«الشراكة عبر الأطلسي» في مهب الريح

هولاند يصرح بشكوكه.. والبيت الأبيض ما زال متمسكًا بـ«الأمل»

إحدى المظاهرات المعارضة لاتفاقية الشراكة عبر الأطلسي في بروكسل العام الماضي (رويترز)
إحدى المظاهرات المعارضة لاتفاقية الشراكة عبر الأطلسي في بروكسل العام الماضي (رويترز)
TT

«الشراكة عبر الأطلسي» في مهب الريح

إحدى المظاهرات المعارضة لاتفاقية الشراكة عبر الأطلسي في بروكسل العام الماضي (رويترز)
إحدى المظاهرات المعارضة لاتفاقية الشراكة عبر الأطلسي في بروكسل العام الماضي (رويترز)

تبدو مسألة اتفاقية التجارة الحرة بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأميركية المعروفة باسم «الشراكة التجارية والاستثمارية عبر الأطلسي»، في مفترق طرق حاليًا، قد يؤدي إلى نسف الطموحات الأميركية بالوصول إلى اتفاق موقع من قبل أطرافها قبل انتهاء فترة حكم الرئيس الأميركي الحالي باراك أوباما؛ وذلك نظرًا لأن الاتفاقية ذاتها لا تلقى أي ترحيب من جانب مرشحي الرئاسة الأميركية كليهما، ما يعني أن عدم إبرامها حاليًا يمثل في حقيقة الأمر «إعلان وفاتها».
وتتقلص فرص إبرام الاتفاقية يومًا بعد يوم مع ارتفاع نبرة الهجوم والتشكيك من الطرف الأوروبي بقيادة أطراف بارزة من الإدارتين الألمانية والفرنسية، لدرجة وصفها من قبل أوساط سياسية واقتصادية مهمة بأنها «وهم»، والتأكيد على أن مفاوضاتها «أخفقت»؛ وهو ما يتماشى بشكل واسع مع آراء الأحزاب المعارضة في كلتا الدولتين، وأيضا الكثير من النقابات والاتحادات المستقلة والرأي العام فيهما.. لكن ذلك التصعيد العنيف يواجهه من الجانب الآخر من المحيط زيادة الإصرار الأميركي على محاولة إبرام الاتفاقية خلال الوقت الضيق الذي يسبق الانتخابات.
وشدد البيت الأبيض الأميركي مساء الاثنين على أنه «يأمل» في نيل موافقة الكونغرس على اتفاق الشراكة قبل انتهاء ولاية الرئيس أوباما، محذرًا من أن عدم إقرار اتفاق التجارة قد يقوض دور الولايات المتحدة في المنطقة.
وقال غوش أرنست، المتحدث باسم البيت الأبيض، في إيجاز صحافي قبيل جولة لأوباما في آسيا هذا الأسبوع، إن «الرئيس سيقدم حججًا قوية على أننا أحرزنا تقدمًا، وأن من الممكن إنجازه قبل انتهاء مدته الرئاسية».
لكن تلك الآمال والطموحات الأميركية العريضة يواجهها تشكك أكبر ومتزايد من قبل دول أوروبا القوية، وعلى رأسها ألمانيا، حول «جدوى» و«عدالة» الاتفاقية.. حيث أعرب وزير الخارجية الألماني فرانك - فالتر شتاينماير أمس عن تشككه تجاه المفاوضات حول الاتفاقية، لينضم بذلك إلى قائمة طويلة من المشككين، الذين يضيفون مزيدًا من الثقل إلى جبهة المعارضين والمهاجمين.
ويشير كثير من الاقتصاديين في أوروبا إلى أن «الغموض» الذي يلف المفاوضات يزيد من الجبهات المعارضة، خاصة في ظل عدم وجود دفاع واضح من قبل الأطراف المؤيدة للاتفاقية حول المكاسب الحقيقية والعميقة لاقتصادات الدول الأوروبية جراء تطبيقها.
ولا يعد شتاينماير «متشائمًا تمامًا» تجاه هذه الاتفاقية، إذا ما قورن على سبيل المثال بشخصية رفيعة مثل زيغمار غابرييل، الذي يشغل منصب نائب المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، وهو في ذات الوقت وزير الاقتصاد الاتحادي بحكومتها. وكان غابرييل صرح في وقت سابق بأن المفاوضات بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة حول اتفاقية التجارة الحرة قد «أخفقت».
وبالأمس، عاد غابرييل ليؤكد عدم توقعه نجاح المفاوضات بشأن الاتفاقية. وقال في برلين إنه لم يتم حسم أي من القضايا المحورية عقب محادثات استمرت ثلاث سنوات بلا نتائج، و14 جولة مفاوضات.
وذكر غابرييل أن هذا الوضع للمفاوضات لا يُمكّن من الوصول إلى إتمام ناجح في أقل من ستة أشهر، موضحًا أنه لم يعد من الممكن لذلك التوصل إلى اتفاق خلال هذا العام. كما أوضح أنه يؤيد إجراء مفاوضات «مفعمة بالثقة»، مضيفًا أن هذا الموضوع سيستمر طرحه «لفترة طويلة عقب الانتخابات الأميركية»، التي قد تسفر عن تفويض مختلف للإدارة الأميركية الجديدة.
وذكر غابرييل أن «الأميركيين ليسوا قادرين أو مستعدين على الإطلاق للاستجابة للمطالب الأوروبية»، موضحًا أنه يتعين على ذلك عدم الانسياق وراء «وهم» إمكانية التوصل إلى اتفاق خلال هذا العام.
وفي إشارة إلى الاتفاقية الاقتصادية التجارية الشاملة بين الاتحاد الأوروبي وكندا، قال غابرييل إنه ينتظر تصويتًا خلال اجتماع لأعضاء حزبه الاشتراكي الديمقراطي يمكنه من الموافقة على الاتفاقية خلال مجلس وزراء التجارة في الاتحاد الأوروبي.
ووصف غابرييل الاتفاقية الاقتصادية التجارية الشاملة مع كندا بالجيدة، معتبرًا إياها «حماية من اتفاقية سيئة لتحرير التجارة عبر الأطلسي»، مضيفًا أن الأميركيين غير متحمسين للاتفاقية بين الاتحاد الأوروبي وكندا. ورغم موقف غابرييل، فإن المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل لا تزال من بين القلة القليلة التي تدافع عن المشروع، سواء في ألمانيا أو في باقي دول أوروبا القوية. كما تدافع المفوضية الأوروبية في بروكسيل عنه، وتعد أقوى الجبهات المؤيدة له في أوروبا. وقال الناطق باسم المفوضية الأوروبية مارغاريتيس شيناس، يوم الاثنين إن «المفوضية الأوروبية تحقق تقدمًا ثابتًا في المفاوضات حول اتفاقية التبادل الحر».
أما شتاينماير، فقد قال أمس خلال مؤتمر السفراء بالعاصمة الألمانية برلين أمام ممثلي الأوساط الاقتصادية: «لا أعلم الشيء الذي سوف يكون ممكنًا حتى نهاية هذا العام أو حتى موعد الانتخابات الرئاسية بالولايات المتحدة في نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل». واستدرك قائلاً: «ولكنني أرى بالطبع أن كلا المرشحين للرئاسة (الأميركية)، سواء السيدة (هيلاري) كلينتون أو السيد (دونالد) ترامب، أعربا عن حالة من التشكك تصل إلى الرفض تجاه الاتفاقية. وقد يعني ذلك شيئًا بالنسبة لسرعة تحديد الموعد، الأمر الذي سوف نعايشه خلال الأسابيع أو الشهور المقبلة».
ووصف وزير الخارجية الاتحادي اتفاقية التجارة الحرة بين الاتحاد الأوروبي «الأخرى» مع كندا «سيتا»، بأنها نموذج لاتفاقية التجارة مع الولايات المتحدة، وقال: «إنها تعد تقريبًا أفضل اتفاقية وأكثر اتفاقية تقدمًا تفاوض بشأنها الاتحاد الأوروبي في أي وقت»، وأشار إلى أن اتفاقية التجارة الحرة مع الولايات المتحدة «لا تزال بعيدة عن الاتفاقية مع كندا».
على الجانب الآخر، عارضت الحكومة الأميركية تقدير وزير الاقتصاد الألماني بشأن المفاوضات؛ التي اعتبرها فاشلة من الناحية العملية. وقال المتحدث باسم مفوض الشؤون التجارية للحكومة الأميركية مايكل فرومان في تصريحات لمجلة «دير شبيغل» الألمانية إن «المفاوضات تحرز في الواقع تقدما مستمرا».
وذكر فرومان أنه لم يتفاجأ من «عدم حسم بعض فصول الاتفاقية» بصورة رسمية حتى الآن، موضحًا أن «من طبيعة المفاوضات التجارية أنه لا شيء متفق عليه حتى يتم الاتفاق على كل شيء»، مؤكدًا تمسك واشنطن بجولة المفاوضات المقبلة المقررة منتصف سبتمبر (أيلول) المقبل لتقييم التقدم بدقة.
* الرفض يطال كندا:
ولا يقتصر الهجوم على الاتفاقية في ألمانيا على دوائر الحكومة، إذ امتد إلى الأحزاب السياسية الأخرى، والتي تبدو أكثر تشددًا. وناشد حزب الخضر الألماني «المعارض» الحكومة الاتحادية رفض اتفاقيتي التجارة الحرة للاتحاد الأوروبي مع كل من الولايات المتحدة وكذلك مع كندا.
