الديموغرافيا تمنع قيام «كردستان سوريا»

تعدد القوميات والطوائف أبرز العراقيل.. والفيدرالية تمهيد لشكل حكم مستقبلي مقترح

الديموغرافيا تمنع قيام «كردستان سوريا»
TT

الديموغرافيا تمنع قيام «كردستان سوريا»

الديموغرافيا تمنع قيام «كردستان سوريا»

لم تسفر نهاية المهلة التي منحتها «قوات سوريا الديمقراطية» لتنظيم «داعش»، والقاضية بإخلاء مدينة منبج، عن عملية عسكرية تنهي وجود التنظيم في المدينة. كما لم تسمح بربط مناطق نفوذ الأكراد في شرق سوريا بمعقلهم الشمالي في عفرين.. فالعوائق التي تحول دون التقدم العسكري، ليست إلا جزءًا بسيطًا من موانع استراتيجية تحول دون ربط تلك المناطق، ليست أقلها العوائق السياسية الدولية والإقليمية، فضلاً عن العوائق الديموغرافية.
فالأكراد يتشاركون مع عدد من الإثنيات والقوميات والطوائف في شمال شرقي سوريا، الميدان الجغرافي نفسه. هم أكبر خليط من القوميات والطوائف في سوريا، وتتداخل مناطق النفوذ، مما يمنع حكما أن يُطبق نموذج كردستان العراق في سوريا. أما من الناحية السياسية، فإن العوائق الدولية، تمنع قيام كيان مشابه، على ضوء ارتباط معظم أكراد سوريا بحزب العمال الكردستاني الذي تحظره تركيا. وهو ما دفع الأكراد إلى بدائل، تمثلت في المساعي لتطبيق الفيدرالية في شمال سوريا، وقيام نموذج حكم مشترك بين العرب والأكراد والسريان، مثل «الحاكمية المشتركة» في مقاطعة «الجزيرة» أو «عفرين» أو «كوباني».
يجمع الأكراد على أن النظام الفيدرالي، الذي أعلن في مارس (آذار) الماضي بالتزامن مع مفاوضات «جنيف3» التي استبعدوا منها، هو لتنظيم العلاقات بين مكونات مجتمع مناطق شمال سوريا، وأنه «لا يعني أننا سنكون نسخة عن كردستان العراق». أما ضمّ ما كانت تعرف بمناطق «روج آفا» إلى تلك الأخيرة في شمال سوريا، فباتت اليوم مجتمعة تحت اسم «الاتحاد الديمقراطي روج آفا وشمال سوريا»، وهي خطّة كان قد بدأ البحث فيها قبل أربعة أشهر من مفاوضات جنيف، وأعلن عنها بعد اجتماعات ومشاورات مكثفة بين مختلف المكونات في هذه المناطق، بحسب ما واظب كبار المسؤولين الأكراد على تأكيده.
منذ إعلان تلك الخطوة، برزت تغييرات ميدانية تعزز الاعتقاد بأن الهدف من معركة منبج، هو ربط مناطق سيطرة الأكراد بعضها ببعض. لكن الواقع أن مرحلة ما بعد معارك ريف حلب الشرقي، وتحديدًا معركة منبج، تبدو ضبابية بالنسبة للأكراد و«قوات سوريا الديمقراطية». وترى مصادر كردية واسعة الاطلاع أن معركة منبج «لم تدخل مرحلة الحسم بعد»، وأنها «ستطول عسكريًا بالنظر إلى الألغام المزروعة داخل المدينة، والمدنيين الذين يلوذون بالفرار داخلها».
بدأت «قوات سوريا الديمقراطية»، بدعم من التحالف الدولي، هجوما منذ 31 مايو (أيار) الماضي لاستعادة السيطرة على منبج، وتمكنت من محاصرة أكثر من 79 قرية ومزرعة في محيط المدينة، والسيطرة عليها. وأدت محاصرة المدينة، إلى قطع طريق التواصل والإمداد المباشر من جرابلس الحدودية مع تركيا الخاضعة لسيطرة «داعش»، إلى معاقل التنظيم في الباب ودير حافر، وصولاً إلى الرقة. وبعد السيطرة على الطرقات المحيطة بمنبج، يضطر التنظيم لسلوك أكثر من 140 كيلومترًا لنقل إمداداته بين جرابلس والباب، بدلاً من 60 كيلومترًا. وبات ضروريًا للقادمين من الرقة كمحطة من دير الزور والأراضي العراقية، باتجاه جرابلس، المرور في مدينة الباب وريفها الغربي، وصولاً إلى الريف الجنوبي لمدينة مارع، قبل الانتقال إلى مدينة الراعي الحدودية مع تركيا ثم مدينة جرابلس.
وتعد تلك العملية «الأوسع» ضد تنظيم «داعش» في شرق سوريا، وتتبع المسار العسكري باتجاه الغرب، وراء ضفة نهر الفرات الغربية، وليس جنوبًا باتجاه الرقة، بهدف وصل مناطق سيطرة الأكراد بين الإدارة الذاتية في كوباني والإدارة الذاتية في عفرين، كما يرى المتابعون للملف، وسط استبعاد لأن يكون هذا التوسع يهدف للاقتراب من الشريط الحدودي مع تركيا بسبب الحساسيات مع أنقرة، علمًا بأن القوات التي تخوض المعارك في منبج «تتألف بشكل أساسي من المجلس العسكري في منبج الذي يتضمن قوات عربية وأخرى كردية تنحدر من المدينة»، إلى جانب و«حدات حماية الشعب» الكردية.

مخاوف السوريين
غير أن دخول «قوات سوريا الديمقراطية» إلى المدينة، حتى لو استغرق وقتًا إضافيًا، يثير هواجس المعارضة السورية التي تعبر عن مخاوفها من أن تسهّل هذه العملية للأكراد إعلان «كانتون» لهم في شمال سوريا، رغم أن الأكراد ينفون ذلك، مؤكدين أن النطاق الجغرافي في سوريا «متداخل بين القوميات والأعراق، خصوصًا بين العرب والأكراد في شمال سوريا، مما يمنع قيام دولة قومية غير تشاركية، ومن هنا تأتي (الحاكمية المشتركة) للفيدراليات التي تم الإعلان عنها».
وتتشارك المعارضة السورية الهاجس التركي حول قيام دولة كردية على حدودها، وباتت أكثر قربًا، مع إحراز «قوات سوريا الديمقراطية» التي يغلب عليها الأكراد، تقدمًا باتجاه الريفين الشرقي والشمالي لمدينة حلب على حساب تنظيم «داعش»، الذي سيكون معزولاً عن العالم خارج سوريا والعراق، إذا تمكنت تلك القوات من السيطرة على مناطق نفوذه.
وبانتظار تحقيق حسم عسكري، لا ينفي مستشار القيادة العامة لـ«قوات سوريا الديمقراطية» الدكتور ناصر الحاج منصور، أن مرحلة «ما بعد منبج»، مسألة معقدة جدا، موضحًا في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» أن تعقيداتها «تنطلق من أن الأزمة السورية يؤثر فيها لاعبون دوليون وإقليميون ومحليون، نظرًا لأن هناك توازنات إقليمية ودولية والتحالف الدولي، كما أن هناك مجموعة قوى متداخلة ومتصارعة وتعاني مشكلات كثيرة».
وتنتشر في مناطق شمال سوريا فصائل متعددة الولاءات، إضافة إلى «جبهة النصرة»، وتنظيم داعش، وقوات النظام السوري التي تحيط بمناطق سيطرة ونفوذ الأكراد، إلى جانب دخول العاملين الأميركي والروسي على خطوط التأثير بالملف السوري.
وإذ أكد الحاج منصور: «إننا لن نكون العامل الوحيد في صناعة الأحداث أو تسجيلها، رغم أننا جزء أساسي منها في شمال سوريا»، أشار إلى أن الخيارات المتاحة، في مرحلة بعد منبج، «لم تتبلور بعد»، وأنها «رهن الانتظار والتوافق عليها مع التحالف الدولي سياسيا وعسكريا».
يقول كثيرون إن الأكراد يفوضون التحالف الدولي لمحاربة الإرهاب، والولايات المتحدة الأميركية، لاتخاذ القرارات عنهم، في ضوء مساعدتهم عسكريًا للقضاء على «داعش»، وقد أثبتوا أنهم يمتلكون قدرة كبيرة على تحقيق ذلك، من خلال انتصارات أحرزوها في جبهات عدة في شمال سوريا وشمال شرقيها، مثل جبهات ريف الحسكة وريف الرقة وتحرير مدينة كوباني (عين العرب) الحدودية مع تركيا في أواخر يناير (كانون الثاني) 2015.
وفي حين ينفي الحاج منصور أن يكون أكراد سوريا قد فوضوا التحالف تقرير الخطوات المناسبة، قال إن العلاقة «تفاوض وليس تفويضا، بمعنى أننا نتفق معهم على كل الخطوات، والتعامل بيننا يتم على أساس النقاش والتوافق والتقاطعات المشتركة»، لافتًا إلى أن أهمية التنسيق مع التحالف تزداد أيضًا بالنظر إلى «دوره على الصعيد الإقليمي في كبح جماح تركيا أو النظام، أو غيرها من العوامل الأخرى»، لجهة التعامل معهم.
ولا ينفي الأكراد نيتهم وصل الفيدرالية في كوباني بالفيدرالية في عفرين، لتكون «فيدرالية شمال سوريا»، المعروفة باسم «روج آفا»، متصلة، وتمتد من محافظة الجزيرة أو الحسكة السورية في شمال شرقي البلاد، على طول الشريط الحدودي مع تركيا، وصولاً إلى رف حلب الشمالي في عفرين، على مساحة تناهز العشرين ألف كيلومتر مربع.
وقال الحاج منصور: «من المبكر جدًا الحديث عن هذا الأمر حتى الآن، كون معركة منبج وما بعدها ستستغرق وقتًا إضافيًا، رغم أن المعركة الحالية هي بداية نهاية (داعش)، وتطلق العدّ العكسي ضد وجود التنظيم، لكنني أؤكد أن الفيدرالية التي نسعى لإنشائها في شمال سوريا لن تكون كردية أبدًا، بل ستكون فيدرالية مشتركة تضم بالتأكيد عربًا وأكرادا وأشخاصًا ينتمون إلى كل الطوائف والمذاهب».
وتناقل كثيرون الحديث عن أن الأكراد بدأوا بتغيير اسم منبج، مع اقترابهم منها وحصار تنظيم «داعش» فيها، وبدأوا يطلقون عليها اسما كرديًا. لكن القيادي الكردي ناصر الحاج منصور، نفى أن يكون هناك أي توجه لتغيير اسمها، قائلاً إن اقتراب «قوات سوريا الديمقراطية» من طرد «داعش» منها، لا يمكن أن يلغي حقيقة منبج بأن الأغلبية الساحقة من أهلها وسكانها من العرب، وبالتالي لا يمكن تغيير اسمها، وليس هذا الأمر مطروحا بتاتًا. وأوضح أن «المساحات الجغرافية في سوريا متداخلة وتعيش فيها كل القوميات، وكل قومية تطلق عليها اسمًا باللغة المعتمدة، كذلك منبج، التي نؤكد أن اسمها العربي هو اسمها الرسمي».

مخاطر تقسيم سوريا
يرى المعارضون السوريون الفيدرالية، نقيضًا لما يطالب به الائتلاف، وهو إبقاء سوريا موحدة وإنشاء نظام ديمقراطي تعددي. ويقول عضو الائتلاف السوري المعارض سمير نشار، إن «ما يصرّح به قادة حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي يحمل مخاطر شديدة». ورأى في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أنه «من السابق لأوانه وقبل سقوط نظام بشار الأسد أن تعتقد أي قوة أنها قادرة على تحديد مستقبل سوريا»، مشيرًا إلى أن «مستقبل سوريا يحدده كل السوريين من عرب ومسيحيين وتركمان وأكراد وسنّة وشيعة، لأن الشعب السوري متنوع وسوريا دولة متعددة الأديان والمذاهب».
وقال: «أي تصور أو خطة يطرحها أي مكون تحمل مخاطر كبيرة، لأنه داخل كل كيان، توجد عناصر متطرفة تدفع نحو اقتتال طويل، ومن الخطأ أن يحاول الأكراد الاستفادة من التطورات على الأرض، وأن يلجأوا إلى اتخاذ قرار منفرد»، لافتًا إلى أن «الطموح الكردي الذي يجنح نحو التقسيم، سيقابل برد فعل عنيف من المكون العربي والتركماني، لكن موقف المكون العربي سيكون حادًا».
وأضاف نشار: «مخاطر تقسيم سوريا كبيرة جدًا، وعليهم أن يعلموا أن العرب السنّة هم أم الصبي، والحريصون على وحدة سوريا، ولا يقبلون بأن يقوم البعض، بدعم قوى دولية، بطرح مشاريع خطيرة يصعب التنبؤ بنتائجها». ونبّه إلى أنه «إذا صحت التصريحات المنقولة عن مسعود بارزاني، حول مطالبته بتقسيم العراق إلى ثلاث دول؛ شيعية وسنية وكردية، فإن ذلك سيدفع أكراد سوريا إلى طرح مثل هذه الأفكار أيضًا».
وشدد عضو الائتلاف على أن «الوقت الآن ليس لطرح مستقبل سوريا، فلتبقَ الأفكار في النفوس إلى ما بعد سقوط النظام، وكل من يصر على طرح هذه الرؤى الآن هو متواطئ ومتآمر على الشعب السوري وعلى الثورة السورية».

فيدرالية التشارك الإثني والطائفي
لا يبدو أن الفيدرالية التي أعلنها الأكراد، التفاف على الوقائع الجيوسياسية في شمال سوريا لإعلان الانفصال التام، أو إقصاء القوميات والإثنيات الأخرى عن السلطة في أي نظام مستقبلي تستقر عليه سوريا، بالنظر إلى استحالة قيام «كردستان سوريا» كما يسميها مؤيدو هذا الطرح. فقد أثارت خطوة إعلان «النظام الفيدرالي» في مناطق سيطرة «حزب الاتحاد الديمقراطي» في شمال سوريا، في شهر مارس الماضي، كثيرا من المخاوف، حتى إن البعض اعتبرها مقدمة لاعتماد نظام مماثل في الأراضي السورية كافة بعد الحرب، وهو ما رفضه كل من النظام والمعارضة.
الخبير الاستراتيجي اللبناني ومدير معهد الأبحاث الجيوسياسية، خطّار بو دياب، ذكّر بأنه «لم يصدر حتى الآن أي تصريح رسمي من حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي في سوريا، يعلن فيه أنه يريد دولة كردية مستقلة في شمال سوريا».
وأوضح في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن «كل ما قيل حتى الآن هو إعلان فيدرالية (روج آفا)، من ضمن نظام فيدرالي في كل سوريا، وهم يعتبرون أن هذه الفيدرالية لا تخص الأكراد وحدهم، إنما المجموعات العربية والآشورية والتركمانية وغيرها». وقال: «في ظلّ التحولات التي حصلت في الماضي ومنها (سايكس – بيكو)، تلقى الأكراد وعودًا بإقامة دولتهم المستقلّة، لكن كل هذه الوعود سقطت، باستثناء ما تحقق في كردستان العراق، ومن هنا يُفهم أن الكرد في سوريا يأملون بتكرار تجربة العراق، لكن تحقيق ذلك يبقى رهنًا بميزان القوى على الأرض»، مشيرًا إلى أن «الدول الغربية المؤثرة في الأزمة السورية لا تدعم أي تقسيم، لكنها لا تمانع قيام دول اتحادية، بخلاف بعض المتشددين الأكراد الذين لديهم نزعة نحو إحياء ما كان يعرف بالدولة الكردية التي كانت ممتدة من شمال حلب إلى تركيا».
وأضاف الخبير الاستراتيجي: «لا يستطيع أي طرف من الأطراف إعادة صياغة ما هو تاريخي، وإلا عندها يمكن للبعض أن يطالبوا باستعادة الأندلس». ولفت إلى أن «أكراد سوريا يحاولون الاستفادة من دعم الدول الكبرى لهم، لأنهم أثبتوا أنهم القوّة الأقدر على قتال (داعش)، ولكن إذا قرأنا نظريات (زعيم حزب العمال الكردستاني المعتقل في تركيا) عبد الله أوجلان، نفهم أنه يطرح مزيدا من الحكم الذاتي للأكراد ضمن دولهم، بما يؤمن حقوقهم القومية والثقافية، لكنه لا يحلم بهدم حدود الدول القائمة حاليًا».

معارك منبج مستمرة
بعد شهرين من انطلاق معركة منبج، لا يزال المدنيون يعوقون العمليات العسكرية في داخل المدينة، نظرًا لأن القوات التي تنوي مهاجمتها، مدعومة بالطائرات الحربية التابعة للتحالف الدولي لمحاربة الإرهاب بقيادة الولايات المتحدة، وتشن غارات جوية أمام وخلف القوات المهاجمة لإسنادها في تقدمها.
ومع أن «قوات سوريا الديمقراطية» التي تشكل «وحدات حماية الشعب» الكردية عمودها الفقري، تمكنت من دخول منبج، لكنها تواجه مقاومة تحول دون طرد «الجهاديين» الذين يستخدمون التفجيرات الانتحارية والسيارات المفخخة. وتتركز المعارك في الأحياء الغربية من المدينة، حيث يتصدى تنظيم داعش «بشراسة لمحاولات (قوات سوريا الديمقراطية) التقدم إلى داخل المدينة، ويزج بالأطفال على خطوط المواجهات».
المدينة الاستراتيجية التي كانت تضم أكبر صوامع الحبوب والقمح في شمال سوريا، تقع في وسط زراعي، ويقع فيها مركز المدينة الإداري لعشرات القرى والبلدات التي يعمل سكانها بالزراعة. بلغ تعداد سكان المنطقة 408.143 نسمة حسب التعداد السكاني لعام 2004، ويسكن أريافها خليط من العرب والأكراد والتركمان، كما يسكنها بعض الشركس والمسيحيين والأرمن، علمًا بأن القسم الأكبر من سكان منبج ونواحيها، من القبائل والعشائر العربية المختلفة التي هاجرت إليها من ضفاف الفرات واستقرت فيها. وقد قصدها في العصر الحديث، عائلات كثيرة من المهنيين والتجار والموظفين والعلماء قدموا إليها من مدينتي حلب والباب ومناطق أخرى مجاورة؛ للعمل فيها، واختاروها مستقرًا لهم.
بعد سيطرة «داعش» على المدينة وريفها في أواخر عام 2014، شهدت المدينة حركة نزوح ثانية بعد النزوح الأول إثر سيطرة قوات المعارضة عليها، وتقلص عدد السكان إلى نحو 40 ألف نسمة، ما لبثوا أن تقلص عددهم أيضًا إثر الهجمات الأخيرة التي شنتها «قوات سوريا الديمقراطية» إلى نحو 20 ألف نسمة، بحسب ما قالت مصادر عسكرية معارضة لـ«الشرق الأوسط». وفر آلاف المدنيين مطلع الأسبوع من مدينة منبج مع اقتراب «قوات سوريا الديمقراطية» من مشارفها خوفا من المعارك والغارات الجوية التي يشنها التحالف الدولي.



أفريقيا... ساحة تنافس جديد بين الهند والصين

Chinese Foreign Minister Wang Yi (C) speaks during a press conference with Senegal's Foreign Minister Yassine Fall (L) and Congo Foreign Minister Jean-Claude Gakosso (R) at the Forum on China-Africa Cooperation (FOCAC) in Beijing on September 5, 2024. (Photo by GREG BAKER / AFP)
Chinese Foreign Minister Wang Yi (C) speaks during a press conference with Senegal's Foreign Minister Yassine Fall (L) and Congo Foreign Minister Jean-Claude Gakosso (R) at the Forum on China-Africa Cooperation (FOCAC) in Beijing on September 5, 2024. (Photo by GREG BAKER / AFP)
TT

أفريقيا... ساحة تنافس جديد بين الهند والصين

Chinese Foreign Minister Wang Yi (C) speaks during a press conference with Senegal's Foreign Minister Yassine Fall (L) and Congo Foreign Minister Jean-Claude Gakosso (R) at the Forum on China-Africa Cooperation (FOCAC) in Beijing on September 5, 2024. (Photo by GREG BAKER / AFP)
Chinese Foreign Minister Wang Yi (C) speaks during a press conference with Senegal's Foreign Minister Yassine Fall (L) and Congo Foreign Minister Jean-Claude Gakosso (R) at the Forum on China-Africa Cooperation (FOCAC) in Beijing on September 5, 2024. (Photo by GREG BAKER / AFP)

منذ فترة ولايته الأولى عام 2014، كان رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي أكبر مناصر للعلاقات بين الهند وأفريقيا.

على خلفية ذلك، تجدر الإشارة إلى أن الحكومة الهندية بذلت جهداً استثنائياً للتواصل مع الدول الأفريقية عبر زيارات رفيعة المستوى من القيادة العليا، أي الرئيس ونائب الرئيس ورئيس الوزراء، إلى ما مجموعه 40 بلداً في أفريقيا بين عامي 2014 و2019. ولا شك أن هذا هو أكبر عدد من الزيارات قبل تلك الفترة المحددة أو بعدها.

من ثم، فإن الزيارة التي قام بها مؤخراً رئيس الوزراء الهندي مودي إلى نيجيريا قبل سفره إلى البرازيل لحضور قمة مجموعة العشرين، تدل على أن زيارة أبوجا (في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي) ليست مجرد زيارة ودية، وإنما خطوة استراتيجية لتعزيز القوة. مما يؤكد على التزام الهند ببناء علاقات أعمق مع أفريقيا، والبناء على الروابط التاريخية، والخبرات المشتركة، والمنافع المتبادلة.

صرح إتش. إس. فيسواناثان، الزميل البارز في مؤسسة «أوبزرفر» للأبحاث وعضو السلك الدبلوماسي الهندي لمدة 34 عاماً، بأنه «من خلال تعزيز الشراكات الاقتصادية، وتعزيز التعاون الدفاعي، وتعزيز التبادل الثقافي، تُظهِر الهند نفسها بصفتها لاعباً رئيسياً في مستقبل أفريقيا، في الوقت الذي تقدم فيه بديلاً لنهج الصين الذي غالباً ما يتعرض للانتقاد. إن تواصل الهند في أفريقيا هو جزء من أهدافها الجيوسياسية الأوسع نطاقاً للحد من نفوذ الصين».

سافر مودي إلى 14 دولة أفريقية خلال السنوات العشر الماضية من حكمه بالمقارنة مع عشر زيارات لنظيره الصيني شي جينبينغ. بيد أن زيارته الجديدة إلى نيجيريا تعد أول زيارة يقوم بها رئيس وزراء هندي لهذه الدولة منذ 17 عاماً. كانت الأهمية التي توليها نيجيريا للهند واضحة من حقيقة أن رئيس الوزراء الهندي مُنح أعلى وسام وطني في البلاد، وسام القائد الأكبر، وهو ثاني شخصية أجنبية فقط تحصل على هذا التميز منذ عام 1969، بعد الملكة إليزابيث الثانية؛ مما يؤكد على المكانة التي توليها نيجيريا للهند.

نجاح الهند في ضم الاتحاد الأفريقي إلى قمة مجموعة العشرين

كان الإنجاز الكبير الذي حققته الهند هو جهدها لضمان إدراج الاتحاد الأفريقي عضواً دائماً في مجموعة العشرين، وهي منصة عالمية للنخبة تؤثر قراراتها الاقتصادية على ملايين الأفارقة. وقد تم الإشادة برئيس الوزراء مودي لجهوده الشخصية في إدراج الاتحاد الأفريقي ضمن مجموعة العشرين من خلال اتصالات هاتفية مع رؤساء دول مجموعة العشرين. وكانت جهود الهند تتماشى مع دعمها الثابت لدور أكبر لأفريقيا في المنصات العالمية، وهدفها المتمثل في استخدام رئاستها للمجموعة في منح الأولوية لشواغل الجنوب العالمي.

يُذكر أن الاتحاد الأفريقي هو هيئة قارية تتألف من 55 دولة.

دعا مودي، بصفته مضيف مجموعة العشرين، رئيس الاتحاد الأفريقي، غزالي عثماني، إلى شغل مقعده بصفته عضواً دائماً في عصبة الدول الأكثر ثراء في العالم، حيث صفق له القادة الآخرون وتطلعوا إليه.

وفقاً لراجيف باتيا، الذي شغل أيضاً منصب المدير العام للمجلس الهندي للشؤون العالمية في الفترة من 2012 - 2015، فإنه «لولا الهند لكانت مبادرة ضم الاتحاد الأفريقي إلى مجموعة العشرين قد فشلت. بيد أن الفضل في ذلك يذهب إلى الهند لأنها بدأت العملية برمتها وواصلت تنفيذها حتى النهاية. وعليه، فإن الأفارقة يدركون تمام الإدراك أنه لولا الدعم الثابت من جانب الهند ورئيس الوزراء مودي، لكانت المبادرة قد انهارت كما حدث العام قبل الماضي أثناء رئاسة إندونيسيا. لقد تأثرت البلدان الأفريقية بأن الهند لم تعد تسمح للغرب بفرض أخلاقياته».

التوغلات الصينية في أفريقيا

تهيمن الصين في الواقع على أفريقيا، وقد حققت توغلات أعمق في القارة السمراء لأسباب استراتيجية واقتصادية على حد سواء. بدأت العلاقات السياسية والاقتصادية الحديثة بين البر الصيني الرئيسي والقارة الأفريقية في عهد ماو تسي تونغ، بعد انتصار الحزب الشيوعي الصيني في الحرب الأهلية الصينية. زادت التجارة بين الصين وأفريقيا بنسبة 700 في المائة خلال التسعينات، والصين حالياً هي أكبر شريك تجاري لأفريقيا. وقد أصبح منتدى التعاون الصيني - الافريقي منذ عام 2000 المنتدى الرسمي لدعم العلاقات. في الواقع، الأثر الصيني في الحياة اليومية الأفريقية عميق - الهواتف المحمولة المستخدمة، وأجهزة التلفزيون، والطرق التي تتم القيادة عليها مبنية من قِبل الصينيين.

كانت الصين متسقة مع سياستها الأفريقية. وقد عُقدت الدورة التاسعة من منتدى التعاون الصيني - الأفريقي في سبتمبر (أيلول) 2024، في بكين.

كما زوّدت الصين البلدان الأفريقية بمليارات الدولارات في هيئة قروض ساعدت في بناء البنية التحتية المطلوبة بشدة. علاوة على ذلك، فإن تعزيز موطئ قدم لها في ثاني أكبر قارة من حيث عدد السكان في العالم يأتي مع ميزة مربحة تتمثل في إمكانية الوصول إلى السوق الضخمة، فضلاً عن الاستفادة من الموارد الطبيعية الهائلة في القارة، بما في ذلك النحاس، والذهب، والليثيوم، والمعادن الأرضية النادرة. وفي الأثناء ذاتها، بالنسبة للكثير من الدول الأفريقية التي تعاني ضائقة مالية، فإن أفريقيا تشكل أيضاً جزءاً حيوياً من مبادرة الحزام والطريق الصينية، حيث وقَّعت 53 دولة على المسعى الذي تنظر إليه الهند بريبة عميقة.

كانت الصين متسقة بشكل ملحوظ مع قممها التي تُعقد كل ثلاث سنوات؛ وعُقدت الدورة التاسعة لمنتدى التعاون الصيني - الأفريقي في سبتمبر 2024. وفي الوقت نفسه، بلغ إجمالي تجارة الصين مع القارة ثلاثة أمثال هذا المبلغ تقريباً الذي بلغ 282 مليار دولار.

الهند والصين تناضلان من أجل فرض الهيمنة

تملك الهند والصين مصالح متنامية في أفريقيا وتتنافسان على نحو متزايد على الصعيدين السياسي والاقتصادي.

في حين تحاول الصين والهند صياغة نهجهما الثنائي والإقليمي بشكل مستقل عن بعضهما بعضاً، فإن عنصر المنافسة واضح. وبينما ألقت بكين بثقلها الاقتصادي الهائل على تطوير القدرة التصنيعية واستخراج الموارد الطبيعية، ركزت نيودلهي على كفاءاتها الأساسية في تنمية الموارد البشرية، وتكنولوجيا المعلومات، والتعليم، والرعاية الصحية.

مع ذلك، قال براميت بول شاودهوري، المتابع للشؤون الهندية في مجموعة «أوراسيا» والزميل البارز في «مركز أنانتا أسبن - الهند»: «إن الاستثمارات الهندية في أفريقيا هي إلى حد كبير رأسمال خاص مقارنة بالصينيين. ولهذا السبب؛ فإن خطوط الائتمان التي ترعاها الحكومة ليست جزءاً رئيسياً من قصة الاستثمار الهندية في أفريقيا. الفرق الرئيسي بين الاستثمارات الهندية في أفريقيا مقابل الصين هو أن الأولى تأتي مع أقل المخاطر السياسية وأكثر انسجاماً مع الحساسيات الأفريقية، لا سيما فيما يتعلق بقضية الديون».

ناريندرا مودي وشي جينبينغ في اجتماع سابق (أ.ب)

على عكس الصين، التي ركزت على إقامة البنية التحتية واستخراج الموارد الطبيعية، فإن الهند من خلال استثماراتها ركزت على كفاءاتها الأساسية في تنمية الموارد البشرية، وتكنولوجيا المعلومات، والأمن البحري، والتعليم، والرعاية الصحية. والحقيقة أن الشركات الصينية كثيراً ما تُتهم بتوظيف أغلب العاملين الصينيين، والإقلال من جهودها الرامية إلى تنمية القدرات المحلية، وتقديم قدر ضئيل من التدريب وتنمية المهارات للموظفين الأفارقة. على النقيض من ذلك، يهدف بناء المشاريع الهندية وتمويلها في أفريقيا إلى تيسير المشاركة المحلية والتنمية، بحسب ما يقول الهنود. تعتمد الشركات الهندية أكثر على المواهب الأفريقية وتقوم ببناء قدرات السكان المحليين. علاوة على ذلك، وعلى عكس الإقراض من الصين، فإن المساعدة الإنمائية التي تقدمها الهند من خلال خطوط الائتمان الميسرة والمنح وبرامج بناء القدرات هي برامج مدفوعة بالطلب وغير مقيدة. ومن ثم، فإن دور الهند في أفريقيا يسير جنباً إلى جنب مع أجندة النمو الخاصة بأفريقيا التي حددتها أمانة الاتحاد الأفريقي، أو الهيئات الإقليمية، أو فرادى البلدان، بحسب ما يقول مدافعون عن السياسة الهندية.

ويقول هوما صديقي، الصحافي البارز الذي يكتب عن الشؤون الاستراتيجية، إن الهند قطعت في السنوات الأخيرة شوطاً كبيراً في توسيع نفوذها في أفريقيا، لكي تظهر بوصفها ثاني أكبر مزود للائتمان بالقارة. شركة الاتصالات الهندية العملاقة «إيرتل» - التي دخلت أفريقيا عام 1998، هي الآن أحد أكبر مزودي خدمات الهاتف المحمول في القارة، كما أنها طرحت خطاً خاصاً بها للهواتف الذكية من الجيل الرابع بأسعار زهيدة في رواندا. وكانت الهند رائدة في برامج التعليم عن بعد والطب عن بعد لربط المستشفيات والمؤسسات التعليمية في كل البلدان الأفريقية مع الهند من خلال شبكة الألياف البصرية. وقد ساعدت الهند أفريقيا في مكافحة جائحة «كوفيد – 19» بإمداد 42 بلداً باللقاحات والمعدات.

تعدّ الهند حالياً ثالث أكبر شريك تجاري لأفريقيا، حيث يبلغ حجم التجارة الثنائية بين الطرفين نحو 100 مليار دولار. وتعدّ الهند عاشر أكبر مستثمر في أفريقيا من حيث حجم الاستثمارات الأجنبية المباشرة. كما توسع التعاون الإنمائي الهندي بسرعة منذ أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، وكانت البلدان الأفريقية هي المستفيد الرئيسي من برنامج الخطوط الائتمانية الهندية.

قالت هارشا بانغاري، المديرة الإدارية لبنك الهند للاستيراد والتصدير: «على مدى العقد الماضي، قدمت الهند ما يقرب من 32 مليار دولار أميركي في صورة ائتمان إلى 42 دولة أفريقية، وهو ما يمثل 38 في المائة من إجمالي توزيع الائتمان. وهذه الأموال، التي تُوجه من خلال بنك الهند للاستيراد والتصدير، تدعم مجموعة واسعة من المشاريع، بما في ذلك الرعاية الصحية والبنية التحتية والزراعة والري».

رغم أن الصين تتصدر الطريق في قطاع البنية التحتية، فإن التمويل الصيني للبنية التحتية في أفريقيا قد تباطأ بشكل كبير خلال السنوات الأخيرة. برزت عملية تطوير البنية التحتية سمةً مهمة من سمات الشراكة التنموية الهندية مع أفريقيا. وقد أنجزت الهند حتى الآن 206 مشاريع في 43 بلداً أفريقياً، ويجري حالياً تنفيذ 65 مشروعاً، يبلغ مجموع الإنفاق عليها نحو 12.4 مليار دولار. وتقدم الهند أيضاً إسهامات كبيرة لبناء القدرات الأفريقية من خلال برنامجها للتعاون التقني والتكنولوجي، والمنح الدراسية، وبناء المؤسسات في القارة.

وتجدر الإشارة إلى أن الهند أكثر ارتباطاً جغرافياً من الصين بالقارة الأفريقية، وهي بالتالي تتشاطر مخاوفها الأمنية أيضاً. وتعتبر الهند الدول المطلة على المحيط الهندي في افريقيا مهمة لاستراتيجيتها الخاصة بمنطقة المحيطين الهندي والهادئ، ووقّعت الهند مع الكثير منها اتفاقيات للدفاع والشحن تشمل التدريبات المشتركة. كما أن دور قوات حفظ السلام الهندية موضع تقدير كبير.

يقول السفير الهندي السابق والأمين المشترك السابق لشؤون أفريقيا في وزارة الخارجية، السفير ناريندر تشوهان: «إن الانتقادات الموجهة إلى المشاركة الاقتصادية للصين مع أفريقيا قد تتزايد من النقابات العمالية والمجتمع المدني بشأن ظروف العمل السيئة والممارسات البيئية غير المستدامة والتشرد الوظيفي الذي تسببه الشركات الصينية. ويعتقد أيضاً أن الصين تستغل نقاط ضعف الحكومات الأفريقية، وبالتالي تشجع الفساد واتخاذ القرارات المتهورة. فقد شهدت أنغولا، وغانا، وغامبيا، وكينيا مظاهرات مناهضة للمشاريع التي تمولها الصين. وهناك مخاوف دولية متزايدة بشأن الدور الذي تلعبه الصين في القارة الأفريقية».

القواعد العسكرية الصينية والهندية في أفريقيا

قد يكون تحقيق التوازن بين البصمة المتزايدة للصين في أفريقيا عاملاً آخر يدفع نيودلهي إلى تعزيز العلاقات الدفاعية مع الدول الافريقية.

أنشأت الصين أول قاعدة عسكرية لها في الخارج في جيبوتي، في القرن الأفريقي، عام 2017؛ مما أثار قلق الولايات المتحدة؛ إذ تقع القاعدة الصينية على بعد ستة أميال فقط من قاعدة عسكرية أميركية في البلد نفسه.

تقول تقارير إعلامية إن الصين تتطلع إلى وجود عسكري آخر في دولة الغابون الواقعة في وسط أفريقيا. ونقلت وكالة أنباء «بلومبرغ» عن مصادر قولها إن الصين تعمل حالياً على دخول المواني العسكرية في تنزانيا وموزمبيق الواقعتين على الساحل الشرقي لأفريقيا. وذكرت المصادر أنها عملت أيضاً على التوصل إلى اتفاقيات حول وضع القوات مع كلا البلدين؛ الأمر الذي سيقدم للصين مبرراً قانونياً لنشر جنودها هناك.

تقليدياً، كان انخراط الهند الدفاعي مع الدول الأفريقية يتركز على التدريب وتنمية الموارد البشرية.

في السنوات الأخيرة، زادت البحرية الهندية من زياراتها للمواني في الدول الأفريقية، ونفذت التدريبات البحرية الثنائية ومتعددة الأطراف مع الدول الأفريقية. من التطورات المهمة إطلاق أول مناورة ثلاثية بين الهند وموزمبيق وتنزانيا في دار السلام في أكتوبر (تشرين الأول) عام 2022.

هناك مجال آخر مهم للمشاركة الدفاعية الهندية، وهو الدفع نحو تصدير معدات الدفاع الهندية إلى القارة.

ألقى التركيز الدولي على توسع الوجود الصيني في أفريقيا بظلاله على تطور مهم آخر - وهو الاستثمار الاستراتيجي الهندي في المنطقة. فقد شرعت الهند بهدوء، لكن بحزم، في بناء قاعدة بحرية على جزر أغاليغا النائية في موريشيوس.

تخدم قاعدة أغاليغا المنشأة حديثاً الكثير من الأغراض الحيوية للهند. وسوف تدعم طائرات الاستطلاع والحرب المضادة للغواصات، وتدعم الدوريات البحرية فوق قناة موزمبيق، وتوفر نقطة مراقبة استراتيجية لمراقبة طرق الشحن حول الجنوب الأفريقي.

وفي سابقة من نوعها، عيَّنت الهند ملحقين عسكريين عدة في بعثاتها الدبلوماسية في أفريقيا.

وفقاً لغورجيت سينغ، السفير السابق لدى إثيوبيا والاتحاد الأفريقي ومؤلف كتاب «عامل هارامبي: الشراكة الاقتصادية والتنموية بين الهند وأفريقيا»: «في حين حققت الهند تقدماً كبيراً في أفريقيا، فإنها لا تزال متخلفة عن الصين من حيث النفوذ الإجمالي. لقد بذلت الهند الكثير من الجهد لجعل أفريقيا في بؤرة الاهتمام، هل الهند هي الشريك المفضل لأفريقيا؟ صحيح أن الهند تتمتع بقدر هائل من النوايا الحسنة في القارة الأفريقية بفضل تضامنها القديم، لكن هل تتمتع بالقدر الكافي من النفوذ؟ من الصعب الإجابة عن هذه التساؤلات، سيما في سياق القوى العالمية الكبرى كافة المتنافسة على فرض نفوذها في المنطقة. ومع ذلك، فإن عدم القدرة على عقد القمة الرابعة بين الهند وأفريقيا حتى بعد 9 سنوات من استضافة القمة الثالثة لمنتدى الهند وأفريقيا بنجاح في نيودلهي، هو انعكاس لافتقار الهند إلى النفوذ في أفريقيا. غالباً ما تم الاستشهاد بجائحة «كوفيد - 19» والجداول الزمنية للانتخابات بصفتها أسباباً رئيسية وراء التأخير المفرط في عقد قمة المنتدى الهندي الأفريقي».