هيكل.. رجل التناقضات

كان دائما تواقًا لجذب الانتباه والاهتمام في وقت كان فيه على بداية الطريق نحو الانزواء والخفوت الصحافي

مصريون يودعون كاتبهم أثناء خروج جنازته من مسجد الحسين (أ.ف.ب)
مصريون يودعون كاتبهم أثناء خروج جنازته من مسجد الحسين (أ.ف.ب)
TT
20

هيكل.. رجل التناقضات

مصريون يودعون كاتبهم أثناء خروج جنازته من مسجد الحسين (أ.ف.ب)
مصريون يودعون كاتبهم أثناء خروج جنازته من مسجد الحسين (أ.ف.ب)

«لا يمكن أن يكونوا في انتظاري»، قالها محمد حسنين هيكل مع ومضة بدت في عينيه. وكان يشير إلى جمع من الصحافيين والمصورين الذين ينتظرون خارج ذلك الفندق الفاخر في ميلانو حيث كنا نحضر المؤتمر الذي ترعاه منظمة اليونيسكو حول «النظام الجديد للاتصالات والمعلومات في العالم».
واتضح أن جماعة المصورين والصحافيين كانوا ينتظرون، سرا، خروج مجموعة من كبار الموديلات العالميات الموجودات في المدينة لحضور عرض الأزياء السنوي هناك.
«حسنا، كما توقعت»، قالها نجم الصحافة المصرية بطريقة فلسفية، حيث كانت لهجته مزينة بلمحة من لمحات خيبة الأمل. كان هيكل دائما تواقا لجذب الانتباه والاهتمام، وفي ذلك الوقت تحديدا، في أواخر السبعينات، كان على بداية الطريق نحو الانزواء والخفوت الصحافي. فلقد توترت علاقاته كثيرا بالرئيس أنور السادات، وعانى كثيرا على يديه، وحرمه تقريبا من حق ممارسة مهنته المحببة إلى قلبه. وبالنسبة إليه، كما هو الحال بالنسبة لكافة الصحافيين الحقيقيين، كان الانخراط في الأحداث اليومية مثل المخدر الذي إن حُرم منه يحول حياته إلى جحيم لا يُطاق على الأرض.
ونظرا لحياته الطويلة جدا والمليئة بالكثير من الأحداث الكبيرة، كان يمكن اعتبار هيكل مجموعة من الرجال الممتزجين في رجل واحد. فلقد رأيناه من قبل حينما كان مراسلا صحافيا شابا لدى واحدة من الصحف المصرية الناطقة باللغة الإنجليزية، وهي صحيفة «ذي إجيبشيان غازيت»، والموجهة بالأساس لخدمة الوافدين العاملين في البلاد. ومن خلال عمله هناك أظهر هيكل موهبة صحافية متفردة كصحافي ميداني يعمل على تغطية الحرب العالمية الثانية وهوامشها الأفريقية، ثم، حركة التأميم النفطي في إيران. وكانت إيران هي موضوع كتابه الأول المعنون «البركان الإيراني»، والذي بسط فيه القول كثيرا حول رؤية العرب للتحولات الإيرانية أكثر من حديثه عن تلك التحولات نفسها.
لم يكد هيكل يبلغ من العمر 30 عاما حتى تولى رئاسة تحرير جريدة «أخبار اليوم» المصرية العريقة، وبالتالي أمّن لنفسه موطئ قدم راسخاً داخل عالم السياسة رفيعة المستوى في القاهرة، وسط دهاة السياسة وأساطينها. ثم جاء وقت معرفته بالمقدم جمال عبد الناصر، الضابط الكاريزماتي الذي تزعم حركة الضباط الأحرار شبه السرية بالجيش المصري والتي بسطت سيطرتها على مقاليد الحكم في القاهرة.
كُتبت، عبر العقود اللاحقة، الكثير من المقالات والكتب حول العلاقة الرابطة بين عبد الناصر وهيكل. وجاء السرد العام واصفا تلك العلاقة بالوثيقة، أو الصديقة، أو ربما الأخوية بين الرجلين، وهو ما قوبل باعتراض معتبر من قبل الكثيرين وآخرهم أرملة السيد ناصر نفسه؛ إذ صورت هيكل في مذكرات لها نُشرت قبل بضع سنوات، بأنه لم يكن أكثر من بوق كبير من مختلف الأبواق التي كانت تحيط بزوجها الراحل. وقالت أيضا، من بين أشياء أخرى، إن المقالات الافتتاحية الشهيرة التي كان يخطها هيكل في صحيفة «الأهرام» المصرية الكبيرة، التي ترأس تحريرها لما يربو على 18 عاما في عهد ناصر ثم السادات، كانت تُنشر وفق إملاءات مباشرة من جانب زوجها إلى هيكل الذي لم يكن يضيف عليها من شيء سوى اسمه. وجدت ذلك عصيا على التصديق. قد يكون ناصر ممليا الموضوعات السياسية الرئيسية في كل يوم إلى هيكل. ولكن هيكل، ومن دون شك، كان أكبر من مجرد قلم مستأجر لخدمة نظام حاكم.
في واقع الأمر، وعبر مقالاته، وضع هيكل بصمته وأسلوبه الصحافي الفريد، من خلال استخدام العبارات الحادة الموجزة، والمفردات اللغوية البسيطة التي لا تتجاوز الألفي كلمة بحال، وبالتالي يمكنها الوصول حتى إلى المواطنين العرب من الأميين الذين كانوا يستمعون لمقالاته عبر إذاعة صوت العرب.
ليس هناك من شك أنه ما من صحافي عربي في التاريخ وحتى الآن قد استحوذ على تلك القاعدة الواسعة من الجمهور مثل هيكل. ويرجع نجاح هيكل، في جزء منه، إلى موهبته الخاصة في «تبسيط» الأطروحات والأفكار السياسية المعقدة بالإضافة أنه كانت لدى هيكل دائما قصة جيدة تستحق الرواية. وسواء كان أحدنا يحب عبد الناصر من عدمه، فأنا من بين أولئك الذين لا يحبونه، إلا أنه كان يقدم سردا جذابا ومميزا على الدوام. فلقد أخبر العرب بأنهم تعرضوا للاحتلال والإذلال لقرون كثيرة، وأن الوقت قد حان بالنسبة لهم للتحرر من قيودهم والسلاسل التي تربطهم والعودة إلى التاريخ كأمة موحدة وكبيرة. كما كانت الهوية المصرية، وهي تيمته الفرعية في كل خطاب، تتمتع بقدرها المعقول من الجاذبية أيضا: فبعد كل شيء، كان ناصر هو الرئيس «المصري» الأول الذي يحكم مصر منذ عهد الفراعنة. لم تفلح سياسات الإصلاح الزراعي في نقل الفلاح المصري من طبقة الفقراء إلى زمرة الأغنياء. ولكنها منحتهم «شعورا»، أو لعلي أقول: «وهما» بأن المستقبل الأفضل بات يلوح في الأفق. وفي حين أن المواطن المصري ليس مقاتلا بالسليقة، إلا أن أغلب المصريين كانوا يتيهون فخرا بإعادة بناء قواتهم المسلحة في أعقاب هزيمة عام 1948 المهينة، وهو الفخر الذي ازداد عمقا بعد الفشل الذريع الذي منيت به قوات بريطانيا وفرنسا وإسرائيل في مصر.
أعاد هيكل طرح هذا السرد مرارا وتكرارا في كل مناسبة مع الجرعة المناسبة من العاطفة الخطابية المؤثرة.
ومع ذلك، يتعين علينا الاعتراف بأن الفرصة التاريخية لعبت دورها الرائع في بناء موقف هيكل الأسطوري. حيث كانت مصر الدولة الوحيدة القادرة على تطوير ودعم وسائل الإعلام ذات الامتداد العربي القومي الكبير. وكان لدى لبنان الموهبة وربما بعض من رؤوس الأموال الخاصة التي تمكنها من إنتاج المواد الإعلامية الخاصة. ولكن إثر الانقسامات الطائفية التي قزّمت الدولة إلى كانتونات عرقية، لم يكن لبنان الصغير يستطيع توفير الخطاب القومي العربي المؤثر مثل مصر. حيث كانت وسائل الإعلام اللبنانية تخاطب شريحة محددة وصغيرة للغاية من المثقفين العرب، وكان الإعلام اللبناني بمثابة المطبخ الصغير عند مقارنته بمتاجر الوجبات «الإعلامية» المصرية السريعة والشهيرة في عهد ناصر. وفي تلك المتاجر الإعلامية الشهية، كان هيكل يشغل منصب كبير الطهاة. وجود هيكل في وقتنا هذا يعد ضربا من المستحيل نظرا للانفجار الإعلامي العربي الهائل، وحقيقة أن الحكومات العربية فقدت فعليا احتكارها للمعلومات، ناهيكم عن سحر الإنترنت الذي حول الملايين من الناس إلى صحافيين، من كافة الأنواع والأشكال.
كان يصور نفسه متلفعا بالنزعة الثورية الشعبية ولكن مع ذوق الباشا المصري الأصيل. وكان لديه حساب شخصي لدى دار هاويس وكيرتس في لندن حيث كانوا يصنعون له ستراته الفاخرة الخاصة، وخصوصا الصدريات الجذابة التي كان يعتز بها كثيرا. وكان سيجار هافانا المفضل لديه دائما ما يأتي من عند ديفيدوف، ولم يكن يرضى بأي نوع آخر غير مشروبه المفضل ماركة شيفاز ريغال. وفي رحلاته السنوية المقدسة إلى لندن كان لا يمكث إلا في فندق كلاريدج الفاخر، وهو من أرقى وأغلى الفنادق في العاصمة البريطانية بأسرها.
عانى هيكل كذلك من مرض التناقضات السياسية العضال. كان يبشر بالتحالف مع الكتلة السوفياتية القديمة باسم معاداة الإمبريالية ولكنه كان بكل جوانحه مناهضا عميقا لليسار. وفي الحقيقة، لعب الرجل دورا مثيرا للجدل في سياسة السادات للتطهير من الناصريين اليساريين، ومن بينهم علي صبري وشعراوي جمعة. كان متحمسا للغاية للاستيلاء على السلطة في إيران على يد فدائيي الإسلام، وهم النسخة الإيرانية من الإخوان المسلمين، تحت قيادة آية الله الخميني، ولكنه عارض وبشدة وصول الإخوان المسلمين إلى السلطة في مصر عن طريق الانتخابات.
ومن بين التناقضات الأخرى كان تفاخره بأنه ليس إلا «مراسلا»، مشددا على أن الصحافيين لا ينبغي عليهم الضلوع في أمور الحكم والسياسة، ناهيكم بسياسات ما وراء الكواليس. وبرغم ذلك، تولى منصب وزير الإعلام، وإنني على يقين، أنه تطلع إلى منصب وزير الخارجية كذلك. وبمزيد من الأهمية، كان يتيه بسعادة غامرة لما انخرط في جهود الوساطة السرية بين واشنطن وطهران بشأن إطلاق سراح الدبلوماسيين الأميركيين الرهائن لدى ملالي الخميني في طهران. وكان شريكه في تلك الجهود الأسطورية هو اريك روليو الصحافي الفرنسي المصري الذي امتدت علاقته بهيكل لأكثر من 30 عاما.
كان هيكل يتمتع بحس فكاهي لاذع. ولذلك، كان قد أعرب عن تقديره للبيان المنشور في طهران من جانب رابطة الصحافيين المسلمين الذي وصفه بعبارة «الجندي الحقيقي للإسلام». ومن الأفكار المطروحة للنقاش في الوقت الحالي هي إعادة تسمية الشارع الذي تقع فيه السفارة المصرية في طهران ليحمل اسم هيكل. وهو الشارع الذي يحمل الآن اسم خالد شوقي الإسلامبولي، وهو الرجل الذي اغتال الرئيس الراحل محمد أنور السادات.



جاندارك أبو زيد فيّاض لـ«الشرق الأوسط»: «نفتقد أسُس الفصحى وأجواء الودّ»

مع زميليها الراحل جان خوري وشارلوت وازن الخوري (جاندارك ابو زيد فياض)
مع زميليها الراحل جان خوري وشارلوت وازن الخوري (جاندارك ابو زيد فياض)
TT
20

جاندارك أبو زيد فيّاض لـ«الشرق الأوسط»: «نفتقد أسُس الفصحى وأجواء الودّ»

مع زميليها الراحل جان خوري وشارلوت وازن الخوري (جاندارك ابو زيد فياض)
مع زميليها الراحل جان خوري وشارلوت وازن الخوري (جاندارك ابو زيد فياض)

تحمل جاندارك أبو زيد فياض، «أيقونة» الإعلام في زمن الأسود والأبيض، ألقاباً كثيرة. كما كرّمها وزير الإعلام السابق زياد مكاري بدرع الوزارة، ووصفها بـ«رسولة الإعلام الرسمي» في الحرب والسلم.

من خلال برنامج الأطفال، الذي كانت تتولّى تقديمه على شاشة تلفزيون لبنان في السبعينات، لقّبت بـ«ماما جنان». وفي مهرجان «الزمن الجميل»، كرّمت تحت عنوان «رائدة الإعلام المرئي».

وفي لقاء مع «الشرق الأوسط»، أخذتنا جاندارك في مشوار ذكريات امتدت لنحو أكثر من نصف قرن، وتكلّل بنجاحات لا تزال في البال.

صورة شخصية حديثة لجاندارك في عصر ما بعد "الأسود والأبيض" (جاندارك أبو زيد فياض)
صورة شخصية حديثة لجاندارك في عصر ما بعد "الأسود والأبيض" (جاندارك أبو زيد فياض)

أول وجه نسائي تلفزيوني

يوم تخرّج جاندارك من قسم الآداب في كلية «بيروت كولدج فور وومن» (الجامعة اللبنانية الأميركية اليوم) يوم لا يمكن أن تنساه. فقد حمل إلى جانب فرحة التخرّج اتصالاً، وردها من «تلفزيون لبنان»، جاء على خلفية لقاء جمع بين شقيقها ولوسيان الدحداح، مدير التلفزيون في عقد الستينات.

تتذكر ذلك اليوم، فتقول: «يومها، وإثر اتصال بي، توجّهت إلى مبنى التلفزيون في ضاحية الحازمية. وتفاجأت بطلب يقضي بمشاركتي في افتتاح القناة اللبنانية. كان عليّ أن أطلّ مع الراحل نجيب حنكش. وعندما سألته: ما مهمتي بالتحديد؟ أجابني: ولا يهمّك، أنا أتكلّم، وأنت الحقيني».

وتشير الإعلامية الكبيرة إلى أن وراء هذه السرعة في إتمام المهمة كان التاريخ المحدد لإطلاق قناة «تلفزيون لبنان»: «لقد كان عليهم أن يفتتحوها، قبل أن يفقدوا هذا الحق».

إطلالتها تلك حفرت تاريخ تلفزيون لبنان. إذ كانت أول وجه نسائي يطلّ عبر شاشة تلفزيون «لبنان والمشرق»، كما كان معروفاً في تلك الحقبة. وبعد نحو سنة على إطلالتها الأولى، طلبوها من جديد عام 1962. أما المناسبة فكانت تتعلق بالافتتاح الرسمي للقناة.

وهنا تشرح: «أذكر أنهم رتّبوا حديقة مبنى تلفزيون لبنان لهذه المناسبة. كان ذلك في شهر مايو (أيار)، وكان الحفل يتضمّن استضافة عازف الكمان عبود عبد العال وفرقته، إضافة إلى عرض شريط غنائي مصوّر للسيدة فيروز. كانت سفيرتنا إلى النجوم هي نجمة الحفل».

جاندارك مع بعض الزميلات بينهم نهى الخطيب سعادة وإلسي فرنيني (جاندارك أبو زيد فياض)
جاندارك مع بعض الزميلات بينهم نهى الخطيب سعادة وإلسي فرنيني (جاندارك أبو زيد فياض)

العلم كان يسبق الجمال السائد اليوم

كانت جاندارك أبو زيد (فياض لاحقاً) ترغب في دخول التلفزيون بهدف قراءة نشرات الأخبار. إلا أنها عملت في عدة مجالات أخرى، وضمن برامج ترفيهية وحوارية وثقافية، وكانت بجانب حضورها وثقافتها ذات ملامح جميلة وتتمتع بصوت دافئ.

وتتابع ذكرياتها، فتقول: «في الماضي، لم يكن الجمال هو الشرط الأساسي لقبول المذيعة. كانوا يشدّدون أكثر على الاختصاص الجامعي. اليوم، ألاحظ أن مذيعات التلفزيون يشبه بعضهن بعضاً... وبات من الصعب التفرقة بينهن. عندما عملت في التلفزيون كأول وجه نسائي، ما لبثت أن لحقت بي الراحلة نهى الخطيب سعادة. لقد ابتدأت مشوارها المرئي مذيعةً للربط. وكانت تملك نبرة صوت رائعة».

وتتابع جاندارك: «أشعر أن اختيار المذيعة التلفزيونية اليوم يرتكز على جمال الوجه بشكل أكبر. في الماضي، كان العلم والعربية الصحيحة مطلوبين أولاً. اليوم، هناك مشكلة مع كثرة الأخطاء من قبل مراسلي نشرات الأخبار للقنوات المرئية. إنهم يرتكبونها، ولا سيما ما يخص قواعد العربية. ومع أنني ألاحظ تحسّناً طفيفاً في هذا الموضوع، لا يزال الأمر بحاجة إلى اهتمام أكبر كي يصبح على المستوى المطلوب».

جدير بالذكر أن مهمة مذيعة الربط اختفت تماماً من الشاشة الصغيرة. واستعيض عنها بـ«البروموشين» الترويجي للبرامج. وهنا تعلّق جاندارك: «كنا في تلك الفترة أيضاً نركن إلى هذا النوع من الترويج، ولكن بشكل قليل. يومها لم تكن قنوات إلا (تلفزيون لبنان)... وأذكر أن الراحل إبراهيم مرعشلي كان يشارك في هذه التقديمات الصوتية. وفي إحدى المرات سجّلنا ما يشبهها في منزلي. كنا نستخدم آلة التسجيل الضخمة المعروفة بـ(ناغرا)...».

مع الراحلة صباح في احدى لقاءاتها الفنية عبر شاشة تلفزيون لبنان (جاندارك أبو زيد فياض)
مع الراحلة صباح في احدى لقاءاتها الفنية عبر شاشة تلفزيون لبنان (جاندارك أبو زيد فياض)

التكنولوجيا تسهم بتحسين المرئي الحديث

تعدّ جاندارك أبو زيد فياض أن المحطات التلفزيونية حالياً محكومة بالتكنولوجيا: «لقد غيّرت وبدّلت من ممارسة مهنة المذيعة. كان المخرج في الماضي يجلس في ما نسمّيه الكنترول. وأنا في الأستوديو، وموظف الفيديو في ممر بعيد عنا. وكان من الصعب تصحيح أي خطأ نرتكبه. افتقادنا التواصل المباشر بعضنا مع بعض كان يؤخّر هذه العملية... وكنا نعتذر عن الخطأ بابتسامة أو كلمة بسيطة ونكمل البرنامج. أما اليوم، بفضل التكنولوجيا المتطورة، أصبحت الأمور أكثر سهولة وجمالية. وانعكست إيجاباً على المذيعة والفريق التقني وعلى المشاهد في آنٍ».

التلفزيون يوازي الصرح الجامعي أهمية

ترى جاندارك أن «التلفزيون مساحة تثقيفية كبيرة... توازي بأهميتها التخصص الجامعي. إنه يشكّل أداة تعليمية مهمّة إذا ما استحدثوا عبره برامج تعليمية وتثقيفية».

وعن سبب فقدان الشاشات أسماء تطبع الذاكرة، من مستوى الراحلين رياض شرارة وكميل منسى وجان خوري ونهى الخطيب سعادة وغيرهم، تردّ: «لم يكن موجوداً في زمننا إلا (تلفزيون لبنان). وكان يشكّل رابطاً وثيقاً عندهم، ولا سيما أنه لا خيار آخر بالإعلام المرئي متاح لهم. لا شك أن هناك اليوم إعلاميين ممتازين من مذيعين ومذيعات. ولكن كثرة الفضائيات ومحطات التلفزيون تصعّب مهمة فرز الأفضل والأهم والأشهر».

وسألناها عما إذا كانت تتمنى لو أنها عملت في الإعلام الحديث بدل الأبيض والأسود؟ فردت: «لا... أبداً... أنا سعيدة بتجربتي في تلك الحقبة. وأفضّل زمن الأبيض والأسود على الحالي. لقد كانت تجمعنا الألفة والمحبة وأجواء العائلة والودّ. حتى إن معظمنا المذيعات تزوّجنا من مخرجين في (تلفزيون لبنان). وأنا شخصياً ارتبطت بالمخرج جان فياض. وكانت نزهاتنا وسهراتنا ولقاءاتنا اليومية نجتمع فيها كلّنا».

برنامج «الصديقة جنان»

كما سبق، حقّقت جاندارك أبو زيد فياض في برنامجها الموجّه للأطفال «الصديقة جنان» نجاحاً كبيراً، رسخ في ذاكرة أجيال من اللبنانيين. وصار اسمها المعروف بسببه «ماما جنان». وعنه قالت: «لقد كان الناس عندما يلتقون بي ينادونني بهذا الاسم، وكأنهم يعرفونني منذ زمن طويل. وهذا اللقب لا يزال يرافقني حتى اليوم».

وفضلاً عن «ماما جنان»، ثمة برامج حوارية ثقافية وفنية أيضاً قدّمتها جاندارك أبو زيد فياض، كانت الرائدة فيها، منها «مجالس الأدب».

واليوم تنشغل جاندارك بتنظيم مهرجان «الزمن الجميل»، وهي واحدة من أعضاء لجنته التحكيمية. وهنا توضح: «هذا البرنامج أحمل له كل تقدير، لأنه يسلّط الضوء على شخصيات لبنانية حفرت في الصخر كي تصل إلى القمة، وتقديرها من خلال هذه الجائزة التكريمية تعني لها الكثير. وهذه اللفتة للدكتور هراتش ساغبازاريان يشكر عليها، لأنها تنبع من قلبه الكبير. ونسخة هذه السنة من المهرجان تحمل مفاجآت كبيرة».