من التاريخ : تأملات تاريخية في البطولة الأوروبيةhttps://aawsat.com/home/article/690551/%D9%85%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%AA%D8%A7%D8%B1%D9%8A%D8%AE-%D8%AA%D8%A3%D9%85%D9%84%D8%A7%D8%AA-%D8%AA%D8%A7%D8%B1%D9%8A%D8%AE%D9%8A%D8%A9-%D9%81%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%B7%D9%88%D9%84%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D9%88%D8%B1%D9%88%D8%A8%D9%8A%D8%A9
تابعت كما تابع الملايين، بل المليارات حول العالم، نهائيات كأس الأمم الأوروبية التي أقيمت في فرنسا أخيرًا، وكانت محل اهتمام كل وسائل الإعلام والجماهير الغفيرة، خصوصًا فيما يتعلق بمباراة فرنسا وألمانيا ثم النهائي بين فرنسا والبرتغال. ولقد وجدت ومضات فكر تتناثر أمامي حول تاريخ كرة القدم وأنا أشاهد المباراة بتحمس شديد، وقد رأيت طرحها على القارئ العزيز على النحو التالي: أولاً: أمعنت التدقيق في المنتخب الوطني الفرنسي أثناء عزف السلام الوطني المعروف باسم «لامارسييز»، ولاحظت على الفور كثافة عدد اللاعبين من أصحاب الوجوه السمراء وذوي الأصول الأفريقية ولقد غلب هؤلاء على الفريق الفرنسي بشكل يكاد يكون كاملاً. وعاد إلى ذاكرتي على الفور المنتخب الفرنسي المشارك في كأس العالم بإسبانيا عام 1982 بقيادة ميشال بلاتيني وديدييه سيس وألان جيريس وغيرهم، فمحصت في ذاكرتي هذا الفريق العملاق وتذكرت أن هذا الفريق لم يشمل إلا لاعبين اثنين من ذوي البشرة السمراء هما ماريوس تريزور وجان تيغانا اللذان أمتعانا جميعًا، وعندها أدركت أن العالم بالفعل تغير، وأن أبناء الأجيال الأفريقية أصبح لها دورها في تمثيل بلادها من دون أن تنسى جذورها. ثانيًا: عدت بذاكرتي على الفور إلى عام 1974 خلال نهائيات كأس العالم الشهيرة في ألمانيا الغربية آنذاك، وتذكرت على الفور الفريق الألماني الذي كنت أشجعه بكل قوة وأنا طفل، الذي تضمن لاعبين عظماء مثل غيرد موللر وفرانتس بيكنباور والحارس العملاق سيب ماير. ثم عدت من رحلة الذاكرة على الفور لأراجع وجوه المنتخب الألماني المشارك في نهائيات فرنسا الأخيرة، الذي خرج منها بعد هزيمته أمام الفريق الفرنسي، ولقد ضم هو الآخر الكثير من أبناء المجنّسين الألمان وعلى رأسهم جيروم بواتانغ ومسعود أوزل وسامي خضيرة، وهذا أمر لم يكن متخيلاً في عام 1974. وعند هذا الحد أدركت مرة أخرى أن العالم بالفعل تغير، وأن العولمة صارت في كل شيء بما في ذلك كرة القدم. ففكرة الانصهار الإثني في كرة القدم أصبحت قاعدة أكيدة مع أنها ليست بالضرورة قاعدة مطبقة في كل المجالات، بطبيعة الحال. ولو تخيلنا فرنسا من دون الأسود من الأصول الأفريقية ما كنت أظن أنها كانت ستصل إلى النهائي. وأعتقد أن الشيء نفسه ينطبق على الفريق الألماني. ثالثًا: واتصالاً بما سبق، أذكر الحوار الذي دار مع والدي - رحمات الله عليه - خلال نهائيات كأس العالم عام 1974 عن سبب عدم مشاركة مصر في البطولة، فأوضح لي أن الأماكن المخصصة لأفريقيا هي لمنتخبين فقط لا غير، ولا يسمح لها بأكثر من ذلك في الوقت الذي تشارك فيه قارات العالم بنصيب أوفر بكثير. وأذكر أنني كنت مستاءً للغاية لهذه الظاهرة وهي الظاهرة التي بدأت تتغير بعض الشيء مع مرور البطولات، فاليوم تشارك أفريقيا بخمسة منتخبات، وذلك في الوقت الذي يشارك أبناء هذه القارة العظيمة في أندية الدوري الأوروبي بشكل كبير للغاية. وحاليًا لا يمكن أن نتخيل فريقًا أوروبيًا ليس فيه ممثل عن القارة السمراء، إلى الحد الذي يمكن أن نرى فريقًا في الدوري الإنجليزي لا يتضمن إلا لاعبين أو ثلاثة لاعبين إنجليز أما الباقون فمن الدول المختلفة سواء الأوروبية أو الأفريقية أو الأميركية اللاتينية. وتقديري أن هذا نتاج طبيعي لتغير الموروث التاريخي ويأتي إعلانًا مرة أخرى عن ضغوط العولمة والمصلحة والعوامل الاقتصادية والربحية التي بدأت تغير شكل كرة القدم. رابعًا: وجدت نفسي خلال مشاهدة المباراة أتأمل ما صارت إليه لعبة كرة القدم منذ أن بدأت متابعتها خلال أربعة حقب، فوجدت أن البطولات الدولية المختلفة مثل كأس العالم وكأس القارات وغيرها سيطرت على العالم كله. فاليوم يتابع العالم كله هذه البطولات، بل أصبحت تذاع حصريًا على قنوات بعينها تدفع الملايين بهدف الاستئثار بنقل هذه المناسبات لتحصل منها على ملايين إضافية. لقد أصبحت كرة القدم التي كنت أعرفها مرة أخرى «ظاهرة دولية» لها قواعد بدأت تترسخ تدريجيًا حتى أصبح الاتحاد الدولي لكرة القدم «الفيفا» FIFA، وهو الجهاز المنظم لهذه اللعبة في العالم، إمبراطورية قائمة بذاتها، لها قواعدها وأسلوبها في إدارة شؤون اللعبة دون أي اعتبار لسيادة أو حدود قطرية. وعقب الانتهاء من المباراة اطلعت مرة أخرى على مراجع مادة العلاقات الدولية لأحاول توصيف «الفيفا» بعدما أصبح كيانًا قويًا للغاية يمكن أن يسهم في فرحة الملايين أو إتعاسهم على حد سواء، فوجدت أفضل تعريف له هو مفهوم «تنظيمات عابرة الحدود» Transnational Regimes، أي «تنظيم دولي خاص». فكل دولة لها اتحادها الذي يخضع لإشراف الاتحاد الدولي الذي يُنتخَب من قبل هذه الاتحادات. بل المدهش في الأمر أن القوانين المحلية لا تنطبق بالضرورة على عمل الاتحاد، ومن المستغرب له أن بعض الاتحادات القطرية لا تخضع للأحكام القضائية. وفي حال ما إذا أصرت الدولة على تطبيق الأحكام تخالف قرارات الاتحاد الدولي فقد تحرم هذه الدولة من المشاركة في البطولات الدولية، وبالتالي، يصبح اتحادها مارقًا أي خارجًا عن قواعد الاتحاد الدولي ويتعرض للعزل. وختامًا، تيقنت أيضًا من أن اللعبة ذاتها دخلت عليها من المتغيرات الكثيرة على المستوى التكتيكي أو الشكلي، فبجانب التغير الطبيعي المتوقع في شكل ملابس اللاعبين عبر الحقب لاحظت المتغيرات التي دخلت على طريقة لعب كرة القدم. وعدت على الفور إلى بعض المباريات القديمة، فلاحظت تغيّر استراتيجيات اللعبة وديناميكياتها بشكل مخيف. ففي الماضي كانت المباريات تدار بوسيلة 4 - 2 - 4، أما اليوم فهي تدار بـ4 - 4 - 2 أو ما شابه ذلك، وهو ما يحتاج إلى انصهار تكتيكي كبير للغاية بين أعضاء الفريق. والقصد أنه في يومنا هذا لا يلعب أي فريق بجناح، لكن هذا الدور يقوم به لاعب خط الوسط الأيمن أو الأيسر في مناسبات كثيرة أو المدافع الأيمن أو الأيسر، وبالفعل هناك ديناميكية غريبة غيّرت من تاريخ طريقة هذه اللعبة، فالفكر تغير، ومعه المضمون ومعه أيضًا انصهار الأعراق.
أفريقيا... ساحة تنافس جديد بين الهند والصينhttps://aawsat.com/%D9%81%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D9%85%D9%82/%D8%AD%D8%B5%D8%A7%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%B3%D8%A8%D9%88%D8%B9/5097788-%D8%A3%D9%81%D8%B1%D9%8A%D9%82%D9%8A%D8%A7-%D8%B3%D8%A7%D8%AD%D8%A9-%D8%AA%D9%86%D8%A7%D9%81%D8%B3-%D8%AC%D8%AF%D9%8A%D8%AF-%D8%A8%D9%8A%D9%86-%D8%A7%D9%84%D9%87%D9%86%D8%AF-%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%B5%D9%8A%D9%86
Chinese Foreign Minister Wang Yi (C) speaks during a press conference with Senegal's Foreign Minister Yassine Fall (L) and Congo Foreign Minister Jean-Claude Gakosso (R) at the Forum on China-Africa Cooperation (FOCAC) in Beijing on September 5, 2024. (Photo by GREG BAKER / AFP)
Chinese Foreign Minister Wang Yi (C) speaks during a press conference with Senegal's Foreign Minister Yassine Fall (L) and Congo Foreign Minister Jean-Claude Gakosso (R) at the Forum on China-Africa Cooperation (FOCAC) in Beijing on September 5, 2024. (Photo by GREG BAKER / AFP)
منذ فترة ولايته الأولى عام 2014، كان رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي أكبر مناصر للعلاقات بين الهند وأفريقيا.
على خلفية ذلك، تجدر الإشارة إلى أن الحكومة الهندية بذلت جهداً استثنائياً للتواصل مع الدول الأفريقية عبر زيارات رفيعة المستوى من القيادة العليا، أي الرئيس ونائب الرئيس ورئيس الوزراء، إلى ما مجموعه 40 بلداً في أفريقيا بين عامي 2014 و2019. ولا شك أن هذا هو أكبر عدد من الزيارات قبل تلك الفترة المحددة أو بعدها.
من ثم، فإن الزيارة التي قام بها مؤخراً رئيس الوزراء الهندي مودي إلى نيجيريا قبل سفره إلى البرازيل لحضور قمة مجموعة العشرين، تدل على أن زيارة أبوجا (في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي) ليست مجرد زيارة ودية، وإنما خطوة استراتيجية لتعزيز القوة. مما يؤكد على التزام الهند ببناء علاقات أعمق مع أفريقيا، والبناء على الروابط التاريخية، والخبرات المشتركة، والمنافع المتبادلة.
صرح إتش. إس. فيسواناثان، الزميل البارز في مؤسسة «أوبزرفر» للأبحاث وعضو السلك الدبلوماسي الهندي لمدة 34 عاماً، بأنه «من خلال تعزيز الشراكات الاقتصادية، وتعزيز التعاون الدفاعي، وتعزيز التبادل الثقافي، تُظهِر الهند نفسها بصفتها لاعباً رئيسياً في مستقبل أفريقيا، في الوقت الذي تقدم فيه بديلاً لنهج الصين الذي غالباً ما يتعرض للانتقاد. إن تواصل الهند في أفريقيا هو جزء من أهدافها الجيوسياسية الأوسع نطاقاً للحد من نفوذ الصين».
سافر مودي إلى 14 دولة أفريقية خلال السنوات العشر الماضية من حكمه بالمقارنة مع عشر زيارات لنظيره الصيني شي جينبينغ. بيد أن زيارته الجديدة إلى نيجيريا تعد أول زيارة يقوم بها رئيس وزراء هندي لهذه الدولة منذ 17 عاماً. كانت الأهمية التي توليها نيجيريا للهند واضحة من حقيقة أن رئيس الوزراء الهندي مُنح أعلى وسام وطني في البلاد، وسام القائد الأكبر، وهو ثاني شخصية أجنبية فقط تحصل على هذا التميز منذ عام 1969، بعد الملكة إليزابيث الثانية؛ مما يؤكد على المكانة التي توليها نيجيريا للهند.
نجاح الهند في ضم الاتحاد الأفريقي إلى قمة مجموعة العشرين
كان الإنجاز الكبير الذي حققته الهند هو جهدها لضمان إدراج الاتحاد الأفريقي عضواً دائماً في مجموعة العشرين، وهي منصة عالمية للنخبة تؤثر قراراتها الاقتصادية على ملايين الأفارقة. وقد تم الإشادة برئيس الوزراء مودي لجهوده الشخصية في إدراج الاتحاد الأفريقي ضمن مجموعة العشرين من خلال اتصالات هاتفية مع رؤساء دول مجموعة العشرين. وكانت جهود الهند تتماشى مع دعمها الثابت لدور أكبر لأفريقيا في المنصات العالمية، وهدفها المتمثل في استخدام رئاستها للمجموعة في منح الأولوية لشواغل الجنوب العالمي.
يُذكر أن الاتحاد الأفريقي هو هيئة قارية تتألف من 55 دولة.
دعا مودي، بصفته مضيف مجموعة العشرين، رئيس الاتحاد الأفريقي، غزالي عثماني، إلى شغل مقعده بصفته عضواً دائماً في عصبة الدول الأكثر ثراء في العالم، حيث صفق له القادة الآخرون وتطلعوا إليه.
وفقاً لراجيف باتيا، الذي شغل أيضاً منصب المدير العام للمجلس الهندي للشؤون العالمية في الفترة من 2012 - 2015، فإنه «لولا الهند لكانت مبادرة ضم الاتحاد الأفريقي إلى مجموعة العشرين قد فشلت. بيد أن الفضل في ذلك يذهب إلى الهند لأنها بدأت العملية برمتها وواصلت تنفيذها حتى النهاية. وعليه، فإن الأفارقة يدركون تمام الإدراك أنه لولا الدعم الثابت من جانب الهند ورئيس الوزراء مودي، لكانت المبادرة قد انهارت كما حدث العام قبل الماضي أثناء رئاسة إندونيسيا. لقد تأثرت البلدان الأفريقية بأن الهند لم تعد تسمح للغرب بفرض أخلاقياته».
التوغلات الصينية في أفريقيا
تهيمن الصين في الواقع على أفريقيا، وقد حققت توغلات أعمق في القارة السمراء لأسباب استراتيجية واقتصادية على حد سواء. بدأت العلاقات السياسية والاقتصادية الحديثة بين البر الصيني الرئيسي والقارة الأفريقية في عهد ماو تسي تونغ، بعد انتصار الحزب الشيوعي الصيني في الحرب الأهلية الصينية. زادت التجارة بين الصين وأفريقيا بنسبة 700 في المائة خلال التسعينات، والصين حالياً هي أكبر شريك تجاري لأفريقيا. وقد أصبح منتدى التعاون الصيني - الافريقي منذ عام 2000 المنتدى الرسمي لدعم العلاقات. في الواقع، الأثر الصيني في الحياة اليومية الأفريقية عميق - الهواتف المحمولة المستخدمة، وأجهزة التلفزيون، والطرق التي تتم القيادة عليها مبنية من قِبل الصينيين.
كانت الصين متسقة مع سياستها الأفريقية. وقد عُقدت الدورة التاسعة من منتدى التعاون الصيني - الأفريقي في سبتمبر (أيلول) 2024، في بكين.
كما زوّدت الصين البلدان الأفريقية بمليارات الدولارات في هيئة قروض ساعدت في بناء البنية التحتية المطلوبة بشدة. علاوة على ذلك، فإن تعزيز موطئ قدم لها في ثاني أكبر قارة من حيث عدد السكان في العالم يأتي مع ميزة مربحة تتمثل في إمكانية الوصول إلى السوق الضخمة، فضلاً عن الاستفادة من الموارد الطبيعية الهائلة في القارة، بما في ذلك النحاس، والذهب، والليثيوم، والمعادن الأرضية النادرة. وفي الأثناء ذاتها، بالنسبة للكثير من الدول الأفريقية التي تعاني ضائقة مالية، فإن أفريقيا تشكل أيضاً جزءاً حيوياً من مبادرة الحزام والطريق الصينية، حيث وقَّعت 53 دولة على المسعى الذي تنظر إليه الهند بريبة عميقة.
كانت الصين متسقة بشكل ملحوظ مع قممها التي تُعقد كل ثلاث سنوات؛ وعُقدت الدورة التاسعة لمنتدى التعاون الصيني - الأفريقي في سبتمبر 2024. وفي الوقت نفسه، بلغ إجمالي تجارة الصين مع القارة ثلاثة أمثال هذا المبلغ تقريباً الذي بلغ 282 مليار دولار.
الهند والصين تناضلان من أجل فرض الهيمنة
تملك الهند والصين مصالح متنامية في أفريقيا وتتنافسان على نحو متزايد على الصعيدين السياسي والاقتصادي.
في حين تحاول الصين والهند صياغة نهجهما الثنائي والإقليمي بشكل مستقل عن بعضهما بعضاً، فإن عنصر المنافسة واضح. وبينما ألقت بكين بثقلها الاقتصادي الهائل على تطوير القدرة التصنيعية واستخراج الموارد الطبيعية، ركزت نيودلهي على كفاءاتها الأساسية في تنمية الموارد البشرية، وتكنولوجيا المعلومات، والتعليم، والرعاية الصحية.
مع ذلك، قال براميت بول شاودهوري، المتابع للشؤون الهندية في مجموعة «أوراسيا» والزميل البارز في «مركز أنانتا أسبن - الهند»: «إن الاستثمارات الهندية في أفريقيا هي إلى حد كبير رأسمال خاص مقارنة بالصينيين. ولهذا السبب؛ فإن خطوط الائتمان التي ترعاها الحكومة ليست جزءاً رئيسياً من قصة الاستثمار الهندية في أفريقيا. الفرق الرئيسي بين الاستثمارات الهندية في أفريقيا مقابل الصين هو أن الأولى تأتي مع أقل المخاطر السياسية وأكثر انسجاماً مع الحساسيات الأفريقية، لا سيما فيما يتعلق بقضية الديون».
على عكس الصين، التي ركزت على إقامة البنية التحتية واستخراج الموارد الطبيعية، فإن الهند من خلال استثماراتها ركزت على كفاءاتها الأساسية في تنمية الموارد البشرية، وتكنولوجيا المعلومات، والأمن البحري، والتعليم، والرعاية الصحية. والحقيقة أن الشركات الصينية كثيراً ما تُتهم بتوظيف أغلب العاملين الصينيين، والإقلال من جهودها الرامية إلى تنمية القدرات المحلية، وتقديم قدر ضئيل من التدريب وتنمية المهارات للموظفين الأفارقة. على النقيض من ذلك، يهدف بناء المشاريع الهندية وتمويلها في أفريقيا إلى تيسير المشاركة المحلية والتنمية، بحسب ما يقول الهنود. تعتمد الشركات الهندية أكثر على المواهب الأفريقية وتقوم ببناء قدرات السكان المحليين. علاوة على ذلك، وعلى عكس الإقراض من الصين، فإن المساعدة الإنمائية التي تقدمها الهند من خلال خطوط الائتمان الميسرة والمنح وبرامج بناء القدرات هي برامج مدفوعة بالطلب وغير مقيدة. ومن ثم، فإن دور الهند في أفريقيا يسير جنباً إلى جنب مع أجندة النمو الخاصة بأفريقيا التي حددتها أمانة الاتحاد الأفريقي، أو الهيئات الإقليمية، أو فرادى البلدان، بحسب ما يقول مدافعون عن السياسة الهندية.
ويقول هوما صديقي، الصحافي البارز الذي يكتب عن الشؤون الاستراتيجية، إن الهند قطعت في السنوات الأخيرة شوطاً كبيراً في توسيع نفوذها في أفريقيا، لكي تظهر بوصفها ثاني أكبر مزود للائتمان بالقارة. شركة الاتصالات الهندية العملاقة «إيرتل» - التي دخلت أفريقيا عام 1998، هي الآن أحد أكبر مزودي خدمات الهاتف المحمول في القارة، كما أنها طرحت خطاً خاصاً بها للهواتف الذكية من الجيل الرابع بأسعار زهيدة في رواندا. وكانت الهند رائدة في برامج التعليم عن بعد والطب عن بعد لربط المستشفيات والمؤسسات التعليمية في كل البلدان الأفريقية مع الهند من خلال شبكة الألياف البصرية. وقد ساعدت الهند أفريقيا في مكافحة جائحة «كوفيد – 19» بإمداد 42 بلداً باللقاحات والمعدات.
تعدّ الهند حالياً ثالث أكبر شريك تجاري لأفريقيا، حيث يبلغ حجم التجارة الثنائية بين الطرفين نحو 100 مليار دولار. وتعدّ الهند عاشر أكبر مستثمر في أفريقيا من حيث حجم الاستثمارات الأجنبية المباشرة. كما توسع التعاون الإنمائي الهندي بسرعة منذ أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، وكانت البلدان الأفريقية هي المستفيد الرئيسي من برنامج الخطوط الائتمانية الهندية.
قالت هارشا بانغاري، المديرة الإدارية لبنك الهند للاستيراد والتصدير: «على مدى العقد الماضي، قدمت الهند ما يقرب من 32 مليار دولار أميركي في صورة ائتمان إلى 42 دولة أفريقية، وهو ما يمثل 38 في المائة من إجمالي توزيع الائتمان. وهذه الأموال، التي تُوجه من خلال بنك الهند للاستيراد والتصدير، تدعم مجموعة واسعة من المشاريع، بما في ذلك الرعاية الصحية والبنية التحتية والزراعة والري».
رغم أن الصين تتصدر الطريق في قطاع البنية التحتية، فإن التمويل الصيني للبنية التحتية في أفريقيا قد تباطأ بشكل كبير خلال السنوات الأخيرة. برزت عملية تطوير البنية التحتية سمةً مهمة من سمات الشراكة التنموية الهندية مع أفريقيا. وقد أنجزت الهند حتى الآن 206 مشاريع في 43 بلداً أفريقياً، ويجري حالياً تنفيذ 65 مشروعاً، يبلغ مجموع الإنفاق عليها نحو 12.4 مليار دولار. وتقدم الهند أيضاً إسهامات كبيرة لبناء القدرات الأفريقية من خلال برنامجها للتعاون التقني والتكنولوجي، والمنح الدراسية، وبناء المؤسسات في القارة.
وتجدر الإشارة إلى أن الهند أكثر ارتباطاً جغرافياً من الصين بالقارة الأفريقية، وهي بالتالي تتشاطر مخاوفها الأمنية أيضاً. وتعتبر الهند الدول المطلة على المحيط الهندي في افريقيا مهمة لاستراتيجيتها الخاصة بمنطقة المحيطين الهندي والهادئ، ووقّعت الهند مع الكثير منها اتفاقيات للدفاع والشحن تشمل التدريبات المشتركة. كما أن دور قوات حفظ السلام الهندية موضع تقدير كبير.
يقول السفير الهندي السابق والأمين المشترك السابق لشؤون أفريقيا في وزارة الخارجية، السفير ناريندر تشوهان: «إن الانتقادات الموجهة إلى المشاركة الاقتصادية للصين مع أفريقيا قد تتزايد من النقابات العمالية والمجتمع المدني بشأن ظروف العمل السيئة والممارسات البيئية غير المستدامة والتشرد الوظيفي الذي تسببه الشركات الصينية. ويعتقد أيضاً أن الصين تستغل نقاط ضعف الحكومات الأفريقية، وبالتالي تشجع الفساد واتخاذ القرارات المتهورة. فقد شهدت أنغولا، وغانا، وغامبيا، وكينيا مظاهرات مناهضة للمشاريع التي تمولها الصين. وهناك مخاوف دولية متزايدة بشأن الدور الذي تلعبه الصين في القارة الأفريقية».
القواعد العسكرية الصينية والهندية في أفريقيا
قد يكون تحقيق التوازن بين البصمة المتزايدة للصين في أفريقيا عاملاً آخر يدفع نيودلهي إلى تعزيز العلاقات الدفاعية مع الدول الافريقية.
أنشأت الصين أول قاعدة عسكرية لها في الخارج في جيبوتي، في القرن الأفريقي، عام 2017؛ مما أثار قلق الولايات المتحدة؛ إذ تقع القاعدة الصينية على بعد ستة أميال فقط من قاعدة عسكرية أميركية في البلد نفسه.
تقول تقارير إعلامية إن الصين تتطلع إلى وجود عسكري آخر في دولة الغابون الواقعة في وسط أفريقيا. ونقلت وكالة أنباء «بلومبرغ» عن مصادر قولها إن الصين تعمل حالياً على دخول المواني العسكرية في تنزانيا وموزمبيق الواقعتين على الساحل الشرقي لأفريقيا. وذكرت المصادر أنها عملت أيضاً على التوصل إلى اتفاقيات حول وضع القوات مع كلا البلدين؛ الأمر الذي سيقدم للصين مبرراً قانونياً لنشر جنودها هناك.
تقليدياً، كان انخراط الهند الدفاعي مع الدول الأفريقية يتركز على التدريب وتنمية الموارد البشرية.
في السنوات الأخيرة، زادت البحرية الهندية من زياراتها للمواني في الدول الأفريقية، ونفذت التدريبات البحرية الثنائية ومتعددة الأطراف مع الدول الأفريقية. من التطورات المهمة إطلاق أول مناورة ثلاثية بين الهند وموزمبيق وتنزانيا في دار السلام في أكتوبر (تشرين الأول) عام 2022.
هناك مجال آخر مهم للمشاركة الدفاعية الهندية، وهو الدفع نحو تصدير معدات الدفاع الهندية إلى القارة.
ألقى التركيز الدولي على توسع الوجود الصيني في أفريقيا بظلاله على تطور مهم آخر - وهو الاستثمار الاستراتيجي الهندي في المنطقة. فقد شرعت الهند بهدوء، لكن بحزم، في بناء قاعدة بحرية على جزر أغاليغا النائية في موريشيوس.
تخدم قاعدة أغاليغا المنشأة حديثاً الكثير من الأغراض الحيوية للهند. وسوف تدعم طائرات الاستطلاع والحرب المضادة للغواصات، وتدعم الدوريات البحرية فوق قناة موزمبيق، وتوفر نقطة مراقبة استراتيجية لمراقبة طرق الشحن حول الجنوب الأفريقي.
وفي سابقة من نوعها، عيَّنت الهند ملحقين عسكريين عدة في بعثاتها الدبلوماسية في أفريقيا.
وفقاً لغورجيت سينغ، السفير السابق لدى إثيوبيا والاتحاد الأفريقي ومؤلف كتاب «عامل هارامبي: الشراكة الاقتصادية والتنموية بين الهند وأفريقيا»: «في حين حققت الهند تقدماً كبيراً في أفريقيا، فإنها لا تزال متخلفة عن الصين من حيث النفوذ الإجمالي. لقد بذلت الهند الكثير من الجهد لجعل أفريقيا في بؤرة الاهتمام، هل الهند هي الشريك المفضل لأفريقيا؟ صحيح أن الهند تتمتع بقدر هائل من النوايا الحسنة في القارة الأفريقية بفضل تضامنها القديم، لكن هل تتمتع بالقدر الكافي من النفوذ؟ من الصعب الإجابة عن هذه التساؤلات، سيما في سياق القوى العالمية الكبرى كافة المتنافسة على فرض نفوذها في المنطقة. ومع ذلك، فإن عدم القدرة على عقد القمة الرابعة بين الهند وأفريقيا حتى بعد 9 سنوات من استضافة القمة الثالثة لمنتدى الهند وأفريقيا بنجاح في نيودلهي، هو انعكاس لافتقار الهند إلى النفوذ في أفريقيا. غالباً ما تم الاستشهاد بجائحة «كوفيد - 19» والجداول الزمنية للانتخابات بصفتها أسباباً رئيسية وراء التأخير المفرط في عقد قمة المنتدى الهندي الأفريقي».