تقف الأزمة السورية أمام مفترق أساسي عشية بدء مفاوضات جنيف المزمع عقدها بداية الأسبوع الحالي. ففي وقت لا تزال المعارضة تدرس خياراتها، وإن كان هناك توجه لديها للمشاركة، تجد نفسها أمام تحديات عدة لا سيما في ظل الضغوط الداخلية والخارجية التي تتعرض لها.
وقبل ساعات من إعلان موقفها النهائي، تجد الهيئة نفسها أمام ثلاثة سيناريوهات، وفق ما أشار إليه تقرير لـ«مركز جسور للدراسات»، هي، إما المشاركة أو المقاطعة مع تأجيل الموعد المحدد على غرار الجولة الأولى، أو التوقف عن مواصلة مهامها واستقالة رئيسها وبعض أعضائها لتتولى بعد ذلك مهمة التفاوض المعارضة البديلة، لا سيما تلك المحسوبة على روسيا والمقربة من النظام.
ويلفت التقرير إلى أن خيار المشاركة لا يزال قائمًا إلى اللحظة خصوصًا مع قبول الهيئة بالهدنة والحديث عن تراجع في حجم الخروقات، مشيرًا في الوقت عينه إلى أن «التوقيع على المفاوضات يبقى أمرًا مشكوكًا فيه في ظل الصعوبات الحالية. ويتعزز هذا السيناريو بغلبة ضغوط واشنطن على شروط الهيئة».
كذلك، وفي حين يلفت التقرير إلى أن الخيار الثالث لن يؤدي إلى حصول الجهة المفاوضة على الإجماع الذي حصلت عليه الهيئة، وسيواجه اعتراضات إقليمية، يرجح التقرير حظوظ السيناريو الثاني، في ظل استمرار الخروقات، وتزايد حالة عدم الثقة، وتصميم الهيئة على شروطها بأن تبدأ المفاوضات ببحث تشكيل هيئة حكم انتقالي كامل الصلاحيات مع التشديد على رحيل بشار الأسد من السلطة. واحتمالية متزايدة برفض كل من واشنطن وروسيا لشروط الهيئة.
أما على صعيد النتائج المتوقعة من المفاوضات في حال سلكت طريقها، وبعد أسبوعين من بدء الهدنة التي يصفها البعض بـ«الهشة» والبعض الآخر بـ«المقبولة»، لا يبدي المتحدث باسم الهيئة العليا التفاوضية، منذر ماخوس، تفاؤله حيالها، وإن قررت المعارضة خوضه. وحذر ماخوس في الوقت عينه من «عملية انقلاب على القرارات الدولية التي تنص بشكل أساسي على تشكيل هيئة حكم انتقالية من دون وجود الأسد، فيما يرى الخبير الاستراتيجي وأستاذ العلوم السياسية، خطار بودياب، أن العملية السياسية في سوريا، ستكون هذه المرة أمام منعطف أساسي، فهي إما ستشكل بداية رسم أفق للحل أو أن تفشل وتعود إلى نقطة الصفر. ويوضح: «لا أتوقع الفشل المطلق إنما قد نكون أمام نوع من المراوحة».
ويوضح ماخوس أن «المشكلة الأساسية بالنسبة إلى المعارضة اليوم هي مرجعية أي حل سياسي، وفي حين نؤكد على هيئة الحكم الانتقالي بصلاحيات كاملة، تحاول بعض الجهات الحديث عن (حكومة وحدة وطنية) تحت مظلة النظام السوري، وهو ما نخشى أن يكون مقدمة لبناء عملية سياسية فاشلة تمهيدًا لتقسيم سوريا». ويضيف في حديثه لـ«الشرق الأوسط»: «لست متفائلاً كثيرًا بإمكانية التوصل إلى حل سياسي، رغم أننا سنخوض العملية السياسية حتى النهاية، وذلك لإثبات نوايا النظام الذي يحاول العرقلة بشتى الوسائل، وهذا كله بناء على تجاربنا السابقة معهم، فقبول النظام بمرحلة الحكم الانتقالي يعني تعني انتهاءه».
ويشرح بودياب في حديثه لـ«الشرق الأوسط»: «الجولة الماضية من المفاوضات أحبطت لعدم تطبيق المادتين 12 و13 من القرار 2254 إلى أن تم التوافق على وقف الأعمال العدائية. وفي التقويم لتطبيقها بعد أسبوعين على بدئها، يمكن القول إن هناك نوعًا من التهدئة بشكل عام، إنما وإضافة إلى عدم إطلاق سراح المعتقلين وغياب التوزيع الصحيح للمساعدات، سجل مئات الخروقات التي يقوم بها النظام واستمرار العمليات العسكرية تحت غطاء محاربة (جبهة النصرة)، محاولاً التقدم في الغوطة وريف إدلب وريف اللاذقية، واستمرار الضغط على حلب، لفرض أمر واقع جديد بتقسيم المناطق بينه وبين الأكراد و«النصرة» و«داعش». لكن أمام هذا الواقع يبدو أن هناك إصرارًا روسيًا - أميركيًا لعدم إفشال العملية السياسية، ومسعى لتمديد الهدنة، انطلاقًا من تقاطع المصالح بين الطرفين، ففي حين تحاول الإدارة الأميركية تمرير السنة الأخيرة من عهد الرئيس باراك أوباما واحتواء الجانب الروسي الذي يعلم أن الحرب المفتوحة ليست من مصلحته، في المقابل، هناك مسعى وضغوط أوروبية على الجانب الأميركي لعدم التسليم بما تقوم به موسكو التي لا تفي بتعهداتها.
وفي ظل التناقض في المصطلحات المعتمدة حول المواضيع التي ستبحث على طاولة جنيف، لا سيما تلك المتعلقة بـ«هيئة الحكم الانتقالي» التي تتمسك بها المعارضة، وما تطالب به روسيا لجهة «حكومة وحدة وطنية»، ومن ثم ما أعلنه المبعوث الدولي إلى سوريا ستيفان دي ميستورا، أمس، بالقول إن البحث سيشمل «الحكومة الانتقالية والانتخابات التي يحاول النظام من خلالها قطع الطريق أمام الحل السياسي، يرى بودياب، أن العملية السياسية في سوريا ستكون هذه المرة أمام منعطف أساسي، فهي إما ستشكل بداية رسم أفق للحل أو أن تفشل وتعود إلى نقطة الصفر». ويوضح: «لا أتوقع الفشل المطلق، إنما قد نكون أمام نوع من المراوحة».
في موازاة ذلك، يلفت بودياب إلى بعض الأمور التي تدعو إلى الشك، على غرار الاجتماعات التي عقدت أخيرًا في مطار حميميم العسكري بين معارضة مصطنعة وجهات روسية، مما يعني أن محاولات لتخطي مفاوضات جنيف التي لن توصل إلى نتيجة إذا لم تشارك فيها الهيئة العليا التفاوضية.
خيارات «الهيئة العليا».. بين خوض المفاوضات والتنازل لـ«المعارضة الروسية»
ماخوس: لست متفائلاً بالنتائج.. وخبير استراتيجي: قد نكون أمام نوع من المراوحة
خيارات «الهيئة العليا».. بين خوض المفاوضات والتنازل لـ«المعارضة الروسية»
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة