انتخابات المغرب.. سباق «داحس والغبراء»

بين رهان «التغيير» ومطمح «مواصلة الإصلاح»

انتخابات المغرب.. سباق «داحس والغبراء»
TT

انتخابات المغرب.. سباق «داحس والغبراء»

انتخابات المغرب.. سباق «داحس والغبراء»

يتوجه أكثر من 15 مليون ناخب مغربي، يوم الجمعة المقبل، إلى صناديق الاقتراع لاختيار ممثليهم بمجلس النواب، في ثاني استحقاق تشريعي، بعد دستور 2011، والرابع من نوعه في عهد الملك محمد السادس، الذي تولى الحكم صيف عام 1999. ويتولى مجلس النواب الوظائف التشريعية ومراقبة عمل الحكومة، عن طريق سن القوانين، ومساءلة الحكومة، شفويًا أو كتابيًا، أو عن طريق لجان تقصي الحقائق أو نزع الثقة.
ويعتبر الاقتراع في المغرب، حقًا وواجبًا وطنيًا. فيما يعني الاقتراع باللائحة تقديم كل حزب جميع مرشحيه ضمن لائحة واحدة، للتصويت عليها. ومن خصائصه أنه «يقوم على التمثيل النسبي، حسب قاعدة أكبر بقية». ومن إيجابياته أنه «يقلل من السمة الفردية للانتخاب، حيث تغيب صورة الفرد ويظهر الحزب، وبغياب السمة الشخصية يبرز البرنامج»، بينما تتلخص أبرز سلبياته في أنه «يؤدي إلى (البلقنة السياسية)» و«تكوين أغلبيات غير متجانسة».
ويحدد قانون تنظيمي، يتعلق بتأليف مجلس النواب، الذي أنهى ولايته التاسعة، عدد الأعضاء في 395، ينتخبون بالاقتراع العام المباشر عن طريق الاقتراع باللائحة؛ 305 منهم على صعيد الدوائر الانتخابية، و90 على الصعيد الوطني، تهم النساء والشباب، أقل من 35 سنة. وتواصلت، منذ الساعة الأولى من يوم السبت 24 سبتمبر (أيلول) الماضي حتى الساعة الثانية عشرة ليلاً من اليوم السابق لتاريخ الاقتراع، الذي تشارك فيه 27 هيئة سياسية، الحملة الانتخابية، وسط أجواء من التجاذب السياسي، بين عدد من الفاعلين السياسيين.
- تشير معطيات عممتها وزارة الداخلية المغربية، مباشرة بعد انتهاء الفترة المخصصة لإيداع التصريحات بالترشيح للانتخابات النيابية (البرلمانية) إلى أن عدد لوائح الترشيح المقدمة برسم كل الدوائر الانتخابية المحلية والدائرة الانتخابية الوطنية، قد بلغ ما يفوق 1400 لائحة، تشتمل في المجموع على نحو 7 آلاف مترشح ومترشحة، منها 1385 لائحة ترشيح تم إيداعها برسم الدوائر الانتخابية المحلية وتتضمن نحو 4800 مترشح ومترشحة، بمعدل 15 لائحة عن كل دائرة محلية. وتمكنت ثلاثة أحزاب فقط، هي حزب الاستقلال، وحزب الأصالة والمعاصرة، وحزب العدالة والتنمية، من تغطية جميع الدوائر الانتخابية. في حين تتوزع نسبة الناخبين بين الذكور والإناث، على التوالي، ما بين 55 و45 في المائة، تمثل فيهم ساكنة الوسط الحضري نسبة 55 في المائة، وهم يتوزعون، حسب الفئة العمرية، بين 19 في المائة لأكثر من 60 سنة، و8 في المائة لمن بين 55 و59 سنة، و20 في المائة لمن بين 45 و54 سنة، و23 في المائة لما بين 35 و44 سنة، و21 في المائة لما بين 25 و34 سنة، و9 في المائة لما بين 18 و24 سنة.
* الطريق إلى 7 أكتوبر
لعل أهم ما يميز الانتخابات الحالية أنها تجري، حسب عدد من المحللين، وسط «تجاذب سياسي حاد» و«احتقان وصراع» لم يقتصر على الأحزاب السياسية المتنافسة، سواء كانت في المعارضة أو داخل التحالف الحكومي، بل امتد إلى مؤسسات الدولة.
ويرى المراقبون أن اقتراع السابع من أكتوبر (تشرين الأول)، يشكل مسألة حياة أو موت بالنسبة للحزبين الأساسيين المتصارعين «العدالة والتنمية» (مرجعية إسلامية)، و«الأصالة والمعاصرة» (علماني)، بل إن بعضهم شبّه السباق بينهما بسباق «داحس والغبراء».
ويرى الحسين أعبوشي، أستاذ القانون الدستوري وعلم السياسة في جامعة «القاضي عياض» بمراكش، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن «المشهد السياسي والحزبي المغربي الحالي، يمكن قراءته، من خلال استحضار كثير من المعطيات والعناصر: أولها، الحراك الاجتماعي، الذي عرفه المغرب في 2011، وتنامي المطالب بالديمقراطية. وثانيها، الخطاب الملكي لـ9 مارس (آذار) ودستور 2011، الذي تم فيه التفاعل مع المطالب الاجتماعية والسياسية، وبالتالي، الشيء الذي غير كثيرا من المعادلات وفتح المجال لظهور قوى سياسية كثيرة، وخصوصًا التيارات الإسلامية، التي مثلها حزب العدالة والتنمية. أما المعطى الثالث فيتمثّل في تراجع تأثير وقوة أحزاب الحركة الوطنية، ممثلة في الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، ونسبيا (الاستقلال). وبالتالي فقد عشنا، بعد هذه المرحلة، وصول الإسلاميين إلى المشاركة في ممارسة السلطة، بعد فوز حزب العدالة والتنمية في الانتخابات التشريعية لما بعد 2011، ومن ثم قيادة ائتلاف حكومي تشكل من أربعة أحزاب، هي: العدالة والتنمية، والاستقلال، والتقدم والاشتراكية، والحركة الشعبية، قبل أن يعلن (الاستقلال) انسحابه، ويعوض بـ(التجمع الوطني للأحرار)».
ويقول أعبوشي، إن «قيادة حزب إسلامي للحكومة، أدت إلى ظهور أنماط وأشكال جديدة للصراعات الحزبية في المغرب؛ وهي صراعات يمكن أن نميز فيها الصراعات التي كانت مباشرة بين (العدالة والتنمية) و(الأصالة والمعاصرة)، الذي يقدم نفسه على أنه ينتمي إلى وسط اليسار، وعلى أنه حزب حداثي تقدمي، فضلا عن صراعات بين الأحزاب المكونة للائتلاف الحكومي، وخصوصًا بين (العدالة والتنمية) و(التجمع الوطني للأحرار)». وكان لكل هذا، كما يضيف أعبوشي: «انعكاس على المشهد الحزبي الحالي، وعلى عمل الحكومة، من جهة، وعلى الحياة السياسية في المغرب، بصفة عامة. وهو ما سيظهر، بشكل جلي، عندما دخلت هذه الأحزاب في الحملة الانتخابية الجارية، حيث أفرز لنا الوضع صراعًا ثنائيًا واضحًا بين العدالة والتنمية والأصالة والمعاصرة؛ إذ لم يعد لباقي المكونات الأخرى تأثير كبير في المشهد الحزبي، على الرغم من محاولات الدفع بـ(فيدرالية اليسار) بقيادة نبيلة منيب، وتمكين القوانين الناظمة للانتخابات الأحزاب الصغيرة من الدخول في غمار الاستحقاقات الانتخابية، من خلال تخفيض العتبة الانتخابية إلى 3 في المائة، من ضمان مقعد برلماني. وهذا ما سيساعد على (بلقنة) المشهد السياسي وتشتيت أصوات الناخبين، وبالتالي صعوبة أن يحصل حزب واحد، أو حزبان، أو حتى ثلاثة، على الأغلبية التي تمكنها من تشكيل حكومة في المستقبل».
ولاحظ أعبوشي أن «هذا كله يفسر لنا، اليوم، حدة النقاش السياسي، الذي يصل، أحيانًا، إلى درجة العنف اللفظي في الخطاب السياسي عند الفاعلين السياسيين، خلال مرحلة الانتخابات. كل هذا، من دون أن نغيّب مؤشرات، تتعلق بتنظيم ما عرف بمسيرة (مجهولة الهوية)، بالدار البيضاء، قبل أيام من بدء الحملة الانتخابية، حاملة شعار «لا لأسلمة وأخونة الدولة»؛ فضلا عن الخوض في الحياة الخاصة لرموز وقياديي عدد من الأحزاب السياسية والشخصيات القيادية، وهو ما يتنافى والقيم والأخلاق السياسية».
وأثارت مسيرة الدار البيضاء كثيرًا من ردود الفعل السلبية، الغاضبة والمستهجنة، إلى درجة لم يتجرأ معها أحد على تبنيها، لتشتهر بين المغاربة بـ«المسيرة المجهولة»، ولقد كشفت عن صراع بين وزارتين تشرفان على الانتخابات، هما الداخلية والعدل، بعدما خرج مصطفى الرميد، وزير العدل والحريات، المنتمي للعدالة والتنمية، إلى الرأي العام بـ«إعلان عام» عبر صفحته على «فيسبوك»، قال فيه إنه «لا يستشار ولا يقرر» في كل ما يتعلق بالشأن الانتخابي. وأنه «على بعد ثلاثة أسابيع من انتخابات 7 أكتوبر تقع عجائب وغرائب». ثم أعلن أن «أي رداءة أو نكوص أو تجاوز أو انحراف لا يمكن أن يكون مسؤولا عنها»؛ ليسارع محمد حصاد، وزير الداخلية، بالرد عليه عبر موقع إلكتروني، معتبرًا الأمر مجرد «سوء فهم».
ومن جانبه، رأى إدريس لشكر، الأمين العام للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية المعارض، في خلاف الرميد وحصاد، تعبيرًا عن «غياب التجانس في الحكومة»، حيث علق ساخرًا: «أصبحوا يتواصلون فقط عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وهم غير قادرين حتى على عقد اجتماع».
في حين قال محند العنصر، الأمين العام لحزب الحركة الشعبية، المشارك في الائتلاف الحكومي الحالي، إنه «كان يجب على وزيري العدل والداخلية، الجلوس إلى الطاولة لحل المشكل الذي عبر عنه الرميد، لا اللجوء إلى التدوينات في مواقع التواصل الاجتماعي». وأبرز العنصر أن الرميد وحصاد «لم يجر اختيارهما اعتباطيًا للإشراف على الانتخابات، بل في منظومة واضحة وبتعيين من الملك».
* لافتات «ارحل»
والواقع، لم يكن الترخيص لمسيرة «مجهولة»، رفعت خلالها لافتات «ارحل» ضد رئيس الحكومة عبد الإله ابن كيران، قبل أيام من الاقتراع، الخلاف الوحيد بين العدالة والتنمية ووزارة الداخلية، التي منعت، قبل ذلك، الشيخ السلفي حماد القباج من الترشح باسم العدالة والتنمية. لذلك، تحدث ابن كيران عن مناورات، تعرض لها حزبه «من اليمين ومن الشمال»، إلى أن «أراد الله أن يفضحهم فنظموا المسيرة المعلومة»، التي رأى أنها «ليست حدثًا ومر، بل هي علامة فارقة، بخصوص ماذا يريد المغاربة. هل يريدون ناسًا معقولين، يقولون لهم الحقيقة، ويبينون لهم كيفية إصلاح أمور البلاد بتدرج، أم يريدون من يبيعهم الأوهام؟».
وأثار ترشيح ومنع القباج جدلاً كبيرًا، بين مرحب ومعارض. وذهب العماري، أمين عام حزب الأصالة والمعاصرة، إلى القول بأن حزبه كان يرغب في ترشيح مغربي يهودي الديانة في مدينة مراكش، لمواجهة القباج. سوى أن هذا الأخير منع من الترشح، كما أن المرشح الذي كان ينوي حزبه ترشيحه اعتذر لأسباب شخصية. ثم استدرك قائلا: «أنا ضد المنع. وترشيح مغربي يهودي للانتخابات التشريعية كنا نريده تعبيرًا عن مغرب نريده متعددًا».
من جهته، لم يفوّت ابن كيران الفرصة لينتقد قرار منع القباج، حيث قال: «وماذا به حماد القباج؟ ما هي مشكلته؟ قالوا عنه إنه سلفي. وماذا بعد؟.. هو سلفي متنور. يحب بلده وملكه، كما ساهم في حملة التصويت لصالح الدستور. فكيف نتنكر له هو وأمثاله ممن يجعلون من التيار السلفي تيارًا إيجابيًا مشاركًا في المجتمع، يقف في وجه الإرهاب والتطرف والتشدد؟».
وفي غمار التحضير للانتخابات، أصدر الديوان الملكي، في 13 سبتمبر الماضي، بيانًا تضمن انتقادات قوية لنبيل بن عبد الله، وزير السكنى وسياسة المدينة، وأمين عام حزب التقدم والاشتراكية (يسار)، وذلك على خلفية تصريحات وصفها القصر بالـ«خطيرة»، تتعلق بفؤاد عالي الهمة، مستشار العاهل المغربي ومؤسس حزب الأصالة والمعاصرة المعارض، قبل أن يصبح مستشارًا ملكيًا. ووصف البيان تلك التصريحات بأنها «ليست إلا وسيلة للتضليل السياسي في فترة انتخابية تقتضي الإحجام عن إطلاق تصريحات لا أساس لها من الصحة». وكان ابن عبد الله، قد قال، في حوار إن مشكلة حزبه ليست مع حزب الأصالة والمعاصرة، بل مع من أسسه، وهو من يجسد التحكم، ليرد الحزب، بعد ذلك، بأن «الموضوع في الأصل يتعلق بنزاعات حزبية محضة لم يكن أبدا في نية حزب التقدم والاشتراكية وأمينه العام إقحام المؤسسة الملكية فيها بأي شكل من الأشكال».
* حسابات الأحزاب
بدا ابن كيران، في تجمعاته الخطابية، منسجمًا مع شعار «صوتنا فرصتنا لمواصلة الإصلاح»، الذي رفعه حزبه، في الانتخابات الجارية، ولذلك تعهد بمواصلة الإصلاح إذا فاز حزبه بولاية ثانية. وتحدث عن حصيلة حكومته، فقال إنه «كان لا بد من الإصلاح لإنقاذ المركب من الغرق، ولم يكن هناك مفر من الإصلاح، على الرغم من أني كنت أعرف أنه يمكن للناس أن يخرجوا إلى الشارع». وزاد ابن كيران مخاطبا أعضاء حزبه: «نحن واثقون بأننا سنستمر في هذا الطريق؛ لأن أمن البلاد واستقرارها لا يباع ولا يشترى».
على خلاف العدالة والتنمية، المتشبث بـ«مواصلة الإصلاح»، رفع الأصالة والمعاصرة، شعار «التغيير، الآن». بل إن أمينه العام، إلياس العماري، قال إن الحكومة المقبلة، التي ستتمخض عن اقتراع 7 أكتوبر المقبل، ستكون ملزمة، بغض النظر عن مكوناتها، باتخاذ جملة من الإجراءات والتدابير، من قبيل رفع نسبة النمو، وتقليص المديونية، ورفع نسبة الاستثمار، وخلق فرص الشغل، ورقمنة الإدارة، ومحاربة الفساد، وإصلاح صندوق المقاصة (صندوق دعم المواد الأساسية) والتدبير الجيد لإصلاح أنظمة التقاعد، وإلا فـ«إننا سنباع في المزاد العلني»، حسب تعبيره. وفيما يتعلق بخريطة التحالفات، التي يمكن أن تتمخض عنها نتائج الاقتراع، استبعد أي إمكانية للتحالف مع العدالة والتنمية، حيث قال: «من المستحيل أن يكون هناك تحالف بين الأصالة والمعاصرة والعدالة والتنمية، لأننا ننتمي لمشروعين مجتمعيين متناقضين تمامًا».
وهكذا، وبينما تشتد الخصومة بين حزبي العدالة والتنمية والأصالة والمعاصرة، ترفض باقي الأحزاب، وبخاصة الاستقلال والتجمع الوطني للأحرار والاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية والحركة الشعبية والتقدم والاشتراكية، حصر التنافس الانتخابي في البلاد بين هذين الحزبين، فقط. وذهب لشكر أبعد، في تشريحه حالة التجاذب التي تميز المشهد الحزبي المغربي، فقال إن الصراع «أصبح محصورًا بين مشروعين، الأول ديمقراطي حداثي والثاني محافظ رجعي»، مبرزًا أن تحالفاته لا يمكن أن تخرج عن الأحزاب التي تشاركه المشروع الحداثي الديمقراطي.
* خيار ثالث
في هذه الأثناء، تميّزت الاستعدادات للانتخابات الجارية بالحديث عما سمي بـ«التيار الثالث»، الذي تمثله، بالأساس «فيدرالية اليسار الديمقراطي» التي تسعى إلى تكوين توجه سياسي يخالف توجه قطبي العدالة والتنمية والأصالة والمعاصرة.
ويرى أعبوشي أنه «في سياق التقاطب السياسي الحزبي الثنائي بين العدالة والتنمية والأصالة والمعاصرة، ظهرت دعوات إلى المراهنة على (خيار ثالث)، من أجل تحقيق التوازن بين هذين الحزبين الغريمين، وذلك من خلال دفع بعض قوى اليسار، بقيادة نبيلة منيب، من أجل لعب دور وتقديم البديل الموضوعي الذي يفرز إجابات على الطلبات الاجتماعية في سياق آخر». وباستخدام عبارة «الخط» أو «الطريق» أو «الخيار» الثالث، تريد فيدرالية اليسار الديمقراطي، أن تتميز من جهة، عن الإسلاميين في العدالة والتنمية، ومن جهة أخرى، عن الأصالة والمعاصرة الداعي إلى التغيير، والذي يقدم نفسه حزبًا حداثيًا تقدميًا.
وترى منيب، الأستاذة الجامعية، البالغة من العمر 56 سنة، والمرأة الوحيدة التي تقود حزبا سياسيا في المغرب، أن «الجزء الذي يوصف بالمحافظ (أي الإسلاميين) أثبت أنه يتبنى من وجهة النظر الاقتصادية النيو - ليبرالية، بكل آثارها المضرّة. أما القطب الآخر، الذي يسمى حداثويًا جزافًا، فلم يتحدث يومًا عن الحداثة». وتذهب القيادية اليسارية إلى القول بأن «الطرفين لا يلبّيان تطلعات المغاربة، أي إرساء ديمقراطية حقيقية»، قبل أن تقدم اختيارات وقناعات حزبها، قائلة: «نحن نقف بينهما، ونقترح خطًا، هو طريق إصلاح سياسي حقيقي، عبر فصل بين السلطات».
* شعار لكل حزب
لقد رفعت الأحزاب المغربية المشاركة في الاستحقاق الانتخابي شعارات مختلفة، جاءت، إلى حد ما، معبرة عن تموقع كل واحد منها، خلال الولاية التشريعية السابقة، إما في المعارضة أو باعتباره حزبا مشاركا في الحكومة، والاستراتيجيات التي رسمتها لنفسها، خلال المرحلة المقبلة. لذلك رفع التقدم والاشتراكية شعار «المعقول لمواصلة الإصلاح»، والأصالة والمعاصرة شعار «التغيير، الآن»، والاستقلال شعار «تعاقد من أجل الكرامة». وفي حين اختار العدالة والتنمية شعار «صوتنا فرصتنا لمواصلة الإصلاح»، اختار التجمع الوطني للأحرار «جميعًا من أجل تحرير الطاقات، وتعزيز التضامن»، وفيدرالية اليسار الديمقراطي «معنا؛ مغرب آخر ممكن.. مغرب الديمقراطية.. مغرب المواطنة»، والحركة الشعبية «التزام من أجل المغرب»، والاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية «55 كفى.. 555 تدبيرًا».
* التعددية الحزبية خيارًا
وفي حديث لـ«الشرق الأوسط»، قال إدريس لكريني، أستاذ القانون العام، بجامعة «القاضي عياض»، في سياق تناوله للتفاوت الحاصل في شعارات الأحزاب، إن «المغرب اعتمد، منذ أول دستور له بعد الاستقلال، التعددية الحزبية خيارا استراتيجيا؛ على اعتبار أن المجتمع المغربي هو غني بتنوعه؛ واعتبارًا لكون الديمقراطية هي آلية لتدبير هذا التنوع والاختلاف بشكل سليم وسلمي». وأردف أن «الانتخابات التشريعية تشكل إحدى المناسبات التي يفترض أن تعكس هذا التنوع والاختلاف من حيث الأولويات والتحالفات وطبيعة البرامج والشعارات».
ولاحظ لكريني أن «اعتماد الشعارات المختصرة في الانتخابات له وقع كبير على الناخب بمختلف توجهاته ومستواه الفكري والتعليمي؛ ذلك أن الأمر يسمح بإيصال إشارات رسائل غالبًا ما تكون بسيطة وواضحة في مضمونها تتعلق بأولويات وانتظارات مفتقدة أو نادرة، تطمح لها فئات واسعة من المواطنين، كما هو الشأن بالنسبة لـ(المعقول) الذي يحيل إلى اعتماد الجدية في الأداء؛ أو (التغيير) أو (الكرامة) أو (الإصلاح)، أو (التضامن) أو (المواطنة)». غير أن مواكبة أجواء الحملة الانتخابية، يختم الكريني، تظهر أن «بعض الأحزاب تركز على أسلوب القذف والشتم والإساءة لخصومها من الأحزاب سبيلاً للتنافس، أكثر من تركيزها على مضامين برامجها وشعاراتها؛ وهو ما تكون له تبعات سلبية على مستوى التصويت لصالحها أو من حيث التأثير في نسبة مشاركة الناخبين بشكل عام».
* الصورة بألف كلمة
وحقًا، أثار «اتفاق» أغلب قادة الأحزاب المغربية على «النزول» إلى الأسواق الأسبوعية، بالبوادي أو الأسواق والأحياء الشعبية بالمدن، بالموازاة مع حرصهم على توظيف وسائل التواصل الاجتماعي، خاصة «فيسبوك»، للتواصل مع الناخبين، في محاولة لاستمالتهم للتصويت على مرشحيهم، انتباه وفضول المغاربة، متتبعين للشأن العام أو مواطنين عاديين.
ولاحظ لكريني، في هذا السياق، أن «هناك توجهًا من قبل الأحزاب إلى تطوير سبل تواصلها مع الناخبين»، مشيرًا إلى أن «الشعبوية» التي ميزت النقاش السياسي، في السنوات الأخيرة، دفعت الأحزاب إلى «نوع من الاجتهاد في إبداع أدوات تواصلية جديدة مبنية على التفاعل المباشر من خلال زيارة الأسواق الشعبية والتماهي مع المواطنين في بعض السلوكيات، من أكل وشرب».
وإضافة إلى الحملات الانتخابية والمنافسة التي تجري بين مختلف الأحزاب في المدن والقرى، يضيف لكريني: «نتابع حملات تجري أطوارها، بشكل قوي، في العالم الافتراضي، من خلال المواقع الإلكترونية وشبكات التواصل الاجتماعي، اعتمادًا على النصوص المكتوبة والصور ومقاطع الفيديو».
* توقعات ما بعد 7 أكتوبر
يتوقع أعبوشي أن تفرز استحقاقات 7 أكتوبر عدة معطيات: أولاها، ستكون على مستوى النتائج، حيث «لن يخرج المتصدر عن ثلاثة أحزاب، هي، من دون ترتيب محدد أو مسبق، العدالة والتنمية، والأصالة والمعاصرة، والاستقلال، مع التشديد على أن الفرق بين المتصدر والحزبين الباقيين لن يكون كبيرًا، كما كان عليه الحال في الانتخابات التشريعية السابقة، التي تصدرها العدالة والتنمية». ثانيها، أن «هناك مراهنة، من طرف المسؤولين، في المغرب، على أن تكون نسبة المشاركة مرتفعة، وأن تتجاوز 50 في المائة. وكل ضعف أو عزوف عن المشاركة سيطرح نقاشًا حول مشروعية الفائز، ومن خلاله مصداقية عمل الحكومة المقبلة»؛ فيما يشير المعطى الثالث إلى أنه «كيفما كانت النتائج، فستكون هناك صعوبة في تشكيل ائتلاف حكومي منسجم. وهناك توقع، بالنظر إلى هذه المعطيات وإلى الصراعات بين الأحزاب، أن يجد الحزب الفائز صعوبة في تشكيل ائتلاف حكومي».



أفريقيا... ساحة تنافس جديد بين الهند والصين

Chinese Foreign Minister Wang Yi (C) speaks during a press conference with Senegal's Foreign Minister Yassine Fall (L) and Congo Foreign Minister Jean-Claude Gakosso (R) at the Forum on China-Africa Cooperation (FOCAC) in Beijing on September 5, 2024. (Photo by GREG BAKER / AFP)
Chinese Foreign Minister Wang Yi (C) speaks during a press conference with Senegal's Foreign Minister Yassine Fall (L) and Congo Foreign Minister Jean-Claude Gakosso (R) at the Forum on China-Africa Cooperation (FOCAC) in Beijing on September 5, 2024. (Photo by GREG BAKER / AFP)
TT

أفريقيا... ساحة تنافس جديد بين الهند والصين

Chinese Foreign Minister Wang Yi (C) speaks during a press conference with Senegal's Foreign Minister Yassine Fall (L) and Congo Foreign Minister Jean-Claude Gakosso (R) at the Forum on China-Africa Cooperation (FOCAC) in Beijing on September 5, 2024. (Photo by GREG BAKER / AFP)
Chinese Foreign Minister Wang Yi (C) speaks during a press conference with Senegal's Foreign Minister Yassine Fall (L) and Congo Foreign Minister Jean-Claude Gakosso (R) at the Forum on China-Africa Cooperation (FOCAC) in Beijing on September 5, 2024. (Photo by GREG BAKER / AFP)

منذ فترة ولايته الأولى عام 2014، كان رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي أكبر مناصر للعلاقات بين الهند وأفريقيا.

على خلفية ذلك، تجدر الإشارة إلى أن الحكومة الهندية بذلت جهداً استثنائياً للتواصل مع الدول الأفريقية عبر زيارات رفيعة المستوى من القيادة العليا، أي الرئيس ونائب الرئيس ورئيس الوزراء، إلى ما مجموعه 40 بلداً في أفريقيا بين عامي 2014 و2019. ولا شك أن هذا هو أكبر عدد من الزيارات قبل تلك الفترة المحددة أو بعدها.

من ثم، فإن الزيارة التي قام بها مؤخراً رئيس الوزراء الهندي مودي إلى نيجيريا قبل سفره إلى البرازيل لحضور قمة مجموعة العشرين، تدل على أن زيارة أبوجا (في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي) ليست مجرد زيارة ودية، وإنما خطوة استراتيجية لتعزيز القوة. مما يؤكد على التزام الهند ببناء علاقات أعمق مع أفريقيا، والبناء على الروابط التاريخية، والخبرات المشتركة، والمنافع المتبادلة.

صرح إتش. إس. فيسواناثان، الزميل البارز في مؤسسة «أوبزرفر» للأبحاث وعضو السلك الدبلوماسي الهندي لمدة 34 عاماً، بأنه «من خلال تعزيز الشراكات الاقتصادية، وتعزيز التعاون الدفاعي، وتعزيز التبادل الثقافي، تُظهِر الهند نفسها بصفتها لاعباً رئيسياً في مستقبل أفريقيا، في الوقت الذي تقدم فيه بديلاً لنهج الصين الذي غالباً ما يتعرض للانتقاد. إن تواصل الهند في أفريقيا هو جزء من أهدافها الجيوسياسية الأوسع نطاقاً للحد من نفوذ الصين».

سافر مودي إلى 14 دولة أفريقية خلال السنوات العشر الماضية من حكمه بالمقارنة مع عشر زيارات لنظيره الصيني شي جينبينغ. بيد أن زيارته الجديدة إلى نيجيريا تعد أول زيارة يقوم بها رئيس وزراء هندي لهذه الدولة منذ 17 عاماً. كانت الأهمية التي توليها نيجيريا للهند واضحة من حقيقة أن رئيس الوزراء الهندي مُنح أعلى وسام وطني في البلاد، وسام القائد الأكبر، وهو ثاني شخصية أجنبية فقط تحصل على هذا التميز منذ عام 1969، بعد الملكة إليزابيث الثانية؛ مما يؤكد على المكانة التي توليها نيجيريا للهند.

نجاح الهند في ضم الاتحاد الأفريقي إلى قمة مجموعة العشرين

كان الإنجاز الكبير الذي حققته الهند هو جهدها لضمان إدراج الاتحاد الأفريقي عضواً دائماً في مجموعة العشرين، وهي منصة عالمية للنخبة تؤثر قراراتها الاقتصادية على ملايين الأفارقة. وقد تم الإشادة برئيس الوزراء مودي لجهوده الشخصية في إدراج الاتحاد الأفريقي ضمن مجموعة العشرين من خلال اتصالات هاتفية مع رؤساء دول مجموعة العشرين. وكانت جهود الهند تتماشى مع دعمها الثابت لدور أكبر لأفريقيا في المنصات العالمية، وهدفها المتمثل في استخدام رئاستها للمجموعة في منح الأولوية لشواغل الجنوب العالمي.

يُذكر أن الاتحاد الأفريقي هو هيئة قارية تتألف من 55 دولة.

دعا مودي، بصفته مضيف مجموعة العشرين، رئيس الاتحاد الأفريقي، غزالي عثماني، إلى شغل مقعده بصفته عضواً دائماً في عصبة الدول الأكثر ثراء في العالم، حيث صفق له القادة الآخرون وتطلعوا إليه.

وفقاً لراجيف باتيا، الذي شغل أيضاً منصب المدير العام للمجلس الهندي للشؤون العالمية في الفترة من 2012 - 2015، فإنه «لولا الهند لكانت مبادرة ضم الاتحاد الأفريقي إلى مجموعة العشرين قد فشلت. بيد أن الفضل في ذلك يذهب إلى الهند لأنها بدأت العملية برمتها وواصلت تنفيذها حتى النهاية. وعليه، فإن الأفارقة يدركون تمام الإدراك أنه لولا الدعم الثابت من جانب الهند ورئيس الوزراء مودي، لكانت المبادرة قد انهارت كما حدث العام قبل الماضي أثناء رئاسة إندونيسيا. لقد تأثرت البلدان الأفريقية بأن الهند لم تعد تسمح للغرب بفرض أخلاقياته».

التوغلات الصينية في أفريقيا

تهيمن الصين في الواقع على أفريقيا، وقد حققت توغلات أعمق في القارة السمراء لأسباب استراتيجية واقتصادية على حد سواء. بدأت العلاقات السياسية والاقتصادية الحديثة بين البر الصيني الرئيسي والقارة الأفريقية في عهد ماو تسي تونغ، بعد انتصار الحزب الشيوعي الصيني في الحرب الأهلية الصينية. زادت التجارة بين الصين وأفريقيا بنسبة 700 في المائة خلال التسعينات، والصين حالياً هي أكبر شريك تجاري لأفريقيا. وقد أصبح منتدى التعاون الصيني - الافريقي منذ عام 2000 المنتدى الرسمي لدعم العلاقات. في الواقع، الأثر الصيني في الحياة اليومية الأفريقية عميق - الهواتف المحمولة المستخدمة، وأجهزة التلفزيون، والطرق التي تتم القيادة عليها مبنية من قِبل الصينيين.

كانت الصين متسقة مع سياستها الأفريقية. وقد عُقدت الدورة التاسعة من منتدى التعاون الصيني - الأفريقي في سبتمبر (أيلول) 2024، في بكين.

كما زوّدت الصين البلدان الأفريقية بمليارات الدولارات في هيئة قروض ساعدت في بناء البنية التحتية المطلوبة بشدة. علاوة على ذلك، فإن تعزيز موطئ قدم لها في ثاني أكبر قارة من حيث عدد السكان في العالم يأتي مع ميزة مربحة تتمثل في إمكانية الوصول إلى السوق الضخمة، فضلاً عن الاستفادة من الموارد الطبيعية الهائلة في القارة، بما في ذلك النحاس، والذهب، والليثيوم، والمعادن الأرضية النادرة. وفي الأثناء ذاتها، بالنسبة للكثير من الدول الأفريقية التي تعاني ضائقة مالية، فإن أفريقيا تشكل أيضاً جزءاً حيوياً من مبادرة الحزام والطريق الصينية، حيث وقَّعت 53 دولة على المسعى الذي تنظر إليه الهند بريبة عميقة.

كانت الصين متسقة بشكل ملحوظ مع قممها التي تُعقد كل ثلاث سنوات؛ وعُقدت الدورة التاسعة لمنتدى التعاون الصيني - الأفريقي في سبتمبر 2024. وفي الوقت نفسه، بلغ إجمالي تجارة الصين مع القارة ثلاثة أمثال هذا المبلغ تقريباً الذي بلغ 282 مليار دولار.

الهند والصين تناضلان من أجل فرض الهيمنة

تملك الهند والصين مصالح متنامية في أفريقيا وتتنافسان على نحو متزايد على الصعيدين السياسي والاقتصادي.

في حين تحاول الصين والهند صياغة نهجهما الثنائي والإقليمي بشكل مستقل عن بعضهما بعضاً، فإن عنصر المنافسة واضح. وبينما ألقت بكين بثقلها الاقتصادي الهائل على تطوير القدرة التصنيعية واستخراج الموارد الطبيعية، ركزت نيودلهي على كفاءاتها الأساسية في تنمية الموارد البشرية، وتكنولوجيا المعلومات، والتعليم، والرعاية الصحية.

مع ذلك، قال براميت بول شاودهوري، المتابع للشؤون الهندية في مجموعة «أوراسيا» والزميل البارز في «مركز أنانتا أسبن - الهند»: «إن الاستثمارات الهندية في أفريقيا هي إلى حد كبير رأسمال خاص مقارنة بالصينيين. ولهذا السبب؛ فإن خطوط الائتمان التي ترعاها الحكومة ليست جزءاً رئيسياً من قصة الاستثمار الهندية في أفريقيا. الفرق الرئيسي بين الاستثمارات الهندية في أفريقيا مقابل الصين هو أن الأولى تأتي مع أقل المخاطر السياسية وأكثر انسجاماً مع الحساسيات الأفريقية، لا سيما فيما يتعلق بقضية الديون».

ناريندرا مودي وشي جينبينغ في اجتماع سابق (أ.ب)

على عكس الصين، التي ركزت على إقامة البنية التحتية واستخراج الموارد الطبيعية، فإن الهند من خلال استثماراتها ركزت على كفاءاتها الأساسية في تنمية الموارد البشرية، وتكنولوجيا المعلومات، والأمن البحري، والتعليم، والرعاية الصحية. والحقيقة أن الشركات الصينية كثيراً ما تُتهم بتوظيف أغلب العاملين الصينيين، والإقلال من جهودها الرامية إلى تنمية القدرات المحلية، وتقديم قدر ضئيل من التدريب وتنمية المهارات للموظفين الأفارقة. على النقيض من ذلك، يهدف بناء المشاريع الهندية وتمويلها في أفريقيا إلى تيسير المشاركة المحلية والتنمية، بحسب ما يقول الهنود. تعتمد الشركات الهندية أكثر على المواهب الأفريقية وتقوم ببناء قدرات السكان المحليين. علاوة على ذلك، وعلى عكس الإقراض من الصين، فإن المساعدة الإنمائية التي تقدمها الهند من خلال خطوط الائتمان الميسرة والمنح وبرامج بناء القدرات هي برامج مدفوعة بالطلب وغير مقيدة. ومن ثم، فإن دور الهند في أفريقيا يسير جنباً إلى جنب مع أجندة النمو الخاصة بأفريقيا التي حددتها أمانة الاتحاد الأفريقي، أو الهيئات الإقليمية، أو فرادى البلدان، بحسب ما يقول مدافعون عن السياسة الهندية.

ويقول هوما صديقي، الصحافي البارز الذي يكتب عن الشؤون الاستراتيجية، إن الهند قطعت في السنوات الأخيرة شوطاً كبيراً في توسيع نفوذها في أفريقيا، لكي تظهر بوصفها ثاني أكبر مزود للائتمان بالقارة. شركة الاتصالات الهندية العملاقة «إيرتل» - التي دخلت أفريقيا عام 1998، هي الآن أحد أكبر مزودي خدمات الهاتف المحمول في القارة، كما أنها طرحت خطاً خاصاً بها للهواتف الذكية من الجيل الرابع بأسعار زهيدة في رواندا. وكانت الهند رائدة في برامج التعليم عن بعد والطب عن بعد لربط المستشفيات والمؤسسات التعليمية في كل البلدان الأفريقية مع الهند من خلال شبكة الألياف البصرية. وقد ساعدت الهند أفريقيا في مكافحة جائحة «كوفيد – 19» بإمداد 42 بلداً باللقاحات والمعدات.

تعدّ الهند حالياً ثالث أكبر شريك تجاري لأفريقيا، حيث يبلغ حجم التجارة الثنائية بين الطرفين نحو 100 مليار دولار. وتعدّ الهند عاشر أكبر مستثمر في أفريقيا من حيث حجم الاستثمارات الأجنبية المباشرة. كما توسع التعاون الإنمائي الهندي بسرعة منذ أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، وكانت البلدان الأفريقية هي المستفيد الرئيسي من برنامج الخطوط الائتمانية الهندية.

قالت هارشا بانغاري، المديرة الإدارية لبنك الهند للاستيراد والتصدير: «على مدى العقد الماضي، قدمت الهند ما يقرب من 32 مليار دولار أميركي في صورة ائتمان إلى 42 دولة أفريقية، وهو ما يمثل 38 في المائة من إجمالي توزيع الائتمان. وهذه الأموال، التي تُوجه من خلال بنك الهند للاستيراد والتصدير، تدعم مجموعة واسعة من المشاريع، بما في ذلك الرعاية الصحية والبنية التحتية والزراعة والري».

رغم أن الصين تتصدر الطريق في قطاع البنية التحتية، فإن التمويل الصيني للبنية التحتية في أفريقيا قد تباطأ بشكل كبير خلال السنوات الأخيرة. برزت عملية تطوير البنية التحتية سمةً مهمة من سمات الشراكة التنموية الهندية مع أفريقيا. وقد أنجزت الهند حتى الآن 206 مشاريع في 43 بلداً أفريقياً، ويجري حالياً تنفيذ 65 مشروعاً، يبلغ مجموع الإنفاق عليها نحو 12.4 مليار دولار. وتقدم الهند أيضاً إسهامات كبيرة لبناء القدرات الأفريقية من خلال برنامجها للتعاون التقني والتكنولوجي، والمنح الدراسية، وبناء المؤسسات في القارة.

وتجدر الإشارة إلى أن الهند أكثر ارتباطاً جغرافياً من الصين بالقارة الأفريقية، وهي بالتالي تتشاطر مخاوفها الأمنية أيضاً. وتعتبر الهند الدول المطلة على المحيط الهندي في افريقيا مهمة لاستراتيجيتها الخاصة بمنطقة المحيطين الهندي والهادئ، ووقّعت الهند مع الكثير منها اتفاقيات للدفاع والشحن تشمل التدريبات المشتركة. كما أن دور قوات حفظ السلام الهندية موضع تقدير كبير.

يقول السفير الهندي السابق والأمين المشترك السابق لشؤون أفريقيا في وزارة الخارجية، السفير ناريندر تشوهان: «إن الانتقادات الموجهة إلى المشاركة الاقتصادية للصين مع أفريقيا قد تتزايد من النقابات العمالية والمجتمع المدني بشأن ظروف العمل السيئة والممارسات البيئية غير المستدامة والتشرد الوظيفي الذي تسببه الشركات الصينية. ويعتقد أيضاً أن الصين تستغل نقاط ضعف الحكومات الأفريقية، وبالتالي تشجع الفساد واتخاذ القرارات المتهورة. فقد شهدت أنغولا، وغانا، وغامبيا، وكينيا مظاهرات مناهضة للمشاريع التي تمولها الصين. وهناك مخاوف دولية متزايدة بشأن الدور الذي تلعبه الصين في القارة الأفريقية».

القواعد العسكرية الصينية والهندية في أفريقيا

قد يكون تحقيق التوازن بين البصمة المتزايدة للصين في أفريقيا عاملاً آخر يدفع نيودلهي إلى تعزيز العلاقات الدفاعية مع الدول الافريقية.

أنشأت الصين أول قاعدة عسكرية لها في الخارج في جيبوتي، في القرن الأفريقي، عام 2017؛ مما أثار قلق الولايات المتحدة؛ إذ تقع القاعدة الصينية على بعد ستة أميال فقط من قاعدة عسكرية أميركية في البلد نفسه.

تقول تقارير إعلامية إن الصين تتطلع إلى وجود عسكري آخر في دولة الغابون الواقعة في وسط أفريقيا. ونقلت وكالة أنباء «بلومبرغ» عن مصادر قولها إن الصين تعمل حالياً على دخول المواني العسكرية في تنزانيا وموزمبيق الواقعتين على الساحل الشرقي لأفريقيا. وذكرت المصادر أنها عملت أيضاً على التوصل إلى اتفاقيات حول وضع القوات مع كلا البلدين؛ الأمر الذي سيقدم للصين مبرراً قانونياً لنشر جنودها هناك.

تقليدياً، كان انخراط الهند الدفاعي مع الدول الأفريقية يتركز على التدريب وتنمية الموارد البشرية.

في السنوات الأخيرة، زادت البحرية الهندية من زياراتها للمواني في الدول الأفريقية، ونفذت التدريبات البحرية الثنائية ومتعددة الأطراف مع الدول الأفريقية. من التطورات المهمة إطلاق أول مناورة ثلاثية بين الهند وموزمبيق وتنزانيا في دار السلام في أكتوبر (تشرين الأول) عام 2022.

هناك مجال آخر مهم للمشاركة الدفاعية الهندية، وهو الدفع نحو تصدير معدات الدفاع الهندية إلى القارة.

ألقى التركيز الدولي على توسع الوجود الصيني في أفريقيا بظلاله على تطور مهم آخر - وهو الاستثمار الاستراتيجي الهندي في المنطقة. فقد شرعت الهند بهدوء، لكن بحزم، في بناء قاعدة بحرية على جزر أغاليغا النائية في موريشيوس.

تخدم قاعدة أغاليغا المنشأة حديثاً الكثير من الأغراض الحيوية للهند. وسوف تدعم طائرات الاستطلاع والحرب المضادة للغواصات، وتدعم الدوريات البحرية فوق قناة موزمبيق، وتوفر نقطة مراقبة استراتيجية لمراقبة طرق الشحن حول الجنوب الأفريقي.

وفي سابقة من نوعها، عيَّنت الهند ملحقين عسكريين عدة في بعثاتها الدبلوماسية في أفريقيا.

وفقاً لغورجيت سينغ، السفير السابق لدى إثيوبيا والاتحاد الأفريقي ومؤلف كتاب «عامل هارامبي: الشراكة الاقتصادية والتنموية بين الهند وأفريقيا»: «في حين حققت الهند تقدماً كبيراً في أفريقيا، فإنها لا تزال متخلفة عن الصين من حيث النفوذ الإجمالي. لقد بذلت الهند الكثير من الجهد لجعل أفريقيا في بؤرة الاهتمام، هل الهند هي الشريك المفضل لأفريقيا؟ صحيح أن الهند تتمتع بقدر هائل من النوايا الحسنة في القارة الأفريقية بفضل تضامنها القديم، لكن هل تتمتع بالقدر الكافي من النفوذ؟ من الصعب الإجابة عن هذه التساؤلات، سيما في سياق القوى العالمية الكبرى كافة المتنافسة على فرض نفوذها في المنطقة. ومع ذلك، فإن عدم القدرة على عقد القمة الرابعة بين الهند وأفريقيا حتى بعد 9 سنوات من استضافة القمة الثالثة لمنتدى الهند وأفريقيا بنجاح في نيودلهي، هو انعكاس لافتقار الهند إلى النفوذ في أفريقيا. غالباً ما تم الاستشهاد بجائحة «كوفيد - 19» والجداول الزمنية للانتخابات بصفتها أسباباً رئيسية وراء التأخير المفرط في عقد قمة المنتدى الهندي الأفريقي».