامعة هارفارد قبل أن يقضي حياته المهنية في القطاع الخاص في صناعة الطيران وصناعة النفط، حتى انتخابه بمجلس النواب عام 2010. ويعد من أكبر المنتقدين الأكثر جرأة للتقارب الدبلوماسي مع إيران ومن المعارضين للاتفاق النووي الإيراني.
وقد شغل بومبيو منصب عضو لجنة الاستخبارات بمجلس النواب وهي اللجنة التي حققت في الهجوم على القنصلية الأميركية في بنغازي واستغرقت عاما في استجواب مسؤولي إدارة أوباما حول الحادث الذي أدى لمقتل السفير الأميركي وثلاثة دبلوماسيين آخرين.
ويدعم بومبيو وكالة الأمن القومي وبرامج المراقبة المحلية الواسعة التي كشف عنها إدوارد سنودن وكتب بومبيو في ذلك الوقت مدافعا وقال: «أنا مقتنع بأن جميع إجراءات جمع المعلومات الاستخباراتية من قبل وكالة الأمن القومي ليست فقط مشروعة ودستورية ولكن تتفق أيضا مع المهام الحرجة لهزيمة الإرهاب الإسلامي المتطرف».
وكتب بومبيو على حسابه على «تويتر» «أتطلع إلى التراجع عن هذا الاتفاق الكارثي مع أكبر دولة راعية للإرهاب في العالم».
وقاد بومبيو مع السيناتور الجمهوري توم كاتون حملة ضد الاتفاق النووي الإيراني واتهم إيران بعقد صفقات جانبية مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية التي تراقب البرنامج الإيراني وأقرت بعدها إدارة أوباما بأن هناك محادثات خاصة بين إيران والوكالة وصفتها بالمحادثات الفنية وليست محادثات استراتيجية وقال بومبيو للصحافيين في يوليو (تموز) العام الماضي «لا أرى كيف يمكن لعضو في الكونغرس أن يصوت لاتفاق لا يعرف ما هو النطاق الكامل له». وبينما يحتاج كل من السيناتور سيشنز والنائب مايك بومبيو إلى موافقة مجلس الشيوخ على ترشيحهما للمنصبين فإن منصب مستشار الأمن القومي الأميركي لا يحتاج إلى موافقة مجلس الشيوخ.
وإضافة إلى ستيف بانون، عين ترامب أيضا شخصية أكثر توافقية هو رينس بريبوس الرئيس الحالي للحزب الجمهوري في منصب كبير موظفي البيت الأبيض. وقد سرت تسريبات حول حالة من الفوضى والاقتتال داخل الفريق الانتقالي للرئيس المنتخب مع الجدل الذي أثير بعد اختيار ستيف بانون.
وقد علت الدهشة وجوه بعض المحللين والمتابعين لأنشطة واجتماعات الرئيس المنتخب دونالد ترامب بعد أن عقد اجتماعات مع بعض من خصومه السياسيين مثل السيناتور تيد كروز الذي نافسه بقوة خلال الانتخابات التمهيدية للحزب الجمهوري وحاكمة ولاية ساوث كارولينا نيكي هالي التي ساندت بقوة المرشح الجمهوري ماركو روبيو خلال الانتخابات الأولية للحزب الجمهوري ولقاءه المرتقب اليوم السبت مع ميت رومني المرشح الرئاسي السابق الذي خسر لصالح أوباما في انتخابات عام 2012 وخرج بانتقادات لاذعة ضد ترامب خلال الحملة الانتخابية.
لكن بالتوازي مع هذه التعيينات لشخصيات من أنصار التشدد، أتاح ترامب تسريب أسماء شخصيات أكثر اعتدالا لتسلم وزارة الخارجية.
ومن المفترض أن يجتمع خلال عطلة نهاية الأسبوع مع المعتدل الجمهوري ميت رومني، الذي خسر المعركة الرئاسية في مواجهة باراك أوباما عام 2012.
وقد يشكل تقارب كهذا مفاجأة، لأن رومني كان في الصف الأول لمعارضي ترامب وخطه الشعبوي خلال الانتخابات التمهيدية للحزب الجمهوري. ولا يزال اسم رئيس بلدية نيويورك السابق رودي جولياني يتردد أيضا لمنصب وزير الخارجية. وبهذا يصبح رومني الشخصية الرابعة التي يلتقيها ترامب لملء هذه الحقيبة المهمة. واكتفت شبكة «سي إن إن» بالقول إن ترامب سيلتقي في عطلة نهاية الأسبوع رومني (69 عاما) الحاكم السابق لولاية ماساتشوستس والذي كان خلال حملة الانتخابات الرئاسية أحد أشد منتقدي الملياردير المثير للجدل. أما شبكة «إن بي سي نيوز» فقالت: إن رومني دخل بورصة الأسماء المرشحة لتولي حقيبة الخارجية.
وقال سيشنز لدى خروجه من برج ترامب، في تصريح للصحافيين «أعتبره أمرا جيدا أن يلتقي الرئيس المنتخب أناسا من أمثال ميت رومني». وأضاف: «هناك الكثير من الأشخاص الموهوبين الذين يجب أن يكون (ترامب) على علاقة جيدة بهم. وأعتقد أن رومني سيكون قادرا على إنجاز أمور كثيرة. أنا واثق من أنه أحد الأشخاص المقترحة أسماؤهم، ولكن ترامب هو من سيقرر في النهاية».
والرئيس المنتخب الذي لازم مقر إقامته في برج ترامب بنيويورك منذ انتخابه، يفترض أن يقضي عطلة نهاية الأسبوع في نادي الغولف الذي يملكه في بدمينستر بنيو جيرزي، ومن المقرر أن يواصل من هناك مشاورات تشكيل فريقه.
وفي لعبة التوازن الدقيقة هذه، يسعى الرئيس المنتخب أيضا إلى طمأنة حلفاء الولايات المتحدة. وكان أول مسؤول يقابله الخميس في نيويورك هو رئيس الحكومة اليابانية شينزو آبي الذي اعتبر أن ترامب زعيم يمكنه «الوثوق به». ورغم ذلك، عبر مسؤولون ديمقراطيون الجمعة عن معارضتهم لتعيين الثلاثي سيشنز وبومبيو وفلين. وقال ديفيد أكسلرود المستشار السابق للرئيس باراك أوباما، إن تعيين سيشنز «سيتسبب بقشعريرة للمحامين (المدافعين عن) الحقوق المدنية وحقوق المهاجرين» فيما قد يثير تعيين فلين «فرحة (الرئيس الروسي فلاديمير) بوتين و(الرئيس التركي رجب طيب) إردوغان».
ويتحدر سيشنز من جنوب الولايات المتحدة ومثل ألاباما في مجلس الشيوخ منذ عام 1997. وقد رحب سيناتور تكساس المحافظ المتشدد تيد كروز بتعيينه. وعارض سيشنز خلال رئاستي كل من جورج بوش وباراك أوباما مشاريع عدة لتسوية أوضاع المهاجرين غير الشرعيين.
أما المدير المقبل لوكالة الاستخبارات المركزية مايك بومبيو فكان أحد أعضاء لجنة التحقيق في الكونغرس الذي يهيمن عليه الجمهوريون حول الهجوم على البعثة الأميركية في بنغازي عام 2012 والذي أدى إلى مقتل أربعة أميركيين بينهم السفير كريس ستيفنز. واتهمت تلك اللجنة، المرشحة الديمقراطية السابقة إلى الرئاسة الأميركية هيلاري كلينتون التي كانت وقتذاك وزيرة للخارجية، بأنها قللت من أهمية تهديد المتطرفين في ليبيا.