الحشد الشعبي يرهب أهالي الخالدية بعد تحريرها من «داعش»

مئات العائلات تتقدم بدعوى قضائية بحق الميليشيات لخطفها أبناءها وقتلهم

جانب من الدمار الذي حل بمسجد في جزيرة الخالدية من قبل عناصر تابعة للحشد الشعبي («الشرق الأوسط»)
جانب من الدمار الذي حل بمسجد في جزيرة الخالدية من قبل عناصر تابعة للحشد الشعبي («الشرق الأوسط»)
TT

الحشد الشعبي يرهب أهالي الخالدية بعد تحريرها من «داعش»

جانب من الدمار الذي حل بمسجد في جزيرة الخالدية من قبل عناصر تابعة للحشد الشعبي («الشرق الأوسط»)
جانب من الدمار الذي حل بمسجد في جزيرة الخالدية من قبل عناصر تابعة للحشد الشعبي («الشرق الأوسط»)

دعا مجلس محافظة الأنبار، وقادة سياسيون، وأعضاء في البرلمان العراقي، رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي إلى تشكيل لجنة تحقيق لمتابعة ملف الانتهاكات التي تمارسها عناصر تابعة لميليشيا الحشد الشعبي في مدن الأنبار، التي تسببت في مقتل واختطاف الآلاف من أبناء المحافظة، وتدمير وحرق المئات من دور المواطنين في المناطق التي تم تحريرها من سيطرة تنظيم داعش، فضلا عن هدم المساجد ونهب الممتلكات، التي كان آخرها في مدينة الفلوجة، ثم في جزيرة الخالدية، وبالخصوص في منطقة الحامضية.
وقال عضو البرلمان العراقي، النائب عن محافظة الأنبار، أحمد السلماني، في حديث لـ«الشرق الأوسط»، إن «عددا كبيرا من العناصر التابعة لقوات الحشد الشعبي ارتكبت انتهاكات وجرائم في منطقتي جزيرة الخالدية والحامضية، شرقي مدينة الرمادي، في أثناء عملية تحرير جزيرة الخالدية، إذ قامت تلك العناصر الإجرامية بهدم وحرق عشرات المنازل والمدارس والجوامع، بالإضافة لمجمعات الماء في جزيرة الخالدية، كما قامت بهدم أغلب منازل منطقة الحامضية المحررة منذ أكثر من 6 أشهر، وتجريف مساحات واسعة من أراضيها الزراعية، مؤكدين تنفيذ أجندات طائفية انتقامية في مدن الأنبار».
وأضاف السلماني: «إننا نثمن غاليًا دماء الشرفاء من (شهداء) قواتنا الأمنية بكل أصنافها، التي روت أرض الأنبار، في أثناء عمليات التحرير، ونطالب القائد العام للقوات المسلحة والقادة الميدانيين الموجودين في أرض المعركة بمحاسبة هذِه العناصر الإجرامية المندسة، والإيعاز لأفواج الطوارئ من الشرطة المحلية، التي هي بحدود العشرين فوجًا، في منطقتي الحامضية والبوعيثة، وكذلك تجهيز وتسليح أبناء هذِه المناطق الذين تطوعوا للعمل مع الشرطة في وقت سابق، وشكلوا فوج الطوارئ الحادي عشر».
إلى ذلك، أعلن رئيس مجلس محافظة الأنبار، صباح كرحوت، عن نية المجلس رفع شكوى قضائية تقدم بها المئات من العائلات التي تم خطف أبنائها وقتلهم وتعذيبهم، بعد اقتيادهم إلى أماكن مجهولة من قبل فصائل تابعة للميليشيات، وتدمير وحرق مناطق متعددة من مدن الأنبار، من بينها ما حصل خلال اليومين الماضيين في منطقة جزيرة الخالدية، وخصوصا منطقة الحامضية.
وقال كرحوت، في حديث لـ«الشرق الأوسط»، إن «مجلس محافظة الأنبار طالب، من خلال كتاب رسمي، رئيس مجلس الوزراء بتشكيل لجنة تحقيق على الفور لمتابعة ملف حرق الدور وتفجيرها في منطقة الخالدية، وإدانة هذه الجرائم البعيدة كل البعد عن أخلاق العراقيين الشرفاء، وكذا القيادات والقوات الأمنية التي حررت أغلب مناطق الأنبار. ونحن اليوم أمام تحديات صعبة. وعليه، يجب أن يكون هناك توحيد للجهود مع القيادات الأمنية من أجل تحرير بقية مدن الأنبار ومناطقها من سيطرة تنظيم داعش، لا أن نمزق وحدة الصف والنسيج العراقي عن طريق ترك المجال للميليشيات الطائفية بخلق الفتنة بين أبناء الوطن الواحد».
وأضاف كرحوت أن «تلك الجرائم والانتهاكات بحق المدنيين من أبناء الأنبار ومدنها، أفسدت وسوف تصعب من عودة مئات الآلاف من النازحين إلى مناطقهم، بسبب الدمار الذي خلفه سيطرة التنظيم الإرهابي والعمليات العسكرية، إضافة إلى الانتهاكات المتمثلة بحرق وهدم دور المواطنين، ونهب الممتلكات، وتدمير المنشآت الخدمية».
وبعد أكثر من سنتين من سيطرة تنظيم داعش على جزيرة الخالدية، تمكنت القوات الأمنية العراقية بمساندة فاعلة من قبل طائرات التحالف الدولي من تحريرها، واستعادة السيطرة على 90 في المائة من الأراضي التابعة لها، التي تعتبر آخر معاقل التنظيم شرق مدينة الرمادي، وأخطرها على مدن الأنبار على الإطلاق، بسبب ارتباطها بشكل مباشر مع صحراء الأنبار الممتدة مع الشريط الحدودي للعراق مع سوريا، وصولاً إلى مدينة الموصل، المعقل الأكبر لتنظيم داعش في العراق.
ولم تدم فرحة أهالي منطقة الجزيرة طويلاً بالنصر على «داعش»، بعد أن صدموا بحرق وتدمير مناطقهم من قبل عناصر تابعة للميليشيات. وبهذا الصدد، قال الشيخ جبار الدليمي، أحد وجهاء «جزيرة الخالدية»، إن «مناطق جزيرة الخالدية كانت قبل تحريرها من قبل قواتنا الأمنية تعتبر من أهم معاقل تنظيم داعش، وقد سيطر التنظيم عليها في مطلع عام 2014، بعد انسحاب القوات الأمنية منها».
وأضاف الدليمي أن «التنظيم قام بالاستيلاء على منازل الضباط والمنتسبين للأجهزة الأمنية وشيوخ العشائر والمدنيين الرافضين لوجوده وفكره، وبعد ذلك سرق جميع محتوياتها، وقام بحرقها، كما قام بإعدام كثير من شباب الخالدية بأساليب وحشية مختلفة، بعد أن اتهمهم بالتعاون مع القوات الأمنية عندما سيطر على المنطقة».
وتابع الدليمي: «استبشرنا خيرا بسماع انطلاق عملية تحرير جزيرة الخالدية من تنظيم داعش نهاية يوليو (تموز)، ولكننا تفاجأنا بمشاركة قوات الحشد الشعبي في العملية، دون مشاركة مقاتلي عشائر الأنبار، حيث بدأت العمليات العسكرية لتحرير الجزيرة بقصف عنيف لتلك الميليشيات بواسطة الصواريخ وقذائف الهاون، بشكل عشوائي على جميع المناطق في جزيرة الخالدية، رغم وجود مقاومة قليلة جدا لعناصر تنظيم داعش»، مشيرا إلى أن «التنظيم انسحب أمام الحشد الشعبي، عندما دخلوا مناطق جزيرة الخالدية دون معرفة الأسباب، فيما تصاعدت المخاوف من قبل سكان المنطقة بعد أن بدأت عناصر الحشد الشعبي بأعمال انتقامية في مناطق جزيرة الخالدية عقب انسحاب التنظيم منها، حيث أحرقت عشرات المنازل بعد سرقة محتوياتها من الأثاث»، لافتا إلى أن «حجة الحشد الشعبي أن تلك البيوت يوجد فيها إرهابيون، ولكن الحقيقة أن تلك البيوت عائدة لنا، وهي خالية من عناصر تنظيم داعش، ورأينا بأعيننا كيف تقوم عناصر الحشد الشعبي بعمليات حرق لعشرات المنازل في جزيرة الخالدية، وذلك بدافع الكراهية والانتقام من أهالي المنطقة الذين اتهمهم الحشد بأنهم حاضنون لـ(داعش) ومؤيدون له».
من جانبه، أكد رئيس مجلس قضاء الخالدية علي داود وجود عمليات حرق لبعض المنازل في الجزيرة من قبل الحشد الشعبي، مشيرا إلى أن الحشد الشعبي لن يبقى في جزيرة الخالدية طويلاً. وقال داود في حديث لـ«الشرق الأوسط» إن «شهود عيان أكدوا لنا حدوث عمليات حرق وتدمير لمنازل المواطنين في المناطق المحررة من جزيرة الخالدية من قبل عناصر مندسة تابعة للحشد الشعبي، وقمنا على الفور بالاتصال بقيادات الحشد الموجودين هناك، وأكدوا لنا أن تلك المنازل يوجد فيها إرهابيون، وأن قواتهم تقاتل عناصر (داعش) المختبئين بها، وأن تلك المنازل تحترق إثر المواجهات».
وأضاف داود أن «قوات الحشد الشعبي لن تبقى في جزيرة الأنبار طويلاً، وما هي إلا أيام قليلة، فهناك تنسيق على انسحابها من جميع مناطق الجزيرة، واستلام الجيش والشرطة الملف الأمني بمساندة مقاتلي العشائر».
وبين تأكيد عمليات الحرق لمنازل المواطنين في جزيرة الخالدية ونفيها من قبل قيادات الحشد الشعبي، تبقى أعمدة الدخان تتصاعد من عشرات المنازل، الأمر الذي يؤكد حدوث الفعل.
وعادة ما يوجه سياسيون وسكان محليون سنة اتهامات متكررة لعناصر تابعة لقوات «الحشد الشعبي» بارتكاب «انتهاكات» بحق المدنيين السنة في المناطق التي يتم تحريرها من سيطرة تنظيم داعش، وهو ما يقابل بالنفي من قبل الحشد.
وتشكل «جزيرة الخالدية» التي تضم عددا من المناطق الزراعية الجزء الشمالي لقضاء الخالدية، وتضم مناطق البوعبيد والبوبالي والبوشعبان والبوعيثة والمحلامة والبوسودة، وتنبع أهميتها من وقوعها على حافة نهر الفرات من جهة الجنوب، وعلى الطريق الدولي السريع من جهة الشمال.
وقد حررت القوات الأمنية مدينة الرمادي، نهاية العام الماضي، من قبضة التنظيم، فيما بقيت بعض المناطق المحيطة بها خاضعة لسيطرته، وتواصل القوات العراقية حملة عسكرية واسعة لتحرير تلك المناطق، ولطرد مسلحي التنظيم المتطرف من محافظة الأنبار، وكذلك الزحف شمالاً نحو مدينة الموصل، المعقل الرئيسي لتنظيم داعش في العراق.
ميدانيًا، أعلنت قيادة عمليات الأنبار عن مقتل 700 عنصر من تنظيم داعش منذ بدء العملية العسكرية التي شنتها القوات الأمنية العراقية لاستعادة السيطرة على جزيرة الخالدية، التي تبعد مسافة 23 كيلومترا إلى الشرق من مدينة الرمادي، مركز محافظة الأنبار.
وأكد قائد عمليات الأنبار اللواء الركن إسماعيل المحلاوي، في حديث لـ«الشرق الأوسط»، أن «جزيرة الخالدية قد حررت بالكامل من سيطرة تنظيم داعش، ولم يتبق سوى جيوب قليلة لمسلحي التنظيم في منطقة زوية البوبالي، في أنفاق حفروها في تلك المنطقة، ويتم التعامل معها حاليًا من قبل وحداتنا المسلحة المنتشرة هناك».
وأضاف المحلاوي أن القوات الأمنية تعمل على تمشيط جميع مناطق جزيرة الخالدية، وإعادة انتشار توزيع الوحدات القتالية والعسكرية «بشكل يضمن معالجة أي خرق محتمل، مع الاستعداد للتوجه لاستعادة السيطرة على جزيرة الرمادي خلال الأيام القليلة القادمة». وتابع المحلاوي أن القوات الأمنية من الجيش والشرطة ومقاتلي العشائر والحشد بفئاتها المختلفة «تقاتل في خندق واحد ضد مسلحي التنظيم»، وأن هناك «دعما كبيرا من طيران التحالف الدولي وطيران الجيش لقصف نقاط تجمعهم في جزيرة الرمادي والمناطق الغربية».



الخارجية الفلسطينية ترحب بموافقة الأمم المتحدة على تمديد ولاية «الأونروا»

رجل يعلق علماً فلسطينياً على هوائي في مبنى شبه مدمّر كان يضم عيادة لـ«الأونروا» في مخيم جباليا بغزة (أ.ف.ب)
رجل يعلق علماً فلسطينياً على هوائي في مبنى شبه مدمّر كان يضم عيادة لـ«الأونروا» في مخيم جباليا بغزة (أ.ف.ب)
TT

الخارجية الفلسطينية ترحب بموافقة الأمم المتحدة على تمديد ولاية «الأونروا»

رجل يعلق علماً فلسطينياً على هوائي في مبنى شبه مدمّر كان يضم عيادة لـ«الأونروا» في مخيم جباليا بغزة (أ.ف.ب)
رجل يعلق علماً فلسطينياً على هوائي في مبنى شبه مدمّر كان يضم عيادة لـ«الأونروا» في مخيم جباليا بغزة (أ.ف.ب)

رحبت وزارة الخارجية الفلسطينية، الجمعة، بتبني الجمعية العامة بأغلبية ساحقة خمسة قرارات لصالح الشعب الفلسطيني، من بينها تجديد ولاية وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين «الأونروا».

وقالت الوزارة، في بيان، إن هذه القرارات «تعكس تضامناً واسعاً من جميع أنحاء العالم مع الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة، وتمثل إقراراً بمسؤولية المجتمع الدولي في دعم الاحتياجات السياسية والإنسانية، بما فيها حق لاجئي فلسطين».

وأضافت أن هذا التضامن يؤكد دعم العالم لوكالة «الأونروا» سياسياً ومالياً، ولحماية حقوق اللاجئين وممتلكاتهم وإدانة الاستيطان الإسرائيلي.

وأشارت الخارجية الفلسطينية إلى أن هذا التصويت «تعبير إضافي عن رفض المجتمع الدولي للضم والاستيطان والتهجير القسري والعقاب الجماعي والتدمير الواسع للبنية التحتية في الأرض الفلسطينية المحتلة، والإبادة في قطاع غزة».


حديث ترمب عن تعديل المرحلة الثانية... هل يُفعل «البند 17» بـ«اتفاق غزة»؟

يملأ فلسطينيون حاوياتهم بالمياه في مخيم النصيرات للنازحين الفلسطينيين وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)
يملأ فلسطينيون حاوياتهم بالمياه في مخيم النصيرات للنازحين الفلسطينيين وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)
TT

حديث ترمب عن تعديل المرحلة الثانية... هل يُفعل «البند 17» بـ«اتفاق غزة»؟

يملأ فلسطينيون حاوياتهم بالمياه في مخيم النصيرات للنازحين الفلسطينيين وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)
يملأ فلسطينيون حاوياتهم بالمياه في مخيم النصيرات للنازحين الفلسطينيين وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)

حديث عابر للرئيس الأميركي دونالد ترمب عن «تعديل المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة» دون أن يوضح تفاصيل ذلك التعديل، أثار تساؤلات بشأن تنفيذ ذلك.

هذا الحديث الغامض من ترمب، يفسره خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط» بأنه سيكون تغييراً في تنفيذ بنود الاتفاق، فبدلاً من الذهاب لانسحاب إسرائيلي من القطاع الذي يسيطر فيه على نسبة 55 في المائة، ونزع سلاح «حماس»، سيتم الذهاب إلى «البند 17» المعني بتطبيق منفرد لخطة السلام دون النظر لترتيباتها، وتوقعوا أن «المرحلة الثانية لن يتم الوصول إليها بسهولة في ظل عدم إنهاء ملفات عديدة أهمها تشكيل مجلس السلام ولجنة إدارة غزة ونشر قوات الاستقرار».

و«البند 17» في اتفاق وقف إطلاق النار بغزة الذي دخل حيز التنفيذ في 10 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، ينص على أنه «في حال أخّرت (حماس) أو رفضت هذا المقترح، فإنّ العناصر المذكورة أعلاه، بما في ذلك عملية المساعدات الموسّعة، ستنفّذ في المناطق الخالية من الإرهاب التي يسلّمها الجيش الإسرائيلي إلى قوة الاستقرار الدولية».

و«وثيقة السلام» التي وُقعت في أكتوبر الماضي بين «حماس» وإسرائيل تناولت فقط النقاط المتعلقة بما يسمى «المرحلة الأولى»، وتشمل الهدنة الأولية وانسحاب قوات الجيش الإسرائيلي، وشروط تبادل الأسرى والمحتجزين، وتسهيل دخول المساعدات الإنسانية، فيما لم يتم التوصل إلى اتفاق رسمي بشأن «المرحلة الثانية» المتعلقة بإدارة غزة بعد الحرب.

وأعلن ترمب في تصريحات نقلت، الخميس، أن المرحلة الثانية من خطته للسلام في غزة «ستخضع للتعديل قريباً جداً»، وسط تصاعد القلق من تعثرها وعدم إحرازها تقدماً ملموساً في التنفيذ، دون توضيح ماهية تلك التعديلات.

المحلل في الشأن الإسرائيلي بمركز «الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية»، الدكتور سعيد عكاشة، يرى أن التعديل الذي يمكن أن يرتكز عليه ترمب للحيلولة دون انهيار الاتفاق كما يعتقد هو اللجوء لـ«البند 17» الذي يرسخ لتقسيم غزة، لغزة قديمة وجديدة، وهذا ما كان يطرحه المبعوث الأميركي، ستيف ويتكوف الشهر الماضي في عدد من لقاءاته.

وأشار إلى أن هذا التعديل هو المتاح خاصة أن الاتفاق أقر في مجلس الأمن الشهر الماضي، ويمكن أن يعاد تفعيل ذلك البند تحت ذرائع عدم استجابة «حماس» لنزع السلاح أو ما شابه، متوقعاً أن يقود هذا الوضع لحالة لا سلم ولا حرب حال تم ذلك التعديل.

رد فعل فلسطينية على مقتل أحد أقربائها في غارة إسرائيلية بخان يونس (أ.ف.ب)

ويرجح المحلل السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، أنه في ظل عدم توضيح ماهية تعديلات ترمب بشأن المرحلة الثانية، فإن «هناك مخاوف من ترسيخ تقسيم غزة يمكن أن نراها في التعديل مع رغبة إسرائيلية في استمرار بقائها في القطاع، تطبيقاً لما يتداول بأن هذا غزة جديدة وأخرى قديمة».

ووسط ذلك الغموض بشأن التعديل، أفاد موقع «أكسيوس» بأن ترمب يعتزم إعلان انتقال عملية السلام في غزة إلى مرحلتها الثانية، والكشف عن هيكل الحكم الجديد في القطاع قبل 25 ديسمبر (كانون الأول) الجاري. ونقل الموقع، الخميس، عن مسؤولَين أميركيين قولهما إن «تشكيل القوة الدولية وهيكل الحكم الجديد لغزة في مراحله الأخيرة»، متوقعين أن يعقد الرئيس الأميركي اجتماعاً مع رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو قبل نهاية ديسمبر الجاري لمناقشة هذه الخطوات.

غير أن الرقب يرى أن المرحلة الثانية أمامها عقبات تتمثل في «عدم تشكيل مجلس السلام وحكومة التكنوقراط، وعدم تشكيل الشرطة التي ستتولى مهامها وقوة الاستقرار، وأن أي تحركات لن ترى النور قبل يناير (كانون الثاني) المقبل».

ولا يرى عكاشة في المستقبل القريب سوى اتساع احتلال إسرائيل للمناطق التي تقع تحت سيطرتها في القطاع لتصل إلى 60 في المائة مع استمرار تعثر تنفيذ الاتفاق دون تصعيد كبير على نحو ما يحدث في جنوب لبنان من جانب إسرائيل.

فلسطينيون يسيرون أمام الخيام الممتدة على طول الشوارع وسط أنقاض المباني المدمرة في جباليا (أ.ف.ب)

وقبل أيام، تحدثت صحيفة «يديعوت أحرونوت» عن أن هناك خطة إسرائيلية لإعادة توطين نحو مليوني فلسطيني في مناطق جديدة خاضعة لإسرائيل شرق الخط الأصفر، وتفريغ المناطق الخاضعة لسيطرة «حماس» من المدنيين بالكامل، وملاحقة عناصر حركة «حماس» في هذه المناطق تدريجياً. كما نقلت صحيفة «تلغراف» البريطانية، عن دبلوماسيين غربيين أن الخطة الأميركية بشأن غزة تنطوي على خطر تقسيم القطاع إلى جزأين للأبد، ما يؤسّس لوجود قوات الاحتلال بشكل دائم في القطاع المنكوب.

وقبل نحو أسبوع، أكد وزير الخارجية المصري، بدر عبد العاطي، في لقاء ببرشلونة مع الممثلة العليا للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية للاتحاد الأوروبي، كايا كالاس، على وحدة الأراضي الفلسطينية بين الضفة الغربية وقطاع غزة ورفض مصر أي إجراءات من شأنها تكريس الانفصال بين الضفة الغربية وغزة أو تقويض فرص حل الدولتين على الأرض.

وأعاد عبد العاطي، التأكيد على ذلك في تصريحات، الأربعاء، قائلاً إنه «لا مجال للحديث عن تقسيم غزة، فغزة هي وحدة إقليمية متكاملة، وجزء لا يتجزأ من الدولة الفلسطينية القادمة، جنباً إلى جنب مع الضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية، وهذه هي قرارات الشرعية الدولية وبالتأكيد يتعين الالتزام بذلك»، مؤكداً أنه إلى الآن يجرى التشاور بشأن لجنة إدارة قطاع غزة مع الأطراف المعنية، حتى تتولى هذه اللجنة الإدارية من التكنوقراط مهام العمل على الأرض. وأشار عكاشة إلى أن الجهود المصرية ستتواصل لمنع حدوث تقسيم في قطاع غزة أو حدوث تعديل يؤثر على الاتفاق، لافتاً إلى أن السيناريوهات مفتوحة بشأن التطورات المرتبطة بخطة ترمب.


