مصر.. دَفعة قوية لحل القضية الليبية

وسط مخاوف من تسلل الدواعش إلى حدودها الغربية

مصر.. دَفعة قوية لحل القضية الليبية
TT

مصر.. دَفعة قوية لحل القضية الليبية

مصر.. دَفعة قوية لحل القضية الليبية

مع اختفاء عدد لا يستهان به من تنظيم داعش الإرهابي المتطرّف من مدينة سرت، بوسط الشمال الليبي، تحت ضربات قوات محلية وبمساعدة من الولايات المتحدة الأميركية، تحوّلت العاصمة المصرية القاهرة أخيرًا إلى وجهة لأطراف سياسية وعسكرية متصارعة في ليبيا التي تعاني من تعدد الحكومات والقوى التي تحمل السلاح على الأرض ومن التدخلات الدولية. ومنذ بدء عملية قوات «البنيان المرصوص» التابعة لـ«حكومة الوفاق الوطني» برئاسة فايز السراج، ضد «داعش»، يبدو أن القاهرة فتحت الأبواب، لأول مرة منذ سقوط نظام معمر القذافي، لمختلف الأفرقاء الليبيين، في محاولة منها لإعطاء دفعة قوية للحل قبل أن تتفاقم الفوضى في هذا البلد المجاور لحدودها من ناحية الغرب، خاصة بعد أن رفض البرلمان منح الثقة للحكومة المقترحة من السراج.
تنخرط القاهرة في لقاءات مباشرة من جانب، ومن جانب آخر يبدو أنها تكتفي بالمراقبة من بعيد، فيما يتعلق بضيوف مثيرين للريبة، ومختلفين، يعقدون اجتماعات على أراضيها أيضا.
يأتي هذا وسط خشية مصر من تداعيات حروب صغيرة مستعرة في ليبيا، منذ نحو خمس سنوات، وإمكانية تحولها إلى نزاع أهلي يمتد لسنوات كثيرة، خاصة في ظل استمرار حالة التشرذم بين أكبر مجموعتين تملكان أسلحة وقوات نظامية وشبه نظامية؛ هما قوات «الجيش الوطني الليبي» بقيادة الفريق أول خليفة حفتر، الذي يحارب في الشرق ويسعى للتوجه غربا، وقوات «البنيان المرصوص» في الغرب، التي تحارب «داعش» في سرت وتلِّوّح بمواصلة الزحف ناحية الشرق.
تضع القاهرة هذه المرة الملف الليبي على اتساع الطاولة بغض النظر عن وجودها بشكل مباشر في بعض المفاوضات الجانبية. إنه ملف مكتظ بتناقضات كثيرة أهمها «ازدواجية السلطات والجهات التشريعية» الموجودة الآن بين بنغازي وطرابلس.. بل داخل طرابلس نفسها. ولقد تسببت في هذا الإرث المعقّد «دول غربية مهيمنة على الأمم المتحدة ومبعوثها إلى ليبيا مارتن كوبلر» كما يقول لـ«الشرق الأوسط» عيسى عبد المجيد، وهو زعيم قبلي ليبي ومستشار سابق لرئيس البرلمان. ومنذ بدء الوساطة الأممية للمصالحة بين الليبيين في أواخر عام 2014، حتى وصول السراج إلى طرابلس كممثل لـ«حكومة الوفاق»، في مارس (آذار) الماضي، لا يبدو أن الوفاق قد تم بعد.
من جانب آخر، يقول إبراهيم عميش، رئيس «لجنة العدالة والمصالحة وخارطة الطريق» في البرلمان الليبي: «إذا نظرتَ إلى بلادنا فسترى أن هناك أيدي تعبث فيها. الولايات المتحدة دخلت أخيرا على الخط بقوة»، في حين يضيف عبد المجيد موضحًا أن حكومة السراج، وبغض النظر عن رعايتها للحرب على «داعش»، تعد «حكومة مولودة ميتة.. حكومة دون روح شعبية»، حيث إنها لم تحصل على الثقة من البرلمان منذ اقتراحها قبل نحو خمسة أشهر.
في هذه الأثناء، يقول أحد المسؤولين الأمنيين المصريين الذين يعملون على الملفّ الليبي: «أخطر ما يمكن أن تواجهه في هذه المرحلة، هو تعدد السلطات في بلد يعج بالإرهابيين من الموالين لداعش وتنظيم القاعدة وجماعات أخرى مسلحة منتشرة في الشرق والغرب». ويشير المسؤول المصري، طالبا عدم الإفصاح عن اسمه لأنه غير مخول له الحديث للإعلام، في الوقت نفسه إلى أن نهاية مفاوضات الأمم المتحدة حول ليبيا.. «كما نراها هذه الأيام، أنتجت ازدواجية نخشى أن تكبر وتتحوّل إلى خطر داهم على الليبيين وعلى مصر أيضا».

خلايا نائمة؟
توجد مخاوف حاليًا من وجود خلايا نائمة للدواعش في مدن ليبية أخرى منها العاصمة نفسها. وكانت تقديرات غربية تقول إن عدد دواعش سرت ربما يصل إلى أكثر من أربعة آلاف. أين هم الآن؟ لا توجد إجابة، بينما دول الجوار تتحسّس حدودها. وحسب المسؤول الأمني المصري «لدينا حدود طولها 1150 كيلومترا مع ليبيا، ومهمة تأمينها تحتاج إلى شريك ليبي قوي، وهو غير موجود بالقدر الكافي، كما يبدو. لا توجد سلطة مركزية ولا جيش موحد يمكن التعويل عليه في منع تسلل الإرهابيين إلى أراضينا».
لكن، وفي إفادة عبر الإنترنت، أجاب مسؤول في «مركز دراسات الجنوب الليبي للبحوث والتنمية» عن أسئلة «الشرق الأوسط»، قائلا إنه من المنطقي ألا يفكر تنظيم داعش في التحرك نحو شرق ليبيا أو الجنوب الشرقي من ليبيا (في اتجاه حدود مصر). ويعمل باحثو المركز بعيدًا الأضواء خشية تعرضهم لأذى من الجماعات المتطرفة. وتابع المسؤول في مركز الدراسات شارحًا أنه، إلى جانب تكثيف القوات المصرية لوجودها على الحدود، فإن قوات رئاسة أركان الجيش الليبي برئاسة عبد الرزاق الناظوري، وهي تابعة لحفتر، تُحكم سيطرتها على كامل المناطق الشرقية والجنوب شرقية، التي يتشارك في حمايتها أيضا بعض المقاتلين والكتائب المحلية في مناطق الواحات والكفرة في الداخل الليبي.
ومع ذلك من الصعب الاكتفاء بقوات الأمن للحفاظ على الاستقرار. هناك كتلة الغرب الليبي، وهي ذات أهمية كبيرة في المعادلة. أو كما يقال: لكي تحل مشكلة ما لا بد أن تستمع إلى جميع أطرافها. وفي الحقيقة، كما يبدو من مناقشات جارية في القاهرة، فإن مصر منذ 2011 لم تكن تجنح لفتح الأبواب على آخرها لقيادات في طرابلس تعتمد في وجودها وفي قوتها على ميليشيات مسلحة وينتمي بعضها لتنظيمات متطرفة وجماعات مصنفة في مصر كمنظمات إرهابية. من بين هؤلاء «الجماعة الليبية المقاتلة» و«جماعة الإخوان»، و«أنصار الشريعة» وغيرها.
لكن الواقع تغيّر. وأدى مرور الأيام وتعدّد الأحداث وكثرة النزاعات إلى شعور الأطراف الليبية المتحاربة بالإرهاق، مع وجود مشتركات بين الجميع يقول معظمها إن «حل المعضلة السياسية في ليبيا» لا بد أن يكون عبر القاهرة، وإنه لا بد أيضًا من وقوف جميع الليبيين ضد انتشار الفارين من الدواعش في باقي البلاد أو عبر الحدود.

علاقات مصرية قوية
من المعروف أن مصر لديها علاقات قوية مع الكثير من الأطراف الليبية، في إقليم برقة في الشرق، وفي بعض مناطق الغرب، لكن انتقال البرلمان الليبي الذي جرى انتخابه في 2014 للعمل في المنطقة الشرقية، أوجد ذريعة لدى خصوم متحصنين في العاصمة طرابلس وأيضًا في مدينة مصراتة، للتلويح باتهام مصر بالانحياز إلى إقليم برقة حيث يوجد أيضًا مقر الجيش الوطني الليبي بقيادة حفتر.
وفي متغيّر لافت، تكشف مصادر من مدينة مصراتة، التي ينتمي إليها قادة يهيمنون على طرابلس وينبذون حفتر، عن قيام قيادات عسكرية من ميليشيات الغرب الليبي بزيارة القاهرة للمرة الأولى منذ سقوط نظام القذافي.. ولم يجر الإعلان عن هذه الزيارة من أي من الطرفين. لا من مصراتة ولا من القاهرة. وتشير المصادر إلى أن «المصراتيين التقوا برموز من نظام القذافي»، وأن أهم ملف جرى بحثه في هذا الإطار، هو «كيفية إنقاذ ليبيا من الانقسام إلى دولتين أو حتى دويلات.. وتوحيد الجميع للوقوف ضد خطر داعش».
أما الزيارة المعلنة، التي تعد أيضا زيارة نادرة تعزّز تواصل القاهرة مع أطراف في الغرب الليبي، على غير العادة، فهي تلك التي قام بها نحو أربعين نائبا غالبيتهم ممن يحسبون على جناح تأييد الاتفاق السياسي الذي جرى توقيعه في الصخيرات أواخر العام الماضي. واستقبل وزير الخارجية المصرية سامح شكري قبل أسبوعين، ممثلين عن نواب لهم رؤية مختلفة لحل الأزمة الليبية، من بينهم نائب رئيس البرلمان محمد شعيب.
ويقول عميش، وهو نائب عن بنغازي التي تشهد حربًا مستمرة منذ نحو عامين بين الجيش والمتطرفين، إن مصر «تحاول إيجاد حل وسط لإنهاء الفوضى لكن الطريق ما زال طويلا». بينما يشدد عبد المجيد على أن مصر «تساعد الليبيين بالفعل لكن ينبغي أن تبذل مجهودا أكبر». ويشير عبد المجيد إلى الظروف الاقتصادية والأمنية الصعبة التي أصبح يعيش فيها الليبيون جراء الانقسامات والاقتتال، والنزاع الداخلي الذي تقف وراءه، حسب قوله، بعض الدول الغربية.

لقاءات على النيل
وعلى ضفاف النيل بدأت كذلك مفاوضات بعيدة عن الأنظار وتجري فيها أغرب لقاءات من نوعها بين ممثلين لـ«الجماعة الليبية المقاتلة» التي سبق وأعلنت ولاءها لتنظيم القاعدة، وأنصار من النظام الليبي السابق. ولقد بدأت الفكرة أول الأمر في «سجن الهضبة» في طرابلس الذي يُسجن فيه وفي سجون أخرى بالعاصمة الليبية عدة آلاف من قيادات عهد القذافي. ويتحكم في «سجن الهضبة» قادة من «الجماعة المقاتلة». ومن بين هؤلاء المحكومين في «سجن الهضبة» عبد الله السنوسي، رئيس المخابرات القوي في عهد القذافي، والبغدادي المحمودي، آخر رئيس للوزراء أيام القذافي، وغيرهما. ولقد جرى إطلاق سراح المحكوم محمد الزوي من هذا السجن ليظهر بعدها بأيام في القاهرة. وللعلم، كان الزوي مسجونًا مع السنوسي والمحمودي، لكن «الجماعة المقاتلة» أطلقت سراحه لكي يكمل مفاوضات مع باقي أنصار النظام السابق المقيمين في مصر.
ومع أنه لا يوجد راهنًا ممثل مصري في هذه المفاوضات، فإن المصادر تقول إن القاهرة تتابع ما يجري. ويشارك في العملية ويراقبها كذلك زعماء وقادة قبليون من المحسوبين على نظام القذافي، من بينهم شخصيات من قبيلة القذاذفة نفسها التي ينتمي إليها أحمد قذّاف الدم، ابن عم القذافي ومبعوثه الشخصي لسنوات طويلة، ومن قبيلة المقارحة التي ينتمي إليها السنوسي، ومن قبيلة ورفلة أيضًا.
من جانبه يؤكد الدكتور محمد الزبيدي، الرئيس السابق للجنة القانونية لمؤتمر القبائل الليبية، وهو من قبيلة ورفلة، أنه من الشخصيات التي تراقب حوار «الجماعة المقاتلة» وبعض من أنصار النظام السابق، دون أن يشارك فيه، لكنه يضيف موضحًا ردًا على أسئلة لـ«الشرق الأوسط» أنه «إذا لم يتم الإفراج أولا عن السجناء وعودة المهجرين فسنكون كمن يضع العربة أمام الحصان».
قذّاف الدم، بدوره، من أبرز المشاركين في الحوار الذي يهدف بالأساس إلى إنهاء معاناة ألوف من سجناء النظام السابق ضمن خطة عامة لإنقاذ البلاد من الفشل. ويقول في مقابلة أثناء تحقيق «الشرق الأوسط» في الأمر أخيرًا، بشأن الأسئلة المطروحة عن غرابة هذا النوع من المفاوضات، إن «الهدف هو الوطن والدفاع عنه.. مثل هذه الحوارات لا تعني أن يستسلم أحدنا للآخر ولكن من أجل ليبيا ومن أجل الوطن».

ورقة ضغط
تبدو المفاوضات المعروفة باسم «مفاوضات سجن الهضبة» ورقة يمكن أن تسهم في الضغط، بطريقة ما، على «جماعة الإخوان» الليبية التي تنتمي إليها شخصيات متنفّذة في مجلس السراج الرئاسي، وفي قوات «البنيان المرصوص» التي تعود أصول غالبية عناصرها إلى مدينة مصراتة. وربما أدى هذا الأمر إلى فتح نافذة لبعض قيادات مصراتة للحوار مع الخصوم الليبيين في القاهرة. وأيا ما كان الأمر فقد أدت مفاوضات «الهضبة» إلى حراك في جبهة «الإخوان» وجبهة مصراتة، وبالتالي، داخل المجلس الرئاسي الذي يبحث حاليا إعادة تشكيل حكومة مصغرة لإرضاء البرلمان.
من جانبها تقول قيادات في «الجماعة المقاتلة» إنها لم تعد على صلة بـ«القاعدة»، وإنها تحوّلت إلى حزب سياسي ولا علاقة لها بالمجاميع المسلحة أيضًا. ويُعدّ أهم زعماء هذه الجماعة عبد الحكيم بلحاج وخالد الشريف، وكانا من المقاتلين العرب في أفغانستان. أما الزوي المستمر في عقد لقاءات في العاصمة المصرية للتوصل إلى حل مع «الجماعة المقاتلة»، فهو معروف بأنه أحد الآباء الروحيين من مؤسّسي ثورة القذافي عام 1969، وهو يتمتع بخبرات سياسية ودبلوماسية وقانونية معتبرة، رغم أن بعض التسريبات التي خرجت في القاهرة كانت تريد الإيحاء بأن المفاوضات جارية مع قيادات من «جماعة الإخوان» الليبية. ويقول أحد المشاركين في اللقاءات إن هذا غير صحيح، وإن المفاوضات قائمة بالأساس مع «الجماعة المقاتلة».
الواقع أن نجاح قوات «البنيان المرصوص» في دحر «داعش» في سرت، منذ بدء الحملة العسكرية المدعومة من الولايات المتحدة، دفع الآلاف من مقاتلي التنظيم إلى الفرار خارج المدينة. وبالتزامن مع هذا الأمر، وتحسبا لأي تداعيات يمكن أن تؤثر على أمنها القومي، استقبلت القاهرة النائب الأول لرئيس البرلمان الليبي، محمد شعيب، الذي يبدو أنه يميل إلى سرعة إنجاز «حكومة التوافق المقترحة». في البداية أكد شعيب لوزير الخارجية المصري سامح شكري على الحاجة للضغط على البرلمان لكي يعقد جلسة ينظر فيها أمر منح الثقة لحكومة السراج. وهذا ما حدث في النهاية، لكن النتيجة جاءت عكسية بعد أن رفض البرلمان حكومة السراج.
ويدعم النواب الذين جاءوا مع شعيب الاتفاق السياسي الذي توصلت إليه الأمم المتحدة في الصخيرات (المغرب)، على عكس نواب آخرين يرون في الاتفاق السياسي إقصاء لحفتر وعودة لحكم «جماعة الإخوان» و«الجماعة المقاتلة»، كما حدث في عامي 2012 و2013، وكان البرلمان وافق على «وثيقة الصخيرات» في يناير (كانون الثاني) الماضي، لكن الموافقة كانت مشروطة بإجراء تعديل في وثيقة الاتفاق وتضمينها في الإعلان الدستوري المعمول به بعد سقوط نظام القذافي. وهذا لم يحدث أيضًا.
منذ ذلك الوقت تجذّرت الخلافات وبدأت تلوح في الأفق بوادر انقسام البلاد. وحين بدأت الحرب على «داعش» ساد اعتقاد بأنها ستوحّد الليبيين حول حكومة واحدة، لكن يبدو أن ما حدث شيء مختلف. وبناءً عليه، وخوفًا من فقدان القدرة على مواصلة مطاردة الدواعش في باقي البلاد، بدأت محاولات جمع الليبيين تحت مظلة واحدة وإنهاء حالة الانقسام والاقتتال، وإدخال الجميع في طريق الوحدة.
عبد المجيد يشدد على أن «كوبلر هو السبب في حالة الانقسام، لأنه منذ البداية أقصى أطرافا أصيلة بعيدًا عن حوار الصخيرات. نحن نأمل أن تتسلم الجامعة العربية والاتحاد الأفريقي الملف الليبي. نأمل أن تعمل مصر من أجل إنقاذ ليبيا، لأن أمن مصر من أمن ليبيا، خاصة أن تنظيم داعش بدأ يخرج من سرت ويتجه إلى الصحراء جنوبا وهذا، كما أرى، يمثل خطرا على مصر».
من جانبها، تقول مصادر أمنية مصرية إنها تراقب الوضع في ليبيا عن كثب، وهي تقرّ بأن هناك عناصر مصرية موجودة مع «داعش» ليبيا.. «كانت تقاتل مع التنظيم في مدينة درنة ثم انتقلت معه، منذ العام الماضي، للاستقرار في سرت. والآن يفرّون من المدينة ولا أحد يعرف إلى أين يمكن أن يتجهوا». ويرجح عبد المجيد أن يستقر الدواعش في الصحراء والجبال في جنوب ليبيا، ومن ثم، سيستمر خطر هؤلاء على الدولة الليبية وعلى دول الجوار، كما يقول محذرا.
استهداف الواحات الغربية
وللعلم، سبق لتنظيم داعش تنفيذ عمليات في غرب مصر قرب الحدود مع ليبيا من جهة الواحات (غرب مصر)، خاصة واحة الفرافرة، في انتقال لافت للنظر من مركزه في سيناء. وفي إفادته لـ«الشرق الأوسط» بشأن ما يمكن أن يمثله «داعش» ليبيا من خطر على مصر، يقول «مركز الجنوب» إن الحدود الليبية المصرية «مؤمنة تأمينًا جيدًا من قبل القوات المصرية، كما أن التنظيم لن يخاطر بالهروب في اتجاه الجنوب الشرقي نحو مصر».
وفي حين يتزايد الزخم في طريق إيجاد حلول سياسية، على عدة أصعدة، بدلاً من النزاع العسكري، لا تخفي دول الجوار الليبي، بما فيها تونس والجزائر، مخاوفها من تسلل الدواعش الفارين من سرت إليها. وبينما تتزايد الضغوط على الأفرقاء الليبيين من أجل التخلص من خلافاتهم، وإنقاذ بلدهم، تبدو القاهرة أكثر مرونة من أي وقت مضى، لتحقيق هذا الغرض.



حذر روسي في التعامل مع «انفتاح» ترمب على كسر الجليد مع موسكو

من لقاء الرئيسين دونالد ترمب وفلاديمير بوتين في العاصمة الفنلندية هلسنكي عام 2018 (آ ب)
من لقاء الرئيسين دونالد ترمب وفلاديمير بوتين في العاصمة الفنلندية هلسنكي عام 2018 (آ ب)
TT

حذر روسي في التعامل مع «انفتاح» ترمب على كسر الجليد مع موسكو

من لقاء الرئيسين دونالد ترمب وفلاديمير بوتين في العاصمة الفنلندية هلسنكي عام 2018 (آ ب)
من لقاء الرئيسين دونالد ترمب وفلاديمير بوتين في العاصمة الفنلندية هلسنكي عام 2018 (آ ب)

طوال فترة الحملات الانتخابية في الولايات المتحدة، حرص الرئيس المنتخب دونالد ترمب على تأكيد قدرته على كسر كل الحواجز، وإعادة تشغيل العلاقات مع موسكو عبر تفاهمات سريعة وفعالة لوقف القتال في أوكرانيا، ووضع خريطة طريق لمعالجة الملفات الخلافية المتراكمة مع الكرملين. وقبل أيام قليلة من تسلم صلاحياته رسمياً، برزت اندفاعة جديدة من الرئيس الجمهوري نحو روسيا، عندما أعلن استعداده لتنظيم لقاء عاجل مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين يرسم ملامح العلاقة المستقبلية ويضع خطط إنهاء الحرب وتخفيف التوتر على مسار التنفيذ. لكن اللافت أن هذه التصريحات لم تُقابَل بشكل حماسي في روسيا. بل فضَّل الكرملين التزام لهجة هادئة تؤكد الانفتاح على الحوار، مع التذكير في الوقت ذاته، بعنصرين ضروريين لنجاح أي محاولة لكسر الجليد بين البلدين، أولهما اتضاح الملامح الأولى لرؤية الرئيس الأميركي الجديد لتسوية الملفات الخلافية المتراكمة، والآخر التذكير بشروط الكرملين لإنهاء الحرب في أوكرانيا. وبالتوازي مع ذلك، بدت تعليقات الأوساط المقربة من الكرملين متشائمة للغاية، حيال فرص إحراز تقدم جدّي على أي مسار... لا في الحرب الأوكرانية ولا العلاقات مع «ناتو»، ولا ملفّات الأمن الاستراتيجي في أوروبا.

لا ينظر أحد في روسيا بجدية إلى إمكانية تحقيق قفزات سريعة تؤدّي إلى تحسّن العلاقات مع الولايات المتحدة، وتضع إطاراً واقعياً للحوار حول الملفات الخلافية. وعلى الرغم من أن الرئيس الأميركي العائد دونالد ترمب صرّح مرّات عدة بأن موقف روسيا يمكن فهمه، وأن سبب الصراع كان إلى حد كبير السياسة المناهضة لروسيا التي تنتهجها «الدولة العميقة» الأميركية، فإن الأوساط الروسية تنظر بريبة إلى قدرة ترمب، العائد بقوة إلى البيت الأبيض، في تجاوز الكثير من «المطبّات» التي تعترض طريق إعادة تشغيل العلاقات بين موسكو وواشنطن.

رسائل روسية واضحة

في هذا الصدد، كان لافتاً أن موسكو تعمّدت توجيه رسائل واضحة إلى الإدارة الأميركية الجديدة، عبر إطلالتين إعلاميتين لشخصيتين تعدّان من أبرز المقربين لبوتين، هما وزير الخارجية سيرغي لافروف والمستشار الرئاسي وعضو مجلس الأمن الروسي نيكولاي باتروشيف. وفي الحالتين كان التوقيت وشكل التعامل مع «اندفاعة ترمب» يحظيان بأهمية خاصة.

جوهر كلام المسؤولين ركّز على قناعة بأن العالم قد يكون أمام «فرصة حقيقية للسلام» في عهد ترمب، بيد أن الانفتاح الروسي على الحوار مرتبط باستناد هذا الحوار إلى أسس «مبادرات ملموسة وخطوات ذات معنى بشأن الاتصالات على أعلى مستوى»، والأهم من ذلك، أن تتوافر لدى ادارة ترمب «اقتراحات محددة» بشأن أوكرانيا، وفق تعبير لافروف.

والاقتراحات المحددة المطلوبة روسياً، ينبغي أن تنعكس - كما قال الوزير – بـ«جدية في الاستعداد لحل المشاكل المتراكمة عبر الحوار لا عبر الضغوط والتهديدات» التي لم ينجح سلف ترمب في معالجتها.

وفي إشارة ذات مغزى، قال لافروف إنه «من المفيد أن نرى ما هي الأساليب التي سيستخدمها ترمب لجعل أميركا أعظم». وهذه عبارة أكملها باتروشيف بقوله: «هل سيكون ترمب قادراً على ترجمة نواياه بالكامل؟ وكما أظهرت ولايته الأولى، فإن (الدولة العميقة) السيئة السمعة في الولايات المتحدة... قوية للغاية».

أوكرانيا «رأس الأولويات»

الموقف الذي أعرب عنه المسؤولان الروسيان ينطلق من «الاستعداد للمناقشة والاتفاق على أي شيء باستثناء شيء واحد - أوكرانيا. (...) لقد عبّرنا عن موقفنا مراراً وتكراراً، وهو موقف لا يمكن تغييره». وفي هذا الإطار، لوّح لافروف بأنه إذا توصّلت روسيا إلى استنتاج مفاده أن واشنطن ستواصل دعم «النظام النازي المعادي في كييف» فإنها (أي موسكو) ستضطر إلى اتخاذ قرارات صعبة. في حين قال باتروشيف إن أوكرانيا «قد تختفي عن الخريطة خلال هذا العام» إذا استمرت السياسات الغربية السابقة.

الرسالة الروسية الثانية لترمب كان فحواها أن أي تسوية أو ضمانات لأوكرانيا، يجب أن تكون مرتبطة باتفاقيات أوسع نطاقاً. وهنا قال لافروف إن «روسيا مستعدة لمناقشة الضمانات الأمنية لأوكرانيا، لكنها يجب أن تكون جزءاً من اتفاقيات أكبر». بينما أوضح باتروشيف أنه بالإضافة إلى التوصل إلى ترتيبات أمنية في القارة الأوروبية «يجب وقف التمييز ضد السكان الروس في عدد من البلدان، وبالطبع، في دول البلطيق ومولدوفا».

أما النقطة الثالثة التي تحدّد شروط الحوار، فتنطلق من ضرورة البدء بمنح روسيا ضمانات كاملة عبر ملفي: وقف مسار ضم أوكرانيا إلى حلف شمال الاطلسي (ناتو) وتأكيد حيادها لعشرات السنوات، وتقليص القدرات العسكرية لهذا البلد ومنع تسليحه مجدداً.

هكذا، ترى موسكو المدخل الصحيح للحوار، الذي يجب أن يتأسس - كما قال الرئيس الروسي سابقاً - على قاعدة الإقرار بالتغييرات الميدانية التي وقعت خلال سنتين، بما يضمن الاعتراف الغربي بضم شبه جزيرة القرم والمناطق الأربع التي ضمتها روسيا خلال عام 2022.

تشكل هذه القاعدة التي تنطلق منها موسكو سبباً وجيهاً للتوقعات المتشائمة حول فرص إحراز تقدم، تضاف إلى الشكوك المحيطة بقدرة ترمب الفعلية على تجاوز كل العقبات والضغوط الداخلية والانطلاق نحو تقديم تنازلات مهمّة للروس.

يرى خبراء روس أن ترمب لن ينجح في قلب الموازين الداخلية،

لصالح إطلاق تغييرات جذرية في السياسة الخارجية الأميركية

التداعيات على أوكرانيا

كيف يتأثر الوضع في أوكرانيا؟

في هذا الإطار، وضع أحد أبرز خبراء السياسة في «المجلس الروسي للسياسة والأمن»، وهو مؤسسة مرموقة ومقربة من الكرملين، التصور التالي لشكل العلاقة مع ترمب في ملفات رئيسة:

بدايةً، في أوكرانيا ستفشل محاولة ترمب للتوصل إلى وقف إطلاق النار على طول خط التماس. وذلك لأن المخططات الأميركية لـ«وقف الحرب» تتجاهل تماماً المصالح الأمنية الروسية، كما تتجاهل الأسباب التي أدت أولاً إلى الأزمة ثم إلى الصراع العسكري واسع النطاق في أوكرانيا.

في المقابل، لن تقبل واشنطن الشروط الروسية لبدء المفاوضات ومعايير السلام التي أعلن عنها الرئيس فلاديمير بوتين في يونيو (حزيران) الماضي؛ لأنها تعني في الواقع استسلام كييف وهزيمة استراتيجية للغرب. وخلافاً لتوقعات التهدئة، فإن ترمب «المهان»، رداً على رفض خطته، سيعلن دعمه لأوكرانيا ويجمع حزمة أخرى من العقوبات على موسكو. لكنه في الوقت نفسه، سيمتنع عن التصعيد الجدي للصراع؛ كي لا يستفز روسيا ويدفعها إلى ضرب أراضي دول «ناتو»، بما في ذلك القواعد الأميركية الموجودة هناك. ومع هذا، ورغم غطاء الخطاب القاسي المعادي لروسيا، فإن المساعدات الأميركية لنظام كييف ستنخفض، وسيتعيّن على الأوروبيين تغطية العجز الناتج من ذلك. ومن حيث المبدأ، فإن الاتحاد الأوروبي مستعدٌ لذلك، وبالتالي لن يكون هناك خفض كبير في الدعم المادي لأوكرانيا من الغرب في العام الجديد على الأقل.

إلى جانب ذلك، قد تحاول واشنطن، وفقاً للخبير البارز، بدعم من بريطانيا وحلفاء آخرين، تعزيز الموقف السياسي الداخلي لنظام كييف من خلال المطالبة بإجراء انتخابات في أوكرانيا، وبالتالي استبدال فولوديمير زيلينسكي وفريقه المكروهين بشكل متزايد بمجموعة أخرى بقيادة رئيس الأركان السابق فاليري زالوجني. لكن التأثير السياسي المحلي لمثل هذا الاستبدال سيكون قصير الأجل.

العلاقة مع أوروبا

أيضاً، يرى خبراء روس أن ترمب لن ينجح في قلب الموازين الداخلية، لصالح إطلاق تغييرات جذرية في السياسة الخارجية الأميركية. وهذا يعني أنه لن يحقق وعوده حيال علاقة الولايات المتحدة مع «ناتو»، وبدلاً من ذلك، سيرفع السعر الذي يتوجب على الأوروبيين دفعه للانضمام إلى التكتل.

ووفقاً لبعض الخبراء، سيكون لزاماً على الأوروبيين، الذين كانوا يخشون عودة ترمب، أن يقسموا يمين الولاء له. وبالتالي، «لن تكون هناك معارضة ضد ترمب بأي شكل من الأشكال؛ لأن دول الاتحاد الأوروبي تحتاج إلى أميركا زعيمةً: ليس فقط حاميةً عسكريةً، بل وأيضاً زعيمةً سياسيةً ــ لا تقل عن حاجتها إلى روسيا باعتبارها «تهديداً مباشراً على الأبواب».

بهذا المعنى، تتطابق آراء الخبراء في مسألة أن «العداء لروسيا سيظل العامل الحاسم في توحيد أوروبا في عام 2025».

ويضيف بعضهم القناعة بأنه خلافاً للفكرة الرائجة بأن الأوروبيين متردّدون في مواجهة روسيا، بشكل رئيس بسبب الضغوط الأميركية، فإن الحقيقة أن روسيا، باعتبارها عدواً، تشكل عاملاً قوياً في توحيد النخب الأوروبية ودولها. بمعنى أنه كان لا بد من «اختراع التهديد الروسي»، وتقديم الحرب في أوكرانيا باعتبارها المرحلة الأولى من «الاختطاف الروسي لأوروبا».

في السياق ذاته، ينظر إلى الانتخابات المقبلة في ألمانيا، بأنها ستحمل إلى السلطة ائتلافاً جديداً، سيعمل أيضاً على تشديد السياسة تجاه موسكو. ولكن في الوقت نفسه، من غير المرجح إرسال قوات أوروبية إلى أوكرانيا بناءً على دعوة من فرنسا، لأن أوروبا تنظر إلى خطر الصدام العسكري المباشر مع روسيا على أنه مفرط في المخاطرة.

وداخلياً، ينتظر أن تواصل أوروبا الاستعداد بنشاط للحرب مع روسيا - وفقاً لأنماط الحرب الباردة في النصف الثاني من القرن العشرين، لكن على حدود جديدة، تحولت بشكل كبير نحو الشرق. كذلك، سيزداد الإنفاق العسكري للدول، ويتوسع الإنتاج العسكري، وتتحسن البنية التحتية العسكرية، وبخاصة، على الجانب الشرقي لـ«ناتو». وبناءً عليه؛ سيصبح المناخ الاجتماعي والسياسي أكثر صعوبة أيضاً.

وهكذا، بشكل عام، يقول خبراء روس إن عام 2025 عموماً سيكون مليئاً بالصراعات، الممتدة من عهد ولاية الرئيس جو بايدن حول روسيا وفي أوروبا، كما سيكون محفوفاً بالمنعطفات غير المتوقعة والخطيرة.

ومع القناعة بأن الاضطراب الاستراتيجي يتزايد باطراد، فإن نتيجة المعركة من أجل النظام العالمي الجديد ليست مُحددة مسبقاً بأي حال من الأحوال. إذ إن نقطة التوازن الافتراضية في النظام العالمي لا تزال بعيدة كل البعد عن الأفق. وفي هذا الصدد، يرون أن روسيا ستواجه في عهد الإدارة الجديدة تحدّيات جديدة في العديد من المجالات... ولا بد أن تكون مستعدة لها.