التقارب الروسي ـ التركي ـ الإسرائيلي يقلق المعارضة ويثير مخاوف أكراد سوريا

سفير موسكو في دمشق يرد على نصر الله: لا هجوم قريبًا على حلب

لاجئون سوريون ينتظرون الصعود إلى حافلة عسكرية أول من أمس.. بعد اجتياز بلدة الركبان قرب الحدود السورية الأردنية العراقية (رويترز)
لاجئون سوريون ينتظرون الصعود إلى حافلة عسكرية أول من أمس.. بعد اجتياز بلدة الركبان قرب الحدود السورية الأردنية العراقية (رويترز)
TT

التقارب الروسي ـ التركي ـ الإسرائيلي يقلق المعارضة ويثير مخاوف أكراد سوريا

لاجئون سوريون ينتظرون الصعود إلى حافلة عسكرية أول من أمس.. بعد اجتياز بلدة الركبان قرب الحدود السورية الأردنية العراقية (رويترز)
لاجئون سوريون ينتظرون الصعود إلى حافلة عسكرية أول من أمس.. بعد اجتياز بلدة الركبان قرب الحدود السورية الأردنية العراقية (رويترز)

لم يتلق أكراد سوريا بارتياح تطبيع العلاقات التركية - الإسرائيلية كما التوجه لتطبيع تركي مماثل مع روسيا، إذ بدا لهم المشهد المستجد أقرب إلى اتفاق بين الدول الثلاث على مواجهة المشروع الكردي بإعلان الفيدرالية في الشمال السوري. أما المعارضة السورية فتتعاطى بحذر مع المعطيات الجديدة متحدثة عن سياسة مختلفة تتجه تركيا لاعتمادها بالتعاطي مع الملف السوري وعن اتخاذ خطوات عملية في هذا المجال.
ففيما كشف عضو الائتلاف السوري المعارض سمير نشار عن استبدال أنقرة المسؤولين الأتراك المعنيين بالملف السوري، الأمنيين والسياسيين على حد سواء، بطاقم جديد وتحويلهم إلى مواقع جديدة، اعتبر نواف خليل، رئيس المركز الكردي للدراسات أن التقارب الروسي – التركي - الإسرائيلي «أمر مقلق للأكراد ويستدعي مراجعة شاملة ودقيقة من قبلهم خاصة أن المشروع الذي يتم الإعداد له لا شك يهدف للتصدي لإحقاق الحق بإقامة الفيدرالية والإدارة الذاتية في الشمال السوري».
وقال خليل لـ«الشرق الأوسط»: «نعلم تماما أن أنقرة مستعدة لتقديم كل التنازلات الممكنة لمنع تحقيق الحلم الكردي، وبالتالي المستجدات التي طرأت أخيرا على المشهد في المنطقة لا ينفع معه التعاطي بدم بارد، مع العلم أن علاقتنا بروسيا أصلا لم تكن متقدمة».
من جهته، رجّح نشار في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن يشهد الملف السوري «تطورات هامة على الصعيدين الميداني والسياسي في الأيام والأسابيع المقبلة، على أن يترافق ذلك مع تحولات مهمة بمواقف الدول المنخرطة بشكل أو بآخر في هذا الملف»، لافتا إلى أن التطبيع الروسي - الإسرائيلي، كما التركي - الروسي «سيكون لهما لا شك تداعيات وانعكاسات كبيرة على المشهد السوري، إلا أنه من السابق لأوانه تحديد ماهية الاستراتيجية التركية الجديدة والتي قد تتبلور كما باقي المواقف الدولية مع حلول الشهر المقبل».
وعلّق العقيد السوري المنشق مالك الكردي على التطورات الأخيرة، معتبرا أن «التغير المفاجئ في السياسات في محيطنا الإقليمي، أثارت قلقا ومخاوف لدى الثائر السوري، لكنّها تبقى سياسة متغيرة وتخضع لأحكام الواقع والسعي لخلق واقع جديد أفضل»، مشيرا إلى أن «التوافق التركي - الروسي - الإيراني على منع إقامة دويلة انفصالية كردية، كما المصلحة التركية في منع إقامة دويلة علوية في الساحل، يفسر لنا هذا التغير في السياسة التركية وأولى ثمارها دفع الحراك الثوري نسبيا في الساحل». وأضاف: «هذا كله يصب في مصلحة الثورة السورية».
وليس التقارب الروسي - التركي - الإسرائيلي مصدر قلق فقط للأكراد والمعارضة السورية، بل هو لا شك يثير هواجس النظام السوري وحلفائه الذين يتأكدون مع مرور الأيام مدى عمق الخلافات الإيرانية - الروسية في التعامل مع الملف السوري. وفي آخر الإشارات بهذا المجال، نقلت وكالة إنترفاكس الروسية يوم أمس عن السفير موسكو في سوريا قوله إن سلاح الجو الروسي ساعد القوات الحكومية السورية على تجنب الحصار قرب حلب، مضيفا أنه لا يتوقع أن يهاجم الجيش السوري المدينة في القريب العاجل. وأضاف السفير ألكسندر كينشتشاك: «لست على يقين من شن هجوم على حلب في المستقبل المنظور.. وبالنسبة للرقة أود أن أحجم أيضا عن أي تكهنات محددة بخصوص تحريرها». وتابع: «بصراحة أنا لست متأكدا على الإطلاق بأن هذا قد يحدث في القريب العاجل».
وقد بدت تصريحات السفير الروسي أشبه برد على المواقف التي أطلقها بوقت سابق أمين عام ما يسمى «حزب الله» حسن نصر الله الذي شدّد على أن المعركة في محافظة حلب في شمال سوريا هي «المعركة الاستراتيجية الكبرى»، متعهدا بزيادة عدد قواته هناك. وقال نصر الله في خطاب بمناسبة الذكرى الأربعين لمقتل قائده العسكري مصطفى بدر الدين في سوريا «لدينا مسؤولية تتمثل بالمزيد من الحضور في حلب، نحن سوف نزيد من حضورنا في حلب، المطلوب من الجميع أن يحضر، لأن المعركة الحقيقية الاستراتيجية الكبرى هي المعركة في مدينة حلب ومنطقة حلب».
وبما قد يبدو أشبه بمحاولة للحد من حجم الخلافات الإيرانية - الروسية، بحث أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني علي شمخاني يوم أمس مع عدد من كبار المسؤولين الروس ومنهم وزير الدفاع سيرغي شويغو: «التعاون الثنائي وأحدث التطورات في سوريا والمنطقة». وأعلنت «وكالة أنباء فارس» أنّه تم التطرق خلال لقائه نظيره الروسي نيكولاي باتروتشف إلى «التطورات الإقليمية وتبادل المعلومات بين مجلسي الأمن القومي الإيراني والروسي». والتقى شمخاني ممثل الرئيس الروسي الخاص في شؤون سوريا ألكسندر لاورنتيف، حيث تركزت محادثاتهما على «الظروف التي تعيشها سوريا إلى جانب السبل الكفيلة لتسوية الأزمة».
وبالتزامن مع زيارة شمخاني إلى موسكو، زار معاون وزير الخارجية الإيراني للشؤون العربية والأفريقية جابري أنصاري أمين عام ما يسمى «حزب الله» في لبنان، واكتفت قناة «المنار» التابعة للحزب بالقول إن الطرفين «استعرضا آخر التطورات السياسية في المنطقة».
واستبعد هشام جابر، العميد اللبناني المتقاعد ورئيس «مركز الشرق الأوسط للدراسات» أن يكون هناك أي محاولة من قبل المعارضة السورية أو النظام على حد سواء للسيطرة على كامل مدينة حلب خلال الأشهر الـ3 المقبلة، مرجحا أن «يستمر الستاتيكو القائم هناك من خلال حرب استنزاف شرسة على أن يتم في الفترة الممتدة إلى شهر سبتمبر (أيلول) المقبل إعادة التموضع والترتيب والتسليح استعدادا للمعركة». أما عن تطبيع أنقرة علاقاتها مع روسيا وإسرائيل، فقال جابر لـ«الشرق الأوسط»: «بعدما شعرت تركيا أنّها شبه معزولة وعلى علاقة سيئة مع معظم الأطراف والدول قررت إحداث خرق ما في الدائرة المفرغة التي أوجدتها حول نفسها، فإذا بها تسعى لترميم العلاقة مع موسكو وإسرائيل على أن تستمر في حراكها هذا باتجاه إيران بمسعى لحجز كرسي لها على طاولة المفاوضات السورية، خاصة أنها باتت محاصرة كرديا وأن هذا الهم يبقى الأكبر لها وستقوم بالمستحيل لإزالته».



اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
TT

اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)

تصدرت اعتقالات الحوثيين للموظفين الأمميين والإغاثيين، وتسليح الاقتصاد في اليمن، الإحاطة الشهرية للمبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ، أمام مجلس الأمن، الأربعاء، مع تأكيد المبعوث أن الحلّ السلمي وتنفيذ خريطة طريق تحقق السلام أمر ليس مستحيلاً، على الرغم من التصعيد الحوثي البحري والبري والردود العسكرية الغربية.

وقال المبعوث الأممي إنه من الضروري أن تقتنص الأطراف المعنية، والمنطقة، والمجتمع الدولي «اللحظات المحورية»، وألا تفوّت الفرصة لتحويلها إلى خطوات واضحة نحو تحقيق السلام المنشود في اليمن.

آثار مسيرة حوثية انفجرت في مبنى سكني في تل أبيب (أ.ف.ب)

ومع انهيار الاقتصاد وتدهور مستويات المعيشة، رأى غروندبرغ أنه لا يوجد أي مبرر لهذه المعاناة، وأن إنهاء الحرب في اليمن هو خيار حقيقي ومتاح، ويبقى ضمن متناول الأطراف، داعياً جميع الأطراف للانخراط بجدية مع الجهود التي يقودها لتنفيذ خريطة الطريق، والتي تهدف إلى تحقيق وقف إطلاق النار، وتنفيذ تدابير اقتصادية، تشمل دفع الرواتب بشكل مستدام، والتمهيد لعملية سياسية شاملة.

وحضّ غروندبرغ على اتخاذ الإجراءات اللازمة، وتقديم التنازلات، والتركيز الصادق على اليمن، باعتبار ذلك أمراً ضرورياً «إذا كانت الأطراف تسعى لتخفيف معاناة اليمنيين وإعادة الأمل في مستقبل يسوده السلام».

اعتقالات تعسفية

أشار المبعوث الأممي إلى اليمن في إحاطته إلى مرور 6 أشهر على بدء الحوثيين اعتقالات تعسفية استهدفت موظفين من المنظمات الدولية والوطنية، والبعثات الدبلوماسية، ومنظمات المجتمع المدني، وقطاعات الأعمال الخاصة.

وقال، رغم الإفراج عن 3 محتجزين، إن عشرات آخرين، بمن فيهم أحد أعضاء مكتبه لا يزالون رهن الاحتجاز التعسفي، «بل إن البعض يُحرم من أبسط الحقوق الإنسانية، مثل إجراء مكالمة هاتفية مع عائلاتهم». وفق تعبيره.

الحوثيون انخرطوا في ما يمسى محور المقاومة بقيادة إيران (إ.ب.أ)

ووصف المبعوث الأممي هذه الاعتقالات التعسفية بأنها «تشكل انتهاكاً صارخاً للحقوق الإنسانية الأساسية، وتسبب معاناة عميقة لأسرهم التي تعيش في حالة مستمرة من القلق والخوف على سلامة أحبائهم»، وشدّد على الإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المعتقلين، مع تعويله على دعم مجلس الأمن لتوصيل هذه الرسالة.

وأوضح غروندبرغ أن مكتبه ملتزم بشكل كبير بإطلاق سراح جميع المحتجزين على خلفية النزاع في اليمن، وقال إن هناك من قضى 10 سنوات رهن الاعتقال، داعياً الجميع إلى الوفاء بالتزاماتهم بموجب اتفاق استوكهولم، ومواصلة العمل بروح من التعاون الصادق للوفاء بهذا الملف الإنساني البالغ الأهمية، وأن تسترشد المفاوضات بالمبدأ المتفق عليه، وهو «الكل مقابل الكل».

عواقب وخيمة

وفي ما يخص الوضع الاقتصادي في اليمن، قال المبعوث الأممي إن الأزمة تتفاقم مجدداً، مع التنبيه إلى «العواقب الوخيمة» التي تترتب على الانكماش الاقتصادي، وتجزئته، واستخدامه كأداة في الصراع.

وأكد غروندبرغ أن الفشل في دفع رواتب ومعاشات القطاع العام أدّى إلى زيادة الفقر بشكل واسع، بينما أسهم التضخم المتزايد في جعل كثير من الأسر عاجزة عن تلبية احتياجاتها الأساسية، بما في ذلك الغذاء.

تدهور الاقتصاد وانقطاع الرواتب في اليمن تسببا في جوع ملايين السكان (أ.ف.ب)

وفي شأن مساعيه، أفاد المبعوث الأممي بأن مكتبه من خلال زيارات صنعاء وعدن أوضح مفترق الطرق الحاسم الذي تواجهه الأطراف، وهو إما الاستمرار في «المسار الكارثي من النزاع غير المحسوم وتسليح الاقتصاد الذي سيؤدي بلا شك إلى خسارة الجميع، أو التعاون لحلّ القضايا الاقتصادية لتمهيد الطريق نحو النمو وتحقيق مكاسب السلام الممكنة».

وأشار إلى أن العمل جارٍ على استكشاف حلول عملية وملموسة تهدف إلى استعادة الاستقرار وتعزيز الحوار بشأن الاقتصاد اليمني، بما يشمل دفع الرواتب واستئناف صادرات النفط والغاز، بما يخدم مصلحة الشعب اليمني وترجمة الالتزامات التي تعهدت بها الأطراف في يوليو (تموز) الماضي إلى خطوات ملموسة تعود بالفائدة على جميع اليمنيين.

التصعيد العسكري

في شأن التصعيد العسكري، قال غروندبرغ إن انعدام الأمن في البحر الأحمر لا يزال يتفاقم نتيجة أعمال الحوثيين، إلى جانب الهجمات على إسرائيل، والغارات الجوية التي شنّتها الولايات المتحدة والمملكة المتحدة رداً على تلك التطورات.

وأشار إلى أن هذه الأحداث التي استمرت طوال العام، قلّصت الحيز المتاح لجهود الوساطة التي يقودها. وحضّ جميع الأطراف المعنية على اتخاذ خطوات جادة لتهيئة بيئة مناسبة، تمهد الطريق لحل النزاع في اليمن، وحذّر من أن الفشل في تحقيق ذلك لن يؤدي إلا إلى تعزيز دعوات العودة إلى الحرب.

طائرة حوثية من دون طيار في معرض أقامه الحوثيون في صنعاء بمناسبة الأسبوع السنوي لذكرى قتلاهم (رويترز)

وأوضح أن الأوضاع الهشّة في اليمن لا تزال مستمرة على عدة جبهات، مع تصاعد الاشتباكات بشكل متكرر في مناطق، مثل الضالع، الحديدة، لحج، مأرب، صعدة، شبوة، تعز. ما يؤدي مراراً إلى خسائر مأساوية في الأرواح.

وتصاعدت الأعمال العدائية في المناطق الشرقية من تعز - وفق المبعوث الأممي - مع ورود تقارير عن وقوع انفجارات وقصف بالقرب من الأحياء السكنية.

وفي الأسبوع الماضي فقط، أورد المبعوث في إحاطته أن طائرة من دون طيار استهدفت سوقاً مزدحمة في مقبنة بمحافظة تعز، ما أسفر عن مقتل 6 أشخاص على الأقل، وإصابة آخرين بجروح خطرة.

ودعا غروندبرغ أطراف النزاع اليمني إلى التقيد الجاد بالتزاماتهم، بموجب القانون الإنساني الدولي، لضمان حماية المدنيين والبنية التحتية المدنية. وقال إن هذه الحوادث تسلط الضوء على الحاجة الملحة للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار.

ولدعم جهود التهدئة، أفاد المبعوث بأن مكتبه يتواصل مع المسؤولين العسكريين والأمنيين من الطرفين، لتسهيل الحوار حول الديناميكيات الحالية، واستكشاف سبل تعزيز بناء الثقة.