الاندماج النووي.. طاقة لا تنضب

العلماء لا يزالون يطاردون حلم المستقبل

الاندماج النووي.. طاقة لا تنضب
TT

الاندماج النووي.. طاقة لا تنضب

الاندماج النووي.. طاقة لا تنضب

الاندماج النووي هو العملية التي تولد طاقة الشمس، وهي الحلم الأبدي لعلماء الطاقة، فالطاقة هذه أمينة، ونظيفة، وغير ملوثة، ولا تنضب تقريبا. وحتى هنا في مختبرات لورانس ليفرمور الوطنية حيث التركيز الأساسي لعمليات الاندماج ينصب على صناعة الأسلحة النووية، يتحدث الكثير من العلماء بشاعرية عن أنها قد تنهي إدمان العالم الوقود الحجري.

* طاقة المستقبل
«إنها حلم المستقبل»، كما يقول ستيفن ئيز بوندر، العالم الفيزيائي المتقاعد الذي عمل في هذا المجال بمختبرات ليفرمور، بين الستينات والسبعينات من القرن الماضي، متذكرا أن التركيز العسكري كان في الأساس غطاء بغية الحفاظ على تدفق الأموال الحكومية إلى المختبر لإنفاقها على أبحاث الطاقة: «فالكل كان يتغاضى عن الحقيقة، والكل كان يعلم الكثير».
والمبدأ الأساسي من وراء الاندماج النووي كان بسيطا. قم بعصر ذرات الهيدروجين وضغطها معا بشدة لتندمج وتتحول إلى ذرات هليوم. وذرة الهليوم تزن أقل قليلا من ذرات الهيدروجين الأصلية. ووفقا لمعادلة ألبرت أينشتاين (E = mc2) فإنها تحرر قليلا من الكتلة التي تتحول إلى طاقة. ويتوافر الهيدروجين بكميات كبيرة خلافا للوقود الحجري، والمواد الانشطارية مثل اليورانيوم، لذلك فهو لن ينضب بتاتا.
لكن التحكم في الاندماج ما يزال حلما، يطارده العلماء بشوق، وهو دائما صعب المنال، فهؤلاء لم يتمكنوا بعد من إيجاد وسيلة للحفاظ على تفاعل اندماجي يدوم فترة تكفي لتوليد طاقة نافعة يمكن استخدامها. والطرفة المتداولة حاليا هي أن «الاندماج سيحدث في الـ30 سنة المقبلة، وسيظل كذلك دائما»!
بيد أن العلماء هنا قدموا للعالم بعض الأمل في حصول تقدم. فقد أعلن فريق يرأسه عمر إيه. هاريكاين في الشهر الماضي، أنه استخدم إشعاعات الليزر العملاقة الموجودة في المختبر لدمج ذرات الهيدروجين، وإنتاج ومضات من الطاقة أشبه بقنابل هيدروجينية صغيرة. وكانت كميات الطاقة المنتجة ضئيلة، مما تعادل طاقة مصباح ضوئي بقوة 60 واط يجري استهلاكها خلال خمس دقائق. لكن هذه كانت خمسة أضعاف محاولات الإنتاج قبل سنتين، عندما قام الفيزيائي هاريكاين بتوليد رشقات انفجارية مهمة من الطاقة الاندماجية هذه عن طريق 192 ميغا ليزر.
يعلق هاريكاين، (45 سنة)، أنه من السابق جدا التكهن بمستقبل إقامة محطات مستقبلية تعمل بالاندماج النووي، عن طريق الليزر. وأشار بالفضل في هذا العمل إلى مجهود أكثر من 20 عالما من أعضاء الفريق.
وقد حصل التفاعل الاندماجي هذا في «مرفق الاشتعال القومي» (National Ignition Facility) الذي هو أحد مشاريع «ليفرمور» الذي له تاريخ مكلف ومثير للجدل، فبعدما أنهت الولايات المتحدة التجارب النووية تحت الأرض عام 1992 قال المسؤولون عن المختبر إنهم بحاجة إلى أسلوب لإثبات صحة أن الأسلحة تعمل تماما مثلما أظهرت النماذج الكومبيوترية. وفورا، وافقت الإدارة القومية للأمن النووي، التي هي جزء من وزارة الطاقة الأميركية، على ذلك.
وأهمية المرفق هذا تكمن في الاسم الوسط «الاشتعال» (ignition)، فلتبسيط الأغراض الحكومية، جرى تعريف «الاشتعال» بأنه التفاعل الاندماجي الذي ينتج كمية من الطاقة بقدر إشعاعات الليزر التي تسلط عليه. ولتحقيق ذلك يتوجب اندفاع جزء صغير أساسي من عملية الاندماج إلى الذرات الهيدروجينية المجاورة.
ويشكل مركز المرفق القومي للاشتعال (NIF) حجرة الاستهداف. وهي عبارة عن كرة معدنية بعرض 33 قدما بمعدات تشخيص لماعة تشع إلى الخارج. وهي تبدو كشيء من مسلسل «ستار تريك» التلفزيوني. وهي فعلا ظهرت بالمسلسل هذا في إحدى الحلقات بعنوان «ستار تريك إلى الظلام»، كغرفة للمحركات تدفع بالمركبة «إنتربرايز» في أغوار الفضاء.

* مجمع الليزرات
ويقوم مجمع الليزرات بملء مبنى مساو بمساحته لثلاثة ملاعب لكرة القدم. وتبدأ كل طلقة بنبضة ليزر صغيرة، تتجزأ عبر مرايا عاكسة إلى 192 جزءا قبل ارتدادها ذهابا وإيابا عبر مضاعفات ومعززات الليزر التي يبلغ حجمها حجم مستودعين، قبل تركيز الإشعاعات على حجرة الهدف، بحيث تتقارب وتتلاقى عبر أسطوانة ذهبية بحجم ممحاة قلم الرصاص.
وتدخل إشعاعات الليزر من أسفل الأسطوانة وأعلاها لتقوم حرارتها العالية بتوليد حمام ساخن من الإشعاعات السينية التي تندفع إلى الداخل لضغط كرية صغيرة التي هي بحجم حبة الفلفل الأسود. وتتضمن الأخيرة طبقة من الديتريوم والتريتيوم المجمد اللذين هما من الأشكال الثقيلة للهيدروجين، ومن ثم خلال لحظة وجيزة لا تتعدى جزءا من عشرة مليارات جزء من الثانية، تنصهر الذرات المتفجرة معا. ويسمي العلماء هذه العملية «زمن الفرقعة» (bang time). وتكون كل رمية، أو طلقة من هذه الطلقات قصيرة، بحيث لا تكلف أكثر من خمسة دولارات من الكهرباء. ويبدو أن المسؤولين في مختبرات ليفرمور متأكدون من أن «NIF» سيتمكن قريبا من تحقيق الاحتراق، بعدما تبين أنهم وضعوا خطة لتشييد محطة للطاقة تدعى «الطاقة الاندماجية بالقصور الذاتي بواسطة الليزر» التي ستسمى اختصارا بأوائل حروف هذه الكلمات «لايف»، التي تعني «الحياة»، وهي تقنية ستكون جاهزة لربطها بالشبكة الكهربائية العالمية في حلول الثلاثينات من هذا القرن.
أما بوندر الذي غادر ليفرمور في عام 1975 وأنشأ برنامجا منافسا في مختبرات الأبحاث التابعة للأسطول الأميركي، فقد ظل مواظبا على انتقاد «NIF». وفي عام 1995، كتب تقريرا يتوقع به أن عدم ثبات الغاز المتفجر من شأنه إحباط الاشتعال. وأضاف في مقابلة أجريت معه: «لماذا يستمرون في شيء ثبت فشله فورا».
وكان بوندر قد روج لفكرة أخرى للاندماج بواسطة الليزر يعتقد أنها ستعمل بشكل أفضل بالنسبة إلى محطات الطاقة، فتصميم أسطوانة الذهب الموجودة في ليفرمور غير كافية، لأنه ليست كل طاقة الليزر يجري تحويلها إلى إشعاعات سينية، لأن غالبيتها تخطيء الكرية. فقط 0.5 من الطاقة هذه تصل إلى الوقود. لكن التصميم الذي وضعه يجعل الليزرات تشع مباشرة على كريات الوقود. وهذا ما تنتج عنه صعوبات فنية أخرى، لكن بوندر يقول إن فريقه أظهر أن هذه الصعوبات يمكن تذليلها. وكان بوندر قد تقاعد في عام 1999.
وكان «NIF» قد شرعت في إطلاق إشعاعات الليزر في عام 2009. وقد رفعت راية أمام البناء تعلن «سنسخر طاقة النجوم في خدمة الأرض»، لكن مع كل هذه التقنيات السحرية فقد مضت السنوات الثلاث الأولى من «وقت الفرقعة» بالفشل والإخفاق.
وكانت عمليات المحاكاة الكومبيوترية في ليفرمور قد توقعت انفجارات تؤدي إلى الاحتراق. لكن بدلا من ذلك، أطلقت كل كرية قليلا من الطاقة. بيد أن مسؤولي ليفرمور ظلوا علانية واثقين. فقد صرح إدوارد موسيس الذي كان مديرا لـ«NIF»: «نملك كل القدرات لجعل هذا الأمر يعمل خلال عام 2012 المالي». لكن ذلك لم يحصل. وتكلفة تشييد «NIF» وتشغيله حتى هذا اليوم بلغت 5.3 مليار دولار.
ولكن خلال الجهود لتحقيق الاشتعال، استخدم علماء «NIF» النبضات الليزرية التي تضرب كرية الوقود بأكثر شدة ممكنة، لكن الأخيرة تكسرت قبل حصول الاندماج. وقام هاريكاين بتعديل نبضة الليزر لتحمية الأسطوانة الذهبية أولا. وهذا ما خفف من الانفجار الداخلي، لكنه خفف أيضا من بعض عدم التوازنات، مما أدى إلى معدل أعلى من الاندماج.
وفي سبتمبر (أيلول) الماضي، ظهرت إشارات لفريق هاريكاين تقول بأن الاندماج النووي شرع ينتشر عبر الوقود. «وبذلك، حصلنا على الأقل على الشرارة الأولى»، كما يقول جيف ويزوف القائم بأعمال مدير «NIF».

* خدمة «نيويورك تايمز»



هل يمكن لنظم الذكاء الاصطناعي التكيف مع ثقافات متعددة؟

هل يمكن لنظم الذكاء الاصطناعي التكيف مع ثقافات متعددة؟
TT

هل يمكن لنظم الذكاء الاصطناعي التكيف مع ثقافات متعددة؟

هل يمكن لنظم الذكاء الاصطناعي التكيف مع ثقافات متعددة؟

في سباق محتدم لنشر نماذج اللغات الكبيرة والذكاء الاصطناعي التوليدي في الأسواق العالمية، تفترض العديد من الشركات أن «النموذج الإنجليزي ← المترجم» كافٍ لذلك.

اللغة- ثقافة وأعراف

ولكن إذا كنتَ مسؤولاً تنفيذياً أميركياً تستعد للتوسع في آسيا أو أوروبا أو الشرق الأوسط أو أفريقيا، فقد يكون هذا الافتراض أكبر نقطة ضعف لديك. ففي تلك المناطق، ليست اللغة مجرد تفصيل في التغليف: إنها الثقافة والأعراف والقيم ومنطق العمل، كلها مُدمجة في شيء واحد.

وإذا لم يُبدّل نظام الذكاء الاصطناعي الخاص بك تسلسل رموزه الكمبيوترية فلن يكون أداؤه ضعيفاً فحسب؛ بل قد يُسيء التفسير أو يُسيء المواءمة مع الوضع الجديد أو يُسيء خدمة سوقك الجديدة.

الفجوة بين التعدد اللغوي والثقافي في برامج الدردشة الذكية

لا تزال معظم النماذج الرئيسية مُدربة بشكل أساسي على مجموعات النصوص باللغة الإنجليزية، وهذا يُسبب عيباً مزدوجاً عند نشرها بلغات أخرى. وعلى سبيل المثال، وجدت دراسة أن اللغات غير الإنجليزية والمعقدة لغويا غالباً ما تتطلب رموزاً أكثر (وبالتالي تكلفةً وحساباً) لكل وحدة نصية بمقدار 3-5 أضعاف مقارنةً باللغة الإنجليزية.

ووجدت ورقة بحثية أخرى أن نحو 1.5 مليار شخص يتحدثون لغات منخفضة الموارد يواجهون تكلفة أعلى وأداءً أسوأ عند استخدام نماذج اللغة الإنجليزية السائدة.

والنتيجة: قد يتعثر نموذج يعمل جيداً للمستخدمين الأميركيين، عند عمله في الهند أو الخليج العربي أو جنوب شرق آسيا، ليس لأن مشكلة العمل أصعب، ولكن لأن النظام يفتقر إلى البنية التحتية الثقافية واللغوية اللازمة للتعامل معها.

«ميسترال سابا» نظام الذكاء الاصطناعي الفرنسي مصمم خصيصاً للغات العربية وجنوب آسيا

مثال «ميسترال سابا» الإقليمي جدير بالذكر

لنأخذ نموذج «ميسترال سابا» (Mistral Saba)، الذي أطلقته شركة ميسترال للذكاء الاصطناعي الفرنسية كنموذج مصمم خصيصاً للغات العربية وجنوب آسيا (التاميلية والمالايالامية... إلخ). تشيد «ميسترال» بأن «(سابا) يوفر استجابات أكثر دقة وملاءمة من النماذج التي يبلغ حجمها 5 أضعاف» عند استخدامه في تلك المناطق. لكن أداءه أيضاً أقل من المتوقع في معايير اللغة الإنجليزية.

وهذه هي النقطة المهمة: السياق أهم من الحجم. قد يكون النموذج أصغر حجماً ولكنه أذكى بكثير بالنسبة لمكانه.

بالنسبة لشركة أميركية تدخل منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا أو سوق جنوب آسيا، هذا يعني أن استراتيجيتك «العالمية» للذكاء الاصطناعي ليست عالمية ما لم تحترم اللغات والمصطلحات واللوائح والسياق المحلي.

تكاليف الرموز والتحيز اللغوي

من منظور الأعمال، تُعدّ التفاصيل التقنية للترميز أمراً بالغ الأهمية. تشير مقالة حديثة إلى أن تكاليف الاستدلال في اللغة الصينية قد تكون ضعف تكلفة اللغة الإنجليزية، بينما بالنسبة للغات مثل الشان أو البورمية، يمكن أن يصل تضخم عدد الرموز إلى 15 ضعفاً.

هذا يعني أنه إذا استخدم نموذجك ترميزاً قائماً على اللغة الإنجليزية ونشرتَه في أسواق غير إنجليزية، فإن تكلفة الاستخدام سترتفع بشكل كبير، أو تنخفض الجودة بسبب تقليل الرموز. ولأن مجموعة التدريب الخاصة بك كانت تركز بشكل كبير على اللغة الإنجليزية، فقد يفتقر «نموذجك الأساسي» إلى العمق الدلالي في لغات أخرى.

أضف إلى هذا المزيج اختلافات الثقافة والمعايير: النبرة، والمراجع، وممارسات العمل، والافتراضات الثقافية، وما إلى ذلك، وستصل إلى مجموعة تنافسية مختلفة تماماً: ليس «هل كنا دقيقين» بل «هل كنا ملائمين».

التوسع في الخارج

لماذا يهم هذا الأمر المديرين التنفيذيين الذين يتوسعون في الخارج؟

إذا كنت تقود شركة أميركية أو توسّع نطاق شركة ناشئة في الأسواق الدولية، فإليك ثلاثة آثار:

-اختيار النموذج ليس حلاً واحداً يناسب الجميع: قد تحتاج إلى نموذج إقليمي أو طبقة ضبط دقيقة متخصصة، وليس فقط أكبر نموذج إنجليزي يمكنك ترخيصه.

-يختلف هيكل التكلفة باختلاف اللغة والمنطقة: فتضخم الرموز وعدم كفاءة الترميز يعنيان أن تكلفة الوحدة في الأسواق غير الإنجليزية ستكون أعلى على الأرجح، ما لم تخطط لذلك.

-مخاطر العلامة التجارية وتجربة المستخدم ثقافية: فبرنامج الدردشة الآلي الذي يسيء فهم السياق المحلي الأساسي (مثل التقويم الديني، والمصطلحات المحلية، والمعايير التنظيمية) سيُضعف الثقة بشكل أسرع من الاستجابة البطيئة.

بناء استراتيجية ذكاء اصطناعي متعددة اللغات واعية ثقافياً

للمديرين التنفيذيين الجاهزين للبيع والخدمة والعمل في الأسواق العالمية، إليكم خطوات عملية:

• حدّد اللغات والأسواق كميزات من الدرجة الأولى. قبل اختيار نموذجك الأكبر، اذكر أسواقك ولغاتك ومعاييرك المحلية وأولويات عملك. إذا كانت اللغات العربية أو الهندية أو الملايوية أو التايلاندية مهمة، فلا تتعامل معها كـ«ترجمات» بل كحالات استخدام من الدرجة الأولى.

• فكّر في النماذج الإقليمية أو النشر المشترك. قد يتعامل نموذج مثل «Mistral Saba» مع المحتوى العربي بتكلفة أقل ودقة أكبر وبأسلوب أصلي أكثر من نموذج إنجليزي عام مُعدّل بدقة.

• خطط لتضخم تكلفة الرموز. استخدم أدوات مقارنة الأسعار. قد تبلغ تكلفة النموذج في الولايات المتحدة «س» دولاراً أميركياً لكل مليون رمز، ولكن إذا كان النشر تركياً أو تايلاندياً، فقد تكون التكلفة الفعلية ضعف ذلك أو أكثر.

• لا تحسّن اللغة فقط، بل الثقافة ومنطق العمل أيضاً. لا ينبغي أن تقتصر مجموعات البيانات المحلية على اللغة فحسب، بل ينبغي أن تشمل السياق الإقليمي: اللوائح، وعادات الأعمال، والمصطلحات الاصطلاحية، وأطر المخاطر.

صمم بهدف التبديل والتقييم النشطين. لا تفترض أن نموذجك العالمي سيعمل محلياً. انشر اختبارات تجريبية، وقيّم النموذج بناءً على معايير محلية، واختبر قبول المستخدمين، وأدرج الحوكمة المحلية في عملية الطرح.

المنظور الأخلاقي والاستراتيجية الأوسع

عندما تُفضّل نماذج الذكاء الاصطناعي المعايير الإنجليزية والناطقة بالإنجليزية، فإننا نُخاطر بتعزيز الهيمنة الثقافية.

كمسؤولين تنفيذيين، من المغري التفكير «سنترجم لاحقاً». لكن الترجمة وحدها لا تُعالج تضخم القيمة الرمزية، وعدم التوافق الدلالي، وعدم الأهمية الثقافية. يكمن التحدي الحقيقي في جعل الذكاء الاصطناعي مُتجذراً محلياً وقابلاً للتوسع عالمياً.

إذا كنت تُراهن على الذكاء الاصطناعي التوليدي لدعم توسعك في أسواق جديدة، فلا تُعامل اللغة كحاشية هامشية. فاللغة بنية تحتية، والطلاقة الثقافية ميزة تنافسية. أما التكاليف الرمزية وتفاوتات الأداء فليست تقنية فحسب، بل إنها استراتيجية.

في عالم الذكاء الاصطناعي، كانت اللغة الإنجليزية هي الطريق الأقل مقاومة. ولكن ما هي حدود نموك التالية؟ قد يتطلب الأمر لغةً وثقافةً وهياكل تكلفة تُمثل عوامل تمييز أكثر منها عقبات.

اختر نموذجك ولغاتك واستراتيجية طرحك، لا بناءً على عدد المعاملات، بل على مدى فهمه لسوقك. إن لم تفعل، فلن تتخلف في الأداء فحسب، بل ستتخلف أيضاً في المصداقية والأهمية.

* مجلة «فاست كومباني»، خدمات «تريبيون ميديا».


الذكاء الاصطناعي... نجم المؤتمر السنوي لطب الأسنان في نيويورك

آلاف المشاركين وشركات تعرض أحدث تقنيات الذكاء الاصطناعي
آلاف المشاركين وشركات تعرض أحدث تقنيات الذكاء الاصطناعي
TT

الذكاء الاصطناعي... نجم المؤتمر السنوي لطب الأسنان في نيويورك

آلاف المشاركين وشركات تعرض أحدث تقنيات الذكاء الاصطناعي
آلاف المشاركين وشركات تعرض أحدث تقنيات الذكاء الاصطناعي

في مدينةٍ لا تهدأ، وتحديداً في مركز «جاڤِتس» على ضفاف نهر هدسون، اختتمت أمس أعمال اجتماعات نيويورك السنوية لطبّ الأسنان، التي استمرت 5 أيام، أحد أكبر التجمعات العالمية للمهنة، بمشاركة نحو 50 ألف طبيب وخبير من أكثر من 150 دولة.

لم يكن الحدث مجرد مؤتمر، بل منصّة حيّة لمستقبل طبّ الأسنان؛ فبين أروقته تتقدّم التكنولوجيا بخطى ثابتة: من الروبوتات الجراحية إلى أنظمة الذكاء الاصطناعي القادرة على قراءة الأشعة في ثوانٍ، وصولاً إلى تجارب التجديد الحيوي التي قد تغيّر شكل العلاج خلال سنوات قليلة.

الذكاء الاصطناعي نجم المؤتمر بلا منافس

كان الذكاء الاصطناعي العنوان الأبرز لهذا العام، إذ جاء المؤتمر في لحظةٍ تتسارع فيها التحوّلات العلمية بسرعة تفوق قدرة المناهج التقليدية على مواكبتها. وقد برزت تقنيات محورية: أنظمة تحليل الأشعة الفورية، والمساعد السريري الذكي، والتخطيط الرقمي للابتسامة. وعلى امتداد القاعات، كان واضحاً أن هذه التقنيات لم تعد تجارب مختبرية، بل هي حلول جاهزة تغيّر طريقة ممارسة المهنة أمام أعيننا.

الروبوتات تدخل غرفة العمليات

شكّلت الجراحة الروبوتية محوراً لافتاً هذا العام، بعد أن عرضت شركات متخصصة أنظمة دقيقة تعتمد على بيانات الأشعة ثلاثية الأبعاد وتتكيف لحظياً مع حاجة الإجراء. وقد أظهرت العروض قدرة هذه الروبوتات على تنفيذ خطوات معقدة بثباتٍ يفوق اليد البشرية، مع تقليل هامش الخطأ ورفع مستوى الأمان الجراحي.

التجديد الحيوي... من الخيال إلى التجربة

عرضت جامعات نيويورك وكورنيل أبحاثاً حول بروتينات مثل «BMP-2»، وهو بروتين ينشّط نمو العظم، و«FGF-2» عامل يساعد الخلايا على الانقسام والتئام الأنسجة خصوصاً الألياف، إلى جانب تقنيات الخلايا الجذعية لإحياء الهياكل الدقيقة للسن.

في حديث مباشر مع «الشرق الأوسط»

وأثناء جولة «الشرق الأوسط» في معرض اجتماع نيويورك لطبّ الأسنان، التقت الدكتورة لورنا فلامر–كالديرا، الرئيس المنتخب لاجتماع نيويورك الكبرى لطب الأسنان، التي أكدت أنّ طبّ الأسنان يشهد «أكبر تحوّل منذ ثلاثة عقود»، مشيرة إلى أنّ المملكة العربية السعودية أصبحت جزءاً فاعلاً في هذا التحوّل العالمي.

وأضافت الدكتورة لورنا، خلال حديثها مع الصحيفة في أروقة المؤتمر، أنّ اجتماع نيويورك «يتطلّع إلى بناء شراكات متقدمة مع جهات في السعودية، أسوة بالتعاون القائم مع الإمارات ومؤسسة (إندكس) وجهات دولية أخرى»، موضحة أنّ هناك «فرصاً واسعة للتعاون البحثي والتعليمي في مجالات الزراعة الرقمية والذكاء الاصطناعي والعلاجات المتقدمة»، وأن هذا التوجّه ينسجم بطبيعة الحال مع طموحات «رؤية السعودية 2030».

العرب في قلب الحدث

شارك وفود من السعودية والإمارات وقطر والكويت والبحرين ومصر والعراق في جلسات متقدمة حول الذكاء الاصطناعي والزراعة الرقمية، وكان حضور الوفود لافتاً في النقاشات العلمية، ما عكس الدور المتنامي للمنطقة في تشكيل مستقبل طبّ الأسنان عالمياً.

نيويورك... حيث يبدأ الغد

منذ بدايات اجتماع نيويورك قبل أكثر من قرن، بقيت المدينة مرآةً لتحوّلات المهنة ومختبراً مفتوحاً للمستقبل. وعلى امتداد 5 أيام من الجلسات والمحاضرات والورش العلمية، رسّخ اجتماع نيويورك السنوي مكانته كأكبر تجمع عالمي لطبّ الأسنان، وكمنصّة تُختبر فيها التقنيات التي ستعيد رسم ملامح المهنة في السنوات المقبلة. كما يقول ويليام جيمس، مؤسس الفلسفة البراغماتية الأميركية، إنّ أميركا ليست مكاناً، بل تجربة في صناعة المستقبل... وفي نيويورك تحديداً، يبدو مستقبل طبّ الأسنان قد بدأ بالفعل.


دراسة لـ«ناسا» تظهر التأثير السلبي للأقمار الاصطناعية على عمل التلسكوبات الفضائية

تلسكوب «هابل» الفضائي (أرشيفية - رويترز)
تلسكوب «هابل» الفضائي (أرشيفية - رويترز)
TT

دراسة لـ«ناسا» تظهر التأثير السلبي للأقمار الاصطناعية على عمل التلسكوبات الفضائية

تلسكوب «هابل» الفضائي (أرشيفية - رويترز)
تلسكوب «هابل» الفضائي (أرشيفية - رويترز)

أدت الزيادة الكبيرة في أعداد الأقمار الاصطناعية المتمركزة في مدار منخفض حول الأرض إلى تطورات في مجال الاتصالات، منها توفير خدمات النطاق العريض في المناطق الريفية والنائية في أنحاء العالم.

لكنها تسببت أيضا في زيادة حادة في التلوث الضوئي في الفضاء، ما يشكل تهديدا لعمل المراصد الفلكية المدارية. وتشير دراسة جديدة أجرتها إدارة الطيران والفضاء الأميركية (ناسا) وتركز على أربعة تلسكوبات فضائية، منها تلسكوبان يعملان حاليا وآخران يجري العمل عليهما، إلى أن نسبة كبيرة من الصور التي سيجري التقاطها بواسطة هذه المراصد على مدى العقد المقبل قد تتأثر بالضوء المنبعث أو المنعكس من الأقمار الاصطناعية التي تشترك معها في المدار المنخفض.

وخلص الباحثون إلى أن نحو 40 بالمئة من الصور التي يلتقطها تلسكوب «هابل» الفضائي ونحو 96 بالمئة من تلك التي يلتقطها مرصد «سفير إكس»، يمكن أن تتأثر بضوء الأقمار الاصطناعية. وقال الباحثون إن «هابل» سيكون أقل تأثرا بسبب مجال رؤيته الضيق.

والتلسكوبات المدارية عنصر أساسي في استكشاف الفضاء، نظرا لما تمتلكه من قدرة على رصد نطاق أوسع من الطيف الكهرومغناطيسي مقارنة بالتلسكوبات الأرضية، كما أن غياب التداخل مع العوامل الجوية يمكنها من التقاط صور أكثر وضوحا للكون، مما يتيح التصوير المباشر للمجرات البعيدة أو الكواكب خارج نظامنا الشمسي.

وقال أليخاندرو بورلاف، وهو عالم فلك من مركز أميس للأبحاث التابع لوكالة ناسا في كاليفورنيا وقائد الدراسة التي نشرت في مجلة نيتشر «في حين أن معظم تلوث الضوء حتى الآن صادر من المدن والمركبات، فإن زيادة مجموعات الأقمار الاصطناعية للاتصالات بدأ يؤثر بوتيرة أسرع على المراصد الفلكية في جميع أنحاء العالم».

وأضاف «في الوقت الذي ترصد فيه التلسكوبات الكون في مسعى لاستكشاف المجرات والكواكب والكويكبات البعيدة، تعترض الأقمار الاصطناعية في كثير من الأحيان مجال الرؤية أمام عدساتها، تاركة آثارا ضوئية ساطعة تمحو الإشارة الخافتة التي نستقبلها من الكون. كانت هذه مشكلة شائعة في التلسكوبات الأرضية. ولكن، كان يعتقد، قبل الآن، أن التلسكوبات الفضائية، الأكثر كلفة والمتمركزة في مواقع مراقبة مميزة في الفضاء، خالية تقريبا من التلوث الضوئي الناتج عن أنشطة الإنسان».

وفي 2019، كان هناك نحو ألفي قمر اصطناعي في مدار أرضي منخفض. ويبلغ العدد الآن نحو 15 ألف قمر. وقال بورلاف إن المقترحات المقدمة من قطاع الفضاء تتوقع تمركز نحو 650 ألف قمر اصطناعي في مدار أرضي منخفض خلال العقد المقبل.