هدنة كيري اليمنية تدخل حيز «الاعتذار»

المخلافي لـ «الشرق الأوسط» : أبلغونا أنها نقلت عبر الإعلام بشكل «غير دقيق»

الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي لدى لقائه نائب مساعد وزير الخارجية الأميركي تيم ليندر كينغ وسفير الولايات المتحدة لدى اليمن ماثيو تولر في الرياض أمس (سبأ)
الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي لدى لقائه نائب مساعد وزير الخارجية الأميركي تيم ليندر كينغ وسفير الولايات المتحدة لدى اليمن ماثيو تولر في الرياض أمس (سبأ)
TT

هدنة كيري اليمنية تدخل حيز «الاعتذار»

الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي لدى لقائه نائب مساعد وزير الخارجية الأميركي تيم ليندر كينغ وسفير الولايات المتحدة لدى اليمن ماثيو تولر في الرياض أمس (سبأ)
الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي لدى لقائه نائب مساعد وزير الخارجية الأميركي تيم ليندر كينغ وسفير الولايات المتحدة لدى اليمن ماثيو تولر في الرياض أمس (سبأ)

قالت وكالة الأنباء اليمنية الرسمية (سبأ)، إن وزير الخارجية الأميركي جون كيري بعث برسالة اعتذار إلى الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي عن التصريحات التي قال إنها «فهمت بشكل خاطئ إعلاميًا»، مؤكدًا أنه لم يبلغ التحالف ولا الحكومة اليمنية باتفاقه، الذي قال إنه كان مع الحوثيين فقط.
وعلى غير ما ورد في بيان وكالة الأنباء اليمنية، قال المتحدث باسم الخارجية الأميركية جون كيربي: «لا أعتقد أن الوزير جون كيري سيعتذر عن تلك الخطوة، وإذا قالوا (أي الحكومة اليمنية) إنه تسرع، فليكن؛ لأنه من مصلحة القضية (اليمنية) أن يكون الوزير قد تسرع».
وأردف كيربي، في مؤتمر صحافي عقده في واشنطن الليلة الماضية، بأن بلاده «تعمل لحل الأزمة اليمنية وجمع أطراف النزاع.. واجتمع مساعد لكيري مع الرئيس اليمني لبحث التطورات ومحاولة الوصول لحل يتناسب مع رؤية الأمم المتحدة في هذا الجانب».
وبدلا من دخولها حيز التنفيذ، تدخل الهدنة التي اقترحها قبل أيام وزير الخارجية الأميركي حيز «الاعتذار»، من دون وجود مستجدات فيما يتعلق بالتسوية سواء التي أعلنها الوزير الأميركي، أو تلك التي يجري على إتمامها المبعوث الأممي إلى اليمن إسماعيل ولد الشيخ أحمد.
وأوضح عبد الملك المخلافي، نائب رئيس الوزراء وزير الخارجية اليمني لـ«الشرق الأوسط»، أن «الجانب الأميركي أشار خلال لقائه الرئيس هادي أمس، إلى أنه حدث تحريف، حيث نقلت الصحافة الأمر بطريقة غير دقيقة، وأنه (كيري) لم يبلغ الحكومة والتحالف، واتفق فقط مع الحوثيين بحيث كان هناك ضغط عليهم من أجل وقف إطلاق النار والالتزام بالسلام».
وكان وزير الخارجية الأميركي أعلن أول من أمس، التوصل إلى اتفاق بين أطراف النزاع بإيقاف العمليات القتالية بدءا من أمس (الخميس)، وتشكيل حكومة وحدة وطنية بنهاية العام الجاري. لكن سرعان ما أعلنت الحكومة الشرعية عدم علمها أو التزامها بما جاء في تصريحات كيري.
في موازاة ذلك، قال مسؤول بالخارجية الأميركية لـ«الشرق الأوسط»، تعليقًا على اعتذار كيري: «نستطيع أن نؤكد اجتماع السفير مع الرئيس اليمني هادي». لافتًا إلى أنه «لا يمكن الحديث عن مضمون ما دار في اللقاء»، وأضاف المسؤول (الذي رفض الإفصاح عن اسمه): «محتوى الاجتماع دبلوماسي خاص ولا يمكن نشره».
إلى ذلك، أفادت وكالة الأنباء اليمنية (سبأ) بأن نائب مساعد وزير الخارجية الأميركي تيم ليندر كينغ وسفير الولايات المتحدة لدى اليمن ماثيو تولر عبرا خلال لقائهما الرئيس هادي أمس عن تقديرهما لمجمل الجهود التي بذلها الرئيس لمصلحة بلده ومجتمعه خلال مختلف المراحل الماضية، مشيرة إلى أنهما حملا للرئيس عدة رسائل من وزير الخارجية الأميركي جون كيري تحمل الاعتذار عما حصل وفسر في وسائل الإعلام التي أخرجت الأمر عن سياقه.
وأضافت الوكالة، فيما يتصل بالسلام، قال السفير الأميركي: «لا يمكن للسلام أن يتحقق إلا بقيادة اليمن الشرعية باعتبارها أساس السلام وداعية دائمة له خلال محطات السلام والمفاوضات المختلفة، وإن خريطة الطريق هذه لا تعد اتفاقية، بل مرشدا ودليلا أولي لبدء واستئناف المفاوضات التي يمكن طرح فيها ومن خلالها ما يمكن لإنجاح فرص السلام دون تدخل أو ضغوط من أحد باعتبار الحل في النهاية يصنعه اليمنيون أنفسهم».
بدوره، أكد عبد العزيز المفلحي، مستشار الرئيس هادي، أن المسؤولين الأميركيين قالوا خلال لقائهم الرئيس هادي أمس، إن تصريحات الوزير كيري «فسرت بشكل خاطئ». وأضاف في حديثه لـ«الشرق الأوسط» بقوله: «ربما أراد كيري خلط الأوراق وفي الوقت نفسه تحقيق إنجاز على الورق، ولكن ما سمي الخريطة لا تؤدي إلا إلى مزيد من التعقيد وفتح أبواب جديدة لحرب أهلية في اليمن، ولم تتعاط مع روح المشكلات القائمة في اليمن التي على أساسها الحوار الوطني، لكن ما سمي خريطة الطريق لم تشر إليها نهائيًا».
وأشار المفلحي إلى أن الحكومة اليمنية نقلت لجنة الهدنة والتنسيق التابعة لها إلى ظهران الجنوب عقب مشاورات الكويت مباشرة.. «الذي لم يحظر حتى الآن هو الانقلابيون»، إلا أنه شدد على أن «قلوبنا وعقولنا مفتوحة لكل رأي أو مسعى للسلام وفق المرجعيات».
وضمن مؤسسة الرئاسة اليمنية، قال ياسين مكاوي، مستشار الرئيس عبد ربه منصور هادي لـ«الشرق الأوسط»، إن «الرئيس هادي كــان لــديه اطـلاع مباشر ومتكامل حول الخريطة التي تقدم بها وزير الخارجية الأميركي، وإنها لن تجلب السلام لليمن، وإنما ستزيد من حالة الاحتراب، وكانت قراءته صحيحة بدليل الاعتذار الأميركي، الذي أعطى مصداقية لموقف الأخ الرئيس».
وأشار مكاوي إلى أن الخارجية الأميركية استبقت الاعتذار عبر متحدثتها الرسمية من خلال تصوير الأمر بأنه ليس اتفاقا، وأن ما أعلنه كيري «مجرد أفكار»، وأنهم لم يتشاوروا مع الحكومة اليمنية بخصوص مع أعلنه الوزير كيري.
وأضاف: «في اعتقادي أن المبعوث الأممي إلى اليمن إسماعيل ولد الشيخ أحمد يجب أن يواصل جهوده في وضع خريطة جديدة، بعيدا عن الخريطة (السابقة) التي وضعت وتحمل مسؤوليتها هو».
وأكد مستشار هادي أن خريطة ولد الشيخ «لم تكن قاصرة فحسب، بل كانت ستؤدي بنا إلى كارثة وإلى سابقة لشرعنة انقلابات العصابات في العالم».
وتسير الجهود الدولية باتجاه وقف إطلاق النار في اليمن، على أساس الاتفاق المبرم الذي بدأ سريانه في الـ10 من أبريل (نيسان) الماضي.
وكان المبعوث الأممي إلى اليمن، ولد الشيخ، تقدم بخطة في نهاية مشاورات السلام اليمنية في دولة الكويت، أواخر أغسطس (آب) الماضي، ونصت الخطة على الإجراءات الأمنية وفي مقدمتها انسحاب ميليشيات الحوثي وصالح من المدن، وصنعاء في المقدمة، وتسليم الأسلحة الثقيلة والمتوسطة، قبل الانتقال إلى مرحلة تشكيل حكومة وحدة وطنية، غير أن الحوثيين وصالح رفضوا تلك الخطة التي وقع عليها وفد الحكومة اليمنية للمشاورات.



نزيف بشري للجماعة الحوثية رغم توقف المعارك

مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
TT

نزيف بشري للجماعة الحوثية رغم توقف المعارك

مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)

شيّعت الجماعة الحوثية خلال الأسبوع الماضي أكثر من 15 قتيلاً من قيادييها العسكريين والأمنيين من دون إعلان ملابسات سقوطهم. ورغم توقف المعارك العسكرية مع القوات الحكومية اليمنية في مختلف الجبهات؛ فإن النزيف البشري المستمر لقياداتها وعناصرها يثير التساؤلات عن أسبابه، بالتزامن مع مقتل العديد من القادة في خلافات شخصية واعتداءات على السكان.

ولقي قيادي بارز في صفوف الجماعة مصرعه، الأحد، في محافظة الجوف شمال شرقي العاصمة صنعاء في كمين نصبه مسلحون محليون انتقاماً لمقتل أحد أقاربهم، وذلك بعد أيام من مقتل قيادي آخر في صنعاء الخاضعة لسيطرة الجماعة، في خلاف قضائي.

وذكرت مصادر قبلية في محافظة الجوف أن القيادي الحوثي البارز المُكنى أبو كمال الجبلي لقي مصرعه على يد أحد المسلحين القبليين، ثأراً لمقتل أحد أقاربه الذي قُتل في عملية مداهمة على أحد أحياء قبيلة آل نوف، التي ينتمي إليها المسلح، نفذها القيادي الحوثي منذ أشهر، بغرض إجبار الأهالي على دفع إتاوات.

من فعالية تشييع أحد قتلى الجماعة الحوثية في محافظة حجة دون الإعلان عن سبب مقتله (إعلام حوثي)

ويتهم سكان الجوف القيادي القتيل بممارسات خطيرة نتج عنها مقتل عدد من أهالي المحافظة والمسافرين وسائقي الشاحنات في طرقاتها الصحراوية واختطاف وتعذيب العديد منهم، حيث يتهمونه بأنه كان «يقود مسلحين تابعين للجماعة لمزاولة أعمال فرض الجبايات على المركبات المقبلة من المحافظات التي تسيطر عليها الحكومة، وتضمنت ممارساته الاختطاف والتعذيب والابتزاز وطلب الفدية من أقارب المختطفين أو جهات أعمالهم».

وتقول المصادر إن الجبلي كان يعدّ مطلوباً من القوات الحكومية اليمنية نتيجة ممارساته، في حين كانت عدة قبائل تتوعد بالانتقام منه لما تسبب فيه من تضييق عليها.

وشهدت محافظة الجوف مطلع هذا الشهر اغتيال قيادي في الجماعة، يُكنى أبو علي، مع أحد مرافقيه، في سوق شعبي بعد هجوم مسلحين قبليين عليه، انتقاماً لأحد أقاربهم الذي قُتِل قبل ذلك في حادثة يُتهم أبو علي بالوقوف خلفها.

في الآونة الأخيرة تتجنب الجماعة الحوثية نشر صور فعاليات تشييع قتلاها في العاصمة صنعاء (إعلام حوثي)

وتلفت مصادر محلية في المحافظة إلى أن المسلحين الذين اغتالوا أبو علي يوالون الجماعة الحوثية التي لم تتخذ إجراءات بحقهم، مرجحة أن تكون عملية الاغتيال جزءاً من أعمال تصفية الحسابات داخلياً.

قتل داخل السجن

وفي العاصمة صنعاء التي تسيطر عليها الجماعة الحوثية منذ أكثر من 10 سنوات، كشفت مصادر محلية مطلعة عن مقتل القيادي الحوثي البارز عبد الله الحسني، داخل أحد السجون التابعة للجماعة على يد أحد السكان المسلحين الذي اقتحم السجن الذي يديره الحسني بعد خلاف معه.

وتشير المصادر إلى أن الحسني استغل نفوذه للإفراج عن سجين كان محتجزاً على ذمة خلاف ينظره قضاة حوثيون، مع المتهم بقتل الحسني بعد مشادة بينهما إثر الإفراج عن السجين.

وكان الحسني يشغل منصب مساعد قائد ما يسمى بـ«الأمن المركزي» التابع للجماعة الحوثية التي ألقت القبض على قاتله، ويرجح أن تجري معاقبته قريباً.

وأعلنت الجماعة، السبت الماضي، تشييع سبعة من قياداتها دفعة واحدة، إلى جانب ثمانية آخرين جرى تشييعهم في أيام متفرقة خلال أسبوع، وقالت إنهم جميعاً قتلوا خلال اشتباكات مسلحة مع القوات الحكومية، دون الإشارة إلى أماكن مقتلهم، وتجنبت نشر صور لفعاليات التشييع الجماعية.

جانب من سور أكبر المستشفيات في العاصمة صنعاء وقد حولته الجماعة الحوثية معرضاً لصور قتلاها (الشرق الأوسط)

ويزيد عدد القادة الذين أعلنت الجماعة الحوثية عن تشييعهم خلال الشهر الجاري عن 25 قيادياً، في الوقت الذي تشهد مختلف جبهات المواجهة بينها وبين القوات الحكومية هدوءاً مستمراً منذ أكثر من عامين ونصف.

ورعت الأمم المتحدة هدنة بين الطرفين في أبريل (نيسان) من العام قبل الماضي، ورغم أنها انتهت بعد ستة أشهر بسبب رفض الجماعة الحوثية تمديدها؛ فإن الهدوء استمر في مختلف مناطق التماس طوال الأشهر الماضية، سوى بعض الاشتباكات المحدودة على فترات متقطعة دون حدوث أي تقدم لطرف على حساب الآخر.

قتلى بلا حرب

وأقدمت الجماعة الحوثية، أخيراً، على تحويل جدران سور مستشفى الثورة العام بصنعاء، وهو أكبر مستشفيات البلاد، إلى معرض لصور قتلاها في الحرب، ومنعت المرور من جوار السور للحفاظ على الصور من الطمس، في إجراء أثار حفيظة وتذمر السكان.

وتسبب المعرض في التضييق على مرور المشاة والسيارات، وحدوث زحام غير معتاد بجوار المستشفى، ويشكو المرضى من صعوبة وصولهم إلى المستشفى منذ افتتاح المعرض.

ويتوقع مراقبون لأحوال الجماعة الحوثية أن يكون هذا العدد الكبير من القيادات التي يجري تشييعها راجعاً إلى عدة عوامل، منها مقتل عدد منهم في أعمال الجباية وفرض النفوذ داخل مناطق سيطرة الجماعة، حيث يضطر العديد من السكان إلى مواجهة تلك الأعمال بالسلاح، ولا يكاد يمرّ أسبوع دون حدوث مثل هذه المواجهات.

ترجيحات سقوط عدد كبير من القادة الحوثيين بغارات الطيران الأميركي والبريطاني (رويترز)

ويرجح أن يكون عدد من هؤلاء القادة سقطوا بقصف الطيران الحربي للولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا اللتين شكلتا منذ قرابة عام تحالفاً عسكرياً للرد على استهداف الجماعة الحوثية للسفن التجارية وطرق الملاحة في البحر الأحمر، وتنفذان منذ ذلك الحين غارات جوية متقطعة على مواقع الجماعة.

كما تذهب بعض الترجيحات إلى تصاعد أعمال تصفية الحسابات ضمن صراع وتنافس الأجنحة الحوثية على النفوذ والثروات المنهوبة والفساد، خصوصاً مع توقف المعارك العسكرية، ما يغري عدداً كبيراً من القيادات العسكرية الميدانية بالالتفات إلى ممارسات نظيرتها داخل مناطق السيطرة والمكاسب الشخصية التي تحققها من خلال سيطرتها على أجهزة ومؤسسات الدولة.

وبدأت الجماعة الحوثية خلال الأسابيع الماضية إجراءات دمج وتقليص عدد من مؤسسات وأجهزة الدولة الخاضعة لسيطرتها، في مساعِ لمزيد من النفوذ والسيطرة عليها، والتخفيف من التزاماتها تجاه السكان بحسب المراقبين.