في ضوء ترقّب ردود فعل المجتمع الدولي من إعلان «جبهة النصرة» فك ارتباطها بتنظيم القاعدة، يتوقع مراقبون أن يشكّل هذا القرار بداية مرحلة جديدة في سوريا سياسيا وعسكريًا، قد تكون ساحة اختبارها الأولى معركة مدينة حلب المحاصرة، إضافة إلى الاتفاق الروسي - الأميركي حول سوريا الذي بات قاب قوسين من الإعلان عنه.
كانت واشنطن حذرة في التعامل مع الموضوع بإعلانها على لسان المتحدث باسم وزارة الخارجية أن مقاتلي «جبهة النصرة» ما زالوا هدفا للطائرات الحربية الأميركية، وأردف المتحدث: «علينا أن ننتظر ونرى. سنصدر حكمنا على (جبهة فتح الشام) بناء على ما تقوم به وليس على ما تصف به نفسها»، في حين أعلنت الخارجية الروسية، أمس، أن تنظيم جبهة النصرة سيبقى إرهابيا غير شرعي مهما أطلق على نفسه من تسميات.
وفي حين من المتوقع أن يؤدي فك الارتباط إلى تغيير التحالفات الاستراتيجية على الأرض في سوريا، يرى مدير مركز الشرق للبحوث، سمير التقي، أن هذا القرار هو اتجاه نحو توحّد القوى المقاتلة الإسلامية وانتقالها من الموقف الآيديولوجي إلى الموقف البراغماتي التفاوضي، ولا سيما بعدما أعلنت «فتح الشام» أنه لم يعد لديها أي أجندة خارجية ولن تُستخدم منصةً ضد الغرب، علما بأن الخلاف الأساسي بين «داعش» و«القاعدة» كان حول العدو الحقيقي. بدوره توقّع القيادي في «الجيش الحر»، رامي الدالاتي، أن يبدأ التنسيق بين «فتح الشام» والمعارضة العسكرية في وقت قريب، معتبرا أنه «بعد فك الارتباط لم يعد هناك ذريعة بيد المجتمع الدولي وأي تصرّف أحمق في هذا الاتجاه سيؤدي إلى ضرب الثورة السورية، لا سيما أن المناطق التي تتواجد فيها (النصرة) متداخلة بشكل كبير مع تلك التي تتواجد فيها فصائل المعارضة والجيش الحر». وتجدر الإشارة إلى أن «جبهة النصرة» مدرجة في قائمة الولايات المتحدة للتنظيمات الإرهابية وتم استبعادها كـ«داعش» من اتفاق هدنة في سوريا في فبراير (شباط)، كما تبحث روسيا والولايات المتحدة تعزيز التنسيق بينهما ضد التنظيمين.
التقي قال، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، معلقًا على هذا التطور: «من المتوقع أن تتبلور أجندة هذا الفصيل على الأقل على صعيد التحالفات السورية وتنظيم بيته الداخلي بعيدا عن المجموعات الأجنبية في صفوفه. وهو ما قد ينعكس إيجابا ليس فقط على صعيد الحل السياسي وما يحكى عن اتفاق أميركي – روسي، إنما أيضا على المعارك على الأرض». وتابع: «للعلم فإن نظرة الولايات المتحدة إلى (النصرة) كانت مختلفة عن نظرتها إلى (داعش) كما أنها كانت تلعب دورا في تحييدها عن العمليات العسكرية التي كانت تستهدف التنظيم، والسعي الدائم لإقصاء العناصر الأجنبية المنضوية تحتها، تمهيدا لجعلها تصل إلى اتخاذ هذا القرار».
وفي حين اعتبر التقي أن معركة حلب وحصار المدينة كانت أحد أسباب اتخاذ «النصرة» هذا القرار، فإنه يتوقع أن تكون حلب ساحة الاختبار الأولى لفك الارتباط، إضافة إلى معارك أخرى أهمها القلمون والجولان، وسيؤدي هذا الأمر إلى تحالف وتنسيق بين «فتح الشام» والفصائل المعارضة، لحاجة كل منهما إلى الآخر، وبخاصة أن التعامل مع الفصيل الجديد لم يعد من المحظورات كما كان الأمر بالنسبة إلى «النصرة»، وانطلاقا من قدرات «فتح الشام» المعروفة فهي ستكون القوة الضاربة في حلب كما كانت «النصرة» في إدلب.
وفي حين أكّد الدالاتي، من جهته، أن هذا القرار لاقى تجاوبا شعبيا في سوريا، خصوصا في المناطق التي كانت قبل ذلك تتظاهر ضدّ «النصرة»، على غرار ما حصل أمس في كفرنبل بعد صلاة الجمعة، فإنه قال لـ«الشرق الأوسط» مشددًا: «هذا القرار جيد إنما ليس كافيا، ويتطلب الخضوع لموازين الثورة العامة». وأشار الدالاتي في الوقت عينه إلى أنّ خطوة أولى بهذا الاتجاه كانت قد سجّلت قبل نحو أسبوعين، وذلك عبر انضواء «النصرة» في «تجمّع أهل العلم في سوريا»، موضحا أنّ هذا التجمع أسس ليكون مرجعية قضائية وشرعية للفصائل بعد الاعتداءات التي كانت تعرضت لها من قبل («النصرة»، ومعتبرا أن هذا القرار كان خطوة باتجاه التنسيق مع الجيش الحر وفصائل المعارضة المعتدلة وهو سينعكس في المرحلة المقبلة عسكريا على الأرض. وتوقع الدالاتي أيضًا أن يبدأ التقارب بين الطرفين في وقت قريب، إلا أنه في ضوء موقف واشنطن الحذر، من فك الارتباط، ذكر أن اجتماعا قريبا سيعقد بين ممثلي الفصائل وأطراف دولية في اليومين المقبلين للبحث في القضايا العسكرية والسياسية ومن المتوقع أن يكون قرار «النصرة» الأخير على قائمة البحث. واعتبر أن المجتمع الدولي لم يكن يترقب أن تتم هذه الخطوة، لا سيما أن الحديث عن الموضوع استمر شهورا عدّة.
هذا، وبعد إعلان «جبهة النصرة» على لسان زعيمها محمد الجولاني، أول من أمس، انقطاع صلتها بالتنظيم العالمي الذي أسسه أسامة بن لادن، وقال إنها غيرت اسمها لتزيل ما وصفتها بذرائع تستخدمها القوى الدولية لمهاجمة السوريين، أصدرت «جبهة فتح الشام»، أمس، بيانها الأوّل أوضحت فيه مبادئها العقدية والسياسية والعسكرية، داعية إلى الاجتماع، وتوحي «فتح الشام» في بيانها بأنها «تستمد عقيدتها ومنهجها من علماء أهل السنة» واعتبرت أن «دفع العدو الصائل على الدين وحرمات المسلمين من أهم فروض الأعيان ولا يشترط له شرط بل يُدفع بحسب الإمكان».
وتابعت الجبهة في بيانها: «ننبذ الفرقة والاختلاف وندعو إلى جَمْع الكلمة والائتلاف ونرى وجوبَ اجتماع الأمة عامة والمجاهدين خاصة على الحق وتحت راية واحدة».
على صعيد ثان، أثنى عضو في مجلس شورى حركة «أحرار الشام» على قرار فك ارتباط النصرة بـ«القاعدة» الذي كان بحسب قوله: «من أكبر العوائق التي اعترضت جميع محاولات التوحد التي تم طرحها من قبل أهل العلم في الساحة الشامية». ودعا، في تصريح لـ«شبكة شام»، الفصائل إلى التوحد قائلا: «الفصائل التي كانت تقول إن (النصرة) هي السبب في عدم التوحد نقول ها هي قد فكت الارتباط بـ(القاعدة)، وزال السبب، فتعالوا وضعوا أيديكم بأيدي بعض وحققوا آمال الشعب في التوحد وإن لم تقبل (النصرة) فالفصائل كثيرة من دونها».
فك ارتباط «النصرة» بـ«القاعدة» يؤسس لمرحلة جديدة في سوريا
توقع تغيير التحالفات الاستراتيجية على الأرض عبر بدء التنسيق مع الفصائل المعارضة
فك ارتباط «النصرة» بـ«القاعدة» يؤسس لمرحلة جديدة في سوريا
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة