كجزء من صفقة معقدة بين الولايات المتحدة وروسيا، تمّ وقف إطلاق النار في سوريا لمدة سبعة أيام بدءًا من مساء الاثنين، أول أيام عطلة عيد الأضحى.. ومن أهداف الاتفاق تنفيذ ضربات مشتركة ضد تنظيم داعش المتطرف وجبهة فتح الشام (جبهة النصرة سابقًا). والواضح أن الولايات المتحدة تأمل في أن يؤدي الاتفاق إلى إجبار الثوار في المعارضة السورية على فك ارتباطهم بجبهة فتح الشام، وهو احتمال قد يكون ضئيلاً في ظلّ الواقع السوري الحالي مع إعادة تموضع الجبهة.
يتيح الاتفاق الروسي - الأميركي على هدنة - هشة جدًا - في سوريا لجيش النظام بسط سيطرته النارية على المناطق التي يسيطر عليها الثوار في مدينة حلب، بينما يفرض على المعارضة وقف القتال حول مناطق سيطرة النظام وحلفائه من الميليشيات التي تدعمها إيران.
ولكن في المقابل، يجبر اتفاق الهدنة النظام على وقف الضربات الجوية التي تعد السبب الرئيسي في قتل المدنيين، وقد يتيح استمرار وقف إطلاق النار المجال للجيش الروسي والقوات الأميركية في التحالف الدولي للتخطيط لعمليات جوية مشتركة ضد الجماعات التي يتفق عليها بأنها «جماعات متطرفة»، بما في ذلك - طبعًا - «داعش» وجبهة فتح الشام التي تحوز على دعم عدد كبير من الفصائل. وفي هذا الصدد، قال وزير الخارجية جون كيري لدى إعلانه عن الاتفاق: «اليوم، تعلن الولايات المتحدة وروسيا عن خطة نأمل في أن تحّد من العنف، ومن المعاناة، وتستأنف التحرك نحو السلام عن طريق التفاوض والانتقال في سوريا (...) التي إذا تم تنفيذها، ستكون قادرة على توفير نقطة تحول ولحظة تغيير».
* الغايات السياسية للاتفاق
هدفت الولايات المتحدة - وتهدف - إلى «إقناع الفصائل الثورية والمعارضة السورية الأخرى بفصل نفسها عن جبهة النصرة» التي كانت تقاتل النظام، والبحث عن ملاذ لها تحت المظلة الجوية الأميركية - الروسية، كما صرّح مساعد المتحدث باسم الخارجية الأميركية مارك تونر، ليلة الثلاثاء، إذ قال إن «المعارضة المعتدلة» - على حد تعبيره - ستنفصل خلال الأيام المقبلة عن جبهة فتح الشام، ثم أشار خلال مؤتمر صحافي إلى أن واشنطن «تتواصل مع المعارضة المعتدلة»، وأردف أن «الفصائل تتفهّم أن اختلاطها بالنصرة ليس من مصلحتها.. ونتوقع أن نشهد الانفصال في الأيام المقبلة».
«بديهي إذن أن الاتفاق الروسي - الأميركي يهدف إلى فصل الفصائل، ومنها الجيش السوري الحر، عن جبهة فتح الشام» بحسب قيادي من الجيش السوري الحر. ولكن حسب رأي القيادي: «بالنسبة للمعارضة، على الاتفاق أن ينتج هدنة حقيقية، أما فيما يخص فصل المعارضة عن جبهة فتح الشام، فهذا الأمر لن ينجح ما لم تكن آليات تنفيذه واضحة».
في هذه الأثناء، كثرت البيانات المؤيدة للنصرة، ردًّا على الاتفاق الروسي الأميركي الأخير في شأن وقف الأعمال القتاليّة، متضمّنة عددًا من التحفظات على الاتفاق، وكان أبرزها رفضُ استهداف جبهة فتح الشام. وقد تجاوزت تلك التحفظات هذا الحد، لتبلغ رفض استهداف «أي فصيل آخر يحارب النظام، وهو ما من شأنه أن يُضعف القوى العسكريّة للثّورة». واعتبار أن استهداف النصرة، بحلتها الجديدة واسمها الجديد، «جاء ترجمةً لتوافقات إقليميّة جديدة».
* أين الميليشيات الشيعية؟
لقد رفضت فصائل الجيش السوري الحر، في بيان مشترك لها، استهداف جبهة فتح الشام، وتحفظت عن استثنائها من الهدنة، مشيرة إلى أن الاتفاق الروسي - الأميركي لم يتطرق إلى الميليشيات الشيعية التي تساند نظام بشار الأسد في قتل السوريين، بحسب «أورينت نيوز». وكان من أبرز الفصائل الموقعة على البيان: جيش الإسلام، والفرقة 13، وفيلق الشام، وحركة أحرار الشام الإسلامية، وجيش النصر، والجبهة الشامية، وفيلق حمص، وحركة نور الدين الزنكي، والفرقة الشمالية، ولواء صقور الجبل. واعتبرت كل هذه الفصائل «أن بنود الهدنة المطروحة في صورتها الحالية تترك المجال مفتوحا للنظام وحلفائه لاستغلالها، وارتكاب المزيد من المجازر بحق المدنيين، وتحقيق مكاسب عسكرية استراتيجية عجز عن تحقيقها سابقا». كما تحفظت على عدم وجود آلية مراقبة أو عقوبة زاجرة، مما يخوّل للنظام استثمار هذه الهدنة لتحقيق مكاسب عسكرية وسياسية.
كذلك «أعادت هذه التصريحات الثقة بين الفصائل وجبهة فتح الشام»، بحسب الدكتور رامي دالاتي، عضو المجلس السياسي في الجيش السوري الحر، المتعمق أيضًا في موضوع الفصائل المتطرفة. وصب في الخانة نفسها حديث لبيب النحاس، القيادي في حركة أحرار الشام. وبحسب تقرير لـ«أورينت نيوز»، جاء في إحدى تغريدات النحاس قوله: «إن ما رأيناه من صدق وحرص الإخوة في الفصائل أثلج قلوبنا.. هم من قادوا الدفة، وصاغوا الموقف.. لأمثالكم تُرفع القبعات». واعتبر أن الفصائل، وعلى رأسها الجيش الحر، وضعت نفسها بين جبهة فتح الشام ومن أراد استهدافها، رغم الضغوط. وأضاف النحاس أن «عمل المكاتب السياسية للفصائل أظهر إدراكًا متقدمًا للوضع الدولي، ومعرفة دقيقة بالواقع في الداخل، لا إفراط ولا تفريط».
* توحد أم «أخوة» الثورة؟
أيضًا، اعتبر النحاس أن اتفاق وزيري الخارجية الأميركي كيري والروسي لافروف «سيتمخض عنه أول غرفة عمليات عسكرية مشتركة بين أميركا وروسيا»، مضيفا: «إننا أمام حدث تاريخي يعكس حقيقة الحرب في سوريا، ويضع الثورة كلها على المحك، ويهدد وحدة صفها الداخلي واستمرارها، في حين يقدم فرصة ذهبية للنظام والروس لتحقيق أجندتهم». وتابع القيادي: «إن الثورة أنتجت أخوّة بين أبنائها مدادها الدماء والدموع، ولن نتخلى عمن يدافعون عن شعبنا، عباءة الثورة هي الجامعة».
وشدد النحاس على ضرورة التوحّد، وعدم استثناء الجيش الحر من أي مشروع توحد، قائلاً: «توحيد الموقف السياسي - العسكري للفصائل أصبح ضرورة وجودية، وليس ترفًا؛ اتفاق كيري - لافروف يضعنا أمام استحقاقات مفصلية». ثم أوضح أن «أي مشروع توحد يستثني الجيش الحر، أو يصطبغ بلون واحد، هو مشروع سيزيد الساحة استقطابًا، ويدفعها للهاوية، فإما أن نحيا كأمة أو نموت كفصائل، إما أن ننتصر كثورة أو نُهزم كتيارات».
الدكتور دالاتي من جانبه يرى أنه «لا يوجد اليوم مسوغات قانونية لاستهداف جبهة فتح الشام، فهي استجابت لضغوطات الفصائل والعلماء، وفكّت ارتباطها بتنظيم القاعدة (...) لهذه الأسباب لا نستطيع توجيه بندقيتنا ضد جبهة فتح الشام».
وبالفعل، في ضوء هذا التضامن، وجهت جبهة فتح الشام، في بيان لها، «الشكر والثناء» لجميع الفصائل الثورية التي رفضت الاتفاق الروسي - الأميركي. وجاء في البيان أن «الاتفاق جاء من أجل تقسيم الفصائل المجاهدة، والتفريق بينها، واستهدافها واحدة تلو الأخرى، بالإضافة إلى إبعاد نظام الأسد عن المواجهة، والمحافظة على نظامه ومؤسساته». ووصفت موقف الفصائل السورية بأنه موقف مشرّف يمثل الصف الواحد واليد الواحدة. وتصدى حسام الشّافعي (أبو عمّار الشامي)، من جبهة فتح الشام، للمهمّة، عبر صفحته على موقع «تويتر»، قائلاً: «نتقدم بالشكر والامتنان لكل من وقف بجانب إخوانه في فتح الشام، من إعلاميين وفصائل وقادة.. مواقف مشرفة سيسجلها التاريخ وتفخر بها الأجيال».
على صعيد آخر، ثمة من يتكلم اليوم عن اندماجات، وقد كثُرت التحليلات التي لم تستبعد أن تكون هذه المواقف مقدّمةً لخطوة الاندماج مع جبهة فتح الشام، بعد هذا التضامن وما يراه البعض «تغطية سياسية». غير أن الدكتور دالاتي استبعد هذه الفكرة بسبب خوف الفصائل من التصنيف الدولي للإرهاب الذي اعتبر أنه «سيتم تكوين هيئة سياسية للفصائل دون فتح الشام».
فصائل المعارضة المسلحة السورية.. وخيار التضامن الحذر
اتفاق الهدنة الروسي ـ الأميركي يربك المشهد
فصائل المعارضة المسلحة السورية.. وخيار التضامن الحذر
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة