سان بطرسبورغ.. الوجه الغربي لروسيا

أكبر مجموعة لوحات فنية في العالم بـ«هيرميتاج»

متحف هيرميتاج من اغلى متاحف العالم
متحف هيرميتاج من اغلى متاحف العالم
TT

سان بطرسبورغ.. الوجه الغربي لروسيا

متحف هيرميتاج من اغلى متاحف العالم
متحف هيرميتاج من اغلى متاحف العالم

حسب معلومات «ناتاشا»، المرشدة السياحية الروسية لمجموعة من السياح الأميركيين يوم وصلوهم سانت بطرسبورغ، تغير اسم المدينة عدة مرات:
في عام 1703، بناها الإمبراطور بيتر العظيم، وسماها «سانت بيترزبورغ»، ليربط اسمه باسم حوار المسيح بطرس. وجعلها عاصمة إمبراطوريته.
في عام 1918، سمتها الثورة الشيوعية «بتروغراد»، بعد أن نقلت العاصمة إلى موسكو. (تحاشت الاسم الديني: «سانت أو قديس»).
في عام 1924، بعد وفاة فلاديمير لينين، قائد الثورة الشيوعية، سميت «لينينغراد».
في عام 1991، بعد سقوط الحكم الشيوعي، عاد الاسم القديم «سانت بيترزبورغ».
لكن، قالت: «ناتاشا»: «في كلامنا، نحن الروس بعضنا مع بعض، نقول: (بيترزبورغ)، أو (بيتر)».
بالنسبة لموسكو، هي مثل نيويورك لواشنطن: الأولى العاصمة الاقتصادية والثقافية، والثانية العاصمة الرسمية. الأولى ميناء بحري كبير، والثانية في الداخل. الأولى منفتحة، والثانية أقل انفتاحا.
خلال سبعين سنة من الحكم الشيوعي، انشغلت موسكو بالاتحاد السوفياتي الذي امتد إلى وسط آسيا، ثم إلى شرقها، حتى مشارف اليابان، وكوريا، والصين. لكن، ركزت سانت بيترزبورغ على أوروبا. وتشبعت بالحضارة الأوروبية. وجمعت بين القلاع والقصور والكاتدرائيات القديمة، والأسواق والمراكز التجارية الحديثة.
وقالت «ناتاشا»: «نسميها (الأميرة الأوروبية) و(أميرة أوروبا) و(إمبراطورة أوروبا) و(إمبراطورة بحر البلطيق)». ذلك لأنها تقع على بحر البلطيق الذي يربط روسيا بدول شمال أوروبا الاسكندنافية (فنلندا، السويد، النرويج، الدنمارك). وبموانئ دول وسط أوروبا (ألمانيا، بولندا، وروسيا البيضاء).
وفيها ثلاثة معالم تاريخية:
أولا: قصر كاثرين (قصر الإمبراطورة كاثرين العظيمة).
ثانيا: متحف هيرمتاج (كان قصر الإمبراطور بيتر العظيم).
ثالثا: كاتدرائية سمولني (بنتهما).

متحف «هيرمتاج»
متحف «هيرمتاج» هو الأول في العالم في عدد اللوحات الفنية. والثاني في العالم، بعد متحف «لوفر» في باريس، في الحجم. يملك أكثر من ثلاثة ملايين قطعة فنية وأثرية (لا يوجد مكان كاف لعرضها كلها).
يزور المتحف كل سنة خمسة ملايين شخص تقريبا. وفيه 350 قاعة تقريبا، تعرض 15.000 لوحة فنية تقريبا، و12.000 تمثال تقريبا، وستمائة ألف قطعة أثرية تقريبا، ومليون قطعة من الأسلحة، والممتلكات الشخصية تقريبا، وعشرين ألف من الأيقونات والصلبان والنحوت والآثار المسيحية تقريبا.
ومثل متاحف في بريطانيا، وفرنسا، والبرتغال، وهولندا، وغيرها، تصور الغزوات الخارجية لهذه الدول، يصور متحف «هيرمتاج» توسعات الروس في آسيا. لم تصل توسعاتهم الشرق الأوسط، لكنها كادت. غير أن النفوذ الروسي في الشرق الأوسط كان دينيا أيضا: حماية الكنيسة الأرثوذكسية الروسية لمهد المسيح. ولأن هذه الحماية لم تكن عسكرية، أو سياسية، اهتم بالجوانب الدينية والثقافية، وخاصة جمع القطع الأثرية في المنطقة.
لهذا، توجد في المتحف آثار شرق أوسطية كثيرة جدا، وخاصة مصرية. لكن، توجد انتقادات بـأن كثيرا من هذه سرقت من مصر، خاصة بعد الغزو الفرنسي في بداية القرن التاسع عشر (بقيادة نابليون بونابرت). ربما ليس فقط بواسطة روس أو غربيين، ولكن أيضا بمساعدة تجار آثار مصريين. غير أن المتحف يدافع عن نفسه، ويقول إنه اشترى بعض القطع من «تجار آثار قانونيين». مثل قرابة ألف قطعة اشتراها، عام 1826، من كارلو كاستغليون، تاجر آثار «قانوني» في ميلانو، بإيطاليا.
من بين هذه الآثار: الفرعون أمنحتب، حاكم طيبة، مع زوجته وأمه (القرن 14 قبل الميلاد). الإله بيتيس (القرن 10 قبل الميلاد). اتفاقية الفرعون رمسيس مع الغزاة الحيثيين (القرن 13 قبل الميلاد).

معروضات غربية
غير أن أهم، وأكبر، المعروضات غربية. ومنها لوحات عملاقة الفن الغربي، مثل: مايكل أنغلو، ليوناردو دافنشي، فان دايك، رامبرانت، مونيه، سيزان، فان غوخ، غوغان، ماتيس، بيكاسو.
وهناك آثار الإمبراطوريات الروسية المتعاقبة: الملابس الفاخرة، المجوهرات والذهب، تيجان وقلائد وأوسمة غالية الثمن، غرف مزينة بالحجارة الثمينة، إلخ...
وقالت المرشدة السياحية «ناتاشا»: «نحن لا نقول ذلك. نحن نقول إن الكلمة، نعم، فرنسية. لكن معناها هو مكان الخلوة والهدوء والصمت. كانت الإمبراطورة كاثرين الثانية تذهب إلى هذا القصر الخاص، بعيدا عن القصر الرسمي حيث المراسم والرسميات والبروتوكول».
وأضافت أنها، مثل غيرها من الأباطرة، كانت ترسل السفراء إلى العواصم الأجنبية الكبيرة لشراء أفضل القطع الفنية المعروضة للبيع.
وسألت المرشدة «ناتاشا» مجموعة السياح: «هل من بينكم بريطانيون؟» وعندما قالوا إنهم كلهم أميركيون، قالت: «نحن نتندر على الغباء البريطاني عندما نفتخر بأن في المتحف أروع القطع التي كان يجب أن تكون في المتحف البريطاني في لندن». وحكت قصة أن ثريا بريطانيا، في نهاية القرن الثامن عشر كان يملك مجموعة من اللوحات الفنية التاريخية. وعرضها للبيع. ولأكثر من سنتين، دار نقاش في مجلس العموم البريطاني عن اعتماد ميزانية لشراء اللوحات، ووضعها في المتحف البريطاني. وبعد أن يئس الثري البريطاني، باعها إلى سفير الإمبراطورة كاثرين العظمى.
وتندرت «ناتاشا»: «كانت بريطانيا ديمقراطية، وكانت روسيا تحكمها امرأة ديكتاتورة. وانتصرت المرأة».

الشيوعية والفن

وتندرت «ناتاشا» مرة أخرى عندما تحدثت عن اهتمام النظام الشيوعي في روسيا (1917 - 1991) بالرياضة، والثقافة، والفنون، وخاصة المتاحف. وقالت إن روسيا في ذلك الوقت (كان اسمها «الاتحاد السوفياتي)، كان فيها أكبر عدد من المتاحف في العالم: 2300 متحف تحتوي على أكثر من 80 مليون قطعة فنية وأثرية.
وقالت: «أنتم تتكلمون عن الحرية والديمقراطية، ونحن فخورون بثقافتنا وفنوننا».
وحكت قصة لتثبت رأيها بأن الروس أحسن من الأميركيين. وقالت إنه، في عام 2004، قرر متحف أرميتاج عرض بعض ممتلكاته في دول أجنبية. وفي الولايات المتحدة، اختار مدينة لاس فيغاس (ولاية نيفادا)، المشهورة بأنها عاصمة القمار والملاهي في العالم.
وقالت «ناتاشا» إن متاحف أميركية اعترضت على ذلك، وقالت إن لاس فيغاس مدينة ملاه لا مدينة متاحف وثقافة.
وقاد الحملة متحف «متروبوليتان» في نيويورك، الذي، كما قالت، «يعتقد أنه أحسن متحف في العالم، وهو ليس حتى أحسن متحف في أميركا». لكن، لم يغير الروس رأيهم، وعرضوا قطعهم في لاس فيغاس. ونجح العرض («لأن الذي يلعب القمار بالليل يمكن أن يشاهد قطعا فنية راقية بالنهار»). وقالت إنه، في النهاية، قرر متحف «متروبوليتان» الأميركي نفسه أن يعرض بعض قطعه في عاصمة القمار والملاهي.

أميركي غاضب

لم يعجب كلام «ناتاشا»، ونكتها، ونقدها للأميركيين، مجموعة السياح الأميركيين الذين كانت تقودهم. وانبرى واحد، وقال: «ليس بالفن وحده يعيش الإنسان» (حرف جملة عيسى المسيح: «ليس بالخبز وحده يعيش الإنسان»).
وبدأ نقاش استمر ليومين، خلال وجود السياح في المدينة.
وخلال نقاش في مطعم أنيق بالقرب من المتحف، تطوعت «ناتاشا»، وقالت إنها لا تؤمن بالديمقراطية الغربية. وسارعت، وقالت إنها ليست شيوعية. لكنها ترى أن الدول الغربية، بقيادة الولايات المتحدة، «رأسمالية أكثر منها ديمقراطية». وشنت هجوما عنيفا على كثرة الجرائم، والفقر، وامتلاك البنادق والمسدسات، خاصة في الولايات المتحدة.
وسارع أميركي، وقال: «كيف جمعتم كل هذه الآثار والقطع الفنية؟ كيف بنيتم كل هذه المتاحف والقصور؟ أليس على حساب الفقراء؟» وأضاف، في نبرة غضب: «جننتمونا. كاثرين العظيمة، بيتر العظيم، نيكولاس العظيم. ألم يستعبدوا الشعب الروسي لقرون وقرون؟».
وأضاف، وقد زاد غضبه، لكنه سيطر عليه: «وبوتين العظيم».



سوق البحرين العتيقة... روح البلد وعنوان المقاهي القديمة والجلسات التراثية

سوق المنامة القديم (إنستغرام)
سوق المنامة القديم (إنستغرام)
TT

سوق البحرين العتيقة... روح البلد وعنوان المقاهي القديمة والجلسات التراثية

سوق المنامة القديم (إنستغرام)
سوق المنامة القديم (إنستغرام)

«إن أعدنا لك المقاهي القديمة، فمن يُعِد لك الرفاق؟» بهذه العبارة التي تحمل في طياتها حنيناً عميقاً لماضٍ تليد، استهل محمود النامليتي، مالك أحد أقدم المقاهي الشعبية في قلب سوق المنامة، حديثه عن شغف البحرينيين بتراثهم العريق وارتباطهم العاطفي بجذورهم.

فور دخولك بوابة البحرين، والتجول في أزقة السوق العتيقة، حيث تمتزج رائحة القهوة بنكهة الذكريات، تبدو حكايات الأجداد حاضرة في كل زاوية، ويتأكد لك أن الموروث الثقافي ليس مجرد معلم من بين المعالم القديمة، بل روح متجددة تتوارثها الأجيال على مدى عقود.

«مقهى النامليتي» يُعدُّ أيقونة تاريخية ومعلماً شعبياً يُجسّد أصالة البحرين، حيث يقع في قلب سوق المنامة القديمة، نابضاً بروح الماضي وعراقة المكان، مالكه، محمود النامليتي، يحرص على الوجود يومياً، مرحباً بالزبائن بابتسامة دافئة وأسلوب يفيض بكرم الضيافة البحرينية التي تُدهش الزوار بحفاوتها وتميّزها.

مجموعة من الزوار قدموا من دولة الكويت حرصوا على زيارة مقهى النامليتي في سوق المنامة القديمة (الشرق الأوسط)

يؤكد النامليتي في حديثه لـ«الشرق الأوسط» أن سوق المنامة القديمة، الذي يمتد عمره لأكثر من 150 عاماً، يُعد شاهداً حيّاً على تاريخ البحرين وإرثها العريق، حيث تحتضن أزقته العديد من المقاهي الشعبية التي تروي حكايات الأجيال وتُبقي على جذور الهوية البحرينية متأصلة، ويُدلل على أهمية هذا الإرث بالمقولة الشعبية «اللي ما له أول ما له تالي».

عندما سألناه عن المقهى وبداياته، ارتسمت على وجهه ابتسامة وأجاب قائلاً: «مقهى النامليتي تأسس قبل نحو 85 عاماً، وخلال تلك المسيرة أُغلق وأُعيد فتحه 3 مرات تقريباً».

محمود النامليتي مالك المقهى يوجد باستمرار للترحيب بالزبائن بكل بشاشة (الشرق الأوسط)

وأضاف: «في الستينات، كان المقهى مركزاً ثقافياً واجتماعياً، تُوزع فيه المناهج الدراسية القادمة من العراق، والكويت، ومصر، وكان يشكل ملتقى للسكان من مختلف مناطق البلاد، كما أتذكر كيف كان الزبائن يشترون جريدة واحدة فقط، ويتناوبون على قراءتها واحداً تلو الآخر، لم تكن هناك إمكانية لأن يشتري كل شخص جريدة خاصة به، فكانوا يتشاركونها».

وتضم سوق المنامة القديمة، التي تعد واحدة من أقدم الأسواق في الخليج عدة مقاه ومطاعم وأسواق مخصصة قديمة مثل: مثل سوق الطووايش، والبهارات، والحلويات، والأغنام، والطيور، واللحوم، والذهب، والفضة، والساعات وغيرها.

وبينما كان صوت كوكب الشرق أم كلثوم يصدح في أرجاء المكان، استرسل النامليتي بقوله: «الناس تأتي إلى هنا لترتاح، واحتساء استكانة شاي، أو لتجربة أكلات شعبية مثل البليلة والخبيصة وغيرها، الزوار الذين يأتون إلى البحرين غالباً لا يبحثون عن الأماكن الحديثة، فهي موجودة في كل مكان، بل يتوقون لاكتشاف الأماكن الشعبية، تلك التي تحمل روح البلد، مثل المقاهي القديمة، والمطاعم البسيطة، والجلسات التراثية، والمحلات التقليدية».

جانب من السوق القديم (الشرق الاوسط)

في الماضي، كانت المقاهي الشعبية - كما يروي محمود النامليتي - تشكل متنفساً رئيسياً لأهل الخليج والبحرين على وجه الخصوص، في زمن خالٍ من السينما والتلفزيون والإنترنت والهواتف المحمولة. وأضاف: «كانت تلك المقاهي مركزاً للقاء الشعراء والمثقفين والأدباء، حيث يملأون المكان بحواراتهم ونقاشاتهم حول مختلف القضايا الثقافية والاجتماعية».

عندما سألناه عن سر تمسكه بالمقهى العتيق، رغم اتجاه الكثيرين للتخلي عن مقاهي آبائهم لصالح محلات حديثة تواكب متطلبات العصر، أجاب بثقة: «تمسكنا بالمقهى هو حفاظ على ماضينا وماضي آبائنا وأجدادنا، ولإبراز هذه الجوانب للآخرين، الناس اليوم يشتاقون للمقاهي والمجالس القديمة، للسيارات الكلاسيكية، المباني التراثية، الأنتيك، وحتى الأشرطة القديمة، هذه الأشياء ليست مجرد ذكريات، بل هي هوية نحرص على إبقائها حية للأجيال المقبلة».

يحرص العديد من الزوار والدبلوماسيين على زيارة الأماكن التراثية والشعبية في البحرين (الشرق الأوسط)

اليوم، يشهد الإقبال على المقاهي الشعبية ازدياداً لافتاً من الشباب من الجنسين، كما يوضح محمود النامليتي، مشيراً إلى أن بعضهم يتخذ من هذه الأماكن العريقة موضوعاً لأبحاثهم الجامعية، مما يعكس اهتمامهم بالتراث وتوثيقه أكاديمياً.

وأضاف: «كما يحرص العديد من السفراء المعتمدين لدى المنامة على زيارة المقهى باستمرار، للتعرف عن قرب على تراث البحرين العريق وأسواقها الشعبية».