الخلافات السياسية داخل ائتلاف تونس الحاكم تهدد الإصلاحات

مخاوف من القدرة على مواجهة التحديات بسبب التباينات في صفوف الحكومة

الخلافات السياسية داخل ائتلاف  تونس الحاكم تهدد الإصلاحات
TT

الخلافات السياسية داخل ائتلاف تونس الحاكم تهدد الإصلاحات

الخلافات السياسية داخل ائتلاف  تونس الحاكم تهدد الإصلاحات

عندما صوت البرلمان التونسي هذا الشهر على قانون مهم ضمن حزمة إصلاحات اقتصادية، أقر القانون الذي يدعم استقلالية البنك المركزي بصعوبة، بفارق صوتين فقط، وذلك بعد أن وافق عليه 73 نائبا من مجموع نحو 150 نائبا ينتمون للائتلاف الحكومي.
وتعزز هذه الخطوة المخاوف من قدرة تونس على المضي قدما في مسار الإصلاحات، خاصة في ظل تعمق الخلافات في صفوف الائتلاف الحاكم.
وكاد قانون البنك المركزي أن يذهب أدراج الرياح، لو كان عدد الموافقين عليه أقل باثنين فقط، وهو ما أثار خيبة أمل وغضب رئيس الوزراء، الحبيب الصيد، الذي شعر بغياب السند السياسي لإرساء إصلاحات تحتاج توافقا سياسيا واسعا، قد يجنب البلاد مزيدا من الاحتجاجات الاجتماعية، بينما تشن حربا مكلفة ضد المتشددين.
وتزامن ذلك مع دعوة صندوق النقد الدولي تونس هذا الشهر إلى الإسراع بوضع إصلاحات جديدة لإنعاش اقتصاد تونس المنهار، وأعلن توصله إلى اتفاق مبدئي على إقراضها 8.‏2 مليار دولار مقابل حزمة إصلاحات. وسيكون هذا أكبر قرض في تاريخ البلاد.
وفي هذا السياق، قال أمين ماتي، رئيس بعثة صندوق النقد إلى تونس، إن هذه الإصلاحات تحتاج توافقا سياسيا واسعا.
وواجه قانون استقلالية البنك المركزي جبهة رفض واسعة من حزب «آفاق تونس»، أحد مكونات الائتلاف الحاكم، وهو ما مثل صدمة لرئيس الوزراء. وخلال اجتماع مع رؤساء تحرير الصحافة المحلية الأسبوع الماضي، قال رئيس الوزراء إنه مستاء من التصويت، وإن اجتماعا انعقد مع أحزاب الائتلاف لتفادي تكرار هذا السيناريو.
ولكن لا يبدو واضحا إن كانت المواقف ستكون موحدة خلال عرض مشاريع القوانين الجديدة، خصوصا أن ملامح الانقسام تبدو مستمرة وسط الائتلاف الحاكم.
والأسبوع الماضي دعا ياسين إبراهيم، وزير الاستثمار ورئيس حزب «آفاق تونس»، إلى تكوين كتلة نيابية جديدة تضم الليبراليين، وتستبعد حركة النهضة، وهو ما قد يمثل صفعة لاستمرار الحكومة الهشة أصلا بفعل الاحتجاجات المتواترة. وبهذا الخصوص قال إبراهيم إن مقترح إنشاء جبهة برلمانية جديدة لا يهدف لزعزعة عمل الحكومة، مضيفا أن الانشقاق في حركة «نداء تونس» أضعف الائتلاف بالفعل.
لكن النائب عن «نداء تونس» عبد العزيز القطي قال إنه «لن يكون هناك جبهة بديلة في البرلمان وهو غير ممكن. اليوم طوينا الصفحة ونحن متمسكون بالائتلاف»، مضيفا أن الخلاف كان نتيجة التصويت على قانون البنك المركزي، وأيضا دعوات لإنشاء جبهة برلمانية جديدة، وأنه يجري التنسيق أكثر بين رباعي الائتلاف.
ويضم الائتلاف حزب «نداء تونس» العلماني، وحركة «النهضة الإسلامية»، إضافة إلى حزبي «آفاق تونس» و«الحزب الوطني الحر».
وفي هذا الصدد قال العجمي الوريمي، القيادي بحركة «النهضة»، لوكالة «رويترز»، إنه يتعين على الحلفاء في الائتلاف الحكومي أن يكونوا صفا واحدا في التصويت «لأنه لا يعقل أن يفكر البعض بمنطق أنه يضع قدما في الحكم وأخرى في المعارضة»، في إشارة للتصويت ضد قانون البنك المركزي.
من جهته، يقول الكاتب الصحافي جمال العرفاوي، في تقرير بصحيفة «تونس تلغراف» إن «رئيس الحكومة بلا سند حزبي، وهو يخوض حروبه الصغيرة والكبيرة وحده.. والتصويت على قانون البنك المركزي كاد يسقط في الماء، ولولا صوتان من أصوات المعارضة ربما كنا نتحدث الآن عن انتخابات مبكرة»، مضيفا أن «هذا ما حصل مع إصلاحات صغرى، فما بالك بالإصلاحات الكبرى التي ينتظرها الداخل والخارج؟».
ومن المنتظر أن يتم عرض عدد من المشاريع المهمة في الفترة المقبلة بعد تأخير، من بينها قانون للاستثمار، وآخر للبنوك، إضافة لقانون عن التقاعد. فيما يتوقع خبراء أن تثير القوانين جدلا واسعا عند عرضها، ومن بينها مشروع قانون البنوك.
وانتقد مختصون في القطاع المالي مشروع القانون الجديد؛ لأنه يضم فصلا لتخصص البنوك الإسلامية، وتحديد سقف قدره 50 مليون دينار (94.‏24 مليون دولار) لتأسيس بنوك. وسعيا لتفادي صعوبات متوقعة في قانون البنوك، نظم البرلمان اجتماعا ضم خبراء للحديث عن المشروع الجديد قبل مناقشته. كما أحدث مشروع رفع سن التقاعد بخمس سنوات صدى كبيرا لدى الاتحاد العام التونسي للشغل ذي التأثير القوي.
لكن الحكومة، التي ترغب في إقرار بعض الإصلاحات الجديدة، لم تبدأ حتى الآن في تنفيذ قوانين أخرى أقرتها بالفعل ضمن قانون المالية عام 2015. فيما يرفض الأطباء والمحامون مثلا تطبيق قانون جديد أقر العام الماضي يجبرهم على الكشف عن دخلهم بدقة.



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».