عقل بسعة السماء لخلق قطعة صغيرة من الشعر

مختارات من الهايكو الياباني في «عكاز تحت ضوء القمر»

غلاف الكتاب
غلاف الكتاب
TT

عقل بسعة السماء لخلق قطعة صغيرة من الشعر

غلاف الكتاب
غلاف الكتاب

بصدور كتاب ترجمه الشاعر العراقي سلام دواي بعنوان «عكاز تحت ضوء القمر»، ضم باقة من الهايكو الياباني، انتابني فضول شعري من نوع خاص عندما قرأت خبر صدور هذا الكتاب بسبب بعض الشعراء الذين جعلوا منه مطيّة جديدة لسياحة شعرية عجولة واستعراضا عضليا لركوب موجة، فجاءت محاولاتهم فجة وتقليدًا خارجيا، تفتقد ذلك الدفق الروحي العميق، حيث كل تقليد تشويه للأصل.
«الهايكو» هو الوجه الشعري للظاهرة اليابانية وإحدى تجارب الفن الشرقي شعرًا، وقد تناثرت ترجماته في أوراقنا العربية منذ سنوات قليلة، وهو التجربة الشعرية الأكثر غنى وحيوية بين تجارب الشعر العالمي والأقرب إلينا، نحن العرب، روحيًا وجغرافيًا وتاريخيًا، من بقية تجارب الشعر العالمي، خاصة الغربي منه، بينما بقي الأبعد والأكثر مجهولية في ثقافتنا، للأسف، إذ تلقفت مؤسستنا الثقافية العربية، بالترجمة والتثاقف والتأثر، تجارب الشعر الغربي وطوت كشحًا عن تجارب الشعوب القريبة أو المحاذية، كالشعر الفارسي والتركي، مثلاً، أما «الهايكو» فلم نعرفه إلا منذ نحو العقدين أو أكثر بقليل.
توهم كثير من شعراء الأجيال الجديدة من العرب أن كتابة قصيدة «هايكو» تعني كتابة «ومضة» قصيرة لا أكثر، وبذا انتشر هذا التقليد السهل في مطبوعاتنا وإعلامنا، من دون روية أو صبر، بينما لهذا النوع من الشعر شروطه وقوانينه الصعبة، عدا أنه ابن بيئة مختلفة وتقاليد معتقة في ثقافة الشعب الياباني.
أقول بكثير من الثقة إن كتاب كينيث ياسودا «واحدة بعد أخرى تتفتح أزهار البرقوق» (2) بترجمة وتقديم محمد الأسعد ومراجعة د. زبيدة أشكناني، أقول إنه جهد كبير على غاية الغنى ومثل إضافة معرفية لثقافتنا العربية، لما تضمنه من تمهيد ضروري من المترجم ودراسة مهمة من المؤلف ونصوص مختارة، إذ أتاح لقرائه فرصة معرفية نادرة في واحدة من أهم تجارب شعر العالم وأكثرها صدقًا وعبقرية لكتابة قصيدة قصيرة، على غاية التوتر والحذق في أقل ما يمكن من كلمات، تختصر أعقد التجارب الإنسانية وتعيد إنتاجها بطابع شرقي لا يشبه غيره ولا يمنح نفسه بسهولة للمتلقي العادي.
كتاب سلام دواي «عكاز تحت ضوء القمر» يمثل مبادرة أخرى للتعريف بهذا النوع الفني من الشعر ويصب في إضافة عتبة التواصل والحوار المتبادلين بين الشعوب وثقافاتها المختلفة وتجاربها الشعرية المتنوعة.
إنه شعر الحكمة اليابانية التي تقطّرت، لتبدو على غاية البساطة مثل عسل مصفّى، لكنه عصي على الكتابة، فكيف بتقليده على عجل وارتجال ليبدو مجرد ماء أضيفت له ملعقة من السكر؟
المقدمة القصيرة (بقلم باتريشا دونجان) في كتاب دواي أوضحت شيئا من التجربة بما أطلقت عليه «إيقاظ العقل» أو «رؤية لما اكتسبت من الحياة أو العمر في تمارين التأملات» أو «كما قال باشو معلم الهايكو العظيم إذا أنت أردت أن تتعلم من شجرة الصنوبر يجب أن تتقدم نحوها وتلقي نفسك في مركزها، ستكون مجرد لمحة بسيطة، لكنها ستكون فتحة في جدار تلك المعرفة».
لكن إشارة دونجان الأهم، في تقديري، هي في قولها: «في الواقع، يحتاج المرء إلى عقل بسعة السماء لخلق تلك القطعة الصغيرة من الشعر».
جاءت مقدمة هذه الشاعرة شهادة شخصية على ضوء تجربتها الخاصة في التعرف على الثقافة اليابانية بعامة وقصيدة الهايكو بخاصة، وتقاطعاتها مع مذهب «الزن Zen» البوذي ودراستها للأدب الياباني والتحدث مباشرة إلى أساتذة متخصصين ومحاضرين أكاديميين في هذا الميدان، وعلى ضوء اختباراتها الذاتية خلال دراستها، عام 1980. لشعر الشرق الغربي وضمنه الهايكو في جامعة نيروبا تحت رعاية الشاعر الأميركي الشهير ألن غينسبيرغ (ت 1997).
التفاتة سلام دواي علامة أخرى على ذوقه الشعري وهو يقترح علينا هذه المختارات مترجمة عن الإنجليزية، ليدفع قارئه نحو قارة شعرية شبه مجهولة، وهو بهذا يعمق إحساسنا بالمشاركة الجمالية والسجال المعرفي ويضع بين أيدينا مفاتيح تذوق أحد أكبر الأشكال الشعرية في عالمنا ويحرضنا على فهم سر تلك القوة غير المرئية الكامنة في هذا الفن.
الصديق الشاعر عبد الزهرة زكي لم يخيب أملي فيما كتبه على الغلاف الأخير لكتاب سلام دواي عندما أضاء ما هو معتم في علاقتنا الثقافية بشعر الشرق الأقصى، وظاهرة الهايكو اليابانية تحديدًا، بإشارته المهمة إلى ضرورة إدراك الطاقة الروحية للهايكو ومعها تقنياته التعبيرية وتجنب الخطأ الشائع بأنه «نص قصير ومكثف» فهو «أوسع من أن يتقيدا بواقعة القصر والطول. ليس بالضرورة ولن يكون ممكنًا إنتاج هايكو عربي أو غربي، فهو نتاج ثقافة مختلفة وحياة أخرى، لكن يمكن التشبع بروح الهايكو طاقة الروح الشرقي العظيم».
عند العودة إلى كتاب ياسودا سنجد ذلك التحدي الذي يواجهه كبار الشعراء عند كتابة قصيدة هايكو، إنها تتحداهم «وترهق قواهم وتكشف بحيوية عن تفردهم واختلاف الأمزجة الخاصة، وكما كرر باشو (أبرز مؤسسيها) أمام تلاميذه بعدة أساليب، فإن قصيدة الهايكو المدركة جيدًا نادرة بالفعل: (إن من يبدع ما بين ثلاث إلى خمس قصائد هايكو في حياته يعدّ شاعر هايكو، أما من ينجز عشر قصائد فيعدّ أستاذًا.. وتساءل تلميذ: أيخطئ، أحيانًا، حتى الأستاذ؟ وكان الجواب: نعم، وفي كل قصيدة)».
نماذج بترجمة سلام دواي:
1 - وهي تقطع الإجاصة
قطرات حلوة
تنزف السكين.
2 - عامًا بعد عام
قناع القرد
يكشف عن قرد آخر.
3 - الغيوم
فرصة القمر
للتهرب من الحضور.
4 - من أجل طحن الرز
الصبية الفقراء
تركوا مشاهدة القمر.
5 - أجراس تتلاشى
زهور البراعم الجديدة
ترنّ في العتمة.



مؤتمر الفجيرة الدولي للفلسفة يؤكد مراعاة خصوصية المشكلات الفلسفية في منطقة الخليج

جانب من الحضور في المؤتمر (بيت الفلسفة)
جانب من الحضور في المؤتمر (بيت الفلسفة)
TT

مؤتمر الفجيرة الدولي للفلسفة يؤكد مراعاة خصوصية المشكلات الفلسفية في منطقة الخليج

جانب من الحضور في المؤتمر (بيت الفلسفة)
جانب من الحضور في المؤتمر (بيت الفلسفة)

أكد البيان الختامي لمؤتمر الفجيرة الدولي للفلسفة في دورته الرابعة، الذي اختُتم مساء السبت، إقامة مشروع بحثي فلسفي يدرس نتاج الفلاسفة العرب وأفكارهم وحواراتهم.

وبعد اختتام مؤتمر الفجيرة الدولي للفلسفة في دورته الرابعة، الذي أُقيم بمناسبة اليوم العالمي للفلسفة، وذلك بمقر «بيت الفلسفة» بالإمارة، برعاية الشيخ محمد بن حمد الشرقي، ولي عهد الفجيرة؛ اجتمع أعضاء «حلقة الفجيرة الفلسفيّة» في مقرّها بـ«بيت الفلسفة»، وأصدروا بياناً دعوا إلى تأسيس نواة «اتحاد الجمعيات الفلسفية العربية»، ومقرّه الفجيرة، وتشجيع الجمعيات على الانضمام إلى «الفيدرالية الدولية للفلسفة».

الشيخ محمد بن حمد الشرقي ولي عهد الفجيرة خلال رعايته مؤتمر الفجيرة الدولي للفلسفة في دورته الرابعة (بيت الفلسفة)

وأكد البيان أهمية مراعاة خصوصية المشكلات الفلسفية في منطقة الخليج العربي، مثل مشكلة الهوية وتعزيز الدراسات حولها.

ودعا للسعي إلى «الإضاءة على الفلسفة في العالم العربي وتمييزها من الفلسفة الغربية؛ لأنّ هدف بيت الفلسفة المركزي تعزيز الاعتراف بالآخر وقبوله».

كما دعا البيان إلى تعزيز دائرة عمل «حلقة الفجيرة الفلسفيّة»، بما يضمن تنوّع نشاطها وتوسّع تأثيرها؛ بدءاً بعقد جلسات وندوات شهريّة ودوريّة من بُعد وحضورياً، ومروراً بتعزيز المنشورات من موسوعات ومجلّات وكتب وغيرها، وانتهاء باختيار عاصمة عربيّة في كلّ سنة تكون مركزاً لعقد اجتماع «حلقة الفجيرة الفلسفيّة» بإشراف «بيت الفلسفة».

وأكد توسيع دائرة المشاركين خصوصاً من العالم الغربي؛ بحيث يُفعّل «بيت الفلسفة» دوره بوصفه جسراً للتواصل الحضاري بين العالمين العربي والغربي.

كما بيّن أهمية إصدار كتاب يجمع أعمال المؤتمرات السابقة. وبدءاً من العام المقبل سيعمد «بيت الفلسفة» إلى تعزيز الأبحاث المطوّلة في المؤتمر ونشرها في كتاب خاصّ.

ومؤتمر الفجيرة الدولي للفلسفة هو الأول من نوعه في العالم العربي، وتشارك فيه سنوياً نخبة من الفلاسفة البارزين من مختلف أنحاء العالم، ويحمل المؤتمر هذا العام عنوان: «النقد الفلسفي».

وتهدف دورة هذا العام التي بدأت يوم الخميس الماضي واختُتمت السبت، إلى دراسة مفهوم «النقد الفلسفي»، من خلال طرح مجموعة من التساؤلات والإشكاليات حوله، بدءاً بتعريف هذا النوع من النقد، وسبل تطبيقه في مجالات متنوعة؛ مثل: الفلسفة، والأدب، والعلوم.

وتناول المؤتمر العلاقة بين النقد الفلسفي وواقعنا المعيش في عصر الثورة «التكنوإلكترونية»، وأثر هذا النقد في تطوّر الفكر المعاصر.

وخلال مؤتمر هذا العام سعى المتحدثون إلى تقديم رؤى نقدية بنّاءة جديدة حول دور الفلسفة في العصر الحديث، ومناقشة مجموعة من الموضوعات المتنوعة، تشمل علاقة النقد الفلسفي بالتاريخ الفلسفي وتأثيره في النقد الأدبي والمعرفي والعلمي والتاريخي، ومفاهيم مثل «نقد النقد»، وتعليم التفكير النقدي، إلى جانب استكشاف جذور هذا النقد وربطه ببدايات التفلسف.

الشيخ محمد بن حمد الشرقي ولي عهد الفجيرة خلال رعايته مؤتمر الفجيرة الدولي للفلسفة في دورته الرابعة (بيت الفلسفة)

وعملت دورة المؤتمر لهذا العام على أن تصبح منصة غنيّة للمفكرين والفلاسفة لتبادل الأفكار، وتوسيع آفاق النقاش حول دور الفلسفة في تشكيل المستقبل.

وشملت دورة هذا العام من مؤتمر الفجيرة الدولي للفلسفة عدداً من الندوات والمحاضرات وجلسات الحوار؛ حيث افتُتح اليوم الأول بكلمة للدكتور أحمد البرقاوي، عميد «بيت الفلسفة»، وكلمة للأمين العام للاتحاد الدولي للجمعيات الفلسفية.

وتضمّنت أجندة اليوم الأول أربع جلسات: ضمت الجلسة الأولى محاضرة للدكتور أحمد البرقاوي، بعنوان: «ماهيّة النّقد الفلسفيّ»، ومحاضرة للدكتور عبد الله الغذامي، بعنوان: «النقد الثقافي»، وترأس الجلسة الدكتور سليمان الهتلان.

وضمت الجلسة الثانية محاضرة للدكتور فتحي التريكي، بعنوان: «النقد في الفلسفة الشريدة»، ومحاضرة للدكتور محمد محجوب، بعنوان: «ماذا يُمكنني أن أنقد؟»، ومحاضرة ثالثة للدكتور أحمد ماضي، بعنوان: «الفلسفة العربية المعاصرة: قراءة نقدية»، وترأس الجلسة الدكتور حسن حماد.

أما الجلسة الثالثة فضمت محاضرة للدكتور مشهد العلّاف، بعنوان: «الإبستيمولوجيا ونقد المعرفة العلميّة»، ومحاضرة للدكتورة كريستينا بوساكوفا، بعنوان: «الخطاب النقدي لهاريس - نقد النقد»، ومحاضرة للدكتورة ستيلا فيلارميا، بعنوان: «فلسفة الولادة - محاولة نقدية»، وترأس الجلسة: الدكتور فيليب دورستيويتز.

كما ضمت الجلسة الرابعة محاضرة للدكتور علي الحسن، بعنوان: «نقد البنيوية للتاريخانيّة»، ومحاضرة للدكتور علي الكعبي، بعنوان: «تعليم الوعي النقدي»، وترأس الجلسة: الدكتور أنور مغيث.

كما ضمّت أجندة اليوم الأول جلسات للنقاش، وتوقيع كتاب «تجليات الفلسفة الكانطية في فكر نيتشه» للدكتور باسل الزين، وتوقيع كتاب «الفلسفة كما تتصورها اليونيسكو» للدكتور المهدي مستقيم.

جانب من الحضور (الشرق الأوسط)

وتكوّن برنامج اليوم الثاني للمؤتمر (الجمعة 22 نوفمبر/تشرين الثاني 2024) من ثلاث جلسات، ضمت الجلسة الأولى محاضرة للدكتورة مريم الهاشمي، بعنوان: «الأساس الفلسفي للنقد الأدبيّ»، ومحاضرة للدكتور سليمان الضاهر، بعنوان: «النقد وبداية التفلسف»، وترأست الجلسة: الدكتورة دعاء خليل.

وضمت الجلسة الثانية محاضرة للدكتور عبد الله المطيري، بعنوان: «الإنصات بوصفه شرطاً أوّلياً للنّقد»، ومحاضرة للدكتور عبد الله الجسمي، بعنوان: «النقد والسؤال»، وترأس الجلسة الدكتور سليمان الضاهر.

وضمت الجلسة الثالثة محاضرة للدكتور إدوين إيتييبو، بعنوان: «الخطاب الفلسفي العربي والأفريقي ودوره في تجاوز المركزية الأوروبية»، ومحاضرة الدكتور جيم أي أوناه، بعنوان: «الوعي الغربي بفلسفة ابن رشد - مدخل فيمونولوجي»، ويرأس الجلسة: الدكتور مشهد العلاف.

وتكوّن برنامج اليوم الثالث والأخير للمؤتمر (السبت 23 نوفمبر 2024) من جلستين: تناولت الجلسة الأولى عرض نتائج دراسة حالة «أثر تعليم التفكير الفلسفي في طلاب الصف الخامس»، شارك فيها الدكتور عماد الزهراني، وشيخة الشرقي، وداليا التونسي.

وشهدت الجلسة الثانية اجتماع «حلقة الفجيرة الفلسفية» ورؤساء الجمعيات الفلسفية العربية.