سجل عدد المواطنين الروس الراغبين بالانتقال للعيش بصورة دائمة في بلد خارج نطاق الجمهوريات السوفياتية السابقة ارتفاعًا ملموسًا خلال الأشهر الأخيرة، حيث بلغت نسبة هؤلاء بين المواطنين الروس 19 في المائة في شهر مايو (أيار) الماضي، بينما لم تكن نسبتهم تتجاوز 12 في المائة خلال شهر مارس (آذار) السابق، وذلك وفق ما تشير إليه نتائج استطلاع للرأي أجراه مركز «ليفادا سنتر»، الذي يوضح أن 25 في المائة من المواطنين الروس بشكل عام «فكروا بموضوع الهجرة»، والأسباب الرئيسية التي تدفعهم لذلك هي «الظروف المعيشية الأفضل في الدول الأخرى» التي يفكرون بالهجرة إليها، و«عدم استقرار الاقتصاد الروسي».
بالمقابل، قال 28 في المائة من المواطنين الروس: «الأرجح لا أريد مغادرة روسيا» للعيش في بلد آخر، بينما حسم 47 في المائة أمرهم وأعربوا خلال استطلاع الرأي عن عدم رغبتهم بالسفر من روسيا للإقامة بصورة دائمة في بلد آخر.
ويرى ليف غودكوف، المدير العام لمركز «ليفادا سنتر»، أن نتائج استطلاع الرأي «لا تعكس رغبة حقيقية لدى المواطنين الروس بالانتقال للعيش في بلد آخر، وإنما تعكس عدم راحة بعض الفئات الاجتماعية، وشعورهم بعدم الاستقرار»، ويوضح غودكوف أن «من تكون لديه عادة رغبة بالسفر هم جيل الشباب، الذين يرغبون بمشاهدة الدول الأخرى، والذين لا يرون مستقبلا لهم هنا (في روسيا)»، وفي واقع الأمر لا تزيد نسبة الذين يغادرون البلاد فعليًا للإقامة في بلدان أخرى على 0.5 في المائة من المواطنين الروس، وفق ما يقول باحثون اجتماعيون في روسيا.
في غضون ذلك، تشير دراسات أوروبية إلى أن عدد المهاجرين الروس يزداد من عام لآخر، ويشكل هؤلاء المهاجرون ما بين 4 إلى 5.5 في المائة من نسبة السكان في ألمانيا، أي يحتل المهاجرون الروس المرتبة الثانية بعد الأتراك في ألمانيا.
وحسب معطيات غير رسمية، وصل إلى ألمانيا العام الماضي 6 آلاف مهاجر روسي، بينما وصل إلى الدول الأخرى في الاتحاد الأوروبي وكندا والولايات المتحدة وأستراليا 40 ألف مهاجر روسي، بعضهم قادم من روسيا والبعض الآخر من الجمهوريات السوفياتية الأخرى.
ولا تبدو أعداد المهاجرين الروس إلى أوروبا كبيرة لدرجة يمكن القول معها إن حجم الهجرة يعكس حالة واسعة في المجتمع الروسي، لا سيما إذا ما أخذنا بالحسبان أن عدد السكان في روسيا يقدر بما بين 120 إلى 125 مليون نسمة.
وترى يلينا كيسيليوفا، الخبيرة من معهد الدراسات الاستراتيجية الشاملة، أن زيادة أعداد المواطنين الروس الراغبين بالهجرة «ليست كبيرة بالدرجة التي يمكن الحديث معها عن تغير نوعي في مزاجية المجتمع»، وتقول إن تعبير ربع السكان تقريبا عن الرغبة بالهجرة ليس سوى «تعبير عن عدم رضاهم على الأوضاع الاقتصادية في البلاد، التي لم تتغير حتى الآن نحو الأفضل»، موضحة أن «الأزمة تشكل عادة حافزا لتغيير بلد الإقامة، إلا أنها - أي الأزمة - تحد في الوقت ذاته من القدرات المالية للمهاجرين»، ما يعقد إمكانية الهجرة، ذلك لكون شروط إقامة المهاجر والامتيازات التي يحصل عليها من الحكومات في الدول الأوروبية تختلف جذريا عن الامتيازات التي يحصل عليها اللاجئ الوافد بسبب الحرب في بلاده أو لأسباب أمنية وسياسية أخرى تشكل تهديدًا على حياته بحال بقائه في وطنه.
ويؤكد ميخائيل ماكاروف، مدير شركة «يورو كروب»، أن السفر بحثًا عن حياة أفضل ليس بالأمر السهل: «وإذا كان الحديث يدور عن السفر إلى أوروبا فلا بد من أن يكون هناك نشاط تجاري ما (بيزنس) لدى الشخص الذي يرغب في الانتقال من روسيا إلى هناك للعيش بصورة دائمة»، موضحًا أن من يريد السفر «يجب أن يكون لديه مصدر دخل جيد في روسيا أو مصدر دخل دائم على الأقل» ليغطي نفقات معيشته في أوروبا إلى حين أن يبدأ بالحصول على دخل هناك.
وبالعودة إلى نتائج استطلاع الرأي، فقد أكد 73 في المائة من المواطنين الروس أنهم لم يفكروا يومًا بالانتقال للعيش في بلد ما خارج حدود الجمهوريات السوفياتية السابقة، وقال 16 في المائة إنهم يفكرون بالهجرة أحيانًا، بينما يفكر 7 في المائة بإمكانية أن يهاجروا، ولم تتجاوز النسبة الواحد في المائة من المواطنين الروس الذين أكدوا أنهم اتخذوا قرارا نهائيا بالهجرة، أو الذين أكدوا أنهم يُعدون الوثائق والأوراق المطلوبة للهجرة.
وفي توضيح أوسع للأسباب التي تدفع المواطنين الروس للهجرة إلى بلدان أخرى، وإلى جانب الظروف الاقتصادية والرغبة بتحسين المستوى المعيشي، يشير «ليفادا سنتر» إلى جملة من الأسباب الأخرى عبر عنها المواطنون الروس خلال استطلاع للرأي، بينها «الرغبة في ضمان مستقبل الأطفال»، ويبرر البعض رغبته بالانتقال للعيش في بلد آخر لأسباب سياسية مثل «عدم الشعور بالحماية في وجه تعسف السلطات» و«الوضع السياسي في روسيا».
وتجدر الإشارة إلى أن نسبة البطالة ارتفعت خلال الآونة الأخيرة في غالبية الأقاليم الروسية بقدر 0.4 في المائة، أي أكثر بقليل من مليون عاطل عن العمل، وفق ما تشير إليه معطيات وزارة العمل الروسية عن شهر مارس.
أما بالنسبة للمستوى المعيشي، فقد أشار استطلاع للرأي أجراه «مركز عموم روسيا لمسح الرأي العام» في نهاية عام 2015. إلى أن نسبة العائلات التي لم يعد يكفيها دخلها سوى لشراء المواد الأساسية، والتي تخشى من ألا يكفي الدخل حتى لشراء تلك المواد، قد بلغت 39 في المائة من العائلات الروسية، بزيادة قدرها 17 في المائة عن عام 2014.
ربع المواطنين الروس يرغبون بالهجرة والعيش في بلد آخر
في ظل عدم استقرار الاقتصاد وتراجع المستوى المعيشي
ربع المواطنين الروس يرغبون بالهجرة والعيش في بلد آخر
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة