يشكل البحر بأمواجه ومكنوناته وأعماقه وأسراره وظروفه المتباينة نمطا معيشيا خاصا لأهالي جزيرة قماح الواقعة ضمن أرخبيل جزر فرسان في البحر الأحمر بمنطقة جازان، ورسم لهم عنوانا لحياة إنسانية بسيطة تجذرت عروقها في عمق تاريخ الجزيرة القديم، فتشكلت حياتهم تبعا لذلك البحر حتى استطاعوا سبر أغواره، فكان صيد السمك مهنة ومصدر رزق وهواية ومتعة في الوقت نفسه.
ويرتبط أهالي الجزيرة ارتباطا وثيقا بالبحر، حيث يمتهنون صيد الأسماك بوصفه مصدرا مهما لرزقهم ومهنة عريقة ورثوها عن آبائهم وأجدادهم وفرصة عمل مناسبة لأبنائهم.
ويرصد الناظر إلى شواطئ جزيرة قماح مراكب الأهالي وهي ترسو على سواحل الجزيرة متأهبة لرحلتي الغدو والرواح التي يسلكونها يوميا في عباب البحر بحثا عن الأسماك المتنوعة التي يكتنزها البحر الأحمر في جوفه، حيث تعد مهنة الصيد بالنسبة لهم موردا اقتصاديا طبيعيا متجددا ومصدرا مهما من مصادر الدخل.
ويروي كبار السن في الجزيرة قصة الصيد الأولى لأهالي قماح، فمنذ نعومة أظفارهم وهم يتعايشون مع البحر الأحمر الذي حمل الآباء والأجداد في رحلات متكررة بحثا عن الصيد والاستفادة من ريعه في الغذاء والاقتصاد.
ومنذ سنوات عمرهم الأولى وهم يتعلمون كيفية التعامل مع البحر سباحة وغوصا وصيدا، حتى أصبحوا اليوم مدركين لماهيته وظروف متغيراته، متمكنين من قراءة خريطة البحر الذي يضم في أعماقه كائنات بحرية متنوعة تتجلى فيها قدرة الخالق عز وجل.
وتبدأ رحلات الصيد في الجزيرة مع ساعات الصباح الأولى حيث يتجه أهالي جزيرة قماح نحو الساحل ليمتطوا مراكبهم الراسية على شواطئ الجزيرة بأطوال تتراوح ما بين خمسة وسبعة أمتار، مزودة بأدوات الصيد ومؤونة الرحلة التي تختلف مدتها بين رحلة وأخرى.
ويتقن أهالي جزيرة قماح كل أنواع الصيد وطرقه التي تختلف من وقت إلى آخر تبعا لنوع السمك المراد اصطياده، حيث يتمتع البحر بثروة سمكية هائلة، فتستخدم شباك الصيد تارة، والصنارة «الجلب» تارة، أو «المجرور» تارة أخرى، كما يختلف وقت اصطياد أنواع من السمك بين الليل والنهار، فمن سمك الديراك (الكنعد) إلى العربي والسيجان والبياض والشعور والهامور وغيرها.
ومع نهاية رحلة الصيد التي تتأثر بحالة الطقس وحركة المد والجزر، يعود الصيادون إلى أهليهم محملين بما كتب الله من رزق في يومهم، فيأخذون نصيبا من ذلك الصيد لبيوتهم لتناوله، وتقسيم بعضه على الجيران والأصدقاء، بينما يحمل البعض الآخر ما فاض من ذلك نحو جزيرة فرسان أو مدينة جازان لبيعه.
11:15 دقيقه
«قماح».. رحلة كفاح يرسمها البحر جنوب السعودية
https://aawsat.com/home/article/76256
«قماح».. رحلة كفاح يرسمها البحر جنوب السعودية
الأهالي يمتهنون الصيد منذ نعومة أظفارهم
صياد يتجهز للإبحار وبدء يومه في جزيرة قماح (واس)
«قماح».. رحلة كفاح يرسمها البحر جنوب السعودية
صياد يتجهز للإبحار وبدء يومه في جزيرة قماح (واس)
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة

