حرب استنزاف في سرت تؤخر حسم المعركة ضد {داعش}

بسبب المقاومة الشرسة للتنظيم في المدينة

حرب استنزاف في سرت تؤخر حسم المعركة ضد {داعش}
TT

حرب استنزاف في سرت تؤخر حسم المعركة ضد {داعش}

حرب استنزاف في سرت تؤخر حسم المعركة ضد {داعش}

بدت القوات الحكومية الليبية عند انطلاق حملة استعادة مدينة سرت قبل ستة أشهر قادرة على حسم المعركة في إطار زمني ضيق، لكنها ما لبثت أن غرقت في حرب استنزاف مؤلمة في مواجهة متطرفين يستميتون لإطالة أمدها.
وتحاصر القوات الحكومية منذ نحو أسبوعين عناصر تنظيم داعش في منطقة سكنية صغيرة. ورغم ذلك فإنها تتقدم ببطء شديد بسبب المقاومة الشرسة والخشية من خسارة مقاتلين ووجود مدنيين عالقين في هذه المنطقة.
يقول رضا عيسى، وهو أحد المتحدثين باسم القوات الموالية لحكومة الوفاق الوطني إن «أسباب تأخير حسم المعركة كثيرة، أهمها أنها عبارة عن حرب شوارع شرسة جدا يستميت (داعش) لإطالتها في أمتارها الأخيرة».
ويضيف عيسى موضحا أن «الحرب طالت، لكنها في النهاية معركة، وليست مباراة كرة قدم حتى نضع لها إطارا زمنيا محددا. الأهم بالنسبة لنا الحفاظ على حياة مقاتلينا وعلى المدنيين الذين يتخذهم (داعش) دروعا بشرية، ولو تطلب ذلك التقدم ببطء».
وفي الأسابيع الأولى من الحملة التي انطلقت في 12 مايو (أيار) الماضي، حققت القوات الحكومية تقدما سريعا مع سيطرتها على المرافق الرئيسية في سرت (450 كلم شرق طرابلس) المطلة على البحر المتوسط، وذلك بعد أقل من عام على سقوط المدينة في يد تنظيم داعش في يونيو (حزيران) 2015. لكن هذا التقدم سرعان ما بدأ بالتباطؤ مع وصول القوات المؤلفة من جماعات مسلحة تنتمي معظمها إلى مدينة مصراتة (200 كلم شرق طرابلس) إلى مشارف المناطق السكنية في المدينة، لتتحول المعركة إلى حرب شوارع وقتال من منزل إلى منزل. وقد قتل في الحملة التي أطلق عليها اسم عملية «البنيان المرصوص» أكثر من 650 مقاتلا حكوميا، وأصيب أكثر من ثلاثة آلاف بجروح، فيما راوح عدد قتلى المتشددين في المدينة بين 1800 وألفي قتيل، بحسب عيسى.
ويقول المتحدث «المنطقة المتبقية صغيرة جدا لا تتجاوز الكيلومتر المربع الواحد، لكننا لا نريد فقدان مزيد من المقاتلين، حتى ولو أن ذلك يعني إطالة أمد المعركة»، مبرزا أن «موضوع المدنيين أيضا خطير جدا، فمقاتلونا يسمعون صراخهم من المنازل كلما كان هناك قصف. ولا نعرف أعدادهم، لكن (داعش) يمنعهم من الخروج؛ ولذا فإنه يجب التعامل مع هذه المنطقة المتبقية بحذر كبير».
ويتبع عناصر تنظيم داعش في سرت، مسقط رأس معمر القذافي، مبدأ القتال حتى الموت؛ إذ يعمدون إلى تفجير أنفسهم قبل القبض عليهم، ونادرا ما يقعون أحياء في قبضة القوات الحكومية.
وفي موازاة عشرات الهجمات الانتحارية والسيارات المفخخة، ومئات الألغام التي زرعت على الطرقات وفي المنازل، تواجه القوات الحكومية خطرا إضافيا يتمثل في وجود أعداد كبيرة من قناصة التنظيم المتطرف في سرت، التي شكلت على مدى عام قاعدة خلفية رئيسية لهذا التنظيم. وللتعامل مع هؤلاء القناصة، تستعين القوات الحكومية منذ الأول من أغسطس الماضي بضربات جوية تشنها طائرات أميركية نفذت أكثر من 350 غارة في نحو ثلاثة أشهر ونصف.
لكن رغم ذلك بقي المتطرفون يبدون مقاومة ضارية.
في هذا السياق، يرى ماتيا توالدو، الباحث في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية والمتخصص في الشؤون الليبية، أن «المعركة طالت لأنهم (المقاتلون الحكوميون) واجهوا مقاومة أكبر من المتوقع، وتلقوا خسائر بشرية كبيرة، وبدأوا يشعرون بالإنهاك»، وتابع موضحا «عندما بدأت الضربات الأميركية حققت قوات (البنيان المرصوص) تقدما مهما، لكن تنظيم داعش محاصر حاليا في مساحة صغيرة جدا، بحيث يصعب تخيل مدى تأثير هذه الضربات في هذه المساحة».
وستشكل خسارة تنظيم داعش ضربة موجعة في وقت يواجه حملتين عسكريتين كبيرتين في كل من العراق وسوريا، حيث تسعى القوات المحلية بمساندة التحالف الدولي إلى سلب هذا التنظيم عاصمتيه في البلدين، الموصل والرقة.
وفي ظل الفوضى الأمنية التي تشهدها ليبيا منذ إسقاط نظام القذافي عام 2011، وفرت سرت ملاذا آمنا للتنظيم بعيدا عن أعين العالم ليجعل منه محطة استقطاب رئيسية لمئات المقاتلين بهدف تدريبهم على شن هجمات في دول أخرى. وبين يونيو 2015 ومايو 2016 قطعت الأيادي في سرت وأعدم الناس بشكل علني وساد الرعب. وفي شوارعها الرئيسية، انتشرت أعلام التنظيم المتشدد، وجابت سياراته شوارع، وفرض عناصره على السكان أداء الصلاة في مواعيدها، ومنعوا خروج النساء من منازلهن إلا برفقة رجل.
وبهذا الخصوص، يقول عيسى «المعركة ليست سهلة أبدا، فنحن نقاتل فكرا متطرفا متسلحا ينشد الموت. وقد أدركنا منذ البداية صعوبة وشراسة المعركة، وأن هذا العدو لا يمكن القضاء عليه إلا بقتل كامل أفراده. وهذا ما سنفعله».



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».