التقنيات القابلة للارتداء.. تطورات ملموسة وتحديات كبيرة

استخدامات متنوعة في التعبير عن لغة الجسد والرياضة والترفيه والطب

التقنيات القابلة للارتداء.. تطورات ملموسة وتحديات كبيرة
TT

التقنيات القابلة للارتداء.. تطورات ملموسة وتحديات كبيرة

التقنيات القابلة للارتداء.. تطورات ملموسة وتحديات كبيرة

تعتبر التقنيات القابلة للارتداء أجهزة إلكترونية مصغرة متقدمة توجد داخل الملابس أو الملحقات، وتهدف إلى تطوير الوظائف العملية للاستخدام. وتعتمد هذه التقنيات على توافر اتصال بالإنترنت أو بالأجهزة الأخرى المحيطة بها من خلال تقنيات «واي فاي» و«بلوتوث» و«إن إف سي» و«جي بي إس»، وعلى انخفاض تكاليف المجسات المستخدمة، والقدرة على تصميم أجهزة مختلفة تدعم هذه التقنيات، وتوفير بطاريات طويلة العمر تستطيع تشغيل هذه الأجهزة لفترات مطولة. وتعد نظارات «غوغل» Google Glass والساعات الذكية للعديد من الشركات (مثل «كوالكوم» و«سوني» و«سامسونغ»، وحتى شركة «نيسان» المصنعة للسيارات) من الجيل الأول للثورة التقنية التي تقدمها هذه الأجهزة والوظائف المتقدمة التي يمكن استخدامها، لتصبح أجسامنا «متصلة» عبر هذه الأجهزة.

استخدامات مختلفة

وهناك أمثلة عديدة على الاستخدامات الممكنة لهذه الأجهزة، مثل فكرة جهاز يصحح للمستخدم لغة جسده، تحت اسم «رايزر» RISR (http://www.risr.me) الذي يقدم مؤشرات حركية للمستخدم تخبره بكيفية تحريك جسده لإيصال رسالة جسدية صحيحة للأطراف المواجهة له، بحيث يرتدي المستخدم شبكة من المجسات تتصل بوحدة تحكم تقوم بتحريك تلك المجسات بشكل طفيف لإخبار المستخدم بضرورة تحريك يده أو كتفه، مثلا. ويمكن استخدام هذه التقنية لمن يتعافى من الإصابات النفسية أو الجسدية المختلفة، أو لدى الذهاب لإجراء مقابلة عمل مهمة أو عقد صفقة ما، وحتى لدى تقلد منصب قيادي جديد. هذا، ويجب على الجهاز دراسة تحركات المستخدم وفهمها مسبقا.
ومن التقنيات الأخرى المثيرة للاهتمام «جوبون أوركسترا» Jawbone Orchestra الذي يربط الأجهزة المختلفة بعضها ببعض بشكل متناغم، بحيث يمكن ارتداء سوار خاص يسجل ضربات قلب المستخدم أثناء النوم، ليهتز في الصبح من أجل إيقاظ المستخدم بدلا من المنبه (مهم لمن لديهم إعاقات سمعية) ويضيء المصابيح الذكية المتصلة بالإنترنت بالتدريج (مثل مصابيح «فيليبس هيو» Philips Hue)، ويغير درجة حرارة مكيف الغرفة لجعلها أكثر دفئا، ويرفع درجة صوت الهاتف الجوال، ويشغل التلفزيون الذكي لعرض أحدث الأخبار الصباحية.
وبالنسبة لعالم الترفيه الرقمي، فيمكن تخيل ألعاب إلكترونية افتراضية يعرض محتواها على شاشات النظارات الذكية ولا يكون موجودا في الواقع العملي. وسيصبح من المعتاد مشاهدة أفراد يلعبون بعضهم مع بعض أمام منضدة فارغة، ولكنهم مشغولون بلعبة شطرنج افتراضية حماسية يحرك فيها اللاعب القطع الافتراضية بواسطة أصابعه، أو إمكانية تعلم فن تشكيل الصلصال باستخدام دروس افتراضية يستطيع فيها المستخدم تحريك يديه لتشكيل القطع المرغوبة، وما يرتبط بذلك في عالم التعلم عن بعد، أو حتى ربط المنتج النهائي بالطابعات ثلاثية الأبعاد التي تستطيع صنع الشكل المرغوب بمجرد الانتهاء من تصميمه.
ومن السهل تخيل دمج هذه التقنيات في الخوذ للسائقين، مثل خوذة «لايف ماب» LiveMap (http://www.livemap.info) لسائقي الدراجات النارية وسيارات الرالي التي ستعرض وحدة بث ضوئي داخلها صور واقع معزز على زجاج الخوذة، مثل خريطة وبيانات الحلبة التي يتم السباق عليها، أو حالة المركبة وكمية الوقود المتوفرة، أو حتى القدرة على تفعيل نمط الرؤية الليلية في المناطق التي تكون فيها الظلمة حالكة أو في الظروف الجوية السيئة وانعدام أو تدني الرؤية، مع توفير القدرة على تغيير شدة الإضاءة وفقا لرغبة المستخدم.
ومن التقنيات الطريفة في الاستخدام، ربط ساعة «تويتر» خاصة بملابس تحتوي على شاشة رقمية صغيرة تعرض أحدث رسائل «تويتر» بشكل حي ومباشر أمام الجميع. ويمكن استخدام مفاتيح على شكل خواتم وأساور تفتح الأبواب المختلفة بمجرد مقاربتها. ويمكن تطوير هذه التقنيات لتشمل الحيوانات أيضا؛ إذ تقدم شركة «ديري ماستر» تقنية «مو مونيتر» MooMonitor (http://www.dairymaster.com/heat-detection) التي تخبر صاحب المزرعة عن جهوزية الأبقار للحمل.

استخدامات طبية

وتواصلت «الشرق الأوسط» مع مايكل مانكوسو، الرئيس التنفيذي لقسم رعاية المرضى وأنظمة المعلومات السريرية لشركة «فيليبس»، حيث أشار إلى أن مستقبل التقنيات القابلة للارتداء واعد جدا في المجال الطبي؛ إذ أثبتت الشركة أخيرا صحة مفهوم استخدام نظارات «غوغل غلاس» لتطوير فعالية العمليات الجراحية، بالتعاون مع شركة «أكسنتشر». واستطاع الخبراء ربط النظارات بنظام الحلول الطبية لنقل البيانات الحيوية للمرضى إلى الطبيب عبر النظارات الخاصة، وتوفير كثير من المعلومات بالغة الأهمية إلى الطبيب بشكل مباشر، ومن دون الحاجة إلى النظر بعيدا عن المريض لسؤال الطاقم الطبي أو حتى النظر إلى شاشات الأجهزة المختلفة، الأمر بالغ الأهمية في الحالات الحرجة، بالإضافة إلى القدرة على التواصل مع النظارة لتغيير جرعة الدواء التي تصل للمريض من خلال الآلات المتصلة به عبر الأنابيب الطبية. ويمكن استخدام هذه التقنية أيضا لمراقبة المرضى عن بعد، ومعاينة الصور الطبية المختلفة من دون البحث عنها بين الملفات، ومعاينة المريض بالصوت والصورة في غرفة الإنعاش بعد إتمام العملية الجراحية، أو تسجيل العملية الجراحية والتقاط الصور من منظور الطبيب، وتسجيل الملاحظات فورا في ملف المريض، وحتى عقد المؤتمرات بالصوت والصورة مع طاقم طبي بعيد لمناقشة حالة المريض وأفضل سبل معالجته.
ويمكن استخدام هذه التقنيات كذلك في ملابس كبار السن الذين يعيشون بمفردهم، وإشعار الأقارب والأصدقاء في حال تعرف المجسات الداخلية على وقوع المستخدم على الأرض. هذا، ويمكن لبعض التقنيات قراءة درجة تعرض جسم المستخدم إلى أشعة الشمس وتنبيهه إلى ضرورة استخدام مزيد من واقي الشمس أو ترطيب بشرته لتفادي الإصابة بالحروق الشمسية أو الأمراض الجلدية المختلفة الناجمة عن جفاف الجلد، وخصوصا للأطفال. ويمكن استخدام أحذية تحتوي على مجسات «جي بي إس» للملاحة الجغرافية تستطيع العمل لأشهر طويلة قبل إعادة شحنها، وذلك لتتبع أماكن وجود الأطفال أو مرضى فقدان الذاكرة «ألزهايمر»، مثلا. ويمكن تطوير مجسات تستشعر قوة الصدمات التي يتعرض لها الرياضيون (من خلال قياس تسارع الجسم فور التعرض للضربات أو الصدمات)، وتنقل هذه البيانات إلى المدرب، وذلك حتى يستطيع الطاقم الطبي إسعاف اللاعب في الوقت المناسب.
ومن التحديات التي تواجه هذا القطاع من التقنية اعتماده الكبير على التقنيات اللاسلكية للتواصل، الأمر الذي يعني ضرورة استخدام بطاريات ذات قدرات كبيرة، وبالتالي وضع عنصر التصميم والوزن تحت ضغط كبير، وضرورة تطوير تقنيات تخزين الطاقة بشكل جذري، عوضا عن زيادة حجمها للوفاء بالطاقة الكبيرة المطلوبة للعمل ليوم كامل.