وقالت زيمونه بيتر، التي تشارك جيم أوزديمير، في رئاسة حزب الخضر في مدينة نويشترليتس بولاية مكلنبورغ - فوربومرن الألمانية، أمس: «إننا نرغب في التزام صريح من الحكومة الاتحادية برفض اتفاقيتي التجارة الحرة مع الولايات المتحدة وكندا». وأشارت إلى أنه إذا تم رفض اتفاقية التجارة الحرة مع الولايات المتحدة، فإنه ليس مسموحًا أن تكون هناك «اتفاقية سيتا (مع كندا) عبر باب خلفي». ومن جانبه، قال رئيس حزب الخضر، جيم أوزديمير، إن توصيف وزير الاقتصاد الألماني زيغمار غابرييل للمفاوضات حول اتفاقية التجارة الحرة مع الولايات المتحدة على أنها «أخفقت» يظهر أن منتقدي الاتفاقية ليسوا على خطأ. وأشار إلى أن اتفاقية التجارة الحرة مع الولايات المتحدة «مفعمة بالأشياء التي لا تنتمي إلينا تمامًا». وقال زعيم الكتلة البرلمانية لحزب الخضر، أنتون هوفرايتر، في تصريحات خاصة لصحيفة «فيست دويتشه ألجيماينه تسايتونغ» الألمانية إن المفاوضات مع الولايات المتحدة بشأن اتفاقية التجارة الحرة «ميؤوس منها»، مضيفًا: «إن مؤيديي الاتفاقية يمتطون جوادًا ميتًا».
وشدد هوفرايتر على ضرورة أن يعارض غابرييل اتفاقية التجارة الحرة مع كندا أيضا، التي لا تعد «سوى استنساخ» من اتفاقية التجارة الحرة مع الولايات المتحدة.
ويأتي ذلك التصعيد الألماني في وقت يشهد الهجوم الأشرس من نوعه على الاتفاقية من الطرف الفرنسي، حيث أعلن وزير الدولة الفرنسي للتجارة الخارجية ماتياس فيكل أمس أن الحكومة الفرنسية ستطلب في سبتمبر من المفوضية الأوروبية خلال اجتماع للوزراء المكلفين التجارة الخارجية في براتيسلافا، وقف المفاوضات حول اتفاقية التبادل الحر بين ضفتي الأطلسي.
ويأتي موقف الوزير الفرنسي متوازنًا مع موقف الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند، والذي أعرب عن رأيه في مايو (أيار) الماضي، قائلا: «في هذه المرحلة، فرنسا تقول لا في المرحلة التي نشهدها من المفاوضات التجارية الدولية».
كما قال هولاند أمس معلقًا على الاتفاقية إن «المفاوضات توقفت» و«الخلل واضح».. لينضم بذلك بشكل صريح إلى قائمة طويلة من السياسيين الأوروبيين المشككين في إمكانية التوصل إلى اتفاق مع الولايات المتحدة في التوقيت المحدد لذلك.
وقال فيكل لإذاعة مونتي كارلو: «لم يعد هناك دعم سياسي من قبل فرنسا لهذه المفاوضات»، مؤكدا أن «فرنسا تطلب وقفًا واضحًا ونهائيًا لهذه المفاوضات؛ للانطلاق مجددا على أسس جيدة».
وبرر فيكل هذا الطلب بأن المفاوضات التي تجريها المفوضية الأوروبية عن الجانب الأوروبي باسم الدول الـ27 الأعضاء في الاتحاد، تعاني من خلل في التوازن لمصلحة المواقف الأميركية. وقال إن «الأميركيين لا يعطون شيئا، أو يعطون الفتات فقط.. والتفاوض بين الحلفاء لا يجري بهذا الشكل». وأضاف أن «العلاقات ليست بالمستوى المطلوب بين أوروبا والولايات المتحدة، ويجب أن نستأنف ذلك في وقت لاحق على أسس صحيحة».
ولم يوضح فيكل الشروط التي يمكن إعادة إطلاق المفاوضات بموجبها، ولم يذكر أي موعد لذلك. لكن بينما يأمل الرئيس الأميركي باراك أوباما إنجازها قبل انتهاء ولايته، فإن كل شيء الآن ضار يوحي بأن هذه القضية ستحل في عهد خلفه في البيت الأبيض مطلع 2017؛ إذا ما كان هناك حل لها من الأساس.
وتجري المفاوضات منذ منتصف عام 2013 بسرية كبيرة بين الحكومة الأميركية والمفوضية الأوروبية حول الاتفاقية، والتي تهدف إلى إلغاء الحواجز التجارية والتنظيمية على جانبي المحيط الأطلسي، لإقامة منطقة واسعة للتبادل الحر يفترض أن تسمح بإنعاش الاقتصاد.
لكن الاتفاقية تواجه صعوبات منذ أشهر، خصوصًا بسبب الانتقادات الحادة التي صدرت عن المنظمات غير الحكومية للعولمة البديلة، التي تخشى أن تؤدي الاتفاقية إلى خلل في القواعد لمصلحة الشركات الكبرى.
وتواجه الاتفاقية أيضا انتقادات متزايدة من قبل عدد من الحكومات الأوروبية. وتشهد ألمانيا معارضة شديدة للاتفاق الذي يجري التفاوض حوله، بما في ذلك داخل الائتلاف الحكومي.
وتجدر الإشارة إلى أن المفاوضات المستمرة منذ أكثر من ثلاث سنوات، كان يرجى حسمها عدة مرات، وكان الجانبان يأملان في التوصل إلى الخطوط العريضة للاتفاق قبل عام 2017، والمقرر فيه أن يغادر الرئيس الأميركي باراك أوباما البيت الأبيض وتستعد فيه فرنسا وألمانيا للانتخابات، ما يعني في حالة عدم حسم الاتفاقية أن تبدأ المفاوضات من مراحلها الأولى مرة أخرى؛ إذا بدأت.



«ناسداك» يتجاوز 20 ألف نقطة للمرة الأولى مع استمرار صعود أسهم الذكاء الاصطناعي

شعار لبورصة ناسداك في نيويورك (رويترز)
شعار لبورصة ناسداك في نيويورك (رويترز)
TT

«ناسداك» يتجاوز 20 ألف نقطة للمرة الأولى مع استمرار صعود أسهم الذكاء الاصطناعي

شعار لبورصة ناسداك في نيويورك (رويترز)
شعار لبورصة ناسداك في نيويورك (رويترز)

اخترق مؤشر ناسداك مستوى 20 ألف نقطة، يوم الأربعاء، حيث لم تظهر موجة صعود في أسهم التكنولوجيا أي علامات على التباطؤ، وسط آمال بتخفيف القيود التنظيمية في ظل رئاسة دونالد ترمب ومراهنات على نمو الأرباح المدعومة بالذكاء الاصطناعي في الأرباع المقبلة. ارتفع المؤشر الذي يهيمن عليه قطاع التكنولوجيا 1.6 في المائة إلى أعلى مستوى على الإطلاق عند 20001.42 نقطة. وقد قفز بأكثر من 33 في المائة هذا العام متفوقاً على مؤشر ستاندرد آند بورز 500 القياسي، ومؤشر داو جونز الصناعي، حيث أضافت شركات التكنولوجيا العملاقة، بما في ذلك «إنفيديا» و«مايكروسوفت» و«أبل»، مزيداً من الثقل إلى المؤشر بارتفاعها المستمر. وتشكل الشركات الثلاث حالياً نادي الثلاثة تريليونات دولار، حيث تتقدم الشركة المصنعة للآيفون بفارق ضئيل. وسجّل المؤشر 19 ألف نقطة للمرة الأولى في أوائل نوفمبر (تشرين الثاني)، عندما حقّق دونالد ترمب النصر في الانتخابات الرئاسية الأميركية، واكتسح حزبه الجمهوري مجلسي الكونغرس.

ومنذ ذلك الحين، حظيت الأسهم الأميركية بدعم من الآمال في أن سياسات ترمب بشأن التخفيضات الضريبية والتنظيم الأكثر مرونة قد تدعم شركات التكنولوجيا الكبرى، وأن التيسير النقدي من جانب بنك الاحتياطي الفيدرالي قد يبقي الاقتصاد الأميركي في حالة نشاط.