توجه الناخبون في إقليم دارفور السوداني أمس إلى صناديق الاقتراع للمشاركة في الاستفتاء الإداري، المنصوص عليه في وثيقة الدوحة للسلام في دارفور، من أجل الاختيار بين البقاء ضمن الولايات الحالية، أو العودة لنظام الإقليم الواحد كما كان سائدًا من قبل، رغم انتقادات الأسرة الدولية ومقاطعة المعارضة.
ورغم استمرار الاضطرابات في المنطقة، فإن الرئيس السوداني عمر البشير أصر على إجراء هذا الاقتراع، وعلى الرغم من أن مفوضية الانتخابات قد أعلنت في وقت مبكر أنها سجلت أكثر من 3.5 مليون مقترع، فإن حكومة الولايات المتحدة الأميركية أبدت قلقها من إجراء استفتاء دارفور في الوقت الحالي، بوصفه أمرا لا يعبر عن إرادة السودانيين ويسهم في تقويض عملية السلام الجارية في البلاد لقلة أعداد المسجلين والناخبين.
ونصت اتفاقية الدوحة للسلام في دارفور، الموقعة بين الحكومة و«حركة التحرير والعدالة» في يوليو (تموز) 2011، على أن يقرر سكان دارفور وضعها الإداري، وأن يقترع المواطنون على خياري إبقاء نظام الولايات الخمس المكونة للإقليم، أو العودة لنظام الإقليم الواحد كما كان سائدًا من قبل.
وكانت منطقة دارفور إقليما واحدًا حتى 1994 حين قسمتها حكومة الرئيس عمر البشير إلى ثلاث ولايات، ثم زادت عدد الولايات في 2012 لتصبح خمس ولايات، وتختلف الأطراف الدارفورية بما فيها الموقعة على اتفاقية سلام الدوحة حول دعم خيار الإقليم الواحد أو خيار الولايات الخمس، فيما يؤيد الموالون للحزب الحاكم نظام الولايات الحالي.
وأعلن حكام ولايات دارفور الخمس قبل 3 أيام اكتمال العمليات الفنية والمالية والإدارية والأمنية لإجراء الاستفتاء في موعده، وأكدوا وضع خطط تفصيلية لإنجاح عملية الاقتراع، فيما توقعت ندوة مشتركة بين الاتحاد العام للمرأة السودانية والاتحاد العام للصحافيين، أقيمت في الخرطوم، أن تسهم المرأة في الاستفتاء بشكل كبير، علما بأن المرأة السودانية تشارك في العادة بكثافة في عمليات الاقتراع، بل يفوق حضورها الرجال بنسب كبيرة، كما تعد أكبر قوة ناخبة في البلاد.
من جهتها، وزعت السفارة الأميركية في الخرطوم بيانًا صادرًا عن المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية مارك تونر، حصلت «الشرق الأوسط» على نصه، قال فيه إن عدم استتباب الأمن في الإقليم والتسجيل غير الكافي لسكان الإقليم من النازحين لا يتيح المشاركة الكافية.
وتتفق قوى المعارضة الدارفورية المسلحة والمدنية على رفض إجراء الاستفتاء في الوقت الحالي؛ إذ قال المتحدث باسم حركة العدل والمساواة السودانية المسلحة جبريل آدم بلال لـ«الشرق الأوسط» إن أي استفتاء يستلزم توفر أوضاع أمنية وإنسانية وسياسية مستقرة، وأن يقوم وفقًا لتوافق الأطراف كافة، و«نظرا لعدم توفر هذه الأوضاع، فإن الحركة تعده استفتاء باطلاً»، وقال إنها غير ملتزمة بنتائجه، وأضاف بهذا الخصوص: «ندعو أهل دارفور للابتعاد عن هذه العملية معروفة النتيجة مسبقًا، فلو أن 90 في المائة من أهل دارفور لم يشاركوا في الاقتراع، فستأتي نتيجته وفقا لما ترغب فيه الحكومة والأجهزة الأمنية، وهو خيار الولايات الحالية».
وتتطابق وجهة نظر «العدل والمساواة» مع ما جاء في بيان الخارجية الأميركية الذي يقول إنه «ليس واضحًا كيف سيجرى الاستفتاء في معسكرات النازحين التي تحرسها دوريات من قوات حفظ السلام (يوناميد)، وغالبية المقيمين فيها من المعارضين للحكومة»، وهو ما أشار إليه بلال بقوله: «كيف نطلب من 3.2 مليون نازح الإدلاء بأصواتهم في وقت لا يتمتعون فيه بالحق الأساسي، وهو حق الحياة وحق العودة إلى مناطقهم الأصلية».
وانتقد بيان الخارجية الأميركية منع مفوضية الاستفتاء سكان إقليم دارفور المقيمين خارج الإقليم من حقهم في التصويت، واعتبارهم غير مؤهلين، وقال إنه تهميش للملايين من سكان الإقليم من النازحين واللاجئين.
وترفض حركة «جيش تحرير السودان» بشقيها؛ «عبد الواحد محمد النور» و«منّي أركو مناوي»، قيام الاستفتاء في ظل هذه الظروف؛ إذ نقلت تصريحات صحافية عن مساعد رئيس الحركة، أبو عبيدة الخليفة، القول إن استفتاء دارفور «يمهّد لتفتيت حقوق القبائل التاريخية في الحواكير (مضارب القبائل) بحجة حدود الولايات»، وإنه سيقود لمزيد من الاقتتال والحروب القبلية في الإقليم، الذي تنهكه الحروب بين الحركات المسلحة والجيش السوداني والحروبات القبلية.
وعدّ الخليفة الاستفتاء باطلاً لأسباب إجرائية تتمثل في عدم استقرار الإقليم، الذي يقيم نصف سكانه في معسكرات النزوح واللجوء، ولأنه استفتاء معد سلفًا من طرف واحد هو النظام الحاكم، حسب تصريحاته.
ووصف بيان مساعد وزير الخارجية الأميركية الاستفتاء بأنه لا يمكن أن يكون معبرًا عن إرادة شعب دارفور، في ظل الشروط والبنود المحيطة بالأوضاع في الإقليم حاليًا، وقال إن قيامه يهدد بتقويض عملية السلام الجارية حاليًا.
من جهتها، تقول مفوضية الاستفتاء إنها تتوقع إقبالاً عاليًا على الاقتراع، بعد أن قامت بتسجيل أكثر من 3.5 مليون ناخب، من جملة السكان البالغ عددهم أكثر من 4.5 مليون نسمة. وقد تعهدت المفوضية بإجراء الاستفتاء في محليات الإقليم البالغة 65 محلية، بما في ذلك منطقة «جبل مرة» التي تشهد عمليات عسكرية بين القوات الحكومية وقوات «حركة تحرير السودان» منذ منتصف يناير (كانون الثاني) الماضي، أدت لحركة نزوح جديدة قدرتها الأمم المتحدة بأكثر من 130 ألف نازح.
وقال بيان تونر إن السلام الدائم في السودان «سيتحقق فقط من خلال عملية سياسية تعالج الأسباب الكامنة وراء الصراع في دارفور، وتضمن وقفا مستديما للأعمال العدائية، وخلق مساحة للمشاركة الفعالة للجماعات الدارفورية وكل السودانيين في حوار وطني شامل وحقيقي». وتعهدت حكومة الولايات المتحدة الأميركية، وفقًا للبيان، باستمرار دعم السودانيين الراغبين في تعزيز الحكم السلمي وتحقيق الاستقرار في البلاد على المدى الطويل.
وقال رئيس مفوضية الاستفتاء الإداري لدارفور عمر علي جامع، في تصريحات، إن الناخبين سيتوجهون إلى 1450 مركزًا للاقتراع، ضمن 2715 لجنة انتخابية. ووفقًا للمفوضية، فإن عددا من الدول؛ من بينها الصين وروسيا وتركيا وكينيا، والجامعة العربية، والاتحاد الأفريقي، ستشارك في مراقبة الانتخابات، موضحة أن 18 مراقبًا منها سيراقبون الاقتراع، فيما تشارك 95 منظمة محلية في عمليات المراقبة.
ناخبو دارفور يتوجهون لصناديق الاقتراع لتحديد مصير الإقليم
المعارضة تحذر منه.. وواشنطن تشكك في مصداقيته
ناخبو دارفور يتوجهون لصناديق الاقتراع لتحديد مصير الإقليم
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة