تغيير في الحسابات الاستراتيجية الهندية ـ الباكستانية

كشمير وبلوشستان تعودان إلى الواجهة في الحرب الكلامية بين الطرفين النوويين

هندية تربط الراخي أو «الخيط المقدس» على فوهة بندقية جندي هندي من القوات الأمنية على الحدود الدولية بين الهند وباكستان التي تبعد 30 كلم عن جامو عاصمة كشمير الشتوية (إ.ب.أ)
هندية تربط الراخي أو «الخيط المقدس» على فوهة بندقية جندي هندي من القوات الأمنية على الحدود الدولية بين الهند وباكستان التي تبعد 30 كلم عن جامو عاصمة كشمير الشتوية (إ.ب.أ)
TT

تغيير في الحسابات الاستراتيجية الهندية ـ الباكستانية

هندية تربط الراخي أو «الخيط المقدس» على فوهة بندقية جندي هندي من القوات الأمنية على الحدود الدولية بين الهند وباكستان التي تبعد 30 كلم عن جامو عاصمة كشمير الشتوية (إ.ب.أ)
هندية تربط الراخي أو «الخيط المقدس» على فوهة بندقية جندي هندي من القوات الأمنية على الحدود الدولية بين الهند وباكستان التي تبعد 30 كلم عن جامو عاصمة كشمير الشتوية (إ.ب.أ)

يبدو أن العلاقات الهندية - الباكستانية على وشك الدخول في فترة جديدة من التوتر قد تغير الديناميكيات السياسية للمشهد العام بين البلدين، وذلك بعدما أقدم رئيس الوزراء الهندي، ناريندرا مودي، على الحديث عن انتهاكات حقوق الإنسان داخل المناطق الخاضعة للإدارة الباكستانية من بلوشستان وكشمير. وبهذا فقد أصبح مودي أول رئيس وزراء في تاريخ الهند ينتقد باكستان أثناء الخطاب الذي ألقاه احتفالاً بعيد الاستقلال. وقال مودي: «خلال الأيام القليلة الماضية، تلقيت شكرًا من أبناء بلوشستان وغيلغيت والأجزاء التي تحتلها باكستان من كشمير، الأمر الذي يعد تكريمًا لـ1.25 مليار هندي. لقد عاشت هذه المناطق قلاقل ضد الاحتلال الباكستاني وسعت للحصول على دعم الهند».
ذكْر مودي لأقاليم باكستانية، اعتبر رسالة تحذير منه لخصمه النووي في أعقاب تأجيج باكستان للاضطرابات في جامو وكشمير على مدار الأسابيع القليلة الماضية. في المقابل، كرس رئيس الوزراء الباكستاني، نواز شريف، الجزء الأكبر من الخطاب الذي ألقاه خلال احتفالات عيد الاستقلال الباكستاني، في 14 أغسطس (آب) الحالي، للحديث عن «تحرر كشمير» من قبضة الحكم الهندي.
من جانبها، أصرت نيودلهي على أن القلاقل يجري تأجيجها من الجانب الآخر من الحدود. لكن ما هي قصة بلوشستان؟
في الواقع، مرت بلوشستان بتاريخ مشابه لكشمير. في كشمير، تردد حاكمها وقت تقسيم الهند عام 1947، إزاء توقيع معاهدة الانضمام إلى الهند، مفضلاً بقاء كشمير دولة مستقلة، حتى أقدمت باكستان على غزو كشمير، ثم وقع المهراجا معاهدة الانضمام إلى الهند.
وبالمثل، عام 1974 أبدى خان قلات، حاكم بلوشستان، تردده حيال توقيع وثيقة الانضمام إلى الهند ذات الأهمية القصوى قانونيًا، مفضلاً بقاء ولايته دولة مستقلة ذات سيادة.
في واقع الأمر، لعب مؤسس باكستان، محمد علي جناح، دورًا محوريًا في ضمان استقلال الولاية. إلا أنه قرر لاحقًا أن يطلب من بلوشستان الانضمام إلى باكستان، الأمر الذي رفضه بشدة خان قلات. وعليه، تحركت القوات الباكستانية إلى داخل الولاية في مارس (آذار) 1948، وسيطرت عليها وتورطت منذ ذلك الحين عدة مرات في استخدام القوة ضد الولاية. وشهد الإقليم اندلاع كثير من الانتفاضات، وتوالت تقارير تشير إلى اختفاء الآلاف منذ بدء الصراع المسلح بالإقليم.
من ناحيتها، تشعر الحكومة الباكستانية بالقلق حيال إقليم بلوشستان على وجه التحديد لسببين رئيسيين؛ أولهما: تعد بلوشستان واحدة من الأقاليم الأربعة الرئيسية داخل باكستان، بجانب أنها الأكبر من حيث المساحة بما تشكله من 44 في المائة من مساحة البلاد، أي ما يقل قليلاً عن نصف مساحة باكستان بأكملها. ثانيًا: شبح إقدام الهند على تأجيج التوترات داخل بلوشستان قد يؤثر سلبًا على مشروع «الممر الاقتصادي الصيني - الباكستاني» البالغة قيمته 46 مليار دولار، الذي يرمي إلى ربط إقليم سنغار في الصين بغوادار في بلوشستان. وحال اندلاع موجة جديدة من أعمال التمرد، فإنها قد تسبب كارثة للمشروع وتثير قلق بكين.
الملاحظ أن تعليقات مودي أثارت بالفعل حرب تصريحات بين الجانبين. على سبيل المثال، قال سارتاج عزيز، مستشار الشؤون الخارجية لرئيس الوزراء الباكستاني، إن تصريحات مودي بخصوص بلوشستان تثبت ادعاءات بلاده بأن «الهند تعمد إلى تأجيج الإرهاب في الإقليم من خلال وكالتها الاستخباراتية».
وعادة ما تلقي إسلام آباد باللوم على الهند عن الهجمات الإرهابية التي تقع في بلوشستان، بما في ذلك آخرها الذي استهدف مستشفى كويته، وأسفر عن مقتل قرابة 100 شخص. كما أنها اتهمت نيو دلهي بالتعاون مع كابل وطهران لزعزعة استقرار بلوشستان. وكانت آخر الاتهامات الباكستانية أن نيو دلهي وواشنطن تشعلان نار الإرهاب في بلوشستان، لتقويض المشروعات الاقتصادية الصينية.
أخيرًا، ألقت باكستان القبض على جاسوس هندي مزعوم، ضابط بحري يدعى قلبهوشان جادهاف، لتآمره لإجراء «نشاطات تخريبية» في البلاد. ورفضت باكستان طلبًا هنديًا بمقابلة أفراد من القنصلية الهندية مع الجاسوس المزعوم للاستخبارات الهندية.
منذ تأسيسهما لم يرتبط الغريمان النوويان، اللذان خاضا 4 حروب حول كشمير، بعلاقات طيبة. وعند بداية فترة ولايته رئيسًا للوزراء عام 2014، اتخذ مودي عدة خطوات تكشف عن توجه يميل إلى التسوية والمصالحة تجاه باكستان. في ديسمبر (كانون الأول) من العام الماضي، بدا أن البلدين قطعا شوطًا كبيرًا على طريق التقارب عندما وافقت الحكومتان على إقامة «حوار ثنائي شامل» للتوصل إلى حلول للقضايا العالقة بين البلدين. وتحقق جزء كبير من هذا التعاون خلال اجتماع بين مستشارين للأمن الوطني من الهند وباكستان في بانكوك، حيث ناقشوا مجموعة متنوعة من القضايا، منها السلام والأمن والإرهاب وجامو وكشمير. خلال الشهر ذاته، توجه مودي إلى باكستان في طريق عودته من أفغانستان، في خطوة أذهلت الجميع داخل الهند. ويعتبر مودي أول رئيس وزراء هندي يزور باكستان منذ عام 2004، في إشارة إلى تحسن العلاقات بين البلدين. بيد أنه في أعقاب الهجوم الإرهابي الذي تعرضت له قاعدة جوية هندية في باثانكوت في يناير (كانون الثاني) 2016، تدهورت الصداقة قصيرة العمر بين البلدين بسرعة الصاروخ، وتجلى ذلك في تجميد المحادثات بين الجانبين بعد رفض باكستان السماح لمسؤولين هنود باستجواب زعيم جماعة «جيش محمد»، مسعود أزهر، بخصوص الهجوم. يبقى التساؤل الأكبر الآن: هل ستقدم الهند على إحياء شبكتها الاستخباراتية الواسعة داخل باكستان التي جرى تفكيكها بناءً على أوامر من رئيس الوزراء السابق آي كيه جوراجال بين عامي 1996 و1997، والعمل على تأجيج التمرد داخل بلوشستان، مثلما تفعل باكستان داخل كشمير؟
وهل يعني ذلك شن حرب دبلوماسية من قبل الهند حول بلوشستان في المحافل الدولية، مثلما تفعل باكستان بخصوص كشمير؟
قد يكون أفضل من عبر عن موقف حزب مودي، البرلماني عن حزب بهاراتيا جاناتا، سوابان داسغوبتا، عندما كتب تغريدة عبر موقع «تويتر» يقول فيها: «إذا كانت باكستان غير عابئة بوحدة وسلامة أراضي الهند، فلماذا نبقي على اهتمامنا نحن بوحدتها وسلامة أراضيها؟».
يمكن النظر إلى موقف مودي الحاد بخصوص بلوشستان باعتباره يمثل تحولاً في ديناميكيات العلاقات الهندية - الباكستانية. ويرى محللون أن هذا التحول لافت للغاية بالنسبة للهند التي حرصت دومًا على تجنب التورط في القلاقل داخل الإقليم الباكستاني. من ناحيته، أعرب شيام ساران، وزير الخارجية الهندي السابق، عن اعتقاده بأن تصريحات مودي ترمي لتغيير الحسابات الاستراتيجية، مستطردًا: «لكن إلى أي مدى سنمضي؟.. أعتقد أن هذا التساؤل لم ينل حظه من الدراسة». أما السفير السابق لدى باكستان، جي. بارثاساري، فيرى أن مثل هذه الإشارة إلى بلوشستان كان ينبغي صدورها منذ فترة بعيدة، في الوقت الذي كانت فيه باكستان ماضية في أجندتها في كشمير لعقود.



«كايسيد»: نستثمر في مستقبل أكثر سلاماً

الدكتور زهير الحارثي أمين عام المركز خلال الحفل (كايسيد)
الدكتور زهير الحارثي أمين عام المركز خلال الحفل (كايسيد)
TT

«كايسيد»: نستثمر في مستقبل أكثر سلاماً

الدكتور زهير الحارثي أمين عام المركز خلال الحفل (كايسيد)
الدكتور زهير الحارثي أمين عام المركز خلال الحفل (كايسيد)

أكد الدكتور زهير الحارثي، أمين عام مركز الملك عبد الله العالمي للحوار «كايسيد»، أن برامجهم النوعية تستثمر في مستقبل أكثر سلاماً بجمعها شخصيات دينية وثقافية لتعزيز الحوار والتفاهم وسط عالم يعاني من الانقسامات.

واحتفى المركز بتخريج دفعة جديدة من برنامج «الزمالة» من مختلف المجموعات الدولية والعربية والأفريقية في مدينة لشبونة البرتغالية، بحضور جمع من السفراء والممثلين الدبلوماسيين المعتمدين لدى جمهورية البرتغال.

وعدّ الحارثي، البرنامج، «منصة فريدة تجمع قادة من خلفيات دينية وثقافية متنوعة لتعزيز الحوار والتفاهم، وهو ليس مجرد رحلة تدريبية، بل هو استثمار في مستقبل أكثر سلاماً»، مبيناً أن منسوبيه «يمثلون الأمل في عالم يعاني من الانقسامات، ويثبتون أن الحوار يمكن أن يكون الوسيلة الأقوى لتجاوز التحديات، وتعزيز التفاهم بين المجتمعات».

جانب من حفل تخريج دفعة 2024 من برنامج «الزمالة الدولية» في لشبونة (كايسيد)

وجدَّد التزام «كايسيد» بدعم خريجيه لضمان استدامة تأثيرهم الإيجابي، مشيراً إلى أن «البرنامج يُزوّد القادة الشباب من مختلف دول العالم بالمعارف والمهارات التي يحتاجونها لبناء مجتمعات أكثر شموليةً وتسامحاً».

وأضاف الحارثي: «تخريج دفعة 2024 ليس نهاية الرحلة، بل بداية جديدة لخريجين عازمين على إحداث تغيير ملموس في مجتمعاتهم والعالم»، منوهاً بأن «الحوار ليس مجرد وسيلة للتواصل، بل هو أساس لبناء مستقبل أكثر وحدة وسلاماً، وخريجونا هم سفراء التغيير، وسنواصل دعمهم لتحقيق رؤيتهم».

بدورها، قالت ويندي فيليبس، إحدى خريجات البرنامج من كندا، «(كايسيد) لم يمنحني فقط منصة للتعلم، بل فتح أمامي آفاقاً جديدة للعمل من أجل بناء عالم أكثر عدلاً وسلاماً»، مضيفة: «لقد أصبحت مستعدة لمواجهة التحديات بدعم من شبكة متميزة من القادة».

الدكتور زهير الحارثي يتوسط خريجي «برنامج الزمالة الدولية» (كايسيد)

وحظي البرنامج، الذي يُمثل رؤية «كايسيد» لبناء جسور الحوار بين أتباع الأديان والثقافات، وتعزيز التفاهم بين الشعوب؛ إشادة من الحضور الدولي للحفل، الذين أكدوا أن الحوار هو الوسيلة المُثلى لتحقيق مستقبل أفضل للمجتمعات وأكثر شمولية.

يشار إلى أن تدريب خريجي «برنامج الزمالة الدولية» امتد عاماً كاملاً على ثلاث مراحل، شملت سان خوسيه الكوستاريكية، التي ركزت على تعزيز مبادئ الحوار عبر زيارات ميدانية لأماكن دينية متعددة، ثم ساو باولو البرازيلية وبانكوك التايلاندية، إذ تدربوا على «كيفية تصميم برامج حوار مستدامة وتطبيقها»، فيما اختُتمت بلشبونة، إذ طوّروا فيها استراتيجيات لضمان استدامة مشاريعهم وتأثيرها الإيجابي.