العراق: تباينات في رسم خريطة تعايش الموصل المستقبلية

العملية المرتقبة لتحرير المدينة تتصدر مباحثات العبادي مع أوباما في نيويورك

العراق: تباينات في رسم خريطة تعايش الموصل المستقبلية
TT

العراق: تباينات في رسم خريطة تعايش الموصل المستقبلية

العراق: تباينات في رسم خريطة تعايش الموصل المستقبلية

طبقًا لتشكيلة الوفد الرسمي الذي يرافق رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي في زيارته الحالية إلى نيويورك، لحضور اجتماعات الجمعية العمومية للأمم المتحدة، فإن الشغل الشاغل للعبادي وكذلك للأميركيين هي قضية معركة الموصل. فللمرة الأولى يرافق رئيس الوزراء العراقي في رحلة رسمية مسؤول كبير من حكومة إقليم كردستان، وهو رئيس ديوان رئاسة الإقليم، الدكتور فؤاد حسين، بخلاف كل الوفود السابقة على مدى السنوات الـ13 الماضية، وهو ما عده رئيس كتلة الحزب الديمقراطي الكردستاني في البرلمان العراقي، خسرو عبد الله كوران، في حديث لـ«الشرق الأوسط» بمثابة «تطور مهم في أن تكون الرؤية مشتركة أمام العالم بالنسبة للمباحثات الدولية التي يجريها كبار المسؤولين العراقيين مع قادة العالم». وأضاف كوران أن «قضية الموصل عراقية بحتة ولا بد من مشاركة الجميع في استعادتها من تنظيم داعش، فضلاً عن رسم خريطتها المستقبلية من حيث التعايش بين مكوناتها».
تشكيلة الوفد طغى عليها التمثيل الخاص بمعركة الموصل، من خلال وجود وزير الزراعة فلاح الزيدان، وهو من أهالي الموصل ومن شيوخ قبائلها، بالإضافة إلى كونه قائد أحد الحشود العشائرية هناك، التي كان قد شارك هو فيها شخصيًا بمعركة القيارة.
لكن في موازاة ما سوف يخوضه العبادي من مباحثات مع الإدارة الأميركية الحالية في أيامها الأخيرة، التي يمكن أن تمثل معالم معركة من نوع آخر، لا سيما إصرارها على منح البيشمركة والعشائر السنية في الموصل الدور الأكبر في معركة الموصل الحاسمة، التي باتت على الأبواب مقابل عدم وجود حماس لدى الأميركيين لمنح «الحشد الشعبي» الدور الهام الذي تعمل عليه أطراف كثيرة داخل البيت الشيعي من خلال الإصرار على زج قطعات كبيرة من الحشد للمشاركة في المعركة، فإن رحى معركة أخرى تدور الآن في مختلف الأوساط في الموصل، من جماعات سياسية وعرقية ومذهبية ودينية، بشأن مستقبل التعايش في هذه المحافظة بعد رحيل «داعش».
زعيم التحالف الوطني عمار الحكيم، الذي يعد من المتحمسين لمشاركة متوازنة لـ«الحشد الشعبي» في معركة الموصل من منطلق أن هناك نسبة لا بأس بها من الشيعة في محافظة نينوى، لا سيما في قضاء تلعفر الذي تجري الاستعدادات لتحويله إلى محافظة ترتبط بالمركز مثلما أبلغ «الشرق الأوسط» عضو البرلمان العراقي عن الموصل وأحد مشايخ قبيلة شمر الأكثر نفوذًا في المحافظة، أحمد مدلول الجربا، بحث مع رئيس الجمهورية فؤاد معصوم، الاستعدادات الحالية لمعركة الموصل، وذلك طبقًا لبيان رئاسي أفاد أيضًا بأن «معصوم والحكيم اتفقا على ضرورة تنشيط التواصل والمشاورات بين جميع الأطراف وتعزيز وحدة الصف الوطني من أجل تنفيذ المهام العليا، وفي مقدمتها تحقيق النصر النهائي على الإرهاب وإنجاز المصالحة المجتمعية والتغلب على الصعوبات».
لكن في ضوء ما أحدثه تنظيم داعش من مستويات غير مسبوقة على صعيد الخراب الذي شمل كل شيء، فإن الخراب الذي شمل مفهوم التعايش بدا هو الأكثر خطورة، مما حصل للبنية التحتية. فالموصل التي يصفها القيادي الكردي خسرو كوران بـ«عراق مصغر»، «لا يمكن لمكون أو جهة أو مذهب أو طائفة أن تهيمن وتقصي الآخرين، وهو ما يتطلب أخذ الواقع الحالي بعين الاعتبار، بحيث تكون أقرب مقاربة لما يمكن أن يحصل لنينوى، هو تقسيمها إلى عدة محافظات لكي تطمئن المكونات لا سيما الأقليات، وبالتالي يمكن أن تتحول هذه المحافظات إلى إقليم أو أقاليم إدارية، وهو ما يضمنه الدستور العراقي». بيد أن هذه الرؤية، التي ينطلق منها كوران، الذي يمثل الأكراد في هذه المحافظة، وهم مكون كبير ولهم امتداداتهم في إقليم كردستان، لا تبدو كذلك بالنسبة للإيزيدية فيان دخيل، التي هي عضو في البرلمان العراقي عن المكون الإيزيدي، إذ ترى في حديثها لـ«الشرق الأوسط» أن «مسألة التعايش دون ضمانات باتت صعبة، بسبب ما جرى لنا كمكون صغير من إبادة جماعية ومن اغتصاب لآلاف من نسائنا وفتياتنا اللاتي تم بيعهن في أسواق النخاسة».
وتضيف فيان دخيل في وصفها لمأساة الإيزيديين، قائلة إن «ما حصل في الواقع يجعلنا نشعر بغصة مما جرى لنا من بعض أهالي الموصل، لكن هذا لن يمنعنا من العودة إلى مناطقنا والعيش بها مهما كان الثمن، لكننا في الوقت نفسه نطالب بحماية دولية لنا وأن يأخذ القانون مجراه بحق من ارتكب جرائم بحقنا»، مؤكدة في الوقت نفسه «الحاجة إلى التسامح المجتمعي على أن نتفاهم على ذلك، وأن تتبرأ كل عشيرة من المجرمين داخلها، بينما هناك عشائر وقفت معنا وساعدتنا في محنتنا، ومنها عشيرة شمر».
النائب أحمد الجربا، وهو أحد شيوخ شمر في الموصل، يقول إن «هناك مخاطر جدية تعانيها محافظة نينوى لا سيما بعد (داعش)، إذ إن من بين مهماتنا كعشائر عربية لها نفوذ في هذه المحافظة أن نعمل على طمأنة الأقليات والطوائف المختلفة، وهو ما يتطلب من الجميع الجلوس على مائدة حوار واحدة، لكي يرسموا مستقبل التعايش في هذه المحافظة وتجاوز الماضي مع عدم إهمال ما حصل من تجاوزات وجرائم»، مشيرًا في الوقت نفسه إلى أن «الوضع معقد ويحتاج إلى إرادة حقيقية للحل، ومنه ما يطرح من معادلات وخرائط جديدة، ومن بينها تقسيم المحافظة إلى عدة محافظات».
وبينما تتباين وجهات النظر بشأن وضع نينوى المستقبلي، فإن محافظها السابق أثيل النجيفي، يقول لـ«الشرق الأوسط» إن «الحل الذي يمكن أن يكون مقنعًا لكل الأطراف هو استحداث محافظات جديدة لطمأنة الأقليات، حيث يمكن أن تكون تلعفر التي فيها وجود شيعي محافظة، وسهل نينوى التي فيها غالبية مسيحية محافظة وسنجار التي فيها أغلبية إيزيدية محافظة، ويمكن كذلك استحداث محافظات أخرى يحق لها أن تنتظم كلها في إقليم أو تصبح كل محافظة إقليمًا، وهو ما يضمنه الدستور العراقي».



ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
TT

ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)

احتفل سكان دمشق بسقوط نظام بشار الأسد بعد حرب وحشية استمرت 13 عاماً، لكن أصحاب أماكن السهر في المدينة اعتراهم القلق وهم يعيدون فتح أبواب حاناتهم وملاهيهم.

فقد قادت «هيئة تحرير الشام» فصائل المعارضة التي أطاحت بنظام الأسد، وكانت هناك خشية لدى بعض الناس من أن تمنع الهيئة شرب الكحول.

ظلت حانات دمشق ومحلات بيع الخمور فيها مغلقة لأربعة أيام بعد دخول مقاتلي «هيئة تحرير الشام» المدينة، دون فرضهم أي إجراءات صارمة، والآن أعيد فتح هذه الأماكن مؤقتاً.

ما يريده صافي، صاحب «بابا بار» في أزقة المدينة القديمة، من الجميع أن يهدأوا ويستمتعوا بموسم عيد الميلاد الذي يشهد إقبالاً عادة.

مخاوف بسبب وسائل التواصل

وفي حديث مع «وكالة الصحافة الفرنسية» في حانته، اشتكى صافي، الذي لم يذكر اسم عائلته حتى لا يكشف عن انتمائه الطائفي، من حالة الذعر التي أحدثتها وسائل التواصل الاجتماعي.

فبعدما انتشرت شائعات أن المسلحين المسيطرين على الحي يعتزمون شن حملة على الحانات، توجه إلى مركز الشرطة الذي بات في أيدي الفصائل في ساحة باب توما.

وقال صافي بينما كان يقف وخلفه زجاجات الخمور: «أخبرتهم أنني أملك حانة وأود أن أقيم حفلاً أقدم فيه مشروبات كحولية».

وأضاف أنهم أجابوه: «افتحوا المكان، لا مشكلة. لديكم الحق أن تعملوا وتعيشوا حياتكم الطبيعية كما كانت من قبل»، فيما كانت الموسيقى تصدح في المكان.

ولم تصدر الحكومة، التي تقودها «هيئة تحرير الشام» أي بيان رسمي بشأن الكحول، وقد أغلق العديد من الأشخاص حاناتهم ومطاعمهم بعد سقوط العاصمة.

لكن الحكومة الجديدة أكدت أيضاً أنها إدارة مؤقتة وستكون متسامحة مع كل الفئات الاجتماعية والدينية في سوريا.

وقال مصدر في «هيئة تحرير الشام»، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، طلب عدم كشف هويته، إن «الحديث عن منع الكحول غير صحيح». وبعد الإلحاح عليه بالسؤال شعر بالغضب، مشدداً على أن الحكومة لديها «قضايا أكبر للتعامل معها».

وأعيد فتح «بابا بار» وعدد قليل من الحانات القريبة، لكن العمل محدود ويأمل صافي من الحكومة أن تطمئنهم ببيان يكون أكثر وضوحاً وقوة إلى أنهم آمنون.

في ليلة إعادة الافتتاح، أقام حفلة حتى وقت متأخر حضرها نحو 20 شخصاً، ولكن في الليلة الثانية كانت الأمور أكثر هدوءاً.

وقال إن «الأشخاص الذين حضروا كانوا في حالة من الخوف، كانوا يسهرون لكنهم في الوقت نفسه لم يكونوا سعداء».

وأضاف: «ولكن إذا كانت هناك تطمينات (...) ستجد الجميع قد فتحوا ويقيمون حفلات والناس مسرورون، لأننا الآن في شهر عيد الميلاد، شهر الاحتفالات».

وفي سوريا أقلية مسيحية كبيرة تحتفل بعيد الميلاد، مع تعليق الزينات في دمشق.

في مطعم العلية القريب، كان أحد المغنين يقدم عرضاً بينما يستمتع الحاضرون بأطباق من المقبلات والعرق والبيرة.

لم تكن القاعة ممتلئة، لكن الدكتور محسن أحمد، صاحب الشخصية المرحة والأنيقة، كان مصمماً على قضاء وقت ممتع.

وقال لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «كنا نتوقع فوضى عارمة في الموقف»، فيما كانت الأضواء تنعكس على ديكورات المطعم، مضيفاً: «لكننا عدنا سريعاً إلى حياتنا، حياتنا الليلية، وحقوقنا».

حفلة مع مغنٍ

وقال مدير المطعم يزن شلش إن مقاتلي «هيئة تحرير الشام» حضروا في ليلة إعادة الافتتاح ولم يغلقوا المكان.

وأضاف: «بدأنا العمل أمس. كانت الأمور جيدة جداً. كانت هناك حفلة مع مغنٍ. بدأ الناس بالتوافد، وفي وسط الحفلة حضر عناصر من (هيئة تحرير الشام)»، وأشار إلى أنهم «دخلوا بكل أدب واحترام وتركوا أسلحتهم في الخارج».

وبدلاً من مداهمة المكان، كانت عناصر الهيئة حريصين على طمأنة الجميع أن العمل يمكن أن يستمر.

وتابع: «قالوا للناس: لم نأتِ إلى هنا لنخيف أو نرهب أحداً. جئنا إلى هنا للعيش معاً في سوريا بسلام وحرية كنا ننتظرهما منذ فترة طويلة».

وتابع شلش: «عاملونا بشكل حسن البارحة، نحن حالياً مرتاحون مبدئياً لكنني أخشى أن يكون هذا الأمر آنياً ولا يستمر».

ستمارس الحكومة الانتقالية الجديدة في سوريا بقيادة «هيئة تحرير الشام» عملها حتى الأول من مارس (آذار). بعد ذلك، لا يعرف أصحاب الحانات ماذا يتوقعون.