إنعام كجه جي: «طشّاري» تعبير عن حالة الشتات العراقي الراهن

اختيرت روايتها ضمن القائمة القصيرة لجائزة «البوكر» العربية

TT

إنعام كجه جي: «طشّاري» تعبير عن حالة الشتات العراقي الراهن

ربما من سخرية الأقدار أن الرواية العراقية، منذ الاحتلال الأميركي لبغداد، في تألق مستمر، إذ سطعت أسماء كثيرة من أبناء الرافدين في سماء السرد العربي وخطت أقلامهم نصوصا جريئة سعت إلى تفكيك الشخصية العراقية في فترة حرجة من تاريخ البلاد، أقل ما يمكن أن توصف به أنها مأساة.
وفي خضم هذه الطفرة الروائية خرجت إنعام كجه جي، الكاتبة والصحافية العراقية المقيمة في باريس منذ عقود، التي بدأت مشروعها الروائي بـ«سواقي القلوب» (2005، المؤسسة العربية) ثم «الحفيدة الأميركية» (2008، دار الجديد)، عملها الأول الذي يصل إلى القائمة القصيرة للجائزة العالمية للرواية العربية (البوكر) في 2009. أما ثالث أعمالها الروائية «طشّاري» (2013، دار الجديد) فاستطاع أيضا أن يصل إلى نفس القائمة هذا العام. تقول كجه جي إنه جاء «للتعبير عن حالة الشتات العراقي الراهن».
وهنا حوار معها عن روايتها هذه، وأعمالها الأخرى:

> «طشّاري» عنوان غريب قد يستعصي على القارئ غير العراقي. ما معنى هذه الكلمة وكيف وقع الاختيار عليها؟
- قد يكون الاسم غريبا لكن معناه كامن في سياق الرواية. إنها طلقة بندقية الصيد التي تنفجر في عدة اتجاهات. ورغم إدراكي لغرابة العنوان فإنني لم أجد ما هو أفضل منه للتعبير عن حالة الشتات العراقي الراهن.
> «هذا هو الإليزيه إذن»، تقول وردية، اللاجئة العراقية في فرنسا، مفتتحة «طشّاري». الجملة لا تحمل معنى محددا. هل هي انعكاس لشعور اللاجئ بالإحباط من المكان الغريب أم الشوق إليه؟
- لا هذه ولا تلك. لقد سمعت وردية كثيرا عن قصر «الإليزيه» لكنها عندما وقفت أمامه وجدته مبنى قديما بحراسة عادية ورصيف بسيط يسير عليه المارة العابرون دون أن يمنعهم جدار إسمنتي أو يردعهم شرطي. إنها تقارن ما ترى بما تعرف عن القصور الرئاسية والمناطق المحظورة في بلدها.
> «طشّاري» عمل يتتبع مسيرة حياة طبيبة عراقية بين الموصل وبغداد والديوانية وصولا إلى فرنسا. إلى أي حد تجسّد وردية مأساة الشخصية المسيحية في العراق؟ وهل برأيك يعاني مسيحيو الشرق من أزمة هوية؟
- أزمة هوية؟ كلا بالتأكيد. إنهم من أقدم أهل البلاد وجزء أصيل من نسيجها الاجتماعي. ولا أظن أن هناك مأساة تختص بما تسميه «الشخصية المسيحية»، بل واقع مرير يثقل على العراقيين ككل بحيث بات يهدد مكونات الشخصية العراقية. أزمة الهوية موجودة لدى من يضيق فكره عن استيعاب أن مسيحيي الشرق هم أبناء هذه الأرض وليسوا دخلاء طارئين ولا «جالية» كما يتوهم بعض الطائفيين.
> تتحدث وردية في بداية الرواية لتصف ما حل بالعراق عن «ساحرة تطرد أهل تلك البلاد إلى أربعة أطراف الدنيا، تبددهم بين الخرائط وهم دائخون لا يفقهون ما يحل بهم». هل رمز الساحرة إشارة مبطنة إلى وجود طرف محدد مسؤول عن تفتت المجتمع العراقي؟
- قد يدس الروائي صورا من الواقع في تلافيف الخيال دون أن يكون من مهماته أن ينصب قفص اتهام. مع هذا أقول لك إن المجتمعات لا تتفتت بفعل عوامل خارجية فحسب، والمثل البليغ يقول: «دود الخل منه وفيه». كما أعترف بوجود «إشارات مبطنة» في كتاباتي، والمثل الساخر يقول: «البطانة أغلى من الوجه».
> يقوم المراهق إسكندر، أو حفار القبور كما يسميه والده، بتصميم مقبرة إلكترونية يجمع فيها الأرواح الافتراضية لعراقيي المنفى، الأمر الذي يعيد إحياء علاقته بالمكان الذي ينتمي إليه ولكن لا يعرفه، خصوصا أنه عاش في باريس بعيدا عن العراق. هل نبش الذاكرة حرفة المهاجر؟
- نبش الذاكرة حرفة المهاجر والمقيم في بلادنا. هل تظن أن الساكنين هناك، في البصرة وحلب والكويت وبيروت والإسكندرية، لا يعانون من مطارق الذاكرة؟ لا يحملون لوعة السؤال الممض: أين كنا وأين أصبحنا؟ لعل المنفى الداخلي أشد مضاضة على المرء من وقع المَهجر أو المنفى الخارجي.
> تتداخل ثيمتا الموت والحياة في الرواية بشكل ملحوظ من خلال مقبرة إسكندر الافتراضية وشخصية وردية، الطبيبة النسائية التي «تملص الأبناء من بطون الأمهات». إلى أي حد تداخلت الحدود الفاصلة بين الموت والحياة في عراق اليوم؟
- الجواب موجود في مطالعة الجرائد ونشرات الأخبار، وهو يبعث على التشاؤم، لكنني أجتهد لأطرده من نفسي ومن كتاباتي لأنني أعرف أي شعب محب للعيش هو هذا الشعب. والحضارات لا تبنيها سوى الأقوام التي تتمسك بالحياة، فتروض الحيوان وتدوزن يومياتها على إيقاعات الطبيعة، أي الشمس والمطر والفيضانات وعواصف الرمل. تشيد المدن وتخترع العجلة وتسن القوانين وتنحت حسناوات الحضر في نينوى وتبتدع الثيران المجنحة. هل نحن أقل همة من أجدادنا؟ لعل إسكندر، بطلي الصغير، هبّ لنجدتي عندما لجأ إلى فكرة المقبرة الإلكترونية. إنها حل مؤقت يرضي بشرا يحبون الحياة ويرحلون في طلبها و«يتطشرون» في القارات البعيدة. يؤرقهم أن تتباعد خطواتهم وخطوات أحبتهم بسبب عشوائية الرحيل. مقبرة تضج بالموسيقى والألوان والشجر والفنون وتطير على جناح الخيال.
> تقول وردية إنها «لا تريد أن تنزلق إلى فخ الحنين.. إنه مرض نفسي يهاجم أهل الهشاشة ويصيب المهزومين». هل وقعت إنعام كجه جي في شراك النوستالجيا أثناء كتابتها لـ«طشّاري»، خصوصا أنك تقيمين في المهجر منذ عقود؟
- النوستالجيا لا تمهل ولا تؤجل شراكها إلى ما بعد ثلاثين عاما. ومن حظي أنني أقيم في أكثر البلدان الأوروبية نشاطا ثقافيا عربيا. وكان صديقنا الأديب المغربي محمد الباهي يصف باريس بأنها قلب العروبة النابض. وهو اختيار نابع من حاجتي إلى ترف الحرية، ولم أكن لاجئة ولا منفية. أما استعادة سيرة الدكتورة وردية حجّة للكتابة عن عراق الأمس فليست حنينا بقدر ما هي من واجباتي كأُم إزاء أبنائي. إن البلد الذي يشاهدون ورفاقهم حرائقه ونزيفه على الشاشة، كل يوم ومنذ سنوات، لم يكن أرض مفخخات واغتيالات، بل هو وطن عريق وكريم ويطيب العيش فيه. ولا تسألني متى. هناك زمن ما قبل السفاهة وزمن ما بعدها.
> في القسم الأخير من الرواية الذي يدور حول حياة الابنة هندة، هناك وصف مسهب للسكان الأصليين لإحدى المناطق النائية في كندا. لماذا جاء التركيز على الهنود الحمر بالذات؟ وهل باعتقادك أن مثل هذا التشعب يبعد النص عن موضوعه الأساسي، أي التغريبة العراقية؟
- هندة هاجرت إلى كندا لتعمل طبيبة هناك فلم تجد وظيفة إلا في مانيتوبا، منطقة السكان الأصليين. وبهذا فإنها تمر بما مرت به والدتها من «الخدمة في الأرياف والمناطق النائية» التي كانت مفروضة على الخريجين الجدد في العراق. وما تراه تشعبا يمكن أن يكون تواصلا وتقاربا بين المصائر. أما «التغريبة العراقية» فقد يصلح عنوانا شاعريا للرواية، على أمل ألا نصبح «هنودا حمرا» مسلوبي الماضي.
> أسماء كثيرة لمعت في سماء السرد العراقي خصوصا بعد الغزو الأميركي لبغداد، مثل حسن بلاسم وأحمد سعداوي وسنان أنطون وغيرهم ممن تناولوا دموية المشهد العراقي، لكن ما يميز عملك الأخير عن غيره هو الابتعاد عن الوصف المباشر لآليات العنف على الرغم من أن الحرب هي المحرك الأساسي للعمل. كيف ترين ذلك؟
- لا أدري كيف أراه. وآليات العنف تتعبني ولن أبرع في وصفها بالمهارة التي تُنفذ بها على الأرض. امنحني السلام وأنا أصفه لك وأتجلى في تأثيث زواياه وابتداع شخصياته. ألا ترى أن الغرفة الدافئة المضاءة هي التي تمنحنا الإحساس الأقوى بحلكة الخرائب؟
> هذه هي المرة الثانية التي يصل فيها اسم إنعام كجه جي إلى القائمة القصيرة للجائزة العالمية للرواية العربية (البوكر) بعد «الحفيدة الأميركية» في 2009. ما شعورك؟ وكيف ترين دور «البوكر» في إيصال الرواية العربية إلى العالم؟
- سعيدة طبعا. ولو نجحت «البوكر» وغيرها من الجوائز الأدبية في إيصال الرواية العربية إلى القراء العرب لكان ذلك كافيا ويستحق الامتنان.
> هذه السنة وصلت روايتان عراقيتان إلى القائمة القصيرة لـ«لبوكر». هل هو انعكاس لتطور السرد العراقي أم أنها مجرد مصادفة؟
- بل لتطور السرد العراقي وصدور عشرات العناوين كل عام. نحن نعيش فورة روائية حقيقية وكأن كل كاتبة وكاتب فينا يجتهد للقبض على هزّة الأرض العراقية ورصد ذبذباتها من زاويته. هذا مع الأخذ بنظر الاعتبار أن شروط النشر ليست ميسّرة ولا جهات ثقافية تدعم الروائيين الشباب. إن الروايتين في القائمة القصيرة مجرد عينة متواضعة من الفيض الصاخب.



