«اتفاق ميونيخ» رهن خطط موسكو العسكرية

المعارضة تربط نجاح الحل السياسي بخطواته العملية

«اتفاق ميونيخ» رهن خطط موسكو العسكرية
TT

«اتفاق ميونيخ» رهن خطط موسكو العسكرية

«اتفاق ميونيخ» رهن خطط موسكو العسكرية

كان استخدام وزير الخارجية جون كيري مصطلح «وقف العمليات القتالية» للإعلان عن «اتفاق ميونيخ» حول سوريا كفيلا بإضافة المزيد من الغموض حوله، في ظل التساؤلات الكثيرة التي تطرح في ظل ترقب الخطوات العملية لهذا القرار الذي مضت عليه أيام عدّة، لا سيما تلك المتعلقة بالنظام ومن خلفه روسيا وإيران. وهو ما أكّد عليه أمس الأمين العام للائتلاف الوطني محمد يحيى مكتبي، قائلا «ما يشغل الائتلاف هو الجانب التنفيذي من هذا الاتفاق، فإذا ما تم تنفيذه فستكون الفرصة متاحة للانتقال إلى مرحلة جديدة لإنجاز الحل السياسي».
ولفت مكتبي إلى أن الاتفاق يقيد على الورق جزءا مهما من الإجراءات اللازمة للتمهيد للمفاوضات، والتي إذا ما تحققت بشكل كامل على الأرض فستكون خطوة نحو الأمام بلا شك.
من جهته، رأى عضو الائتلاف الوطني والمتحدث باسم الهيئة العليا للمفاوضات المنبثقة عن مؤتمر الرياض سالم المسلط أن «اتفاق ميونيخ يمثل فرصة للمجتمع الدولي يمكنه اغتنامها»، مشيرا إلى أنه على الأطراف الجادة في إنهاء السيل الجارف من الدماء، والموت والجوع والحصار المستمر، والكارثة التي يجرها نظام الأسد على سوريا والمنطقة والعالم، أن تنتهز هذه الفرصة». وأكد أن المعارضة لن تشارك في مباحثات جنيف المقبلة «ما لم يطلق سراح النساء المعتقلات من سجون نظام الأسد، ويتم إرسال المساعدات الإنسانية إلى الأطفال».
وحذر المسلط من أي محاولة للخلط بين التنظيمات الإرهابية من جهة والفصائل الثورية وكتائب الجيش الحر من جهة أخرى، مما سيترتب عليه فشل الاتفاق.
وفي حين كانت موسكو واضحة بأنها ستستمر في عملياتها العسكرية ضدّ تنظيم داعش وجبهة النصرة، فإن هذا الأمر وتحديدا تصنيف التنظيمات الإرهابية يبقى عائقا أساسيا أمام تنفيذ هذا الاتفاق، وفق ما أشار إليه رئيس مركز الشرق الأوسط للدراسات العميد الركن المتقاعد هشام جابر، إضافة إلى التدخّل البري الذي كانت المملكة العربية السعودية أعلنت نيتها القيام به ورحّبت به أميركا تحت عنوان «الجهد القتالي» ضد تنظيم داعش.
ومن الناحية العسكرية، أو ما سمّي «وقف الأعمال العدائية»، اعتبر جابر في حديثه لـ«الشرق الأوسط» أن تحديد بداية شهر مارس (آذار) هو محاولة لكسب الوقت من الجانب الروسي لتنفيذ خطته في سوريا، موضحا: «حتى نهاية الشهر قد تحصل تغييرات دراماتيكية في الشمال السوري والمنطقة الوسطى، إذ إن وصول قوات النظام ومن معها إلى منطقة أعزاز في حلب سيكون خطيرا جدا لناحية سيطرتها على الحدود التركية في وقت باتت فيه المنطقة الواقعة بين القامشلي وكوباني تحت سيطرة الأكراد».
وفي هذا الإطار، قال دبلوماسي فرنسي كبير، لوكالة الصحافة الفرنسية: «أعلن الروس أنهم سيواصلون قصف الإرهابيين. إنهم يقومون بمخاطرة سياسية لأنهم يقبلون بمفاوضات سيلتزمون فيها بوقف الأعمال العدائية».
وأشار جابر إلى أن إمكانية تطبيق وقف إطلاق النار ممكنة إذا كانت كل من روسيا وإيران جادتين به، إضافة طبعا إلى موافقة الفريق الدولي الآخر المتمثل بشكل أساسي بالسعودية وقطر وتركيا، مضيفا: «عندها قد يصلون لمرحلة يستطيعون من خلالها حلّ مشكلة تصنيف التنظيمات الإرهابية، فمن لا يلتزم بها يكون ضمن هذه اللائحة، باستثناء تنظيم داعش الذي سيكون خارج أي معادلة».



اللاجئون الفلسطينيون يعودون إلى مخيم «اليرموك» في سوريا

اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
TT

اللاجئون الفلسطينيون يعودون إلى مخيم «اليرموك» في سوريا

اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)

كان مخيم اليرموك للاجئين في سوريا، الذي يقع خارج دمشق، يُعدّ عاصمة الشتات الفلسطيني قبل أن تؤدي الحرب إلى تقليصه لمجموعة من المباني المدمرة.

سيطر على المخيم، وفقاً لوكالة «أسوشييتد برس»، مجموعة من الجماعات المسلحة ثم تعرض للقصف من الجو، وأصبح خالياً تقريباً منذ عام 2018، والمباني التي لم تدمرها القنابل هدمت أو نهبها اللصوص.

رويداً رويداً، بدأ سكان المخيم في العودة إليه، وبعد سقوط الرئيس السوري السابق بشار الأسد في 8 ديسمبر (كانون الأول)، يأمل الكثيرون في أن يتمكنوا من العودة.

في الوقت نفسه، لا يزال اللاجئون الفلسطينيون في سوريا، الذين يبلغ عددهم نحو 450 ألف شخص، غير متأكدين من وضعهم في النظام الجديد.

أطفال يلعبون أمام منازل مدمرة بمخيم اليرموك للاجئين في سوريا (أ.ف.ب)

وتساءل السفير الفلسطيني لدى سوريا، سمير الرفاعي: «كيف ستتعامل القيادة السورية الجديدة مع القضية الفلسطينية؟»، وتابع: «ليس لدينا أي فكرة لأننا لم نتواصل مع بعضنا بعضاً حتى الآن».

بعد أيام من انهيار حكومة الأسد، مشت النساء في مجموعات عبر شوارع اليرموك، بينما كان الأطفال يلعبون بين الأنقاض. مرت الدراجات النارية والدراجات الهوائية والسيارات أحياناً بين المباني المدمرة. في إحدى المناطق الأقل تضرراً، كان سوق الفواكه والخضراوات يعمل بكثافة.

عاد بعض الأشخاص لأول مرة منذ سنوات للتحقق من منازلهم. آخرون كانوا قد عادوا سابقاً ولكنهم يفكرون الآن فقط في إعادة البناء والعودة بشكل دائم.

غادر أحمد الحسين المخيم في عام 2011، بعد فترة وجيزة من بداية الانتفاضة ضد الحكومة التي تحولت إلى حرب أهلية، وقبل بضعة أشهر، عاد للإقامة مع أقاربه في جزء غير مدمر من المخيم بسبب ارتفاع الإيجارات في أماكن أخرى، والآن يأمل في إعادة بناء منزله.

هيكل إحدى ألعاب الملاهي في مخيم اليرموك بسوريا (أ.ف.ب)

قال الحسين: «تحت حكم الأسد، لم يكن من السهل الحصول على إذن من الأجهزة الأمنية لدخول المخيم. كان عليك الجلوس على طاولة والإجابة عن أسئلة مثل: مَن هي والدتك؟ مَن هو والدك؟ مَن في عائلتك تم اعتقاله؟ عشرون ألف سؤال للحصول على الموافقة».

وأشار إلى إن الناس الذين كانوا مترددين يرغبون في العودة الآن، ومن بينهم ابنه الذي هرب إلى ألمانيا.

جاءت تغريد حلاوي مع امرأتين أخريين، يوم الخميس، للتحقق من منازلهن. وتحدثن بحسرة عن الأيام التي كانت فيها شوارع المخيم تعج بالحياة حتى الساعة الثالثة أو الرابعة صباحاً.

قالت تغريد: «أشعر بأن فلسطين هنا، حتى لو كنت بعيدة عنها»، مضيفة: «حتى مع كل هذا الدمار، أشعر وكأنها الجنة. آمل أن يعود الجميع، جميع الذين غادروا البلاد أو يعيشون في مناطق أخرى».

بني مخيم اليرموك في عام 1957 للاجئين الفلسطينيين، لكنه تطور ليصبح ضاحية نابضة بالحياة حيث استقر العديد من السوريين من الطبقة العاملة به. قبل الحرب، كان يعيش فيه نحو 1.2 مليون شخص، بما في ذلك 160 ألف فلسطيني، وفقاً لوكالة الأمم المتحدة للاجئين الفلسطينيين (الأونروا). اليوم، يضم المخيم نحو 8 آلاف لاجئ فلسطيني ممن بقوا أو عادوا.

لا يحصل اللاجئون الفلسطينيون في سوريا على الجنسية، للحفاظ على حقهم في العودة إلى مدنهم وقراهم التي أُجبروا على مغادرتها في فلسطين عام 1948.

لكن، على عكس لبنان المجاورة، حيث يُمنع الفلسطينيون من التملك أو العمل في العديد من المهن، كان للفلسطينيين في سوريا تاريخياً جميع حقوق المواطنين باستثناء حق التصويت والترشح للمناصب.

في الوقت نفسه، كانت للفصائل الفلسطينية علاقة معقدة مع السلطات السورية. كان الرئيس السوري الأسبق حافظ الأسد وزعيم «منظمة التحرير الفلسطينية»، ياسر عرفات، خصمين. وسُجن العديد من الفلسطينيين بسبب انتمائهم لحركة «فتح» التابعة لعرفات.

قال محمود دخنوس، معلم متقاعد عاد إلى «اليرموك» للتحقق من منزله، إنه كان يُستدعى كثيراً للاستجواب من قبل أجهزة الاستخبارات السورية.

وأضاف متحدثاً عن عائلة الأسد: «على الرغم من ادعاءاتهم بأنهم مع (المقاومة) الفلسطينية، في الإعلام كانوا كذلك، لكن على الأرض كانت الحقيقة شيئاً آخر».

وبالنسبة لحكام البلاد الجدد، قال: «نحتاج إلى مزيد من الوقت للحكم على موقفهم تجاه الفلسطينيين في سوريا. لكن العلامات حتى الآن خلال هذا الأسبوع، المواقف والمقترحات التي يتم طرحها من قبل الحكومة الجديدة جيدة للشعب والمواطنين».

حاولت الفصائل الفلسطينية في اليرموك البقاء محايدة عندما اندلع الصراع في سوريا، ولكن بحلول أواخر 2012، انجر المخيم إلى الصراع ووقفت فصائل مختلفة على جوانب متعارضة.

عرفات في حديث مع حافظ الأسد خلال احتفالات ذكرى الثورة الليبية في طرابلس عام 1989 (أ.ف.ب)

منذ سقوط الأسد، كانت الفصائل تسعى لتوطيد علاقتها مع الحكومة الجديدة. قالت مجموعة من الفصائل الفلسطينية، في بيان يوم الأربعاء، إنها شكلت هيئة برئاسة السفير الفلسطيني لإدارة العلاقات مع السلطات الجديدة في سوريا.

ولم تعلق القيادة الجديدة، التي ترأسها «هيئة تحرير الشام»، رسمياً على وضع اللاجئين الفلسطينيين.

قدمت الحكومة السورية المؤقتة، الجمعة، شكوى إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة تدين دخول القوات الإسرائيلية للأراضي السورية في مرتفعات الجولان وقصفها لعدة مناطق في سوريا.

لكن زعيم «هيئة تحرير الشام»، أحمد الشرع، المعروف سابقاً باسم «أبو محمد الجولاني»، قال إن الإدارة الجديدة لا تسعى إلى صراع مع إسرائيل.

وقال الرفاعي إن قوات الأمن الحكومية الجديدة دخلت مكاتب ثلاث فصائل فلسطينية وأزالت الأسلحة الموجودة هناك، لكن لم يتضح ما إذا كان هناك قرار رسمي لنزع سلاح الجماعات الفلسطينية.