المعارضة السورية تشارك في جنيف بعد ضمانة «خطية» من دي ميستورا ببحث «الحكم الانتقالي»

المبعوث الدولي لن يوجه دعوات جديدة للمفاوضات ويؤكد أن الانتخابات في غضون 18 شهرا بإشراف الأمم المتحدة

سوريون يتظاهرون احتجاجا على عمليات القصف الجوي على مواقع المعارضة في دمشق أمس (إ.ب.أ)
سوريون يتظاهرون احتجاجا على عمليات القصف الجوي على مواقع المعارضة في دمشق أمس (إ.ب.أ)
TT

المعارضة السورية تشارك في جنيف بعد ضمانة «خطية» من دي ميستورا ببحث «الحكم الانتقالي»

سوريون يتظاهرون احتجاجا على عمليات القصف الجوي على مواقع المعارضة في دمشق أمس (إ.ب.أ)
سوريون يتظاهرون احتجاجا على عمليات القصف الجوي على مواقع المعارضة في دمشق أمس (إ.ب.أ)

أكدت «الهيئة العليا للمفاوضات» الممثلة لأطياف واسعة من المعارضة السورية عزمها المشاركة في مفاوضات جنيف المقررة الاثنين المقبل، مقللة في الوقت عينه من فرص الاتفاق، وفق ما أعلنت في بيان لها أمس.
وفي وقت يبدو أنّ عدم مشاركة «حزب الاتحاد الديمقراطي» باتت محسومة بعدما كانت محور خلاف بين الأطراف الدولية، دعا وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف مبعوث الأمم المتحدة إلى سوريا ستيفان دي ميستورا إلى إشراك الأكراد، معتبرا أن «إطلاق المحادثات من دون مشاركة هذه المجموعة سيكون مؤشر ضعف من جانب الأسرة الدولية، كما أنه سيغذي طموحات الذين لا يريدون البقاء ضمن سوريا بل يريدون تقسيمها». وأعلن دي ميستورا عن أن انتخابات رئاسية وتشريعية ستجرى في سوريا بإشراف الأمم المتحدة في غضون 18 شهرا، ثم عاد واستخدم المصطلح الذي اعتمده سابقا لجهة تشكيل «حكومة جامعة» وليس «هيئة حكم انتقالية»، وهو الأمر الذي كان قد شكّل خلافا بينه وبين المعارضة.
وفي هذا الإطار، أكد «الناطق باسم الهيئة العليا التفاوضية، رياض نعسان آغا، لـ«الشرق الأوسط» أن المعارضة كانت قد طلبت من دي ميستورا توضيح هذه النقطة بالتحديد وقد حصلت على جواب خطي يؤكد أن البحث سيكون حول «هيئة حكم انتقالية»، مؤكدا أنه لا بدّ أن يكون هناك تحول ومرحلة انتقالية وأن ما تم نقله عن لسانه هو خطأ في الترجمة، وبناء على هذا الجواب قبلنا المشاركة، وبالتالي لم يعد من داعٍ للرد على ما ينقل عن لسانه».
وفيما لفت نعسان آغا إلى أن الوفد المفاوض بدأ يصل إلى جنيف، أشار إلى أن أعضاء الهيئة سيصلون ما بين السبت والأحد، وعما إذا كانوا قد حصلوا على تأشيرات الدخول إلى جنيف، قال: «الحكومة السويسرية أعطت تعليماتها لسفاراتها بتسهيل الأمر لوفد الهيئة، على اعتبار أننا لسنا موجودين جميعنا في بلد واحد»، لافتا إلى أن الجولة الماضية من المفاوضات في بداية فبراير (شباط) ذهب جميع أعضاء الهيئة في طائرة خاصة ومن دون تأشيرة دخول». وعن الجهات المشاركة في المفاوضات، أكد دي ميستورا أمس ردا على سؤال حول الدعوات، أنه «لا يعتزم توجيه دعوات جديدة» إلى مشاركين غير الذين حضروا الجولة الأخيرة. ووجهت الدعوة للمشاركة في المفاوضات إلى الهيئة العليا للمفاوضات المنبثقة عن أطياف المعارضة السورية وإلى الحكومة السورية. واستبعد الأكراد السوريون الذين باتوا يسيطرون على أكثر من 10 في المائة من الأراضي السورية وثلاثة أرباع الحدود السورية والتركية من الجولة الأولى من مفاوضات السلام في مطلع فبراير في جنيف.
وفي هذا الإطار، أشار نعسان أغا، إلى المباحثات التمهيدية التي قيل إن دي ميستورا يقوم بها خلال هذه الأيام التي تسبق موعد انطلاق المفاوضات رسميا، هي مع شخصيات سورية تمت دعوتهم بصفة «مستشارين» كمخرج للمطلب الروسي بإضافتهم على اللائحة، من بينهم قدري جميل وهيثم مناع، مشيرًا كذلك، إلى وجود شخصيات من المجتمع المدني يقوم المبعوث الدولي بامتزاج آرائهم بعيدا عن أي «مهمة رسمية»، وهو ما أكده لنا دي ميستورا بأن الجهة المعارضة المفاوضة تتمثل فقط بالهيئة العليا التفاوضية.
وقال دي ميستورا في مقابلة مع وكالة «ريا نوفوستي» الروسية إن المفاوضات المقررة في جنيف بين 14 و24 مارس (آذار) ستتناول «ثلاث مسائل هي تشكيل حكومة جديدة جامعة، ودستور جديد وإجراء انتخابات في الأشهر الـ18 المقبلة اعتبارا من موعد بدء المفاوضات أي 14 مارس الحالي». وأضاف، بحسب الترجمة الروسية لكلامه، أن «الانتخابات الرئاسية والتشريعية ستتم بإشراف الأمم المتحدة».، معربا عن أمله التوصل في المرحلة الأولى من المحادثات إلى تحقيق تقدم على الأقل في المسألة الأولى، المتعلقة بتشكيل حكومة جديدة جامعة.
وأعلن دي ميستورا الأربعاء أن جولة جديدة من المفاوضات بين ممثلين عن النظام السوري والمعارضة ستتم في جنيف بإشراف الأمم المتحدة بين 14 و24 مارس الحالي. وقال إن هذه الجولة سيليها «توقف لمدة أسبوع إلى عشرة أيام وإن (المحادثات) ستستأنف بعدها». وأوضح أن المحادثات ستصل في قاعات منفصلة مع ممثلي النظام والمعارضة على حدة. وفي بيان لها، قالت الهيئة العليا، بأنها ستشارك في جولة المفاوضات المرتقبة «بناء على التزامها بالتجاوب مع الجهود الدولية المخلصة لوقف نزيف الدم السوري وإيجاد حل سياسي للوضع في سوريا». ولفتت إلى أن «جهود الوفد المفاوض ستتركز على الأجندة التي وضعتها الهيئة بناء على بيان جنيف (2012) وغيره من القرارات الدولية فيما يتعلق بإنشاء هيئة حكم انتقالي كاملة الصلاحيات التنفيذية (...) وإقامة نظام تعددي يمثل كل أطياف الشعب السوري، دون أن يكون لبشار الأسد وأركان ورموز نظامه مكان فيه أو في أية ترتيبات سياسية قادمة».
ويعتبر مصير الرئيس السوري بشار الأسد نقطة خلاف محورية بين طرفي النزاع والدول الداعمة لكل منهما، إذ تتمسك المعارضة بأن لا دور له في المرحلة الانتقالية، بينما يصر النظام على أن مصير الأسد يتقرر فقط من خلال صناديق الاقتراع. وأوضح دي ميستورا قبل أسبوع أن الشعب السوري وليس الأجانب، هو من يقرر مصير الأسد. وقال: «ألا يمكننا أن نترك السوريين ليقرروا ذلك في الواقع (...)؟».
وشددت الهيئة من جهة أخرى على أنها «لا تضع أي شروط مسبقة للمشاركة في المفاوضات»، مكررة تمسكها بتنفيذ المواد 12 و13 و14 من قرار مجلس الأمن رقم 2254، والتي ينص أبرزها على وقف الهجمات ضد المدنيين ورفع الحصار عن المناطق المحاصرة وإدخال المساعدات الإنسانية، بالإضافة إلى إطلاق سراح المعتقلين. وبحسب بيان الهيئة، فإن «الهدنة لم تكن كفيلة بتحقيق هذه البنود»، متهمة النظام وحلفاءه «بمحاولة فرض شروط مسبقة». وقال المنسق العام للهيئة رياض حجاب: «لسنا بصدد اختبار نيات النظام وحلفائه (...) لكننا معنيون في الوقت نفسه بتمثيل القضية العادلة للشعب السوري في الأروقة الدولية، واستثمار كل الفرص المتاحة للتخفيف من معاناة الشعب السوري».
وتشهد سوريا منذ أسبوعين وقفا غير مسبوق للأعمال القتالية، تم التوصل إليه بموجب اتفاق أميركي روسي مدعوم من الأمم المتحدة. ويستثني الاتفاق أكثر من خمسين في المائة من الأراضي السورية وهي مناطق يسيطر عليها تنظيم داعش و«جبهة النصرة».
ونظمت جولة سابقة من المفاوضات في جنيف في فبراير، لكنها لم تتمكن من الإقلاع عمليا نتيجة رفض المعارضة الدخول في صلب المحادثات السياسية قبل وقف القصف على المدنيين وإيصال المساعدات الإنسانية إلى المناطق المحاصرة.



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».