قبل حوالي شهرين من رحيله الهادئ الخميس الماضي في دمشقه الجريحة، التي رفض أن يغادرها إلى المنفى، أصدر ما يسمى باتحاد الكتاب العرب - وهو اتحاد الكتاب السوري، الذي ألصقت به كلمة العرب باعتبار سوريا «قلب العروبة النابض» - قرارًا بإيقاف صرف الراتب التقاعدي الهزيل لحسين العودات، الذي ناهز الثمانين حولاً، استنادًا إلى السبب نفسه غير المعلن، الذي دفع هذا الاتحاد طوال تاريخه إلى تجميد وفصل عشرات المثقفين السوريين المعارضين للنظام، في الداخل والخارج: معاداة النظام.
والعودات، لمن لا يعرفه، كان صاحب دار «الأهالي» للنشر، ومن مؤسسي وكالة الصحافة العربية السورية (سانا) الرسمية في عام 1966. وهو أيضًا أحد أبرز رموز المعارضة الداخلية، ومن المؤسسين للحراك الثقافي والاجتماعي والسياسي السوري بعد عام 2001 المعروف بـ«ربيع دمشق». وبعد انطلاق الثورة السورية عام 2011، كان العودات بين أبرز مؤيديها والمشاركين فيها. وهو، قبل هذا وذاك، كاتب وباحث، ومن نتاجه «الموت في الديانات الشرقية»، و«العرب النصارى»، و«المرأة العربية في الدين والمجتمع»، و«الآخر في الثقافة العربية»، و«وثائق فلسطين (1879– 1987»، وآخر كتبه الذي وصلنا «المثقف العربي والحاكم»، الذي حاول فيه تأطير العلاقة التاريخية بين المثقف العربي والسلطة، بدءًا من العهد الأموي وصولاً إلى الأزمنة الحديثة.
وكان العودات أيضًا من مؤسسي رابطة الكتاب السوريين في القاهرة 2012، لتكون بديلاً عن اتحاد الكتاب العرب، الذي هو في حقيقته مجرد فرع من فروع حزب البعث، لكنه فرع بائس لا يملك حولاً على عكس فروع البعث الأخرى، وقد فقد شرعيته ومبررات وجوده منذ مجيء حافظ الأسد للسلطة عام 1971. لكن هذا الاتحاد الأمني لا يزال عضوًا فعالاً فيما يسمى الاتحاد العام للأدباء والكتاب العرب، الذي لا يقل بؤسًا عن فروعه القطرية، بل هو مجرد تجميع لها تحت قبة أي نظام عربي. وأكثر من ذلك، أصبح علي عقلة عرسان، رئيس الاتحاد السوري منذ 1977 - الذي توج إنجازاته بفصل أدونيس وسعد الله ونوس وعشرات آخرين في الوقت الذي قبل عضوًا مثل رفعت الأسد - رئيسًا لهذا الاتحاد، ومن خلاله انطلق ليعين نائبًا للأمين العام لاتحاد كتاب آسيا وأفريقيا، ورئيسًا مشاركًا في المجلس القومي للثقافة العربية بالرباط، وأمينًا عامًا مساعدًا لاتحاد الناشرين العرب، وعضو الأمانة العامة لملتقى الحوار العربي الثوري الديمقراطي، ورئيس اللجنة الفكرية في الملتقى، وعضو مجلس أمناء مؤسسة جائزة عبد العزيز سعود البابطين للإبداع الشعري. ثم خلف هذا «المعجزة» مساعده السابق، و«السوط الثقافي» لحزب البعث السوري داخل الاتحاد، حسين جمعة، الذي أصدر قرار قطع «الفتات» الذي كان يتلقاه حسين العودات، من نظام صرف المليارات على قتل شعبه. لكن هذا الرجل، والحق يقال، تجرأ واتخذ خطوة «تاريخية» لم يجرؤ سلفه على اتخاذها: فصل رفعت الأسد من عضوية الاتحاد «طبقًا للنظام الداخلي، بسبب عدم دفعه الاشتراكات المالية المتوجبة عليه منذ عشر سنوات». كيف فات ذلك على علي عقلة عرسان؟ لم يكن النظام قد أصدر له أمرًا بذلك.
وقبل هذين الرجلين، كان هناك حميد سعيد في العراق، المسؤول البعثي الكبير الذي أصبح أيضًا رئيسًا لاتحاد الأدباء والكتاب القومي، في الوقت الذي قتل وشرد ونفى فيه النظام الذي يمثله مئات المثقفين العراقيين. وبالطبع، لم نسمع كلمة احتجاج واحدة لا من الاتحادات القطرية، ما عدا اتحاد الكتاب المغاربة، ولا من خيمتهم القومية، اتحاد الكتاب والأدباء العرب. وما حدث مع المثقفين العراقيين، يحدث الآن مع المثقفين السوريين، فلا يزال هذا الاتحاد، ونقصد الاتحاد القومي، الذي لا يستطيع أحد أن يفاخر بالانتماء إليه، وترفض التعامل معه كل المؤسسات الثقافية الدولية المستقلة، صامتًا أمام محنة هؤلاء، داخلاً وخارجًا، بينما لا يزال يحتضن الممثل «الأدبي» لنظام أقل ما يقال عنه إنه، لا كلمة في قاموس الوحشية يمكن أن تصف طبيعته. لم نسمع كلمة إدانة واحدة، ولا حتى همسة تضامن خجولة من اتحاد أساس وجوده وشرعيته هو الدفاع عن أعضائه في الأقل، هذا إذا لم نقل عن كل الكتاب والمثقفين أينما وجدوا. ولكن لننتظر قليلا. فالرئيس مشغول بتجنيد اتحاده، وكل المؤسسات الرسمية وغير الرسمية في معركته الكبرى لنيل جائزة نوبل للآداب.على ماذا؟ لا ندري.
استقيلوا من اتحاد كهذا. آن الأوان حقا، وغد متأخر جدًا. لا تتحملوا مسؤولية الدم.
استقيلوا من هذا الاتحاد
استقيلوا من هذا الاتحاد
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة