لم تمر ساعات على تكذيب رئيس البرلمان الإيراني علي لاريجاني أمس مغادرة الطائرات الروسية قاعدة همدان الجوية واستمرار انطلاقها من الأراضي الإيرانية لقصف سوريا، حتى نفى أمين عام المجلس الأعلى للأمن القومي الأدميرال علي شمخاني التصريحات، مؤكدا صحة ما أعلنته كل من طهران وموسكو، أول من أمس.
وعلى خلاف إعلان الخارجية الإيرانية، بشأن «وقف انطلاق الضربات الجوية الروسية من قاعدة همدان في الوقت الراهن»، قال علي لاريجاني إن الطلعات الروسية من إيران «لم تتوقف»، مضيفا أن «الحلف الإيراني الروسي في مكافحة الإرهاب لصالح المسلمين». وجاء ذلك ضمن رد لاريجاني خلال جلسة صباح أمس على طلب للبرلمانيين بشأن اجتماع مغلق لبحث ملابسات الوجود العسكري الروسي.
هذا ودخلت طهران في دوامة من التصريحات المتباينة والغامضة منذ تسريب صور وجود القاذفات الروسية في قاعدة همدان، التي نشرت صور لها لأول مرة في وسائل الإعلام، أخيرا، نظرا للرقابة المشددة التي تفرضها أجهزة المخابرات على المراكز العسكرية الحساسة.
واتسع الجدل بين كبار المسؤولين الإيرانيين، خاصة أن إعلان الخارجية الإيرانية بشأن تجميد الوجود الروسي بعد يومين من مؤتمر وزير الدفاع الذي قال إنه سيسمح لروسيا بالاستقرار في قاعدة همدان «للفترة الزمنية التي تحتاجها». وكان رئيس لجنة السياسة الخارجية والأمن القومي في البرلمان علاء الدين بروجردي قد ذكر أن روسيا «تستخدم القاعدة الجوية منذ فترة طويلة لكن تم الإعلان عنه مؤخرا بتفاهم إيراني روسي».
وشدد لاريجاني في تصريحات سابقة له حول طبيعة الوجود الروسي في ثاني أكبر قاعدة جوية في إيران، موضحا أن بلاده «لم تمنح قاعدة عسكرية لأي بلد أجنبي وأنه كان أمرا مؤقتا استخدمته الطائرات الروسية من أجل التزود بالوقود ومن أجل ذلك لم يكن بحاجة إلى إذن من البرلمان»، وذلك حسبما أورد عنه موقع البرلمان الرسمي «خانه ملت».
وحاول لاريجاني تخفيف وطأة تصريحات وزير الدفاع الإيراني حسين دهقان، السبت الماضي، عندما قلل من أهمية المواقف البرلمانية، بقوله إن القرار جاء من أعلى الجهات في النظام. بهذا الصدد استند لاريجاني على كلام قادة إيران في أن «بيت الشعب على رأس الأمور»، وقال إنه «من الضروري تحذير وزير الدفاع بأن لا يتفوه بكلام ضد البرلمان وعليه أن يأخذ آداب الحكم بعين الاعتبار» مطالبا من وصفهم بالأصدقاء «باحترام بنية النظام وسلسلة مراتبه».
السبت الماضي، رد دهقان على نقاش شهده البرلمان حول الوجود العسكري الروسي في إيران، بقوله إنه «لا شأن للبرلمان» في استخدام الطائرات الروسية وأنه جاء في «سياق التعاون الثلاثي الإيراني الروسي السوري وقرار المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني والنظام». في نفس الوقت شدد لاريجاني على أن إيران «لم تمنح روسيا قاعدة جوية» وأصر كغيره من المسؤولين على كلمة «الاستخدام»، الأمر الذي أثار استغراب المراقبين الإيرانيين في الأيام الأخيرة. ومع ذلك وعد البرلمانيين بدراسة طلب اجتماع مغلق. وكان 20 برلمانيا طالبوا باجتماع مغلق لمعرفة الأسباب التي أدت إلى منح قاعدة جوية لإحدى القوى العالمية. وقال عضو البرلمان محمود صادقي إنه «ليس احتجاجا إنما نريد الاطلاع على ما يجري من أجل مزيد من التناغم والانسجام». وأضاف أن الحديث عن احتمال عودة الروس لقاعدة همدان يبقي طلب البرلمانيين لاجتماع مغلق، قائما.
ولم تمض سوى ساعات على تكذيب خروج الروس من إيران، حتى جاء رد شمخاني أمس خلال تصريحات للقناة الرسمية الأولى، موضحا أن الطائرات الروسية «لم تعد في إيران.. لم يكن من المقرر بقاؤها»، وأكد شمخاني أنها غادرت قاعدة همدان الخميس الماضي إلى موسكو بعد «الانتهاء من مهام» في سوريا. يشار إلى أنها المرة الأولى التي تشهد تصريحات متناقضة بشكل لافت بين مسؤولين كبار يرأسون مراكز حساسة في النظام الإيراني، مما يشير إلى صحة الخلافات والانقسام بين جناحين في السلطة الإيرانية وفق فريق من المحللين. يتمثل الأول بالجناح الأكثر تأثيرا في صنع القرار الإيراني في سوريا فيلق «القدس» وقادة الحرس الثوري على رأسهم قاسم سليماني الذي يحظى بدعم المرشد الأعلى على خامنئي ورئيس البرلمان علي لاريجاني الذي يعتبر من المقربين له، وفي المقابل حكومة روحاني ووزير الخارجية وتيار من الحرس الثوري يوصف بالمعتدل يمثلهم وزير الدفاع حسين دهقان. ويقف وسط التيارين علي شمخاني ممثل خامنئي في المجلس الأعلى للأمن القومي كعنصر توازن، على الرغم من ميوله إلى سياسة روحاني خاصة بعد تعيينه في منصب المنسق السياسي والعسكري بين حلف الثلاثي الإيراني والروسي ونظام الأسد.
الخلافات بين التيارين قبل قضية الطائرات برز في إقالة مساعد وزير الخارجية السابق في الشؤون العربية أمير عبد اللهيان من قبل جماعة روحاني، على الرغم من مقاومة الحرس الثوري وسليماني، الأمر الذي رد عليه لاريجاني بتعيينه عبد اللهيان في منصب المساعد البرلماني الخاص في الشؤون الدولية. وكانت وسائل إعلام الحرس الثوري حاولت الظهور في موقع التفاخر بعد الكشف عن الوجود الروسي في همدان. واعتبرت وكالة «فارس» المنبر الإعلامي الأهم للحرس الثوري، أن الوجود الروسي ترجم الخطة التي تفاهم حولها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وقاسم سليماني لدى زيارة الأخير في الشتاء الماضي إلى موسكو.
في غضون ذلك، كشف شمخاني أن استقرار طائرات روسية في قاعدة تابعة للقوات الجوية جاء بطلب من «المستشارين الإيرانيين لتوفير دعم لوجستي وغطاء جوي في معركة حلب»، معتبرا إياه دليلا على «قوة وليس تبعية» إيران. وكان شمخاني أول مسؤول عسكري رفيع يعلق على الموضوع من الجانب الإيراني، بعد إعلان تداول وسائل الإعلام صورا عن استقرار القاذفات الروسية الأسبوع الماضي. ونفى شمخاني وجود انقسام كبير بين المسؤولين الإيرانيين بشأن التعاون العسكري مع روسيا، قائلا إن «التأخير والمأزق في اتخاذ القرار في هيكل النظام الإيراني جرت إزالته منذ فترة طويلة»، وتابع أن النظام يتخذ «قرارات تتناسب مع ضمان المصالح القومية».
في السياق أوضح شمخاني أن إيران «جذبت روسيا القوية إلى جانبها لدعم العملية العسكرية» التي تديرها قواتها في الأراضي السورية، معتبرا ذلك من النقاط «الإيجابية في تاريخ إيران».
وأثار تضارب مواقف المسؤولين الإيرانيين عقب الكشف عن الوجود الروسي في قاعدة همدان الجوية الشكوك حول التحالف الإيراني الروسي العسكري في سوريا. وكانت انتقادات وزير الدفاع الإيراني حسين دهقان عززت تلك الشكوك خاصة في ظل تباين واضح بين ما أدلى به السبت الماضي في مؤتمر صحافي وانتقاداته المفاجئة إلى الحليف الروسي، بسبب ما اعتبره «استعراضا» و«عدم لباقة» في إعلان أحادي الجانب لاستخدام قاعدة ومؤشرا على انزعاج طهران من تجاهل «السرية» الأمر الذي عجل بإنهاء «التعاون الاستراتيجي» في همدان. في غضون ذلك وجه وزير الدفاع حسين دهقان رسالة إلى رئيس البرلمان أعرب خلالها عن أسفه حيال «سوء التفاهم» الذي حصل بسبب تصريحاته السبت الماضي، وفي توضيح تصريحاته التي أثارت استياء برلمانيا قال: إنه لم يكن يقصد تضعيف البرلمان.
من جانبها قابلت الخارجية الأميركية إعلان الخارجية الإيرانية بالتشكيك وقالت في بيان صحافي، أول من أمس «إنها اطلعت على تقارير تفيد بأن روسيا أنهت استخدامها لقاعدة جوية إيرانية في تنفيذ ضربات ضد متشددين سوريين، ولكن ليس واضحا ما إذا كان الاستخدام الروسي للقاعدة توقف فعليا».
وذكرت وكالة «رويترز» نقلا عن المتحدث باسم الخارجية الأميركية مارك تونر، أن الولايات المتحدة تراقب عن كثب التعاون بين روسيا وإيران، وأنه «ليس واضحا بالنسبة لنا.. ما إذا كان استخدامها (موسكو) لهذه القاعدة قد توقف بشكل حاسم».
تصريحات إيرانية متباينة حول انطلاق الطائرات الروسية من «همدان»
صراع طهران الخفي يبرز في ملف الوجود العسكري الروسي
تصريحات إيرانية متباينة حول انطلاق الطائرات الروسية من «همدان»
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة