هل تعود روسيا إلى أفغانستان عبر بوابة طالبان؟

مع تصاعد التدخل الإيراني.. بذريعة محاربة «داعش»

عناصر من داعش خارج جلال أباد في افغانستان
عناصر من داعش خارج جلال أباد في افغانستان
TT

هل تعود روسيا إلى أفغانستان عبر بوابة طالبان؟

عناصر من داعش خارج جلال أباد في افغانستان
عناصر من داعش خارج جلال أباد في افغانستان

تعاني أفغانستان حربا طويلة تتوالى تبعاتها منذ أكثر من أربعين سنة، عندما دخلت قوات الاتحاد السوفياتي السابق إلى هذا البلد لدعم الحكومة الشيوعية في نهاية سبعينات القرن الماضي. منذ ذلك الحين لم تستقر أفغانستان، الدولة المسلمة المحاطة بدول لا تفوّت فرصة للتدخل في شؤونها الداخلية، تارة عبر إثارة النعرات الطائفية والمذهبية وطورا عبر محاولة إشعال فتيل حرب أهلية بين الإثنيات المختلفة التي تسكن في هذا البلد. ولا يبدو أن البلاد مرشحة لاستعادة الاستقرار، ولا سيما في أعقاب تصفية الولايات المتحدة أخيرا الملا أختر منصور، القائد الجديد لحركة طالبان، الذي خلف القائد المؤسس الراحل الملا عمر.
بعد رحيل نظام طالبان المتشدد الذي حكم أفغانستان بالحديد والنار لمدة ست سنوات، عانت فيها البلاد جميع الويلات؛ بسبب حضور تنظيم القاعدة والجماعات المسلحة الأخرى التي تدفقت إليها من كل حدب وصوب، كان يتوقّع لأفغانستان أن تستقر وتنعم بالأمن والأمان. وتعزّز هذا التوقع مع حضور أكثر من مائة وخمسين ألف عسكري تابع للجيش الأميركي وقوات حلف شمال الأطلسي «ناتو». غير أن النتيجة كانت عكس كل التوقعات؛ فالحرب لم تنته بعد، بل توسعت رقعتها، وباتت تأخذ منحى تصاعديا بعدما قويت شوكة طالبان، ودخلت على الخط جماعات مسلحة أخرى مثل تنظيم داعش، وأعاد تنظيم القاعدة صفوف مقاتليه في جبال وكهوف البلاد الوعرة، التي تعتبر أرضا خصبة لأنشطة الجماعات المتطرفة. هذا النشاط سجّل تصاعدا بعد عام 2012 عندما قررت القوات الدولية خفض قواتها المقاتلة في أفغانستان وتسليم الملف الأمني، بشكل تدريجي، إلى الجيش الأفغاني الحديث الولادة.
اليوم تحولت أفغانستان إلى «ساحة حرب بالوكالة» وأصبحت مكانا لتصفية حسابات دول لها مشاكل سياسية وأمنية بعضها مع بعض. ونجحت غالبية دول الجوار في نقل أزماتها، ولا سيما، أزماتها ومشاكلها الأمنية إلى داخل اِلأراضي الأفغانية.
إيران، الجارة الغربية لأفغانستان، التي لها حدود مترامية معها، استطاعت اللعب بجميع الأوتار من أجل إثبات حضورها السياسي والأمني داخل أفغانستان، سواءً كان ذلك عبر التدخل في شؤونها الداخلية من خلال «جماعات الضغط» التي شكلتها عبر أقلية الهزارة الشيعية (التي لا تتجاوز نسبتها 12 في المائة من سكان البلاد)، أو عبر تقديم الدعم المالي لمئات المؤسسات الاجتماعية والإعلامية الناشئة في كابل وغيرها من المدن.
ومنذ بعض الوقت أخذ الحديث يتردد في وسائل إعلام محلية، وكذلك على ألسنة مسؤولين محليين في غرب أفغانستان وشرقها بأن إيران فتحت قنوات التواصل مع حركة طالبان العدوة التقليدية لها، وذلك بعدما تأكدت من أن تنظيم داعش «في نسخته الأفغانية (ولاية خراسان)»، يسعى إلى تجنيد مئات المقاتلين في صفوفه في مناطق بالشرق والغرب الأفغانيين. أيضا، تتحدث التقارير عن أن ممثلين من حركة طالبان الأفغانية قاموا بزيارات مكوكية إلى طهران، حيث التقوا مسؤولين إيرانيين للحصول على دعمهم في مواجهة خطر «داعش» المتعاظم في أفغانستان. وعلى الرغم من أن الجهات الإيرانية الرسمية نفت زيارة وفود طالبان إليها، فإن علاقات طهران مع الجماعات المسلحة، خصوصا في جوارها، ليس أمرا مستبعدا، ولا سيما أن إيران سعت على الدوام إلى تثبيت موقعها السياسي والأمني عبر مثل هذه الجماعات. وهنا يقول غلام سخي وحدت، وهو صحافي أفغاني يغطي الأخبار والحوادث الأمنية التي تقع في غرب أفغانستان، خصوصا في ولايات مثل هرات وبادغيس وغور القريبة من أو المتاخمة للحدود الإيرانية «إن طهران سعت عبر وكلائها الأفغان على مدى السنوات الماضية لشراء ذمم قادة طالبان المحليين في هذه المناطق. وهي على اتصال مع هؤلاء، كما أن هناك تبادلا للمعلومات بين الطرفين من أجل التصدي لظاهرة (داعش) والتنسيق في الشؤون الأمنية». وتابع، إن هذا يحدث «بينما تزعم طهران أنها تدعم الحكومة الأفغانية الرسمية والشرعية في كابل، وأنها لن تجري حوارات مع جماعات خارجة على الحكومة مثل طالبان وغيرها».
ومن جانبه، يقول حضرت خان تشمن، والخبير الأمني والمحلل السياسي الأفغاني، عن هذا الجانب إن «هدف إيران من فتح باب الاتصال مع طالبان، وفي هذا الوقت بالذات، هو الإجهاز على مساعي الحوار بين الحكومة في كابل وجماعة طالبان بعد وفاة زعيمها المؤسس الملا عمر». ويضيف خان تشمن، إنه «ليس من مصلحة طهران إنهاء الحرب الجارية في أفغانستان، أو إنجاح الحوار من أجل المصالحة، بل إن ما تريده هو إطالة أمد الحرب وجعل الولايات المتحدة الأميركية وحلفائها يتورطون أكثر فأكثر في المستنقع الأفغاني».
علاقات إيران بطالبان ليست غريبة إذن، ثم إن القيادة في طهران تبحث عن مصالحها الخاصة بها و«عدو الأمس» يمكن يتحول فجأة إلى «صديق اليوم»؛ وذلك من أجل التصدي لعدو مشترك هو «داعش أفغانستان». وبالنسبة لهذا التنظيم المتطرف تقول المعلومات بأن التنظيم ما زال يقوم بتجنيد مقاتلين إلى صفوفه، وأنه نجح في تأسيس مراكز قيادية له في ولايتي ننغرهار وكونر شرق البلاد، كما أنه يسعى إلى إيجاد موضع قدم له في مناطق الشمال الأفغاني المتاخم لحدود دول آسيا الوسطى حليفة روسيا الاتحادية. هذا، وتشير الأنباء إلى أن «داعش أفغانستان» يملك اليوم نحو عشرة آلاف مقاتل، غالبيتهم تنتمي إلى مسلحي الجماعات الإسلامية في دول آسيا الوسطى، وأن هذا العدد في تزايد مستمر في أعقاب حدوث شرخ في قيادة طالبان بعد وفاة مؤسسها. ولقد انضمت أعداد كبيرة من طالبان إلى صفوف «داعش»، الذي هو في وضع مالي أفضل من طالبان حاليا. وعلى الرغم من إعلان حكومة كابل الحرب على «داعش» وشن الجيش الأفغاني هجمات قوية وعنيفة ضد مراكز التنظيم المتطرف في ولاية ننغرهار، والكلام عن مقتل العشرات من مقاتلي التنظيم، فإن الظاهرة باتت مقلقة لأفغانستان ولجوارها، مثل إيران وروسيا والصين وحتى باكستان.
هذه الدول تتخوف من تعاظم نفوذ «داعش» في المنطقة والتحول إلى كارثة أمنية على غرار ما يجري في العراق وسوريا. وكل من هذه الدول تحاول مد يد العون إلى طالبان، التي هي الأخرى قلقة من تزايد نفوذ «داعش» على حسابها في كثير من المناطق.
مع هذا، المحللون السياسيون في كابل يرون أن طالبان تشعر بالعزلة وتعاني من قلة مواردها المالية. وهي الآن تبحث عن ممولين جدد، وقد تجد في إيران خير مموّل لأنشطتها العسكرية؛ نظرا للخطر المشترك الذي يجمعهما. لذلك؛ كما سبقت الإشارة، تعمل إيران على توطيد علاقاتها بطالبان من أجل التنسيق معها في الحرب ضد «داعش».
في هذه الأثناء، تتعدد الروايات حول ملابسات اغتيال زعيم طالبان، وخليفة الملا عمر، أختر منصور الذي استهدفته طائرة أميركية من دون طيار يوم 15 مايو (أيار) الماضي في منطقة أحمد وال، التابعة لمدينة كويتا الباكستانية.
الرواية الباكستانية تفيد بأن منصور قام بزيارة إلى إيران، ولقد عاش فيها لفترة تتجاوز شهرا كاملا، ووجدت تأشيرة إيرانية على جواز سفره الباكستاني، غير أن طهران نفت علاقتها بزعيم طالبان المقتول. ولكن في أي حال، كل المؤشرات تشير إلى أن إيران عززت صلاتها بالفعل مع طالبان، وفتحت قنوات التواصل مع مقاتلي الحركة من أجل التنسيق معها. وثمة معلومات عن أن إيران لعبت أيضا دور جسر التواصل بين طالبان وبين روسيا، التي أعربت عن رغبتها في التنسيق مع طالبان ومساعدتها في التصدي لظاهرة «داعش» الذي يهدد بالتمدد قرب حدود روسيا في مناطق الشمال الأفغاني على حساب طالبان. ولعل استهداف أختر منصور في منطقة قريبة من مثلث حدودي بين باكستان وإيران وأفغانستان يوحي بخطورة اللعبة التي تلعبها طهران في علاقاتها المزدوجة مع الحكومة الأفغانية من جهة ومع حركة طالبان من جهة أخرى.
على صعيد آخر، يقول حكمة الله صافي، الخبير الاستراتيجي الأفغاني، إن سياسة إيران تجاه أفغانستان «غامضة يشوبها الكثير من الشبهات وعلامات استفهام؛ فهي من جهة تقول بأنها تقف إلى جانب الحكومة في كابل وتدعم مساعيها للحوار وإنهاء الحرب، وتقدم لها الدعم المالي من أجل النهوض بمؤسساتها الحيوية. ومن جهة ثانية، نرى كيف أنها تتودد للجماعات المسلحة التي تنعتها كابل بالجماعات الإرهابية، مثل طالبان وتفتح لها مكاتب في أراضيها وتقوم بالتنسيق معها». ويتابع صافي «طهران تخرق القانون الدولي ولا تعير أي اهتمام للعلاقات السياسية القائمة عبر القنوات الدبلوماسية بين الدول»، ويستطرد قائلا: إنها «ستحاول في المرحلة المقبلة التقرب إلى طالبان أكثر فأكثر؛ لأنها تدرك جيدا بأن المنطقة مقبلة على حرب جديدة أحد أطرافها (داعش) في أفغانستان وعلى مستوى المنطقة».
أما بالنسبة لروسيا، التي تجاور أفغانستان عبر دول آسيا الوسطى، فهي الطرف الخارجي البارز الآخر الذي يسعى إلى توطيد العلاقات مع طالبان. وفي تطور جديد يكشف مدى محاولات الروس توسيع دائرة تحالفاتهم الإقليمية لمحاربة تنظيم داعش. وكما سبق، تصاعد في أفغانستان خلال الفترة الأخيرة، عندما أخذت مجموعات من طالبان تبايع «أبو بكر البغدادي» زعيم «داعش»، وهو الأمر الذي تسبب في إزعاج كبير عند قيادات الحركة.
هذا، وحسب موقع «دايلي بيست» الأميركي، فإن حركة طالبان تجري حاليا اتصالات مع الدول المجاورة لها من دول «كومنولث الدول المستقلة»، أي دول آسيا الوسطى السوفياتية سابقا، وحتى مع روسيا التي أخرجتها من أفغانستان عام 1989. ويشير الموقع إلى أن هذه الاتصالات لها علاقة بالجهود الروسية لمجابهة انتشار جماعات تتعهد بالولاء للتنظيم المتطرف. ويرجح خبراء أن تكون مخاوف روسيا هي ذات مخاوف طالبان من اتساع نفوذ «داعش»، مع التذكر أن لطالبان تاريخا في التواصل مع أعدائها لتحقيق مصالحها. ومن المفارقات، كما يرى بعض المحللين، أن الاتصالات مع روسيا تظهر في الوقت نفسه الذي رحب فيه نائب الرئيس الأفغاني عبد الرشيد دوستم بحلفائه السابقين في روسيا، وحاول تعزيز علاقاته بدول الاتحاد السوفياتي السابقة على الحدود الأفغانية. وكان الجنرال دوستم، وهو ينتمي إلى إثنية الأوزبك (التي تشكل غالبية سكان جمهورية أوزبكستان السوفياتية السابقة) قد زار موسكو وغروزني (عاصمة جمهورية الشيشان الروسية الذاتية الحكم) قبل بضعة أشهر وشن هجوما شديدا على «داعش»، قال فيه إن «دول الكومنولث» وحتى تاجيكستان وتركمانستان، كلها مستعدة للوقوف معنا ضد «داعش».
وحقا، سعت روسيا في الآونة الأخيرة إلى تعزيز إجراءات الأمن خوفا من تهديدات المتشددين، وخصوصا من منطقة شمال القوقاز المضطربة، بعد عودتهم إلى بلدانهم من الشرق الأوسط أو أفغانستان واحتمال سعيهم للانتقام من التدخل العسكري الروسي ضد الجماعات المعارضة السورية.
واليوم بات واضحا مدى اهتمام قادة دول آسيا الوسطى بخطورة تسلل «داعش» إلى أراضيهم عبر أفغانستان، خاصة أنهم اتفقوا على تشكيل «قوة مشتركة للدفاع عن الحدود» في أوقات الأزمات في ظل الاضطرابات في أفغانستان. ويقول الملا عبد السلام، القيادي السابق في طالبان والعضو في لجنتها العسكرية، إن «الاتجاه العالمي - الأميركي والتهديد الذي يمثله (داعش) باتا نقطة لقاء لمصالح روسيا والحركة الأفغانية، ولا يمكن أن نستبعد مزيدا من التعاون وفقا للسيناريوهات التي ستظهر في الشرق الأوسط». وهذا يعني أنه إذا نجحت روسيا في تدخلها بسوريا للدفاع عن بشار الأسد، فإن طالبان ستتشجع لتكثيف اتصالاتها بها، وربما التعاون علنا مع سلطات الرئيس فلاديمير بوتين. ولكن حتى الآن فإن الاتصالات مع موسكو تجري بسرية شديدة، والمكان الأساسي للمحادثات هو في جمهورية تاجيكستان، عبر الحدود مع ولاية شمال قندوز الأفغانية المحاصرة، التي ربما يكون عملاء الاستخبارات فيها مشاركين في تقديم شحنة أسلحة لطالبان. وكان ضمير كابلووف، مندوب الرئيس الروسي الخاص لشؤون أفغانستان، قد صرح بأن روسيا تجري اتصالات مع طالبان من أجل التنسيق والتشاور للقضاء على «داعش»، وأثار هذا التصريح استغراب الحكومة الأفغانية واستنكار وزارة الدفاع الأفغانية. ثم جاء السفير الروسي في كابل ألكساندر مانتستكي لينفي خبر «التنسيق» مع طالبان، مع أن ثمة معلومات بأن اتصالات الروس مع طالبان ترجع إلى بدايات عام 2013، وذلك عندما التقى مسؤولون في الاستخبارات الروسية، بالتنسيق مع الحكومة التاجيكية، بقادة طالبان على منطقة حدودية مع أفغانستان. فهل تعود روسيا التي خرجت مهزومة من أفغانستان في ثمانينات القرن الماضي إليها مجددا بحجة مواجهة «داعش».. لكن هذه المرة عبر طالبان؟



«حزب الله» العراق... صورة حول الفرات بأهداف تتجاوز الأصل اللبناني

أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)
أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)
TT

«حزب الله» العراق... صورة حول الفرات بأهداف تتجاوز الأصل اللبناني

أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)
أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)

ارتبط مسمى «حزب الله» بنوعين؛ أعلام صفراء في لبنان، وحسن نصر الله أمين عام حزب الله، لبنان، لكن النوع العقائدي الأكبر خطورة يسير في دماء العراق، حزب هو بذات الاسم، عقائديون أكبر أثراً في سفك الدماء، حيث يرعون الأمر أكبر من مجرد حزب أصفر له الضاحية الجنوبية في لبنان؛ مسكن ومقر ومشيعون.
بين دجلة والفرات، حزب يسمى كتائب «حزب الله العراق»، له أكثر من 13 عاماً وهو في تشكيله الحالي، ليس بالهين عوضاً عن ميليشيات «الحشد الشعبي» التي أخذت كل الوهج الإعلامي كونها مرتبطة بنظام إيران، لكن «حزب الله العراق» وكتائبه تمر في أزقة السواد وبأخطر من دور ميداني تمارسه «الحشد الشعبي»، لأن العقائدية ونشرها أشد خطورة من ميدان يتقهقر فيه الأضعف، نظراً للضربات الآمنة التي يقودها الحلفاء أولو القوة من غرب الأرض لوقف تمدد النزيف، دائماً ما يكون مصنع الوباء يمر بحزب الله العراق.

قبل أشهر، كان الحزب تعرض لواحدة من أعنف الغارات على مواقعه، بعد هجوم صاروخي استهدف قاعدة التاجي في العراق، وقتل فيها جنديين أميركيين وبريطانياً، وجاء الرد خلال ساعات قليلة بفعل غارات أميركية - بريطانية مشتركة، ضد منشآت لميليشيات حزب الله العراقي في محافظتي بابل وواسط ومنطقة سورية محاذية للحدود العراقية.
نظرة سريعة على حزب الله العراق، من التاريخ، كان عماد مغنية (قتل في 2008 بغارة إسرائيلية في دمشق) الإرهابي اللبناني التابع لإيران، وحزب الله لبنان، كان أحد صنّاع هيكل هذا الحزب في العراق، حيث بدأ في العمل وفقاً لتوجيهات وأوامر نظام الملالي في تكوين حزب يشبه حزب الله اللبناني، وهو ما يبدو أن الأوامر جاءته في تجويد هذا الحزب ليكون بذراعين: عسكرية وعقائدية، ويبدو أن مغنية تجاوز أخطاء عديدة في تشكيل ووهج حزبه اللبناني، فصنع بهدوء هيكلة مختلفة للحزب، جعلت كل المساجد والحسينيات وقوداً يضخ فيها البذور التي يرغبها أولو العمائم.
ظهر الحزب بحضوره الأول بقوام تجاوز 4 آلاف شخص، منتمين بعضويات عدة داخله، وتنامى العدد حتى قبل تصنيف الولايات المتحدة له كـ«تنظيم إرهابي»، لكنه جعل دوره التسويقي للحشد والتنظيم أكبر من مجرد عسكرة، بل فكرة أكثر ارتباطاً في نشر آيديولوجيا عبر مواقع عدة، ومنها تفريخ عناصر في قطاعات مهمة داخل العراق؛ منها وزارة التعليم ووضع لبنات التعاون مع أحزاب دينية؛ منها «الحزب الإسلامي» الذي يتغذى بمنهج الإخوان المسلمين.
ربما ما يدور أن الحزب هو جزء في تكوين «الحشد الشعبي» لكن ذلك يمر بتقاطعات، حيث يشير عبد القادر ماهين، المتخصص في شؤون التنظيمات الإرهابية، إلى أن الحزب يظهر كونها جزءاً من تكوين الحشد، لكنه جزء يصنع الكعكة الميليشياوية ويشارك في تسميمها ويعمل على توزيعها في المناطق المجاورة.
يشير ماهين في اتصال هاتفي مع «الشرق الأوسط» إلى أنه لا أمين عاماً للحزب أسوة بحزب الله اللبناني، حيث يظهر فيه حسن نصر الله، مبرراً ذلك أن الفرق بين تكوين الحزبين هو الحاجة والدور، حيث يتمركز في جنوب العراق بعتاد عسكري، له هدف في وضع حضور طاغٍ يحاول تفخيخ الحدود، لأن الهدف يرتبط مع إمبراطورية إيران الكبرى الممتدة، ولا يظهر له الأثر السياسي كممثلين له كما هو الحزب اللبناني ليكون أثره في تشكيل الحكومات والبرلمانات.

إذن ما الدور الذي يلعبه الحزب؟

الحزب كما يرى ماهين، أنه ذو دور عسكري في الأصل، لكن الترتيبات ما بعد 2009 جعلته أكثر قدرة في تكوين فريق احتياط عسكري ليس أكثر وفق الحاجة، يدعم التوجهات والسياسات الإيرانية، لكن ما أخل بتلك القاعدة مشاركته المباشرة في دعم نظام الرئيس السوري بشار الأسد، وأصبح أكثر من 4 أو 5 آلاف جندي مشاركين في السيطرة على مدن سورية تحت إمرة إيران في سوريا التي تتشكل من 4 فصائل مسلحة.
الحزب ليس عسكرياً فقط؛ كان ولا يزال صاحب دور في الترويج العقائدي، وتصوير الحضور الإيراني بشكل إيجابي مزعوم، إضافة إلى عمله الاقتصادي، حيث يدخل عناصره الكبرى في مفاصل مهمة في الاقتصاد العراقي، من شركات اتصالات وشركات نفطية، وأخرى ذات علاقة بقطاع الطيران، وإدارة المطارات والمنافذ، وبعض الأشخاص أبرزهم هادي العامري الذي كان صاحب صولات وجولات حين حمل حقيبة وزارة النقل العراقية في وقت سابق، وكان أبرز مهددي الاستمرار الكويتي في بناء ميناء مبارك الكبير، حيث هددت كتائب الحزب الشركات من الاستمرار بالعمل، وحينها ظهر العامري بأن ذلك المشروع «يغلق القناة الملاحية لموانئ العراق».
مرحلة مختلفة ظهرت، حين عاودت الآلة العسكرية الحزبية لكتائب حزب الله العراق، بالعمل من خلف الصفوف، حيث كانت أبرز مهددي السفارات وأكثر ملغمي مسارات الحلول السياسية، بل ومن رمى بقادة العراق اليوم في تحدي أن يرضخوا أمام شعب بدأ في كراهية الحضور الإيراني، وكان الحزب أبرز علامات استهداف المتظاهرين في العراق في كل البلاد، بغية كسر حدة السيوف الشعبية لتصبح مجرد مقبض دون رأس حربة كي يحافظ الحزب على الوجود الإيراني، خصوصاً أنه أبرز متلقٍ للأموال من نظام إيران وأكثرها غناءً.
الدور الاقتصادي لكتائب حزب الله العراق أصبح أكثر وضوحاً، حيث كان أكبر المنتفعين في عام 2015، من «الفدية القطرية» التي وصلت إلى أكثر من مليار دولار، مقابل إطلاق سراح قطريين كانوا يقضون وقتهم في الصيد جنوب العراق، ورغم أن الأنباء قالت إن الخاطفين لعدد من أبناء الأسرة الحاكمة القطرية ومعاونيهم الذي بلغ 28 شخصاً، كانوا من تنظيم «داعش»، لكن التقارير المسربة لاحقاً في بدايات 2016 حيث جرى تخليصهم وعودتهم إلى قطر، كانوا يتبعون لكتائب حزب الله العراق، وهو ما ينافي الرواية الرسمية القطرية التي تقول إنها دفعت المبلغ للحكومة العراقية.
الدور المستقبلي لن ينفك عن منهجية تتقاطع مع حزب الله اللبناني، حيث لدى الحزب اليوم الرؤى ذاتها، خصوصاً في اعتماد سياسة «افتعال الأزمات»، كي لا ينكسر الحضور الإيراني ونفوذه في المؤسسات الدينية وبعض السياسية، التي يجد فيها بعضاً من رجاله الذين يقبعون في سياسة تخفيف الضغط على النظام السياسي ومحاصصته التي تستفيد منها ميليشيات إيران في العراق، وما بعد مقتل قاسم سليماني، غربلة يعيشها الحزب الذي يجرب يوماً بعد آخر أسلوب التقدم خطوة بخطوة، مستفيداً من تكتيك الفأر في نشر طاعون على أرض هي الأهم لإيران.