«المعاقون» في صنعاء... فئة منسيّة تحت مقصلة الحرمان

معاقون في صنعاء أخضعهم الحوثيون للمشاركة في فعالية طائفية (فيسبوك)
معاقون في صنعاء أخضعهم الحوثيون للمشاركة في فعالية طائفية (فيسبوك)
TT

«المعاقون» في صنعاء... فئة منسيّة تحت مقصلة الحرمان

معاقون في صنعاء أخضعهم الحوثيون للمشاركة في فعالية طائفية (فيسبوك)
معاقون في صنعاء أخضعهم الحوثيون للمشاركة في فعالية طائفية (فيسبوك)

تتفاقم معاناة الآلاف من ذوي الإعاقة في العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء، في ظل انهيار شبه كامل لمنظومة الرعاية الاجتماعية، واتهامات مباشرة للجماعة الحوثية بتحويل الموارد المخصصة لهذه الفئة إلى قنوات تخدم مشروعها العسكري والآيديولوجي.

ومع استمرار انقطاع البرامج الحكومية والدعم الدولي، يجد المعاقون أنفسهم أمام واقع قاسٍ تتضاعف فيه الاحتياجات وتتراجع فيه فرص العلاج والرعاية.

مصادر محلية أكدت لـ«الشرق الأوسط» أن الجماعة الحوثية كثفت خلال الأسابيع الأخيرة من ممارساتها التي تستهدف ذوي الإعاقة في صنعاء ومدن أخرى تحت سيطرتها، سواء عبر استغلالهم في فعاليات ومناسبات سياسية، أو من خلال إجبار عشرات الأطفال على حضور دورات تعبئة فكرية تستند إلى خطاب طائفي، في مخالفة صريحة لأبسط قواعد الرعاية الإنسانية.

وتشير المصادر إلى أن ما تبقى من المراكز والمنشآت المتخصصة التي كانت تقدم خدمات طبية وتأهيلية للمعاقين، تحوّل إلى أماكن شبه مهجورة بعد إغلاقات تعسفية ووقف شبه تام للبرامج الفنية والدعم الخارجي، نتيجة استحواذ الجماعة على المخصصات والموارد المالية.

مبنى «صندوق رعاية وتأهيل المعاقين» الخاضع للحوثيين في صنعاء (إكس)

وكشف سكان في صنعاء أن مئات المعاقين فقدوا مصادر دخلهم المحدودة. ومع غياب برامج الدعم، اضطرت كثير من الأسر إلى إرسال أبنائها من ذوي الإعاقة إلى شوارع المدينة، بحثاً عن أي مساعدة تساهم في تغطية احتياجاتهم الغذائية أو تكاليف العلاج باهظة الثمن.

وتؤكد أسرة تقيم في ضواحي صنعاء أن اثنين من أبنائها من ذوي الإعاقة لم يعودا قادرين على تلقي جلسات العلاج الطبيعي أو الحصول على أجهزة طبية مساعدة، مثل الأطراف الصناعية أو السماعات، بعد ارتفاع أسعارها وغياب الدعم المخصص لهم من «صندوق رعاية وتأهيل المعاقين» الخاضع لسيطرة الحوثيين.

وتضيف الأسرة أن الصندوق ـ الذي كان يعد المتنفس الوحيد لهذه الفئة ـ توقف عن تقديم معظم خدماته التعليمية والتأهيلية، مما أدى إلى حرمان مئات الأطفال من ذوي الإعاقة من حقهم في التعليم المتخصص.

ضحايا بلا رعاية

تقدّر مصادر يمنية حقوقية أن عدد ذوي الإعاقة في صنعاء وبقية مناطق سيطرة الحوثيين يتجاوز 4.5 مليون معاق، بينهم مصابون بإعاقات خلقية، وآخرون نتيجة الحرب التي أشعلتها الجماعة منذ انقلابها. وتؤكد التقديرات أن أكثر من 70 في المائة منهم محرومون من الحصول على أهم الاحتياجات الأساسية، وعلى رأسها الكراسي المتحركة، والأجهزة التعويضية، وجلسات العلاج الطبيعي، وبرامج التأهيل المهني.

جانب من زيارة قيادات حوثية لـ«صندوق رعاية وتأهيل المعاقين» في صنعاء (إعلام حوثي)

وأكد عاملون في «صندوق رعاية وتأهيل المعاقين» بصنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن هناك تراجعاً حاداً في الخدمات المقدمة، مشيرين إلى أن الصندوق يستقبل شهرياً نحو 800 حالة جديدة، معظمها تحتاج إلى رعاية طويلة المدى لا يستطيع الصندوق تلبيتها حالياً. وقالوا إن سيطرة الحوثيين على موارد الصندوق وقراراته أدت إلى إيقاف عشرات المراكز وتجميد برامج التأهيل، إضافة إلى تحويل جزء كبير من الدعم لصالح الجرحى والمقاتلين العائدين من الجبهات.

وأشار العاملون إلى أن المساعدات النقدية والأجهزة التعويضية تُمنح بشكل شبه حصري لعناصر الجماعة وجرحاها، في الوقت الذي يُترك فيه آلاف المعاقين المدنيين لمواجهة مصيرهم دون أي دعم.

تعبئة فكرية

وسط هذا الانهيار الإنساني، تواصل الجماعة الحوثية إخضاع عشرات الأطفال من ذوي الإعاقة في صنعاء لدورات فكرية وتعبوية تحت اسم «دورات توعوية»؛ إذ أفادت مصادر مطلعة بأن الجماعة جمعت خلال الأيام الماضية أطفالاً ومراهقين من تسعة مراكز وجمعيات متخصصة، تتراوح أعمارهم بين 10 و18 عاماً، وأخضعتهم لمحاضرات تهدف إلى غرس أفكارها العقائدية.

وتقول المصادر إن هذه هي المرة الثالثة منذ مطلع العام التي يتم فيها إخضاع قاصرين معاقين لمثل هذه الأنشطة، في خطوة أثارت سخطاً واسعاً بين أسر الضحايا، الذين اعتبروا ذلك استغلالاً فجاً لفئة يُفترض حمايتها وتمكينها بدلاً من تجييرها لصالح مشروع سياسي.

ويأتي ذلك بعد زيارة مفاجئة للقيادي الحوثي محمد مفتاح، القائم بأعمال رئيس حكومة الانقلاب، إلى مقر الصندوق، وهي زيارة رأى فيها مراقبون محاولة لشرعنة ممارسات الجماعة لا أكثر.

فتيات معاقات لدى مشاركتهن في برنامج تعبوي نظمه الحوثيون في صنعاء (فيسبوك)

ويحذر مختصون اجتماعيون في صنعاء من أن استمرار الإهمال وغياب برامج الدعم قد يدفعان بمزيد من ذوي الإعاقة إلى دوامة الفقر المدقع، ويعمق من معاناتهم الصحية والإنسانية. ويتهمون الجماعة الحوثية بأنها حولت هذه الفئة من مواطنين يحتاجون إلى رعاية إلى وسيلة للابتزاز السياسي والاستغلال الإعلامي.

ويطالب المختصون المؤسسات الدولية والمانحين بضرورة إعادة تفعيل برامج الدعم والتأهيل وضمان وصول المساعدات إلى مستحقيها بعيداً عن تدخّلات الحوثيين، داعين إلى وضع آلية رقابة مستقلة على البرامج الموجهة لذوي الإعاقة.

ويؤكد المختصون أن إنقاذ هذه الفئة يتطلب جهوداً عاجلة، خصوصاً في ظل الانهيار المتواصل للخدمات الصحية وارتفاع تكاليف العلاج وتوقف التمويل المحلي والدولي عن معظم المراكز.