صور وكلمات.. من الداخل السوري

«أبو المجد» الضابط في النظام بعث برسائل نصية تضمنت أخبارًا من الخطوط الأمامية وشكوى من «الدوريات المملة الرتيبة»

صور من رسائل نصية مع مراسلي «نيويورك تايمز» كشفت عن مآسٍ في الداخل السوري (نيويورك تايمز)
صور من رسائل نصية مع مراسلي «نيويورك تايمز» كشفت عن مآسٍ في الداخل السوري (نيويورك تايمز)
TT

صور وكلمات.. من الداخل السوري

صور من رسائل نصية مع مراسلي «نيويورك تايمز» كشفت عن مآسٍ في الداخل السوري (نيويورك تايمز)
صور من رسائل نصية مع مراسلي «نيويورك تايمز» كشفت عن مآسٍ في الداخل السوري (نيويورك تايمز)

على امتداد أكثر من عام، قمنا بعمل صحافي استثنائي. من جانبه، حرص «أبو المجد»، ضابط شرطة سوري، جرت الاستعانة به كثيرًا في أدوار تليق بضابط جيش، على إرسال رسائل نصية إلينا طيلة الوقت، وضمت الرسائل أخبارًا من الخطوط الأمامية، وشكوى من الدوريات المملة الرتيبة التي يتعين عليه القيام بها، وأحيانا كانت تتخلل شكواه تعبيرات تكشف مشاعر رعب أو فخر أو شك.
بالنسبة لنا، كان أبو المجد بمثابة نافذة بالغة الأهمية على حرب مستعرة داخل سوريا أجبرنا في كثير من الأحيان على متابعتها عن بعد. أما بالنسبة له، فعلى ما يبدو دارت أهمية التواصل معنا حول الاتصال بأشخاص يعيشون خارج دائرة هذه الحرب الكارثية، لكنهم في الوقت ذاته لا يزالون يأبهون لما يمر به.
في 19 مايو (أيار) من العام الماضي، بعث أبو المجد ببعض الصور. بدا في واحدة منها وعلى وجهه علامات الإنهاك والتعب، وهو يدخن نرجيلة ويحاول رسم ابتسامة على وجهه، وأمامه ظهر قدحان من القهوة على الطاولة.
كان على وشك استقلال حافلة إلى تدمر، المدينة الصحراوية السورية التي كانت على وشك السقوط في يد تنظيم «داعش». في ذلك الوقت، كان كثير من القوات الحكومية قد فرت، لكن أبو المجد والعشرات معه صدرت لهم أوامر بالقتال في معركة رأى أنها محسومة سلفًا.
وقد التقط تلك الصور خصيصًا بهذه المناسبة، وبعث لنا برسالة يقول فيها: «تلك قد تكون آخر الصور».
ومنذ ذلك الحين، لم ترد إلينا أي رسائل منه. وبعد ستة أسابيع، تلقى والداه اتصالاً هاتفيًا من شخص وصف نفسه بأنه جندي، وحذرهم: «لا تتشبثوا بالأمل»، ثم أغلق الهاتف.
وتوجه والداه إلى مكتب أمني حيث سلم إليهما مسؤول بيروقراطي ورقة مكتوبا عليها: «مفقود»، وفيما بعد اتضح أن هذه الكلمة تخفي وراءها قصة مروعة لنضال جندي من أجل البقاء، وصراعاته الداخلية بين الواجب والخوف.
كنا قد تقابلنا مع أبو المجد منذ أكثر من عام أثناء إعداد تقرير عن مدينة تدمر في شهر أبريل (نيسان) 2014. كنا ضمن آخر مجموعة صحافيين دوليين زارت المدينة ورأت بقاياها القديمة؛ بعضها جرى تحطيمه من قبل تنظيم «داعش». كان عمر أبو المجد حينها يبلغ 24 عاما، وكان أحد أفراد الحراسات ضخمة العدد المكلفة بحمايتنا.
فقدت مدينة تدمر الحياة كما فقدت السياحة، وتستطيع أن ترى الرجال جالسين على بلاط شوارعها الخرسانية لا يفعلون شيئا. كان مسلحو «داعش» على بعد أميال قليلة شرقا، بينما احتلت دبابات الجيش السوري قلعة العصور الوسطي القابعة فوق الحطام.
همست النساء لنا عن أقربائهن الذين اختطفوا أو اختفوا في سجون النظام في أعقاب ثورة اجتاحت المدينة. كان بعضا من مرافقينا عصبيين، مما جعل البائعين بالمحال يحدقون فيهم بعيون متسعة. بالنسبة للجنود الصغار مثل أبو المجد، كانت زيارتنا تسلية نادرة، ففي وسط الحطام، تسلق الجنود الأحجار الجيرية الضخمة في خطوات عبثية.
وبعد ذلك بشهر، كتب أبو المجد لكي يقول فقط: «أهلا». وفيما بعد فتح أبو المجد هاتفه ليتحدث عن بعض الأشياء التي يفتقدها مثل شجر الرمان والعنب في التربة البركانية بقرية عائلته في مرتفعات الجولان.
ومع تطور المحادثة عبر «واتساب»، تأرجح أبو المجد بين فخره بالخدمة الوطنية التي يؤديها، والخوف والضجر، وحتى الغضب من الظلم والعجز الذي شاهده في أداء الحكومة في الحرب.
وبفحص المحادثات بشكل مستمر، اتضح أن أبو المجد كان على صلة بالمئات داخل سوريا عن طريق الهاتف، وتطبيق «سكايب»، و«واتساب»، و«فيسبوك»، و«تويتر»، وغيرها من المواقع. تنوعت اتصالاته بين أفرد من المنشقين عن الجيش؛ وإسلاميين متمردين، ونشطاء، ومسؤولين حكوميين، وأطباء، ورجال أعمال، وقادة في جميع المجالات. كان هناك أناس ممن يدعمون الحكومة وآخرون ممن يشمئزون منها، وآخرون ممن بقوا في المنطقة «الرمادية في الوسط» الذين فقط يريدون للحرب أن تنتهي.
فضلنا استخدام اسم الضابط «أبو المجد» اسما حركيا ولم ننشر صورته لكي نحمي عائلته ولكي نسلط الضوء على حياة «صف» وجنود الجيش النظامي. يندرج أبو المجد ضمن جماعة فرعية لكنها مهمة؛ جماعة سنية موالية للنظام. تهيمن الغالبية السنية في سوريا على المعارضة، كذلك على فئة المجندين الإلزاميين، وكذلك كثير من المدنيين المسالمين وموظفي الدولة من السنة. ولو أن كل السنة ثاروا لما استمر للرئيس بشار الأسد في الحكم للآن.

الموالي الهادئ
نشأ أبو المجد في «اليرموك»، معسكر اللاجئين الفلسطينيين الصاخب جنوب دمشق حيث يعيش أيضا كثير من السوريين. بعد فترة قصيرة من بداية الاحتجاجات والمظاهرات السياسية وعمليات الاعتقال التي قامت بها قوات الأمن عام 2011، فقدت عائلة أبو المجد بيتها وظلت تنتقل من بيت لآخر.
الضابط أبو المجد من الموالين، فهو ابن ضابط جيش متقاعد برتبة بسيطة، لكنه لم يكن من هؤلاء الذين ملأوا صفحاتهم على «فيسبوك» بأعلام سوريا أو صور الثوار القتلى، أو القسم بالولاء للرئيس الأسد، فكانت أغلب الصور التي تبادلها مع الآخرين إما لأصدقائه أو أقربائه.
كان أبو المجد قد التحق بوحدة شرطة قبل قيام الثورة بعام واحد، وكانت مهمته تعقب تجار المخدرات والبغايا. ولكن بعد أن شكلت الحرب ضغطا على الجيش، جرى إرسال كثير من وحدات الشرطة لمواقع القتال، وكُلف أبو المجد بالوقوف في الخطوط الأمامية لنقاط التفتيش ورصد أنشطة الثوار شرق مدينة حمص حول تدمر.
ونظرا لشح الإمدادات والهبوط الكبير في قيمة الليرة السورية، تقلص راتب أبو المجد، مما جعله يسخر من أن ما يتقاضاه يبلغ ما يعادل مائة دولار أميركي، وهو مبلغ يكفي بالكاد لشراء التبغ بنكهة التفاح التي يفضلها. كان أبو المجد يعيش قصة حب سرا مع ابنة عمه، لكنه الآن متخوف من عدم قدرته على تدبير نفقات الزواج منها بعد أن قتلته الوحدة. كتب أبو المجد في سبتمبر (أيلول) الماضي 2014: «أرجوك أخبرني ما آخر الأخبار. ليس لدينا تلفزيون هنا ولا كهرباء، أعيش في المنفى. أنا ميت.. ميت».
عندما حصل على تصريح بالعودة، عاد أبو المجد إلى بيته بمدينة دمشق، فقد كان غيورا من الجنود الذين يقضون مدة خدمتهم في العاصمة والذين يستطيعون تناول المشروبات والتنزه بصحبة الفتيات والاستمتاع بالكهرباء بشكل منتظم، ووصف ذلك بقوله: «أشعر كأنهم يعيشون في أوروبا».
أبلغنا أبو المجد ذات مرة بأنه رأى في الحلم أنه وقع في قبضة «داعش»، وكان ذلك بعد أن هاجم التنظيم نقاطا أمنية وقتل كثيرا من زملائه بمنطقة شاعر النفطية المجاورة. في شهر نوفمبر (تشرين الثاني)، كتب أبو المجد أنه موجود بمنطقة باردة في طقس ممطر ومحاط بمسلحين وفى انتظار تعزيزات. وتساءل: «لو أنني مت، فهل ستترحمون على؟».
* خدمة «نيويورك تايمز»



الخارجية الفلسطينية ترحب بموافقة الأمم المتحدة على تمديد ولاية «الأونروا»

رجل يعلق علماً فلسطينياً على هوائي في مبنى شبه مدمّر كان يضم عيادة لـ«الأونروا» في مخيم جباليا بغزة (أ.ف.ب)
رجل يعلق علماً فلسطينياً على هوائي في مبنى شبه مدمّر كان يضم عيادة لـ«الأونروا» في مخيم جباليا بغزة (أ.ف.ب)
TT

الخارجية الفلسطينية ترحب بموافقة الأمم المتحدة على تمديد ولاية «الأونروا»

رجل يعلق علماً فلسطينياً على هوائي في مبنى شبه مدمّر كان يضم عيادة لـ«الأونروا» في مخيم جباليا بغزة (أ.ف.ب)
رجل يعلق علماً فلسطينياً على هوائي في مبنى شبه مدمّر كان يضم عيادة لـ«الأونروا» في مخيم جباليا بغزة (أ.ف.ب)

رحبت وزارة الخارجية الفلسطينية، الجمعة، بتبني الجمعية العامة بأغلبية ساحقة خمسة قرارات لصالح الشعب الفلسطيني، من بينها تجديد ولاية وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين «الأونروا».

وقالت الوزارة، في بيان، إن هذه القرارات «تعكس تضامناً واسعاً من جميع أنحاء العالم مع الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة، وتمثل إقراراً بمسؤولية المجتمع الدولي في دعم الاحتياجات السياسية والإنسانية، بما فيها حق لاجئي فلسطين».

وأضافت أن هذا التضامن يؤكد دعم العالم لوكالة «الأونروا» سياسياً ومالياً، ولحماية حقوق اللاجئين وممتلكاتهم وإدانة الاستيطان الإسرائيلي.

وأشارت الخارجية الفلسطينية إلى أن هذا التصويت «تعبير إضافي عن رفض المجتمع الدولي للضم والاستيطان والتهجير القسري والعقاب الجماعي والتدمير الواسع للبنية التحتية في الأرض الفلسطينية المحتلة، والإبادة في قطاع غزة».


حديث ترمب عن تعديل المرحلة الثانية... هل يُفعل «البند 17» بـ«اتفاق غزة»؟

يملأ فلسطينيون حاوياتهم بالمياه في مخيم النصيرات للنازحين الفلسطينيين وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)
يملأ فلسطينيون حاوياتهم بالمياه في مخيم النصيرات للنازحين الفلسطينيين وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)
TT

حديث ترمب عن تعديل المرحلة الثانية... هل يُفعل «البند 17» بـ«اتفاق غزة»؟

يملأ فلسطينيون حاوياتهم بالمياه في مخيم النصيرات للنازحين الفلسطينيين وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)
يملأ فلسطينيون حاوياتهم بالمياه في مخيم النصيرات للنازحين الفلسطينيين وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)

حديث عابر للرئيس الأميركي دونالد ترمب عن «تعديل المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة» دون أن يوضح تفاصيل ذلك التعديل، أثار تساؤلات بشأن تنفيذ ذلك.

هذا الحديث الغامض من ترمب، يفسره خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط» بأنه سيكون تغييراً في تنفيذ بنود الاتفاق، فبدلاً من الذهاب لانسحاب إسرائيلي من القطاع الذي يسيطر فيه على نسبة 55 في المائة، ونزع سلاح «حماس»، سيتم الذهاب إلى «البند 17» المعني بتطبيق منفرد لخطة السلام دون النظر لترتيباتها، وتوقعوا أن «المرحلة الثانية لن يتم الوصول إليها بسهولة في ظل عدم إنهاء ملفات عديدة أهمها تشكيل مجلس السلام ولجنة إدارة غزة ونشر قوات الاستقرار».

و«البند 17» في اتفاق وقف إطلاق النار بغزة الذي دخل حيز التنفيذ في 10 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، ينص على أنه «في حال أخّرت (حماس) أو رفضت هذا المقترح، فإنّ العناصر المذكورة أعلاه، بما في ذلك عملية المساعدات الموسّعة، ستنفّذ في المناطق الخالية من الإرهاب التي يسلّمها الجيش الإسرائيلي إلى قوة الاستقرار الدولية».

و«وثيقة السلام» التي وُقعت في أكتوبر الماضي بين «حماس» وإسرائيل تناولت فقط النقاط المتعلقة بما يسمى «المرحلة الأولى»، وتشمل الهدنة الأولية وانسحاب قوات الجيش الإسرائيلي، وشروط تبادل الأسرى والمحتجزين، وتسهيل دخول المساعدات الإنسانية، فيما لم يتم التوصل إلى اتفاق رسمي بشأن «المرحلة الثانية» المتعلقة بإدارة غزة بعد الحرب.

وأعلن ترمب في تصريحات نقلت، الخميس، أن المرحلة الثانية من خطته للسلام في غزة «ستخضع للتعديل قريباً جداً»، وسط تصاعد القلق من تعثرها وعدم إحرازها تقدماً ملموساً في التنفيذ، دون توضيح ماهية تلك التعديلات.

المحلل في الشأن الإسرائيلي بمركز «الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية»، الدكتور سعيد عكاشة، يرى أن التعديل الذي يمكن أن يرتكز عليه ترمب للحيلولة دون انهيار الاتفاق كما يعتقد هو اللجوء لـ«البند 17» الذي يرسخ لتقسيم غزة، لغزة قديمة وجديدة، وهذا ما كان يطرحه المبعوث الأميركي، ستيف ويتكوف الشهر الماضي في عدد من لقاءاته.

وأشار إلى أن هذا التعديل هو المتاح خاصة أن الاتفاق أقر في مجلس الأمن الشهر الماضي، ويمكن أن يعاد تفعيل ذلك البند تحت ذرائع عدم استجابة «حماس» لنزع السلاح أو ما شابه، متوقعاً أن يقود هذا الوضع لحالة لا سلم ولا حرب حال تم ذلك التعديل.

رد فعل فلسطينية على مقتل أحد أقربائها في غارة إسرائيلية بخان يونس (أ.ف.ب)

ويرجح المحلل السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، أنه في ظل عدم توضيح ماهية تعديلات ترمب بشأن المرحلة الثانية، فإن «هناك مخاوف من ترسيخ تقسيم غزة يمكن أن نراها في التعديل مع رغبة إسرائيلية في استمرار بقائها في القطاع، تطبيقاً لما يتداول بأن هذا غزة جديدة وأخرى قديمة».

ووسط ذلك الغموض بشأن التعديل، أفاد موقع «أكسيوس» بأن ترمب يعتزم إعلان انتقال عملية السلام في غزة إلى مرحلتها الثانية، والكشف عن هيكل الحكم الجديد في القطاع قبل 25 ديسمبر (كانون الأول) الجاري. ونقل الموقع، الخميس، عن مسؤولَين أميركيين قولهما إن «تشكيل القوة الدولية وهيكل الحكم الجديد لغزة في مراحله الأخيرة»، متوقعين أن يعقد الرئيس الأميركي اجتماعاً مع رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو قبل نهاية ديسمبر الجاري لمناقشة هذه الخطوات.

غير أن الرقب يرى أن المرحلة الثانية أمامها عقبات تتمثل في «عدم تشكيل مجلس السلام وحكومة التكنوقراط، وعدم تشكيل الشرطة التي ستتولى مهامها وقوة الاستقرار، وأن أي تحركات لن ترى النور قبل يناير (كانون الثاني) المقبل».

ولا يرى عكاشة في المستقبل القريب سوى اتساع احتلال إسرائيل للمناطق التي تقع تحت سيطرتها في القطاع لتصل إلى 60 في المائة مع استمرار تعثر تنفيذ الاتفاق دون تصعيد كبير على نحو ما يحدث في جنوب لبنان من جانب إسرائيل.

فلسطينيون يسيرون أمام الخيام الممتدة على طول الشوارع وسط أنقاض المباني المدمرة في جباليا (أ.ف.ب)

وقبل أيام، تحدثت صحيفة «يديعوت أحرونوت» عن أن هناك خطة إسرائيلية لإعادة توطين نحو مليوني فلسطيني في مناطق جديدة خاضعة لإسرائيل شرق الخط الأصفر، وتفريغ المناطق الخاضعة لسيطرة «حماس» من المدنيين بالكامل، وملاحقة عناصر حركة «حماس» في هذه المناطق تدريجياً. كما نقلت صحيفة «تلغراف» البريطانية، عن دبلوماسيين غربيين أن الخطة الأميركية بشأن غزة تنطوي على خطر تقسيم القطاع إلى جزأين للأبد، ما يؤسّس لوجود قوات الاحتلال بشكل دائم في القطاع المنكوب.

وقبل نحو أسبوع، أكد وزير الخارجية المصري، بدر عبد العاطي، في لقاء ببرشلونة مع الممثلة العليا للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية للاتحاد الأوروبي، كايا كالاس، على وحدة الأراضي الفلسطينية بين الضفة الغربية وقطاع غزة ورفض مصر أي إجراءات من شأنها تكريس الانفصال بين الضفة الغربية وغزة أو تقويض فرص حل الدولتين على الأرض.

وأعاد عبد العاطي، التأكيد على ذلك في تصريحات، الأربعاء، قائلاً إنه «لا مجال للحديث عن تقسيم غزة، فغزة هي وحدة إقليمية متكاملة، وجزء لا يتجزأ من الدولة الفلسطينية القادمة، جنباً إلى جنب مع الضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية، وهذه هي قرارات الشرعية الدولية وبالتأكيد يتعين الالتزام بذلك»، مؤكداً أنه إلى الآن يجرى التشاور بشأن لجنة إدارة قطاع غزة مع الأطراف المعنية، حتى تتولى هذه اللجنة الإدارية من التكنوقراط مهام العمل على الأرض. وأشار عكاشة إلى أن الجهود المصرية ستتواصل لمنع حدوث تقسيم في قطاع غزة أو حدوث تعديل يؤثر على الاتفاق، لافتاً إلى أن السيناريوهات مفتوحة بشأن التطورات المرتبطة بخطة ترمب.


«المعاقون» في صنعاء... فئة منسيّة تحت مقصلة الحرمان

معاقون في صنعاء أخضعهم الحوثيون للمشاركة في فعالية طائفية (فيسبوك)
معاقون في صنعاء أخضعهم الحوثيون للمشاركة في فعالية طائفية (فيسبوك)
TT

«المعاقون» في صنعاء... فئة منسيّة تحت مقصلة الحرمان

معاقون في صنعاء أخضعهم الحوثيون للمشاركة في فعالية طائفية (فيسبوك)
معاقون في صنعاء أخضعهم الحوثيون للمشاركة في فعالية طائفية (فيسبوك)

تتفاقم معاناة الآلاف من ذوي الإعاقة في العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء، في ظل انهيار شبه كامل لمنظومة الرعاية الاجتماعية، واتهامات مباشرة للجماعة الحوثية بتحويل الموارد المخصصة لهذه الفئة إلى قنوات تخدم مشروعها العسكري والآيديولوجي.

ومع استمرار انقطاع البرامج الحكومية والدعم الدولي، يجد المعاقون أنفسهم أمام واقع قاسٍ تتضاعف فيه الاحتياجات وتتراجع فيه فرص العلاج والرعاية.

مصادر محلية أكدت لـ«الشرق الأوسط» أن الجماعة الحوثية كثفت خلال الأسابيع الأخيرة من ممارساتها التي تستهدف ذوي الإعاقة في صنعاء ومدن أخرى تحت سيطرتها، سواء عبر استغلالهم في فعاليات ومناسبات سياسية، أو من خلال إجبار عشرات الأطفال على حضور دورات تعبئة فكرية تستند إلى خطاب طائفي، في مخالفة صريحة لأبسط قواعد الرعاية الإنسانية.

وتشير المصادر إلى أن ما تبقى من المراكز والمنشآت المتخصصة التي كانت تقدم خدمات طبية وتأهيلية للمعاقين، تحوّل إلى أماكن شبه مهجورة بعد إغلاقات تعسفية ووقف شبه تام للبرامج الفنية والدعم الخارجي، نتيجة استحواذ الجماعة على المخصصات والموارد المالية.

مبنى «صندوق رعاية وتأهيل المعاقين» الخاضع للحوثيين في صنعاء (إكس)

وكشف سكان في صنعاء أن مئات المعاقين فقدوا مصادر دخلهم المحدودة. ومع غياب برامج الدعم، اضطرت كثير من الأسر إلى إرسال أبنائها من ذوي الإعاقة إلى شوارع المدينة، بحثاً عن أي مساعدة تساهم في تغطية احتياجاتهم الغذائية أو تكاليف العلاج باهظة الثمن.

وتؤكد أسرة تقيم في ضواحي صنعاء أن اثنين من أبنائها من ذوي الإعاقة لم يعودا قادرين على تلقي جلسات العلاج الطبيعي أو الحصول على أجهزة طبية مساعدة، مثل الأطراف الصناعية أو السماعات، بعد ارتفاع أسعارها وغياب الدعم المخصص لهم من «صندوق رعاية وتأهيل المعاقين» الخاضع لسيطرة الحوثيين.

وتضيف الأسرة أن الصندوق ـ الذي كان يعد المتنفس الوحيد لهذه الفئة ـ توقف عن تقديم معظم خدماته التعليمية والتأهيلية، مما أدى إلى حرمان مئات الأطفال من ذوي الإعاقة من حقهم في التعليم المتخصص.

ضحايا بلا رعاية

تقدّر مصادر يمنية حقوقية أن عدد ذوي الإعاقة في صنعاء وبقية مناطق سيطرة الحوثيين يتجاوز 4.5 مليون معاق، بينهم مصابون بإعاقات خلقية، وآخرون نتيجة الحرب التي أشعلتها الجماعة منذ انقلابها. وتؤكد التقديرات أن أكثر من 70 في المائة منهم محرومون من الحصول على أهم الاحتياجات الأساسية، وعلى رأسها الكراسي المتحركة، والأجهزة التعويضية، وجلسات العلاج الطبيعي، وبرامج التأهيل المهني.

جانب من زيارة قيادات حوثية لـ«صندوق رعاية وتأهيل المعاقين» في صنعاء (إعلام حوثي)

وأكد عاملون في «صندوق رعاية وتأهيل المعاقين» بصنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن هناك تراجعاً حاداً في الخدمات المقدمة، مشيرين إلى أن الصندوق يستقبل شهرياً نحو 800 حالة جديدة، معظمها تحتاج إلى رعاية طويلة المدى لا يستطيع الصندوق تلبيتها حالياً. وقالوا إن سيطرة الحوثيين على موارد الصندوق وقراراته أدت إلى إيقاف عشرات المراكز وتجميد برامج التأهيل، إضافة إلى تحويل جزء كبير من الدعم لصالح الجرحى والمقاتلين العائدين من الجبهات.

وأشار العاملون إلى أن المساعدات النقدية والأجهزة التعويضية تُمنح بشكل شبه حصري لعناصر الجماعة وجرحاها، في الوقت الذي يُترك فيه آلاف المعاقين المدنيين لمواجهة مصيرهم دون أي دعم.

تعبئة فكرية

وسط هذا الانهيار الإنساني، تواصل الجماعة الحوثية إخضاع عشرات الأطفال من ذوي الإعاقة في صنعاء لدورات فكرية وتعبوية تحت اسم «دورات توعوية»؛ إذ أفادت مصادر مطلعة بأن الجماعة جمعت خلال الأيام الماضية أطفالاً ومراهقين من تسعة مراكز وجمعيات متخصصة، تتراوح أعمارهم بين 10 و18 عاماً، وأخضعتهم لمحاضرات تهدف إلى غرس أفكارها العقائدية.

وتقول المصادر إن هذه هي المرة الثالثة منذ مطلع العام التي يتم فيها إخضاع قاصرين معاقين لمثل هذه الأنشطة، في خطوة أثارت سخطاً واسعاً بين أسر الضحايا، الذين اعتبروا ذلك استغلالاً فجاً لفئة يُفترض حمايتها وتمكينها بدلاً من تجييرها لصالح مشروع سياسي.

ويأتي ذلك بعد زيارة مفاجئة للقيادي الحوثي محمد مفتاح، القائم بأعمال رئيس حكومة الانقلاب، إلى مقر الصندوق، وهي زيارة رأى فيها مراقبون محاولة لشرعنة ممارسات الجماعة لا أكثر.

فتيات معاقات لدى مشاركتهن في برنامج تعبوي نظمه الحوثيون في صنعاء (فيسبوك)

ويحذر مختصون اجتماعيون في صنعاء من أن استمرار الإهمال وغياب برامج الدعم قد يدفعان بمزيد من ذوي الإعاقة إلى دوامة الفقر المدقع، ويعمق من معاناتهم الصحية والإنسانية. ويتهمون الجماعة الحوثية بأنها حولت هذه الفئة من مواطنين يحتاجون إلى رعاية إلى وسيلة للابتزاز السياسي والاستغلال الإعلامي.

ويطالب المختصون المؤسسات الدولية والمانحين بضرورة إعادة تفعيل برامج الدعم والتأهيل وضمان وصول المساعدات إلى مستحقيها بعيداً عن تدخّلات الحوثيين، داعين إلى وضع آلية رقابة مستقلة على البرامج الموجهة لذوي الإعاقة.

ويؤكد المختصون أن إنقاذ هذه الفئة يتطلب جهوداً عاجلة، خصوصاً في ظل الانهيار المتواصل للخدمات الصحية وارتفاع تكاليف العلاج وتوقف التمويل المحلي والدولي عن معظم المراكز.