وفاة الملحن المصري محمد رحيم تصدم الوسط الفني

الملحن المصري محمد رحيم (إكس)
الملحن المصري محمد رحيم (إكس)
TT

وفاة الملحن المصري محمد رحيم تصدم الوسط الفني

الملحن المصري محمد رحيم (إكس)
الملحن المصري محمد رحيم (إكس)

تُوفي الملحن المصري محمد رحيم، في ساعات الصباح الأولى من اليوم السبت، عن عمر يناهز 45 عاماً، إثر وعكة صحية.

وكان رحيم تعرض لذبحة صدرية منذ أشهر، تحديداً في يوليو (تموز) الماضي، دخل على أثرها إلى العناية المركزة، حسبما أعلنت زوجته أنوسة كوتة، مدربة الأسود.

وكان رحيم قد أعلن اعتزاله مهنة الفن والتلحين في فبراير (شباط) الماضي، وتعليق أنشطته الفنية، وبعدها تراجع عن قراره ونشر مقطع لفيديو عبر حسابه الرسمي على «فيسبوك»، قال فيه حينها: «أنا مش هقولكم غير إني بكيت بالدموع من كتر الإحساس اللي في الرسائل اللي بعتوهالي وهتشوفوا ده بعينكم في ندوة، خلاص يا جماعة أنا هرجع تاني علشان خاطركم إنتوا بس يا أعظم جمهور وعائلة في العالم، وربنا ميحرمناش من بعض أبداً».

ونعى تركي آل الشيخ، رئيس مجلس إدارة الهيئة العامة للترفيه في السعودية، رحيم، وكتب عبر موقع «فيسبوك»، اليوم السبت: «رحم الله الملحن محمد رحيم وغفر الله له، عزائي لأهله ومحبيه، خبر حزين».

ورحيم من مواليد ديسمبر (كانون الأول) 1979. درس في كلية التربية الموسيقية، وبدأ مسيرته بالتعاون مع الفنان حميد الشاعري، وأطلق أول أغانيه مع الفنان المصري عمرو دياب «وغلاوتك»، ثم قدم معه ألحاناً بارزة منها أغنية «حبيبي ولا على باله». كما تعاون رحيم مع العديد من الفنانين، ومنهم: محمد منير، وأصالة، وإليسا، ونوال الزغبي، وأنغام، وآمال ماهر، ونانسي عجرم، وروبي، وشيرين عبد الوهاب، ومحمد حماقي، وتامر حسني، وغيرهم.

كما نعى رحيم عدد من نجوم الفن والطرب، وكتب الفنان تامر حسني عبر خاصية «ستوري» بموقع «إنستغرام»: «رحل اليوم صاحب أعظم موهبة موسيقية في التلحين في آخر 25 سنة الموسيقار محمد رحیم. نسألكم الدعاء له بالرحمة والفاتحة»، وأضاف: «صلاة الجنازة على المغفور له بإذن الله، صديقي وأخي محمد رحيم، عقب صلاة الظهر، بمسجد الشرطة بالشيخ زايد، إنا لله وإنا إليه راجعون».

منشور الفنان تامر حسني في نعي رحيم

وكتب الفنان عمرو دياب عبر حسابه الرسمي على «إكس»، اليوم السبت: «أنعى ببالغ الحزن والأسى رحيل الملحن المبدع محمد رحيم».

وكتبت الفنانة أنغام عبر موقع «إكس»: «خبر صادم جداً رحيل #محمد_رحيم العزيز المحترم الزميل والأخ والفنان الكبير، لا حول ولا قوة إلا بالله، نعزي أنفسنا وخالص العزاء لعائلته».

وكتبت الفنانة أصالة عبر موقع «إكس»: «يا حبيبي يا رحيم يا صديقي وأخي، ومعك كان أحلى وأهم أعمال عملتهم بمنتهى الأمانة بموهبة فذّة الله يرحمك يا رحيم».

كما كتب الشاعر المصري تامر حسين معبراً عن صدمته بوفاة رحيم: «خبر مؤلم جداً جداً جداً، وصدمة كبيرة لينا كلنا، لحد دلوقتي مش قادر أستوعبها وفاة أخي وصديقي المُلحن الكبير محمد رحيم، لا حول ولا قوة إلا بالله».

كما نعته المطربة آمال ماهر وكتبت عبر موقع «إكس»: «لا حول ولا قوة إلا بالله. صديقي وأخي الغالي الملحن محمد رحيم في ذمة الله. نسألكم الدعاء».

وعبرت الفنانة اللبنانية إليسا عن صدمتها بكلمة: «?what»، تعليقاً على نبأ وفاة رحيم، في منشور عبر موقع «إكس»، من خلال إعادة تغريد نبأ رحيله من الشاعر المصري أمير طعيمة.

ونعته إليسا في تغريدة لاحقة، ووصفته بالصديق الإنسان وشريك النجاح بمحطات خلال مسيرتها ومسيرة كثير من زملائها.

ونشرت الفنانة اللبنانية نوال الزغبي مقطع فيديو به أبرز الأعمال التي لحنها لها رحيم، منها أول تعاون فني بينهما وهي أغنية «الليالي»، بالإضافة لأغنية «ياما قالوا»، وأغنية «صوت الهدوء»، التي كتب كلماتها رحيم. وكتبت الزغبي عبر «إكس»: «الكبار والمبدعون بيرحلوا بس ما بيموتوا».

ونشرت الفنانة اللبنانية نانسي عجرم صورة تجمعها برحيم، وكتبت عبر موقع «إكس»: «ما عم صدق الخبر». وكتبت لاحقا: «آخر مرة ضحكنا وغنّينا سوا بس ما كنت عارفة رح تكون آخر مرة». رحيم قدم لنانسي عدة أعمال من بينها «فيه حاجات» و«عيني عليك»، و«الدنيا حلوة»، و«أنا ليه».

ونشرت المطربة التونسية لطيفة عدة صور جمعتها برحيم عبر حسابها بموقع «إكس»، وكتبت: «وجعت قلبي والله يا رحيم... ده أنا لسه مكلماك ومتفقين على شغل... ربنا يرحمك ويصبر أهلك ويصبر كل محبينك على فراقك».

وكتبت الفنانة أحلام الشامسي: «إنا لله وإنا إليه راجعون، فعلاً خبر صادم ربي يرحمه ويغفر له».

كما نعته الفنانة اللبنانية هيفاء وهبي وكتبت عبر «إكس»: «وداعاً الفنان الخلوق والصديق العزيز الملحن المبدع #محمد_رحيم».

وشارك الفنان رامي صبري في نعي رحيم وكتب عبر حسابه الرسمي بموقع «إكس»: «خبر حزين وصدمة كبيرة لينا».

وشاركت الفنانة بشرى في نعي رحيم، وكتبت على «إنستغرام»: «وداعاً محمد رحيم أحد أهم ملحني مصر الموهوبين في العصر الحديث... هتوحشنا وشغلك هيوحشنا».

وكان رحيم اتجه إلى الغناء في عام 2008، وأصدر أول ألبوماته بعنوان: «كام سنة»، كما أنه شارك بالغناء والتلحين في عدد من الأعمال الدرامية منها «سيرة حب»، و«حكاية حياة».