زيارة ولي ولي العهد السعودي تجتذب الأوساط الأميركية.. واهتمام ببدء مرحلة جديدة من العلاقات

مراكز بحوث أميركية: لا بديل عن تعاون واشنطن مع الرياض للاستقرار الدولي ومكافحة الإرهاب

الأمير محمد بن سلمان لدى وصوله منزل وزير الخارجية الأميركي جون كيري  في واشنطن
الأمير محمد بن سلمان لدى وصوله منزل وزير الخارجية الأميركي جون كيري في واشنطن
TT

زيارة ولي ولي العهد السعودي تجتذب الأوساط الأميركية.. واهتمام ببدء مرحلة جديدة من العلاقات

الأمير محمد بن سلمان لدى وصوله منزل وزير الخارجية الأميركي جون كيري  في واشنطن
الأمير محمد بن سلمان لدى وصوله منزل وزير الخارجية الأميركي جون كيري في واشنطن

اجتذبت زيارة الأمير محمد بن سلمان، ولي ولي العهد ووزير الدفاع السعودي، كثيرا من الاهتمام داخل الأوساط الأميركية السياسية والاقتصادية.
وهناك أهمية كبيرة للمحادثات التي يعقدها ولي ولي العهد السعودي مع نظيرة الأميركي آشتون كارتر يوم غد الخميس، حيث صرح وزير الدفاع الأميركي أكثر من مرة بأهمية التعاون مع الدول الخليجية وبصفة خاصة السعودية في جهود مكافحة الإرهاب ومخططات «داعش»، لتركز قمة قادة مجلس التعاون الخليجي مع الرئيس الأميركي في الرياض أبريل (نيسان) الماضي على تعزيز التعاون الأميركي الخليجي لردع ومواجهة أي عدوان خارجي ضد الدول الخليجي والتعاون في مجال منظومة الدفاع الباليستية والأمن السيبراني.
وتكتسب الزيارة أهمية اقتصادية أخرى مع «رؤية السعودية 2030»، خاصة أنه عراب تلك الرؤية الأمير محمد بن سلمان، التي تسعى إلى تحول كبير في الاقتصاد السعودي للانتقال من الاعتماد على النفط كمورد رئيسي للبلاد إلى تنويع الاقتصاد وجذب الاستثمارات الأجنبية وخصخصة بعض أصول الدولة.
ويؤكد ديفيد أوتوواي، الباحث بـ«معهد ودرو ولسون» بواشنطن، أن زيارة الأمير محمد بن سلمان لها أهمية خاصة، مشيرا إلى أن الأمير يعد بالفعل مهندس خطة التحول الاقتصادي للابتعاد عن النفط شريانا رئيسيا للاقتصاد السعودي، إضافة لسعيه إلى تشكيل سياسة خارجية جديدة، ويقول أوتوواي: «الأمير محمد بن سلمان من الصقور الشابة الرائدة في العائلة صاحبة التصميم على إظهار السعودية ليس فقط كقوة دينية، وإنما كقوة عسكرية أيضًا، ويتواكب ذلك مع تشجيع إدارة أوباما للسعوديين بالاعتماد على أنفسهم في حماية أمنهم».
ويؤكد أتوواي أنه على الرغم من بعض التباين في مواقف الرياض وواشنطن في التعامل مع إيران التي تعتبرها السعودية العدو الرئيسي في المنطقة، فإن الجانب الأكبر من مناقشات الأمير محمد بن سلمان مع كبار المسؤولين الأميركيين سيكون هو الأزمة السورية وكيفية دفع البيت الأبيض إلى تبني خطة تقود خروج الأسد وإمداد جماعات المعارضة السورية بصواريخ مضادة للطائرات لمحاربة قوات الأسد.
ويقول أوتواي: «الخلافات بين البلدين في الآونة الأخيرة باتت أكثر وضوحا، وتتباين أهداف البلدين فيما يتعلق بالحرب في سوريا واليمن والعلاقات مع إيران، إضافة إلى اتجاه الولايات المتحدة لإنتاج النفط الصخري، واتجاه الكونغرس للإفراج عن أوراق سرية حول أحداث 11 سبتمبر (أيلول) والسماح لأسر الضحايا بمقاضاة السعودية».
ويقول أتوواي: «في ظل هذه العلاقة غير المستقرة يبرز الأمير محمد بن سلمان نفسه بإصلاحاته الوطنية لتحقيق الأهداف الطموحة لـ(رؤية 2030) وقيادة فصيل من الصقور لتوسيع القوة العسكرية السعودية من أجل المنافسة بقوة وردع التدخلات الإيرانية في المنطقة، وقد أطلقت السعودية ائتلافين عسكريين في الأشهر الخمسة عشر الماضية واحد يتألف من تسع دول عربية للقتال في اليمن ضد المتمردين الحوثيين المدعومين من إيران، والآخر يتألف من 34 دولة بهدف مكافحة الإرهاب».
ويقول دان بايمان، الباحث بمعهد بروكينز ومدير مركز الشرق الأوسط، إنه في ظل هذه الأوقات الصعبة فقد حان الأوان أن تكون العلاقات بين الولايات المتحدة والسعودية أكثر تقاربا وتعاونا لمكافحة الإرهاب. وأشار الباحث، في تقرير قدمه للجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب الأميركي، إلى أنه منذ عام 2003 عملت السعودية مع الولايات المتحدة في مكافحة مخططات تنظيم القاعدة التي شنت هجمات مباشرة داخل السعودية، وقال: «كانت المساعدات الأميركية حاسمة في مساعدة جهود السعودية لمكافحة الإرهاب وإحباط عدد من الهجمات الإرهابية، إضافة إلى دور الرياض كشريك أساسي في التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة ضد الحركات الإرهابية، وخلال السنوات السابقة ثبت أن السعودية كانت شريكا لا غنى عنه في مكافحة تنظيم القاعدة والآن في مكافحة تنظيم داعش».
وأكد بايمان أنه ما زال هناك كثير من الواجب القيام به في مجال ومواجهة الأفكار والآيديولوجيات المتطرفة وقطع الأموال عن الجماعات والتنظيمات التي تروج لأفكار التطرف العنيف، وشدد الباحث الأميركي على أن يعمل المسؤولون الأميركيون على تشجيع الرياض عبر الطرق الدبلوماسية للقيام بمزيد من ملاحقة الجماعات المتطرفة للخبرة التي اكتسبتها منذ سنوات.
وأشاد الباحث الأميركي بما يقوم به الأمير محمد بن سلمان، ولي ولي العهد السعودي، من إصلاحات طموحة في مجال التحول الاقتصادي من النفط إلى تنويع الاقتصاد، مشيرا إلى ما يتبعه تلك الإصلاحات الاقتصادية من تغييرات اجتماعية على المدى الطويل، وأكد رئيس إدارة الشرق الأوسط بمعهد بروكينز أنه من الأفضل لمصالح الولايات المتحدة أن يتم التعاون العملي مع السعودية على الرغم من أي خلافات أو اختلافات في الأفكار والرؤى والمواقف السياسية.
وأكد سايمون هندرسون، مدير برنامج الخليج وسياسات الطاقة بمعهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، أن اجتماعات الأمير محمد بن سلمان مع مسؤولي إدارة أوباما وقادة الكونغرس ستكون حاسمة في العلاقات الثنائية الأمير محمد بن سلمان يتولى مهام عدة؛ فهو ولي ولي العهد، ووزير الدفاع، ورئيس مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية، إلى جانب أنه عراب الخطة الطموحة لتحقيق «برنامج التحول الوطني» و«الرؤية 2030»، مشيرا إلى أن الأمير محمد بن سلمان يمثل مستقبل السعودية.
ووصف هندرسون الأمير محمد بن سلمان «بنقطة الاتصال الرئيسية بين الرياض وواشنطن، مشيرا إلى الاجتماعات المهمة المقررة في أجندة زيارة الأمير محمد بن سلمان مع مسؤولي البيت الأبيض والكونغرس، وبصفة خاصة قادة اللجان في مجلسي الشيوخ والنواب المشرفة على قضايا الأمن الداخلي والاستخبارات والشؤون الخارجية».
ويقول هندرسون: «على الرغم من التقارير التي تصور أن زيارة الأمير محمد بن سلمان أنها تستهدف الترويج لـ(الرؤية 2030)، واجتذاب البنوك وشركات الأعمال والاستثمارات الأميركية، فإن جانبا مهما من الزيارة يركز على تعزيز الدعم السياسي، وهو يأتي في ظل أجواء صعبة ومخاوف داخل الكونغرس من الإرهاب، ليؤكد الباحث الأميركي أن زيارة الأمير محمد بن سلمان ولقاءات المتعددة مع المسؤولين الأميركيين هي فرصة للمسؤولين والسياسيين في الولايات المتحدة للتعرف وجها لوجه مع ولي ولي العهد السعودي وتقييم توجهاته وخبراته».
ويشير جريجوري جوز، أستاذ العلاقات الخارجية والبروفسور بجامعة تكساس، أن العلاقات الأميركية السعودية واجهت ضغوطا غير مسبوقة في السنوات الأخيرة، وتوترت مؤخرا مع حوار أوباما لمجلة «أتلانتيك»، والاتفاق النووي الإيراني، وسعي واشنطن إلى إقامة علاقات أكثر قوة مع طهران، إضافة إلى اختلافات الرؤى السياسية حول الأزمة السورية والقتال في اليمن.
ويؤكد أستاذ العلاقات الخارجية بجامعة تكساس أنه على الرغم من تلك الاختلافات فإن كلا البلدين يعملان معا بشكل وثيق وظهر ذلك جليا في زيارة الرئيس أوباما للرياض في أبريل (نيسان) الماضي، لحضور قمة قادة دول مجلس التعاون الخليجي؛ حيث كرر التزامه بأمن السعودية ودول الخليج الأخرى، إضافة إلى مواصلة واشنطن بيع الأسلحة إلى الرياض، كما يتم تبادل المعلومات الاستخباراتية بشكل قوي ووثيق.
ويقول البروفسور جوز إن هذا التعاون الوثيق يخدم مصالح البلدين؛ حيث لدى الولايات المتحدة مصلحة حيوية في الحفاظ على علاقة وثيقة مع السعودية في أعقاب ثورات الربيع العربي، كما تتشارك البلدان في كثير من الأهداف، مثل مكافحة تهديدات «داعش» و«القاعدة»، وردع محاولات إيران للهيمنة على المنطقة، إضافة إلى تجنب اندلاع أي اضطرابات في إمدادات الطاقة، وكلا البلدين ترغبان في التوصل إلى حل تفاوضي للصراع الإسرائيلي الفلسطيني، وبصفة عامة يوجد الكثير الذي يوحد مصالح واشنطن والرياض أكثر مما يفرقهم».
ويقول فهد ناظر، المحلل السياسي بمعهد دول الخليج العربي بواشنطن، إن زيارة الأمير في هذا الوقت مهمة للغاية؛ حيث تتزامن الزيارة مع الضغوط المتعلقة بقرار الكونغرس المنتظر، ليس فقط قرار الكونغرس السماح لعائلات ضحايا «11 سبتمبر» برفع قضايا ضد السعودية الذي يشكل أزمة، ولكن أيضا شك الكونغرس في التزام السعودية بجهود مكافحة الإرهاب؛ نظرا للجدال حول قضية الـ28 صفحة الصادرة من «لجنة تحقيق 2002» حل هجوم «11 سبتمبر». هذا على الرغم من أن مسؤولي مكافحة الإرهاب للولايات المتحدة الأميركية قد قاموا بإعطاء السعودية تقديرا عاليا لجهودها في هذا الشأن.
وأوضح ناظر أن هناك أيضا قرارا منتظرا بشأن تقييد بيع الأسلحة للسعودية؛ ما يجعل لقاءات الأمير محمد بن سلمان مع قادة الكونغرس تكتسب أهمية كبيرة، مشيرا إلى أن الأمير محمد بن سلمان سيقوم بمقابلة كلتا الحزبين السياسيين، إضافة إلى الرئيس أوباما والمتحدث الرسمي لمجلس النواب بول راين، بالإضافة إلى اللقاءات مع وزير الخارجية الأميركي جون كيري، ووزير الدفاع آشتون كارتر، ووزيرة التجارة بيني بريتزكر.
ويقول المحلل السياسي بمعهد دول الخليج العربي: «هذه المقابلات تشير إلى أن هذه الزيارة تهدف إلى بدء صفحة جديدة في العلاقة بين الولايات المتحدة الأميركية والسعودية، ويبقى الانتظار لرؤية ما إذا كانت الزيارة ستخرج بنتائج إيجابية وفعالة في مواجهة بعض المشكلات»، موضحا: «أعتقد أن النقاش حول أزمة سوريا، والحملة ضد (داعش)، والوضع في اليمن سيكون أكثر الموضوعات التي تحتل جانبا كبيرا وأساسيا في نقاشات واجتماعات ولي ولي العهد السعودي».
وأضاف ناظر: «في الجانب الاقتصادي من المرجح أن الأمير محمد بن سلمان سيقوم بمراجعة التجديدات في (رؤية 2030)، آخذا بعين الاعتبار زيارته في الخريف الفائت لمناقشة الخطط الاقتصادية مع الشركات الأميركية وأهمية الاستثمار الأجنبي في خطة التجديدات الاقتصادية، ومن الواضح اهتمام المسؤولين السعوديين بوجود استثمار من شركات أميركية».
وتوقع ناظر أن تخرج الزيارة بنتائج إيجابية للغاية خاصة في الجانب الاقتصادي، مشيرا إلى وجود اهتمام كبير من الطرفين لإيجاد طرق لتوطيد وتوسيع العلاقات الثنائية في التجارة والاستثمار.



الملك سلمان... رؤية ممتدة لـ16 عاماً تتحقق مع افتتاح قطار الرياض

خادم الحرمين الشريفين لدى افتتاح مشروع «قطار الرياض» ومشاهدة فيلم تعريفي عن المشروع (واس)
خادم الحرمين الشريفين لدى افتتاح مشروع «قطار الرياض» ومشاهدة فيلم تعريفي عن المشروع (واس)
TT

الملك سلمان... رؤية ممتدة لـ16 عاماً تتحقق مع افتتاح قطار الرياض

خادم الحرمين الشريفين لدى افتتاح مشروع «قطار الرياض» ومشاهدة فيلم تعريفي عن المشروع (واس)
خادم الحرمين الشريفين لدى افتتاح مشروع «قطار الرياض» ومشاهدة فيلم تعريفي عن المشروع (واس)

في وثيقة تاريخية يعود عمرها إلى 20 أكتوبر (تشرين الأول) من عام 2009، قدم خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، عندما كان رئيساً للهيئة العليا لتطوير مدينة الرياض، رؤية استراتيجية شاملة لتطوير نظام النقل العام في مدينة الرياض.

وعرض الملك سلمان عندما كان أميراً للعاصمة السعودية الرياض، على الراحل الملك عبد الله بن عبد العزيز، التحديات التي كانت تواجه المدينة آنذاك، مثل النمو السكاني المتزايد، وتأثيراته على البنية التحتية، خاصة الطرق وحركة المرور. ومن هنا، انطلقت فكرة المشروع بإنشاء العمود الفقري للنقل العام المتمثل في القطار الكهربائي والحافلات؛ لتغطية كامل المدينة.

ملامح الوثيقة التاريخية

الوثيقة لم تقتصر على الرؤية فحسب، بل تضمنت خططاً متكاملة ومواصفات فنية دقيقة، أعدّتها الهيئة العليا، بما يشمل تصميم الشبكة التي تمتد بطول 708 كيلومترات، مع ربطها بالخدمات المحلية لتسهيل التنقل داخل العاصمة السعودية.

وأوضحت الوثيقة استخدام الملك سلمان عبارة «العمود الفقري» لوصف مشروع النقل العام بشقيه «الحافلات والقطار»، كأول استخدام لهذا التعبير، ما يعدّ دلالة على اهتمامه البالغ بهذا المشروع وأولويته منذ قرابة العقدين، إلى جانب نظرته لمستقبل المدينة، واستشرافه لما ستصبح عليه، من خلال وضع مشاريع استراتيجية تهدف إلى معالجة المشكلات الناتجة عن التوسع العمراني وارتفاع عدد السكان.

رؤية الملك سلمان: من فكرة إلى واقع

مراقبون لتاريخ المشروع عدّوا، لـ«الشرق الأوسط»، أن ما يميّز هذا المشروع هو امتداد الرؤية رغم مرور أكثر من عقد على طرحها، لتصبح اليوم واقعاً ملموساً من خلال افتتاح الملك سلمان، الأربعاء، قطار الرياض، أحد أضخم مشاريع النقل العام عالمياً.

وأضاف متابعون لمشاريع النقل في السعودية أن هذه الاستمرارية تعكس القيادة المؤسسية، وثبات النهج التنموي في السعودية، حيث تجاوزت التحديات والتغيرات لضمان تحقيق الأهداف الاستراتيجية.

التخطيط المستدام

وبيّنت الوثيقة التاريخية الدليلَ على أهمية التخطيط طويل المدى، الذي يركز على مواجهة التحديات الحضرية بحلول مبتكرة ومستدامة، مما يجعل «قطار الرياض» ليس مجرد وسيلة نقل، بل نموذجاً يُحتذى به للمشاريع التنموية الكبرى التي تستهدف تحسين جودة الحياة للمواطن والمقيم.

صورة جوية لـ«قطار الرياض» (الهيئة الملكية)

واتفق مراقبون واكبوا افتتاح «قطار الرياض» على أن السعودية أثبتت خلال السنوات الأخيرة أن الرؤى الواضحة والمبنية على التخطيط الدقيق قادرة على تحويل الطموحات إلى إنجازات، وتترك أثراً دائماً للأجيال القادمة.

ووجّه الأمير محمد بن سلمان، ولي العهد رئيس مجلس الوزراء السعودي، الأربعاء، الشكرَ لخادم الحرمين الشريفين على دعمه مشروع النقل العام بمدينة الرياض بشقّيه القطار والحافلات، لافتاً إلى أنه يُعد «ثمرة من ثمار غرس» الملك سلمان بن عبد العزيز، و«انطلاقاً من رؤيته الثاقبة» عندما كان رئيساً للهيئة العليا لتطوير مدينة الرياض.