أخبر الهولندي رونالد كومان، المدير الفني لفريق إيفرتون، عمر نياسي أن النادي لم يعد بحاجة لخدماته، وذلك في أعقاب مشاركة المهاجم السنغالي في إحدى المباريات لمدة 45 دقيقة قبل انطلاق الموسم الجديد. وبالفعل، جرى تجريد نياسي من الرقم الذي يحمله قميصه، وصدرت له تعليمات بالمشاركة في التدريبات مع فريق دون الـ23 بالنادي. ويكشف ذلك حجم السقوط المدوي الذي مني به المهاجم السنغالي البالغ من العمر 26 عامًا منذ بداية ما بدا له حلمًا رائعًا بانتقاله مقابل 13.5 مليون جنيه من لوكوموتيف موسكو في فبراير (شباط) الماضي.
من جانبه، قال نياسي: «وجدت في غرفة تبديل الملابس مع فريق دون الـ23، لكن ليس لدي خزانة لمتعلقاتي. ورغم أن اللاعبين الآخرين لديهم خزانات خاصة بهم، لا أحظى أنا بذلك. أحضر من المنزل بحقيبتي الخاصة وأتركها في مكان معين. أضع حقيبتي على الأرض وأشارك بالتدريبات، ثم أضعها بالسيارة وأعود إلى المنزل فحسب».
كانت هناك الكثير من التساؤلات المحيطة بنياسي لدى جلوسه معنا لعقد هذه المقابلة والحديث عن منزله بضاحية وورسلي في مانشستر، لكن كان هناك تساؤل واحد يفرض نفسه بقوة لافتة: كيف وصل الأمر إلى هذا الحد؟
عندما جرى التعاقد مع نياسي من جانب الإسباني روبرتو مارتينيز، الذي تولى مهمة التدريب قبل كومان، كان قد شارك في النصف الأول من موسم الدوري الروسي. وبتلك الصفقة، أصبح نياسي ثالث أغلى لاعب في تاريخ إيفرتون - بعد روميلو لوكاكو ومروان فيلايني - لكنه سيتراجع إلى المركز الرابع مع إتمام صفقة الكونغولي يانيك بولاسي خلال الصيف. ورغم ذلك، تحول قرار الانتقال إلى إيفرتون إلى كابوس شخصي لنياسي، الذي تشير الإحصاءات إلى أنه شارك لمدة 152 دقيقة فقط على مدار سبع مباريات. بادئ الأمر، كانت هناك مخاوف تتعلق بمستوى لياقته البدنية. جدير بالذكر في هذا الصدد أن المرة الأخيرة التي لعب لصالح لوكوموتيف موسكو كانت في العاشر من ديسمبر (كانون الأول)، قبل بدء العطلة الشتوية في روسيا، بجانب أنه خاض عملية جراحية في الرسغ. وبدأت لياقته في المباريات تعاني مزيدا من التدهور مع استمرار مارتينيز في تجاهله - ولم يحن موعد أول مشاركة له مع إيفرتون حتى 30 أبريل (نيسان) خلال المباراة التي فاز خلالها إيفرتون على أرضه على بورنموث. وبدا الأمر برمته بالنسبة لنياسي أشبه بدائرة مفرغة.
وساد انطباع عام بأن مارتينيز أدرك أنه ضم إليه لاعب فاشل. وظهرت موجة من السخرية والنكات حول اللاعب. وفي ظل قيادة كومان، زادت الأوضاع سوأ. ومن الصعب تجاهل الشعور بأن عدم وجود خزانة لنياسي محاولة متعمدة لإذلاله، أو معاقبته، لقراره الاستمرار مع إيفرتون بعد الموعد النهائي للانتقالات في الأول من سبتمبر (أيلول). من ناحيته، علق نياسي بقوله: «إنه أمر محزن، إنه محزن حقًا. وكي أكون صادقًا، لا أعتقد أنني أستحق ذلك، لكن ليس بوسعي سوى المضي قدمًا والنضال لتغيير هذا الوضع. ولن أثير ضجة من الشكوى بسبب ذلك، وإنما سأعمل على التعامل مع هذا الوضع فحسب. إنني مدرك جيدًا أنها فترة مؤقتة فحسب».
بالفعل يحمل نياسي داخله شخصية مقاتلة، وقد أوضح تمامًا أنه ينوي دفع مسار حياته المهنية نحو الصعود، وأن يظهر أمام الجميع حجم مشجعيه الحقيقي داخل إنجلترا - سواء كان ذلك داخل إيفرتون أو أي نادٍ آخر بالدوري الإنجليزي الممتاز، عندما يعود موسم الانتقالات مجددًا في يناير (كانون الثاني). الواضح أن نياسي لا تزال بداخله الرغبة للبقاء في إيفرتون، ولا يزال يحدوه الأمل في أن يتمكن من دفع كومان لإعادة النظر في تقييمه له، ما يعكس إيمانًا راسخًا من جانب نياسي بقدراته ومهاراته.
أما أكثر ما يبدو جليًا في شخصية نياسي تواضعه ونقاء سريرته، خاصة تجاه كومان. يذكر أن نياسي شارك في الشوط الثاني من أول مباراة خاضها الفريق تحت قيادة كومان - وكانت مباراة ودية أقيمت 16 يوليو (تموز) أمام «إف كيه يابلونيك» التشيكي، والتي انتهت بفوز إيفرتون بهدف دون مقابل - ويعتقد نياسي أن أداءه بالمباراة لم يكن بالغ السوء. وبعد 48 ساعة من المباراة، جرى استدعاؤه لمكتب المدرب.
وعن اللقاء، أشار نياسي إلى أن كومان قال: «عليك الرحيل». ولم أستطع فهم كيف يمكنني اتخاذ هذا القرار بعد 45 دقيقة، لكنني اكتفيت بالقول: «حسنًا، شكرًا لك». في كل الأحوال، هذا القرار يرجع له، فهو المدرب. ماذا عساي أن أفعل؟ واتصلت بوكيلي، وقال إنه سينظر في الفرص المتاحة. ولأكون صادقًا، لم أستفسر من كومان عن الأسباب، وإنما رأيت فحسب أنني لو حتى سألت عن السبب، لم أكن لأفهم الأمر، فبعد 45 دقيقة فقط، لا يمكنك أن تخبرني: «أنت لست لاعبًا جيدًا».
ومنذ ذلك الحين، لم يدخل نياسي في حديث مع كومان سوى مرة واحدة أخرى، وكان ذلك عندما علم بقرار مشاركته في التدريب مع فريق دون الـ23. وعن ذلك، قال نياسي: «لقد غير كل شيء، فقد جردني من الرقم الذي يحمله قميصي، وأخبرني بأنه لم يعد مسموحا لي الوجود داخل غرفة تغيير ملابس الفريق الأول، وأنني لن أتدرب معهم، وأن علي المشاركة في التدريب مع الفريق الثاني».
وأضاف: «أجبته: (حسنًا، ليست هناك مشكلة). عندما تقول إنك لست بحاجة إلى لاعب ما، لا يصبح من الضروري أن تقابله. ومع ذلك، مضيت في المشاركة في التدريب فحسب. وحتى إذا كنت أشارك في التدريب مع فريق دون الـ23، فإنني أكن لهم بالغ الاحترام». في الواقع، هناك الكثير من المواقف التي يحاول خلالها نياسي تفسير سلسلة لافتة من الأحداث بقوله إن هذا هو الحال بمجال كرة القدم فحسب - كما لو أن قدرة كرة القدم على تحدي المنطق تشكل في حد ذاتها تفسيرا كافيا.
جدير بالذكر أن إيفرتون راقب نياسي أثناء مشاركته في لوكوموتيف. وشاهده مسؤولو إيفرتون كثيرا من المرات، ولم يكن هناك ما يستدعي التعجل في إتمام صفقة الشراء. والملاحظ أن أندية كبرى أخرى داخل إنجلترا وأوروبا رغبت هي الأخرى في ضمه إليها، لكن بعد دفع إيفرتون المال اللازم لضمه، بدأت تلك الأندية تشعر أن نياسي ليس اللاعب المناسب لها. علاوة على ذلك، من خلال أقوال وأفعال مارتينيز وكومان، أوضح المدربان أمام الأندية الأخرى الساعية وراء نياسي أنهما لا يريان أن للاعب قيمة تذكر.
وتكشف هذه الملحمة الكثير عن الدوري الإنجليزي الممتاز في صورته الحديثة، ومنافسات القوة بداخله والدوافع المالية. كما تعزز صورة الدوري الإنجليزي الممتاز باعتباره حلما يتوق إليه الكثيرون. من ناحيته، لدى نياسي قناعة بأنه تلقى معاملة قاسية، لكنه يحظى بعقد جيد حتى عام 2020، ويدرك تمامًا الصورة الأكبر على الصعيد الرياضي. والمعروف أن التخطيط لمسيرة المرء بمجال كرة القدم يتطلب حذرا بالغا.
ومن المثير كذلك النظر في موقف كومان، فقد أصدر تقييمه لأداء نياسي بنية صادقة، الأمر الذي يشكل انتكاسة حقيقية بمسيرة اللاعب. وفي تصريح له في 22 سبتمبر، قال كومان عن اللاعب السنغالي: «الأمر برمته يعود إلى اللاعب بخصوص ما إذا كان يرحل، لا يمكنني فهم الموقف لكنه أمر معتاد. إن لاعبي كرة القدم يعشقون اللعب، هكذا أرى الأمر. وقد شرحت لنياسي لماذا لم أجعله جزءًا من خططي للموسم الجديد».
في الواقع، يرغب نياسي بالفعل في لعب كرة القدم، لكن ليس في أي مكان، وإنما يريد أن يكون جزءًا من النادي الذي يقع عليه اختياره وهو يرغب في اللعب في فريق بالدوري الإنجليزي الممتاز. وخلال الصيف، تلقى عروضًا من ألمانيا وإسبانيا والبرتغال وتركيا. لم يتخذ اللاعب قرارًا بالرحيل عن إيفرتون، رغم إبداء كريستال بالاس وويست بروميتش ألبيون وهال سيتي اهتمامهم به.
وعن ذلك، أوضح نياسي: «الأمر لا يتعلق بالحصول على فرص، ثم الرحيل خلفها. إنني أفكر باستمرار في عملي - وفي ضرورة اتخاذ خيارات جيدة. ورغم أن أمامي فرصا بالفعل، لكنني أود اللعب في الدوري الإنجليزي الممتاز، وذلك لأنني أعلم أن بإمكاني فعل الكثير داخل الدوري الإنجليزي الممتاز. لهذا، أعمل على البقاء صامدًا، حتى وإن كان هذا الأمر صعبًا الآن». وأضاف: «يمكن لأي شيء أن يتغير. كومان لا يرغب سوى في الأفضل بالنسبة له، وفي غضون شهرين إذا نجحت في أن أصبح الأفضل له، سيضمني إلى فريقه لأنه ليس ثمة مشكلة شخصية بيني وبينه. هذا هو الحال بكرة القدم، وسبق وأن واجه لاعبون أكبر مني هذه المشكلة مع مدربيهم. كم عدد المرات التي أعلن خلالها ريال مدريد عن عدم رغبته في الاحتفاظ بلاعب خط الوسط الفرنسي لاسانا ديارا، لكن في نهاية الموسم من كان يلعب؟».
في الواقع، سبق وأن واجه نياسي وضعًا أكثر صعوبة بكثير داخل لوكوموتيف، بعد انتقاله إليه مقابل 6 ملايين يورو قادمًا من نادي بلدية آكهيسار سبور التركي، الذي سجل لصالحه 15 هدفًا، وساعد في تسجيل سبعة أهداف أخرى خلال موسم 2013 - 2014. لم تكن لنياسي معرفة بأي شخص داخل موسكو، ولم يكن بإمكانه التحدث بالروسية، وكانت درجات الحرارة التي تصل إلى 15 تحت الصفر بالغة القسوة بالنسبة له، علاوة على حوادث عنصرية محبطة.
وعلق نياسي على ذلك بقوله: «من العسير للغاية أن تكون رجلاً داكن البشرة في موسكو. في مباراة على ملعب سيسكا موسكو في سبتمبر 2015، احتسب الحكم ركلة جزاء لصالحنا وتقدمت لركل الكرة، لكن الجماهير أصدرت ضوضاء عالية.. هذه الصيحات التي يطلقونها ضد اللاعبين السود. إلا أن هذا الأمر لم يزعجني، وبالفعل سجلت هدفًا. ولم أعلق على الأمر بشيء».
وخلال موسمه الأول مع لوكوموتيف، جاهد نياسي بشدة. يذكر أنه كان لدى الفريق المهاجم الروسي رومان بافليوتشينكو والمهاجم السنغالي دام ندوي بالمقدمة. وبعد انتقال الأخير إلى هال سيتي في فبراير 2015، ضم النادي إليه الصربي بيتر سكولتيتش ليحل محله. أما نياسي، فأجبر على البقاء «مجمدًا» لفترة، ذلك أنه ما بين 24 نوفمبر (تشرين الثاني) 2014 و18 أبريل 2015، لم تمس قدما نياسي أرض الملعب ولو لدقيقة واحدة.
ومع ذلك، نال فرصة المشاركة قرب نهاية الموسم، واستجاب لذلك بتسجيله هدف التعادل لناديه خلال نهائي بطولة الكأس الروسية أمام كوبان كراسنودار. وبعد الوقت الإضافي، فاز لوكوموتيف بثلاثة أهداف مقابل هدف واحد. ومع انطلاق الموسم التالي، كان نياسي قد استعاد كامل حماسته وتألقه، ذلك أنه سجل 13 هدفًا وعاون في إحراز 10 أخرى، قبل أن يتوقف الدوري الروسي خلال عطلة الشتاء.
من جانبه، قال نياسي: «يقول البعض إن روسيا ليس بها دوري قوي، لكن عندما تذهب إلى هناك وتلعب في ظل ظروف الطقس هناك وتعاين أسلوب لعبهم وكل شيء آخر، ستدرك أن اللعب هناك أكثر تعقيدًا بكثير عما تصورت». وأضاف: «وإذا كنت نجحت في روسيا، فما الذي يمنع نجاحي في إنجلترا؟ إن ما عايشته في موسكو يجعلني مدركًا لأن باستطاعتي تحويل دفة الأمور بالنسبة لي هنا في إنجلترا».
يذكر أن نياسي تألق خلال مباريات لوكوموتيف في إطار بطولة دوري أوروبا الموسم الماضي، ومن المحير حقًا أن يتهاوى نجمه من هذا المستوى المتألق ليصل إلى المأزق الذي يعايشه الآن الذي اضطره لمشاركة فريق دون الـ23 في إيفرتون التدريب. منذ 19 سبتمبر، لعب أربع مرات لصالح الفريق الذي يتولى ديفيد أنسورث تدريبه، وسجل أهدافا في مرمى أرسنال ومانشستر يونايتد.
وعلق نياسي على هذا بقوله: «يقتصر تفكيري على ما يتعين علي فعله. لو احتاجني إيفرتون بأي وقت - سواء لفريق دون الـ23 أو الفريق الأول - سأكون متاحًا لأنني أعمل لحساب إيفرتون. وقد قدموا لي الكثير من المال، لذا أشعر بضرورة أن أعمل مقابل هذا المال. للناس أن يقولوا ما يعتقدونه، لكنهم لا يعرفون عني الكثير هنا في إنجلترا. لم يسبق لهم رؤيتي من قبل ألعب بكامل لياقتي البدنية».
وأضاف: «أود أن أثبت وجودي بالدوري الإنجليزي الممتاز، وأتمنى أن أحقق ذلك في صفوف إيفرتون، لأن هذا هو النادي الذي أشعر بالارتياح معه. في كل نهاية أسبوع، أتابع المباريات وأشجع الفريق. إنني أنتمي لهذا النادي. ومع هذا، لو نلت فرصة إظهار حقيقة قدراتي في نادٍ آخر بالدوري الإنجليزي الممتاز، سأرحل وأحقق ذلك. وليس بإمكان المرء معرفة ما يخفيه له المستقبل.. تلك هي حال كرة القدم».
عمر نياسي.. السنغالي الذي يتعرض للإذلال في إيفرتون
حلمه باللعب في الدوري الإنجليزي تحول إلى كابوس لا ينتهي
عمر نياسي.. السنغالي الذي يتعرض للإذلال في إيفرتون
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة