رئيس الحكومة الليبية الجديدة يُكرس نفسه حاكمًا فعليًا بعد تراجع سلطات طرابلس

إيطاليا تستبعد مجددًا أي تدخل عسكري.. والاتحاد الأوروبي يُجمد أرصدة المعارضين

ليبيون يتظاهرون تأييدا لرئيس الحكومة فايز السراج في ميدان الشهداء بطرابلس (أ.ف.ب)
ليبيون يتظاهرون تأييدا لرئيس الحكومة فايز السراج في ميدان الشهداء بطرابلس (أ.ف.ب)
TT

رئيس الحكومة الليبية الجديدة يُكرس نفسه حاكمًا فعليًا بعد تراجع سلطات طرابلس

ليبيون يتظاهرون تأييدا لرئيس الحكومة فايز السراج في ميدان الشهداء بطرابلس (أ.ف.ب)
ليبيون يتظاهرون تأييدا لرئيس الحكومة فايز السراج في ميدان الشهداء بطرابلس (أ.ف.ب)

وسط تأييد دولي متصاعد، بدأ أمس فائز السراج، رئيس الحكومة الجديدة في ليبيا، في تكريس صورته كحاكم فعلي في البلاد، فيما تراجعت السلطات المسيطرة على العاصمة طرابلس عن مواقفها، وقالت: إنها «ليست متمسكة بالبقاء في السلطة»، وسط معلومات عن اتصالات مع مجلس النواب المتواجد في طبرق لعقد جلسة لمنح الثقة لحكومة السراج، بعدما فرض الاتحاد الأوروبي رسميا عقوبات على رئيسه عقيلة صالح بالإضافة إلى رئيسي برلمان وحكومة طرابلس.
ولليوم الثاني على التوالي منذ وصوله إلى العاصمة، اختفت الميليشيات المسلحة تماما من شوارع المدينة التي عادت فيها الحياة لطبيعتها، وسط انتشار لقوات أمن موالية للحكومة الجديدة التي ما زالت تعقد اجتماعاتها الرسمية في قاعدة بحرية مشددة الحراسة، بانتظار تسلمها المقر الرسمي للحكومة الذي تشغله حكومة طرابلس الموازية.
وقال العميد عبد الرحمن طويل، المسؤول عن تأمين الحكومة الجديدة، إن القاعدة مؤمنة بالكامل، مشيرا إلى أن الحكومة تعمل على تأمين مؤسسات الدولة في العاصمة، مضيفا: «هذا المجلس جاء ليبقى ويستمر بالعمل هنا في طرابلس، ولن يخرج إلا إذا كانت فيه اجتماعات دولية أخرى مؤقتة وسيرجعون».
ولم يحدد الطويل الفصائل التي تعمل مع حكومة السراج؛ لكنه قال: إنها تتلقى حماية من الجيش والمخابرات العسكرية والشرطة، لافتا في تصريحات له أمس، إلى أن وزراء الحكومة من طرابلس وليسوا في خطر ويتحركون دون حراسة أمنية.
وجمد الاتحاد الأوروبي رسميا، الأرصدة المالية لثلاثة زعماء سياسيين ليبيين معارضين لحكومة السراج اعتبارا من أمس، وأعلن أنهم باتوا تحت طائلة عقوباته الاقتصادية. والرجال الثلاثة الذين تشملهم العقوبات هم نوري أبو سهمين رئيس برلمان طرابلس، وخليفة الغويل رئيس حكومته، وعقيلة صالح رئيس البرلمان المعترف به دوليا المتواجد في طبرق بشرق البلاد.
وقالت الصحيفة الرسمية للاتحاد الأوروبي إن الرجال الثلاثة لعبوا دورا محوريا في عرقلة تشكيل حكومة وحدة في ليبيا، حيث جمد الاتحاد الأوروبي أرصدتهم.
من جهته، استبعد رئيس الوزراء الإيطالي ماتّيو رينزي أي تدخل عسكري في ليبيا، وقال في تصريحات نقلتها وكالة «أنباء اكى الإيطالية»: «نحن على استعداد لمد يد العون؛ لكننا نرفض القصف».
وقال رينزي على هامش مشاركته في قمة الأمن النووي بالعاصمة الأميركية واشنطن «نحن من يقدم أكبر قدر من المساعدة بين الجميع، إننا على استعداد للقيام بذلك من ناحية الدعم الاجتماعي والتعاون الدولي؛ لكن هذا لا يعني أن نستيقظ صباح أحد الأيام للذهاب للقصف».
وكان رئيس الحكومة الإيطالية الذي نشر صورة تجمعه بالسراج خلال أول زيارة له للعاصمة روما، قد كتب في تغريدة على موقع التواصل الاجتماعي «تويتر»: «نحن جميعا نؤيد حكومة السراج».
من جهته، أعلن وزير الخارجية الإيطالي، باولو جينتيلوني، أنه أجرى اتصالا هاتفيا مع السراج الذي كان يتحدث من مكتبه في طرابلس، حيث «أكد عزم حكومته على البدء في حوار مع جميع الأطراف لتعزيز وضع الحكومة والبدء في بسط الاستقرار». وقال بيان للخارجية الإيطالية: «لم يتم تسجيل اشتباكات حاليا في العاصمة طرابلس، وإن تميز الإطار بتوترات واضحة».
وجال السراج وسط حراسة أمنية مشددة للمرة الأولى في شوارع طرابلس، حيث تفقد القوات التي تقوم بتأمين ميدان الشهداء بوسط المدينة، كما أجرى حوارا عابرا مع بعض السكان، عقب أدائه صلاة الجمعة بجامع ميزران بوسط طرابلس للمرة الأولى أيضا. وقال بيان لمكتب السراج إنه «حظي باستقبال عدد غفير من المصلين، كما تعالت التكبيرات والأناشيد عقب الصلاة مرحبة ببداية عهد جديد وقدوم الحكومة».
وفي تراجع لافت للانتباه عن تهديداته السابقة باعتقال السراج وأعضاء المجلس الرئاسي لحكومته أو طردهم خارج العاصمة، قال خليفة الغويل رئيس ما يسمى بحكومة الإنقاذ الوطني، إن معارضته لحكومة السراج ستكون بالطرق السلمية والقانونية دون استخدام القوة.
وقال في بيان له إنه استجابة لمطالب أهل المدن الليبية المختلفة فإنه سيمنح فرصة للثوار ومؤسسات المجتمع المدني والأعيان والعلماء لتقدير ما يرونه مناسبا لحقن الدماء وإيجاد مخرج من الأزمة التي تمر بها البلاد. موضحا أنه سيلتزم بما سيصدر عن المؤتمر الوطني العام (البرلمان) السابق والمنتهية ولايته في هذا الصدد، مضيفا: «لا أسعى لمنصب أو سلطة».
وتزامن بيان الغويل مع بيان مماثل للبرلمان الذي لا يحظى بالاعتراف الدولي، دعا فيه السكان إلى ضبط النفس وتجنب إراقة الدماء؛ لكنه حذر في المقابل من «الاصطفاف المسلح الذي سيجر البلاد إلى حرب أهلية».
وبعدما كشف النقاب عن مشاورات مع «شركاء الوطن» للوصول إلى رؤية حول الوضع الراهن، أدان الاشتباكات المسلحة التي شهدتها العاصمة الأربعاء الماضي، وأسفرت عن مقتل وإصابة بعض المواطنين.
كما ندد بالاعتداء على وزير خارجية حكومة طرابلس علي بوزعكوك وقناة «النبأ» الفضائية، والمعتصمين في ميدان الشهداء بوسط المدينة.
وفي دفعة لحكومة الوحدة الجديدة وقيادتها المتمثلة في المجلس الرئاسي، أكّدت عشر مُدن في غرب ليبيا، أنها ترحب وتدعم وصول الحكومة. وقالت في بيان: «تدرك بلديات الساحل الغربي المرحلة الخطيرة التي تمر بها ليبيا، لذلك تدعو هذه البلديات جميع الليبيين بجميع شرائحهم وتياراتهم وأحزابهم إلى الوحدة والتضامن والوقوف صفا واحدا لدعم حكومة الوفاق الوطني».
وتأمل القوى الغربية أن تطلب حكومة الوحدة مساندة أجنبية لمواجهة تنظيم داعش وتدفق المهاجرين من ليبيا صوب أوروبا وإعادة إنتاج النفط لتعزيز اقتصادها.



انفجار أسعار في مناطق سيطرة الحوثيين يخنق معيشة السكان

سوق شعبية للملابس في صنعاء التي يعاني سكانها من انفجار أسعار كبير (الشرق الأوسط)
سوق شعبية للملابس في صنعاء التي يعاني سكانها من انفجار أسعار كبير (الشرق الأوسط)
TT

انفجار أسعار في مناطق سيطرة الحوثيين يخنق معيشة السكان

سوق شعبية للملابس في صنعاء التي يعاني سكانها من انفجار أسعار كبير (الشرق الأوسط)
سوق شعبية للملابس في صنعاء التي يعاني سكانها من انفجار أسعار كبير (الشرق الأوسط)

تراجعت القدرة الشرائية لغالبية اليمنيين في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية، بعد موجة غلاء شديدة ضربت الأسواق، وارتفعت معها أسعار المواد والسلع الأساسية والغذائية، على الرغم من تراجعها عالمياً للشهر الثالث على التوالي.

وارتفعت الأسعار في العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء وجميع المناطق الخاضعة لسيطرة الجماعة الحوثية خلال الأسابيع الماضية؛ ما اضطر كثيراً من العائلات إلى خفض استهلاكها من بعض السلع، أو الاستغناء عن بعض الأصناف، مثل الخضراوات والفواكه، في حين رفعت المطاعم أسعار الوجبات التي تقدمها، رغم تراجع الإقبال عليها.

وتقول مصادر تجارية في صنعاء لـ«الشرق الأوسط» إن أسعار بعض السلع الغذائية زادت، خلال الأسابيع الماضية، بشكل كبير ومفاجئ، في حين حدثت زيادات تدريجية لسلع أخرى، دون أن يصدر حول ذلك أي بيانات أو توضيح من الجماعة الحوثية التي تسيطر على القطاع التجاري، أو إجراءات للحد من ذلك.

وزاد سعر كيس الدقيق زنة 50 كيلوغراماً نحو 3 دولارات؛ حيث ارتفع أحد أنواعه من 12400 ريال يمني إلى نحو 14 ألف ريال، وتفاوتت الزيادة في أسعار كيس الأرز بين 3 و6 دولارات، حسب النوع، بينما ارتفع سعر زجاجة الزيت (5 لترات) بمقدار دولارين لغالبية أنواعه، وتجاوز سعر كرتونة البيض 4 دولارات، بعد أن وصل إلى 2200 ريال. (تفرض الجماعة سعراً ثابتاً للدولار يساوي 535 ريالاً يمنياً).

اتهامات للحوثيين بفرض جبايات لتعويض خسائرهم من العقوبات الأميركية والغارات الإسرائيلية (أ.ف.ب)

وتقول أروى سلام، وهي معلمة وربَّة منزل، لـ«الشرق الأوسط»، إنها اضطرت منذ نحو شهر للتخلي عن شراء الخضراوات تماماً، ما عدا الضروري منها لإعداد الوجبات، في محاولة منها لتوفير ثمن الدقيق والسكر والأرز.

وشملت الزيادات أسعار الخضراوات والفواكه محلية الإنتاج، والمعلبات التي تدخل ضمن أساسيات التغذية في اليمن، مثل التونة واللبن المجفف والأجبان، التي اضطرت غالبية العائلات للتوقف عن شرائها.

خنق الأسواق

بدأت موجة الغلاء الجديدة في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية بقفزة كبيرة في أسعار السكر، أواخر أكتوبر (تشرين الأول) الماضي؛ إذ ارتفع سعر الكيس الذي يزن 50 كيلوغراماً من 20 ألف ريال، إلى 26 ألف ريال لأكثر أنواعه انتشاراً في الأسواق، وهي زيادة تعادل نحو 12 دولاراً.

يمنيان يبيعان الحبوب المنتجة محلياً في سوق بوسط صنعاء (إ.ب.أ)

ومع موجة الغلاء الأخيرة، عاود السكر ارتفاع أسعاره خلال الأسابيع الماضية، وتفاوتت الزيادة الجديدة بين دولارين وأربعة دولارات، إلا أن غالبية الباعة استمروا ببيعه وفقاً للزيادة الأولى، التي تسببت بارتفاع أسعار المشروبات في المقاهي، وعدد من الأصناف التي يدخل في تكوينها.

وواجهت المطاعم صعوبات في التعامل مع الزيادات السعرية الجديدة، بعد أن اضطرت لرفع أسعار الوجبات التي تقدمها، وهو ما أدى إلى تراجع الإقبال عليها.

وتحدث عمار محمد، وهو مدير صالة في أحد المطاعم لـ«الشرق الأوسط» عن قلة عدد رواد المطعم الذي يعمل فيه منذ ارتفاع أسعار الوجبات، مع عزوف من تبقى منهم عن تناول الوجبات المرتفعة الثمن، وتقليل الكميات التي يتناولونها، وهو ما تسبب في تراجع دخل المطعم.

الجماعة الحوثية فرضت المزيد من الجبايات على نقل البضائع متسببة في موجات غلاء متتالية (غيتي)

وأبدى خشيتَه من أن يُضطَر مُلاك المطاعم إلى تسريح بعض العمال بسبب هذا التراجع، رغم توقُّعه تكيُّف معظم الزبائن مع الوضع الجديد، ورجوعهم إلى عاداتهم في تناول الوجبات خارج منازلهم بعد مضي بعض الوقت.

إلا أن باحثاً اقتصادياً نفى إمكانية حدوث التكيف مع الأوضاع الجديدة؛ فبعد كل هذه السنين من الأزمات المعيشية، والإفقار المتعمد للسكان، حسب وصفه، أصبح التكيف أمراً غاية في الصعوبة، خصوصاً مع توقف رواتب موظفي الدولة، واتساع رقعة البطالة، وتراجع المساعدات الإغاثية.

ولفت الباحث الذي طلب من «الشرق الأوسط» عدم الإفصاح عن هويته لإقامته في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية، إلى أن التكيف يحدث في أوضاع يمكن أن تتوفر فيها فرص للسكان لزيادة مداخيلهم، وابتكار طرق جديدة لتحسين معيشتهم.

الأسواق في مناطق سيطرة الحوثيين تعاني من ركود كبير بعد موجات الغلاء (أ.ف.ب)

وأوضح أن الجماعة لا تهتم إلا بزيادة عائداتها، وتتبع جميع الوسائل التي ترهق السكان؛ من فرض المزيد من الضرائب والجمارك ومضاعفتها بشكل غير قانوني، والعبث بالقطاع التجاري والاستثماري، وجميعها إجراءات تعمّق الركود وتعيق الحركة المالية ونشوء الأسواق وتوسع البطالة.

غلاء عكس المتوقع

امتنعت كبريات الشركات التجارية عن إبداء تفسيرات لهذه الزيادات السعرية، بالتوازي مع عدم اتخاذ الجماعة الحوثية أي إجراءات لمنعها أو تفسيرها، رغم ادعاءاتها باستمرار إجراءاتها للرقابة السعرية، وحماية المستهلكين من الاستغلال.

تأتي هذه الزيادات في الوقت الذي أظهرت فيه مؤشرات «منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة (فاو)»، تراجعاً عالمياً في أسعار السلع الغذائية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، للشهر الثالث على التوالي.

وبيَّنت المؤشرات، التي أعلنت عنها «فاو»، والتي ترصد أسعار سلَّة من السلع الغذائية المتداولة حول العالم، ظهور انخفاض من متوسط 126.6 نقطة خلال أكتوبر (تشرين الأول) الماضي إلى 125.1 نقطة، الشهر الماضي، بما يساوي 1.2 في المائة.

وطبقاً لذلك، هبطت أسعار أغلب فئات السلع الأساسية، مثل الألبان ومنتجاتها واللحوم والزيوت النباتية والسكر، رغم ارتفاع مؤشر أسعار الحبوب.

وأرجعت المنظمة الأممية هذا التراجع السعري إلى وفرة المعروض العالمي من السلع، وزيادة الإمدادات في أسواق التصدير، ما زاد المنافسة وخفّض الضغوط السعرية.

ومنذ أيام، حذَّرت المنظمة ذاتها من أن نصف الأسر في اليمن تعاني من نقص الغذاء والحرمان الشديد في أربع محافظات.


«صحة غزة» تحذر من النقص في الأدوية والمستلزمات الطبية بالقطاع

52 % من الأدوية الأساسية و71 % من المستهلكات الطبية بات رصيدها «صفراً» في مستشفيات غزة (إ.ب.أ)
52 % من الأدوية الأساسية و71 % من المستهلكات الطبية بات رصيدها «صفراً» في مستشفيات غزة (إ.ب.أ)
TT

«صحة غزة» تحذر من النقص في الأدوية والمستلزمات الطبية بالقطاع

52 % من الأدوية الأساسية و71 % من المستهلكات الطبية بات رصيدها «صفراً» في مستشفيات غزة (إ.ب.أ)
52 % من الأدوية الأساسية و71 % من المستهلكات الطبية بات رصيدها «صفراً» في مستشفيات غزة (إ.ب.أ)

حذَّرت وزارة الصحة في قطاع غزة، اليوم (الأحد)، من النقص الشديد في الأدوية والمستهلكات الطبية الذي وصفته بأنه عند «مستويات كارثية».

وأوضحت الوزارة، في بيان، أن 52 في المائة من الأدوية الأساسية و71 في المائة من المستهلكات الطبية بات رصيدها «صفراً»، كما أن 70 في المائة من المستهلكات اللازمة لتشغيل المختبرات بات رصيدها «صفراً» أيضاً.

وقالت الوزارة التي تديرها حركة «حماس»، في بيان، إن أقسام جراحة العظام، والغسل الكلوي، والعيون، والجراحة العامة، والعمليات، والعناية الفائقة، تواجه تحديات كارثية مع نقص المستهلكات الطبية، كما أن هناك نقصاً شديداً في الأدوية اللازمة للرعاية الأولية والسرطان وأمراض الدم.

وحذَّرت الوزارة من تصاعد الأزمة في ظل زيادة الحاجة إلى مزيد من التدخلات العلاجية للمرضى والجرحى، وطالبت بتعزيز الإمدادات الطبية العاجلة لتمكين الأطقم الطبية من أداء عملها.


الحوثيون ينفِّذون حملة تجنيد قسري في الحديدة وذمار

رغم الإغراءات والتهديد ترفض غالبية السكان الالتحاق بجبهات الحوثيين (إعلام محلي)
رغم الإغراءات والتهديد ترفض غالبية السكان الالتحاق بجبهات الحوثيين (إعلام محلي)
TT

الحوثيون ينفِّذون حملة تجنيد قسري في الحديدة وذمار

رغم الإغراءات والتهديد ترفض غالبية السكان الالتحاق بجبهات الحوثيين (إعلام محلي)
رغم الإغراءات والتهديد ترفض غالبية السكان الالتحاق بجبهات الحوثيين (إعلام محلي)

وسط تصاعد الغضب الشعبي من تدهور الأوضاع المعيشية واتساع رقعة الفقر، بدأت الجماعة الحوثية تنفيذ حملة تجنيد قسرية في مناطق سيطرتها بمحافظتي الحديدة وذمار، بعد فشل محاولاتها السابقة في استقطاب الفقراء للالتحاق بمعسكرات التدريب مقابل وعود برواتب شهرية.

ولجأت الجماعة المتحالفة مع إيران -حسبما ذكرته مصادر حكومية- إلى اعتقال عدد من وجهاء تلك المناطق بتهمة «التخاذل» في مسعى لإجبار السكان على إرسال أبنائهم للقتال.

وأكدت المصادر لـ«الشرق الأوسط» أن الحوثيين اعتقلوا عدداً من وجهاء مديرية «جبل راس» في الحديدة، بعد رفضهم إجبار الأهالي على إرسال أبنائهم إلى معسكرات التدريب، ضمن حملات التعبئة التي تزعم الجماعة أنها مخصصة لـ«تحرير فلسطين».

وقالت المصادر إن سكان المديريات الخاضعة للجماعة يواجهون حملة تضييق وعقوبات غير مسبوقة، بسبب رفضهم الانخراط في القتال، وإن الوجهاء لا يزالون رهن الاعتقال منذ أيام.

الحوثيون يرغمون الدعاة على قيادة حملات التجنيد (إعلام محلي)

وأوضحت السلطات المحلية الموالية للحكومة الشرعية، أن السكان -رغم الفقر المدقع الذي يعيشونه- رفضوا الانضمام لمعسكرات التدريب. وأشارت إلى أن القيادي الحوثي أحمد البشري، مسؤول ما تسمَّى «التعبئة العامة»، وعبد الله عطيف الذي عيَّنته الجماعة محافظاً للحديدة، أجبرا عدداً من الدعاة على مرافقتهم إلى تجمع أقيم في مدينة زبيد ضمن حملة التجنيد هناك. واعتبرت أن لجوء الجماعة إلى مثل هذا السلوك يعكس «حالة الإفلاس والتخبط» بعد فشلها في استقطاب أبناء تهامة.

وقالت السلطات إن مسؤول التعبئة الحوثي أبلغ الدعاة خلال الاجتماع أن زعيم الجماعة عبد الملك الحوثي أبدى استياءه الشديد من المجتمع التهامي، بسبب رفض أبنائه الالتحاق بالتجنيد، وعدم التجاوب مع دعوات التعبئة، رغم أن الحديدة تعد من أكثر المحافظات معاناة من انعدام الأمن الغذائي والفقر.

ضغوط على الدعاة

وطبقاً لما نقلته السلطات المحلية، وجَّه القيادي الحوثي أحمد البشري تهديداً مباشراً للدعاة، وأمرهم باستخدام نفوذهم ومنابر المساجد للضغط على الأهالي لإرسال أبنائهم إلى معسكرات التجنيد والجبهات، وإصدار فتاوى بوجوب حمل السلاح. كما هدد بإلحاق الدعاة وأُسرهم قسراً بالدورات الطائفية والعسكرية في حال رفضهم تنفيذ التعليمات.

وحذَّرت السلطات المحلية من أن الجماعة الحوثية تعمل على تحويل الدعاة وزعماء القبائل إلى أدوات لشرعنة التجنيد القسري، وتهدد كل من يتأخر أو يرفض بالاتهام بالولاء للحكومة الشرعية.

بينما يعاني اليمنيون من انعدام الغذاء يستمر الحوثيون في الإنفاق على التجنيد (إعلام محلي)

واستغلت الجماعة حالة الفقر الشديد، وانقطاع المرتبات، وانعدام الوظائف، لإغراء الأهالي برواتب شهرية، ووعدت بإدراج أبنائهم في قوائم المستحقين للمساعدات الغذائية عند استئناف توزيعها. وفق المصادر ذاتها.

إلى ذلك، واصلت الجماعة الحوثية التضييق على سكان محافظة ذمار (مائة كيلومتر جنوب صنعاء) إذ أجبرت الأهالي في عدد من المديريات على الخروج في وقفات تحت شعار «النفير والتعبئة العامة»، وألزمت المشاركين برفع شعاراتها، في حين قام عناصرها بتصوير الحشود لتقديمها كدليل على وجود «حاضنة شعبية».

وقالت مصادر محلية إن مشرفي الحوثيين أبلغوا مسؤولي القرى والعزل بضرورة الحضور الإجباري لهذه الفعاليات، والاستعداد لـ«النفير العام» تحت غطاء دعم فلسطين، رغم توقف الحرب في غزة منذ مدة. كما ألزمت نساءً وفتيات بتسجيل أسمائهن كمتطوعات، ولوَّحت بعقوبات لمن يرفض، في خطوة تهدف إلى حشد أكبر عدد ممكن للفعالية التي دعت إليها الجماعة في صنعاء.

أزمة هي الأشد عالمياً

تأتي هذه الممارسات الحوثية -وفق مراقبين- في وقت تؤكد فيه الأمم المتحدة أن اليمن لا يزال يعيش واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية في العالم؛ إذ يحتاج أكثر من 19.5 مليون شخص إلى مساعدات إنسانية هذا العام، بسبب النزاع المستمر، والانهيار الاقتصادي، وتداعيات تغير المناخ.

يمنيون نازحون في صنعاء يدفئون أنفسهم تحت أشعة الشمس في مخيم مؤقت وسط طقس بارد (إ.ب.أ)

ووفق مفوضية شؤون اللاجئين، فإن نحو 4.8 مليون يمني ما زالوا نازحين داخلياً، بينما استقبلت البلاد أكثر من 62 ألف لاجئ وطالب لجوء، معظمهم من الصومال وإثيوبيا. وتوضح المفوضية أنها تعمل في معظم محافظات البلاد بالتنسيق مع السلطات والشركاء المحليين، لتوفير الحماية والمساعدات للفئات الأكثر تضرراً.

وعلى الرغم من هذه المعاناة الواسعة، تواصل الجماعة الحوثية إنفاق الموارد على التجنيد وحملات الحشد الطائفي والعسكري، بدلاً من توجيهها لتخفيف الكارثة الإنسانية، حسبما تؤكده مصادر حكومية ومنظمات محلية.