الذكاء الاصطناعي يزدهر بمجال التعليم وسط شكوك في منافعه

بعد ازدهار التعلّم عبر الإنترنت يحاول قطاع التكنولوجيا إدخال الذكاء الاصطناعي في التعليم (رويترز)
بعد ازدهار التعلّم عبر الإنترنت يحاول قطاع التكنولوجيا إدخال الذكاء الاصطناعي في التعليم (رويترز)
TT

الذكاء الاصطناعي يزدهر بمجال التعليم وسط شكوك في منافعه

بعد ازدهار التعلّم عبر الإنترنت يحاول قطاع التكنولوجيا إدخال الذكاء الاصطناعي في التعليم (رويترز)
بعد ازدهار التعلّم عبر الإنترنت يحاول قطاع التكنولوجيا إدخال الذكاء الاصطناعي في التعليم (رويترز)

بعد ازدهار التعلّم عبر الإنترنت الذي فرضته جائحة «كوفيد»، يحاول قطاع التكنولوجيا إدخال الذكاء الاصطناعي في التعليم، رغم الشكوك في منافعه.

وبدأت بلدان عدة توفير أدوات مساعَدة رقمية معززة بالذكاء الاصطناعي للمعلّمين في الفصول الدراسية. ففي المملكة المتحدة، بات الأطفال وأولياء الأمور معتادين على تطبيق «سباركس ماث» (Sparx Maths) الذي أُنشئ لمواكبة تقدُّم التلاميذ بواسطة خوارزميات، وفق ما ذكرته «وكالة الصحافة الفرنسية». لكنّ الحكومة تريد الذهاب إلى أبعد من ذلك. وفي أغسطس (آب)، أعلنت استثمار أربعة ملايين جنيه إسترليني (نحو خمسة ملايين دولار) لتطوير أدوات الذكاء الاصطناعي للمعلمين، لمساعدتهم في إعداد المحتوى الذي يدرّسونه.

وهذا التوجّه آخذ في الانتشار من ولاية كارولاينا الشمالية الأميركية إلى كوريا الجنوبية. ففي فرنسا، كان من المفترض اعتماد تطبيق «ميا سوكوند» (Mia Seconde) المعزز بالذكاء الاصطناعي، مطلع العام الدراسي 2024، لإتاحة تمارين خاصة بكل تلميذ في اللغة الفرنسية والرياضيات، لكنّ التغييرات الحكومية أدت إلى استبعاد هذه الخطة راهناً.

وتوسعت أعمال الشركة الفرنسية الناشئة «إيفيدانس بي» التي فازت بالعقد مع وزارة التعليم الوطني لتشمل أيضاً إسبانيا وإيطاليا. ويشكّل هذا التوسع نموذجاً يعكس التحوّل الذي تشهده «تكنولوجيا التعليم» المعروفة بـ«إدتِك» (edtech).

«حصان طروادة»

يبدو أن شركات التكنولوجيا العملاقة التي تستثمر بكثافة في الأدوات القائمة على الذكاء الاصطناعي، ترى أيضاً في التعليم قطاعاً واعداً. وتعمل شركات «مايكروسوفت» و«ميتا» و«أوبن إيه آي» الأميركية على الترويج لأدواتها لدى المؤسسات التعليمية، وتعقد شراكات مع شركات ناشئة.

وقال مدير تقرير الرصد العالمي للتعليم في «اليونيسكو»، مانوس أنتونينيس، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «أعتقد أن المؤسف هو أن التعليم يُستخدم كنوع من حصان طروادة للوصول إلى المستهلكين في المستقبل».

وأعرب كذلك عن قلقه من كون الشركات تستخدم لأغراض تجارية البيانات التي تستحصل عليها، وتنشر خوارزميات متحيزة، وتبدي عموماً اهتماماً بنتائجها المالية أكثر مما تكترث للنتائج التعليمية. إلاّ أن انتقادات المشككين في فاعلية الابتكارات التكنولوجية تعليمياً بدأت قبل ازدهار الذكاء الاصطناعي. ففي المملكة المتحدة، خيّب تطبيق «سباركس ماث» آمال كثير من أولياء أمور التلاميذ.

وكتب أحد المشاركين في منتدى «مامِز نِت» على الإنترنت تعليقاً جاء فيه: «لا أعرف طفلاً واحداً يحب» هذا التطبيق، في حين لاحظ مستخدم آخر أن التطبيق «يدمر أي اهتمام بالموضوع». ولا تبدو الابتكارات الجديدة أكثر إقناعاً.

«أشبه بالعزلة»

وفقاً للنتائج التي نشرها مركز «بيو ريسيرتش سنتر» للأبحاث في مايو (أيار) الماضي، يعتقد 6 في المائة فقط من معلمي المدارس الثانوية الأميركية أن استخدام الذكاء الاصطناعي في التعليم يعود بنتائج إيجابية تَفوق العواقب السلبية. وثمة شكوك أيضاً لدى بعض الخبراء.

وتَعِد غالبية حلول «تكنولوجيا التعليم» بالتعلّم «الشخصي»، وخصوصاً بفضل المتابعة التي يوفرها الذكاء الاصطناعي. وهذه الحجة تحظى بقبول من المسؤولين السياسيين في المملكة المتحدة والصين. ولكن وفقاً لمانوس أنتونينيس، فإن هذه الحجة لا تأخذ في الاعتبار أن «التعلّم في جانب كبير منه هو مسألة اجتماعية، وأن الأطفال يتعلمون من خلال تفاعل بعضهم مع بعض».

وثمة قلق أيضاً لدى ليون فورز، المدرّس السابق المقيم في أستراليا، وهو راهناً مستشار متخصص في الذكاء الاصطناعي التوليدي المطبّق على التعليم. وقال لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «يُروَّج للذكاء الاصطناعي كحل يوفّر التعلّم الشخصي، لكنه (...) يبدو لي أشبه بالعزلة».

ومع أن التكنولوجيا يمكن أن تكون في رأيه مفيدة في حالات محددة، فإنها لا تستطيع محو العمل البشري الضروري.

وشدّد فورز على أن «الحلول التكنولوجية لن تحل التحديات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والسياسية الكبرى التي تواجه المعلمين والطلاب».