بيونغ يانغ تتحدّى المجتمع الدولي من جديد بإطلاقها صاروخًا

الغرب يندد بالاستفزاز الكوري الشمالي ويدعو إلى ردّ قاسٍ وسريع

صورة للتجربة الصاروخية في مكان غير معروف بكوريا الشمالية  أمس (أ.ف.ب)
صورة للتجربة الصاروخية في مكان غير معروف بكوريا الشمالية أمس (أ.ف.ب)
TT

بيونغ يانغ تتحدّى المجتمع الدولي من جديد بإطلاقها صاروخًا

صورة للتجربة الصاروخية في مكان غير معروف بكوريا الشمالية  أمس (أ.ف.ب)
صورة للتجربة الصاروخية في مكان غير معروف بكوريا الشمالية أمس (أ.ف.ب)

أدان أعضاء مجلس الأمن الدولي وبشدة، أمس، إطلاق كوريا الشمالية لصاروخ باستخدام تكنولوجيا الصواريخ الباليستية أمس. وأكد الأعضاء الذين عقدوا جلسة مشاورات عاجلة لمعالجة ما وصفوه بـ«الوضع الخطير» أن هذا الإطلاق، وكذلك أي إطلاق صاروخي آخر من قبل كوريا الشمالية، والتي تستخدم فيه تكنولوجيا الصواريخ الباليستية، حتى إذا وصفتها بأنها إطلاق الأقمار الصناعية أو إطلاق المركبة الفضائية، يسهم في تطوير قدراتها لأنظمة إيصال الأسلحة النووية، ويعد «انتهاكا خطيرا لقرارات مجلس الأمن» ذات الصلة.
كما أكد الأعضاء في بيان صدر بعد اجتماعهم المغلق، أن ما قامت به كوريا الشمالية يعتبر «تهديدا واضحا للسلم والأمن الدوليين»، ولا سيما في سياق التجربة النووية.
وكانت كوريا الشمالية قد أعلنت أمس أنها نجحت في وضع قمر صناعي في المدار بعد نجاحها في إطلاق صاروخ، في خطوة وصفتها بأنها «حدث العصر»، كما تدرس اختبارا لصاروخ باليستي في إطار صنع أسلحة قادرة على ضرب الأراضي الأميركية.
وتشكل عملية إطلاق الصاروخ التي تخالف عددا من قرارات الأمم المتحدة تحديا جديدا للأسرة الدولية التي ما زالت تدرس طريقة معاقبة بيونغ يانغ بعد تجربتها النووية الرابعة في السادس من يناير (كانون الثاني). ولم يصدر أي تأكيد خارجي حتى الآن لوصول الطبقة الأخيرة من الصاروخ التي تحمل القمر الصناعي إلى مداره، لكنّ مسؤولا أميركيا في الدفاع قال إن آلية الإطلاق «وصلت إلى الفضاء على ما يبدو».
وأعلنت مقدمة برامج في التلفزيون الرسمي إطلاق الصاروخ بأمر من الرئيس الكوري الشمالي كيم جونغ - أون شخصيا، وقالت إنه أتاح «وضع قمرنا الصناعي لمراقبة الأرض كوانغميونغسونغ - 4 بنجاح في المدار». وتلت البيان ري شون - هي، مقدمة البرامج الشهيرة في كوريا الشمالية والمعروفة بأسلوبها المضخم في إعلان الأحداث الكبرى، بما في ذلك التجربة النووية الشهر الماضي. وقالت ري إن «النجاح التام في إطلاق كوانغميونغسونغ - 4 (...) هو حدث العصر في تطور البلاد العلمي والتقني والاقتصادي، وقدراتها الدفاعية عبر ممارسة الحق المشروع في استخدام الفضاء لأغراض سلمية ومستقلة».
ولم تتأخر الإدانات لهذه الخطوة، إذ رأت واشنطن فيها «استفزازا كبيرا» يهدد أمن آسيا والولايات المتحدة، وستكون «عواقبه خطيرة». وقال البيت الأبيض إنها خطوة «جديدة تؤدي إلى زعزعة الاستقرار، واستفزازية، وتشكل انتهاكا صارخا للقرارات الكثيرة لمجلس الأمن الدولي». وأكد أن «برامج الأسلحة النووية والباليستية لكوريا الشمالية، تشكل تهديدا جديا لمصالحنا بما فيها أمن بعض من حلفائنا المقربين، وتهدد السلم والأمن في المنطقة».
من جهته، طلب الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون من كوريا الشمالية «الكف عن أعمالها الاستفزازية»، مؤكدا أن إطلاق الصاروخ «مؤسف جدا» وينتهك قرارات الأمم المتحدة.
بدورها، أدانت فرنسا بشدة إطلاق كوريا الشمالية للصاروخ، معتبرة أنه «عمل استفزاز جنوني». ودعت إلى «رد سريع وقاسٍ من الأسرة الدولية في مجلس الأمن» الذي عقد مساء أمس اجتماعا طارئا في نيويورك في هذا الشأن. أما موسكو، فاعتبرت أنه «مضر جدا» بالأمن الإقليمي، بما في ذلك أمن بيونغ يانغ. وفي لندن دانت الحكومة البريطانية «بحزم» إطلاق الصاروخ، داعية إلى «رد قوي إذا واصلت كوريا الشمالية انتهاك» قرارات مجلس الأمن الدولي.
وأدان الأمين العام للحلف الأطلسي، ينس ستولتنبرغ، «بحزم» إطلاق الصاروخ الكوري الشمالي، معتبرا أنه انتهاك لخمسة قرارات دولية، ودعا بيونغ يانغ إلى وقف أعمالها «الاستفزازية».
من جهتها، نددت وزير خارجية الاتحاد الأوروبي، فديريكا موغيريني، أمس باستخدام كوريا الشمالية «تكنولوجيا الصواريخ الباليستية»، معتبرة أن الخطورة تشكل «إنهاكا صارخا جديدا» لالتزامات بيونغ يانغ الدولية، وداعية الأخيرة إلى الحوار، بينما طلبت الرئيس الكورية الجنوبية، بارك غيون - هوي، من مجلس الأمن تبني «إجراءات عقابية قوية».
وتؤكد كوريا الشمالية أن برنامجها الفضائي أهدافه علمية فقط، لكن معظم الدول الأخرى ترى أن الأمر ليس سوى تغطية لتجارب لصواريخ باليستية تهدف إلى تطوير أنظمة أسلحة قادرة على ضرب الأراضي الأميركية. وذكر التلفزيون الكوري الشمالي أن الصاروخ الذي أطلق عند الساعة التاسعة بتوقيت بيونغ يانغ من قاعد سوهاي في شمال غربي البلاد، دخل المدار بعد عشر دقائق على ذلك. وكانت كوريا الجنوبية واليابان هددتا باعتراض الصاروخ في حال انتهاك مجاليهما الجويين.
وتحظر الأمم المتحدة على كوريا الشمالية تطوير أي برنامج نووي أو باليستي. ويرى الخبراء أن الصواريخ الكورية الشمالية يمكن استخدامها في القطاعين المدني والعسكري.
من جانبها، أعلنت الصين اعتراضها الشديد على نشر هذا النظام قرب حدودها. وقال المتحدث باسم الخارجية الصينية، هوا شونيينغ: «حين يسعى بلد ما إلى ضمان أمنه، عليه ألا يهدد المصالح الأمنية لدول أخرى»، مضيفا أن خطوات كهذه يمكن أن تضر باستقرار المنطقة.
وكانت الولايات المتحدة وحليفتاها اليابان وكوريا الجنوبية حذرت كوريا الشمالية من أنها ستدفع ثمنا باهظا جدا إذا أطلقت الصاروخ، لكن المحللين يرون أن بيونغ يانغ اختارت توقيت عمليتها الجديدة بدقة لتقليل الانعكاسات.
من جهة أخرى، أكد كيم يونغ - هيون قائد العمليات في هيئة الأركان المشتركة للجيش الكوري الجنوبي للنواب الكوريين الجنوبيين أمس أن المناورات العسكرية المشتركة الأميركية - الكورية الجنوبية المقبلة ستكون الأوسع التي تجرى حتى الآن.
ولم تتمكن الأسرة الدولية حتى الآن من تعزيز العقوبات على النظام الأكثر عزلة في العالم، بعد شهر من إجرائه آخر تجربة نووية. ولا يتوقع أن يغير إطلاق الصاروخ السبت من العقوبات الجديدة المتوقع فرضها على بيونغ يانغ.



الملا عثمان جوهري يستذكر العمليات ضد الأميركيين

الملا عثمان جوهري في جولة بين التلال بولاية نورستان قال: «لم تكن هنا طالبان هنا عندما بدأت الحرب» (نيويورك تايمز)
الملا عثمان جوهري في جولة بين التلال بولاية نورستان قال: «لم تكن هنا طالبان هنا عندما بدأت الحرب» (نيويورك تايمز)
TT

الملا عثمان جوهري يستذكر العمليات ضد الأميركيين

الملا عثمان جوهري في جولة بين التلال بولاية نورستان قال: «لم تكن هنا طالبان هنا عندما بدأت الحرب» (نيويورك تايمز)
الملا عثمان جوهري في جولة بين التلال بولاية نورستان قال: «لم تكن هنا طالبان هنا عندما بدأت الحرب» (نيويورك تايمز)

قاد الملا عثمان جوهري واحدة من أعنف الهجمات على القوات الأميركية في أفغانستان، وهي معركة «ونت» التي باتت رمزاً للحرب ذاتها.

كان جوهري، قيادي «طالبان» السابق يرتدي نظارات شمسية ومعطفاً من الصوف الثقيل، كما لو أنه قد يترك المكان في أي لحظة. على طاولة مغطاة بالبلاستيك تفصل بيننا تحت ضوء الفلورسنت، كان هناك تل من اللحم والأرز الذي لم يُمس. كانت هذه هي المرة الأولى التي نلتقي فيها، تحديداً في شتاء عام 2022، وقد اختار للقاء مكاناً يقع في نُزل وسط شارع مزدحم.

كانت أصوات التجار وهدير حركة المرور تتسلل عبر نافذة مفتوحة فيما كنت أشرح له لماذا تعقبتُ أثره. منذ أكثر من عقد من الزمان، حاصر 150 مقاتلاً من «طالبان» قاعدة أميركية في سفوح جبال «هندوكوش»، وقُتل تسعة جنود وأُصيب أكثر من عشرين فيما باتت تُعرف بمعركة «ونت»، التي تعد واحدة من أعنف الهجمات على القوات الأميركية خلال الحرب بأكملها.

وايغال هي قرية كبيرة في عمق وادٍ باسمها لم تتمكن القوات الأمريكية من الوصول إليها مطلقاً خلال حملتها بنورستان (نيويورك تايمز)

هذا الرجل، الملا عثمان جوهري، كان قائد ذلك الهجوم، وهي معجزة أنه لا يزال على قيد الحياة. فخلال الحرب، كان القادة المتوسطون في «طالبان» يلقون حتفهم بانتظام. لكن ها هو حيٌّ يُرزَق. على مدار أكثر من عشرين عاماً، كانت الصحافة الأميركية تغطي نصف الحرب فقط. وأنا، بصفتي صحافياً سابقاً في أفغانستان ورئيس مكتب كابل، كنت جزءاً من ذلك أيضاً. كانت أجزاء كبيرة من البلاد محظورة، وكان تصوُّر «طالبان» غالباً ما يقتصر على دعاية الحركة، وكانت القصة الحقيقية غير معروفة. قرأتُ بصفتي صحافياً كل التقارير المتعلقة بمعركة «ونت»، وكل درس مستفاد. لكن الآن وقد انتهت المعارك، أصبحت أتساءل عما فاتنا. قد أتمكن من الحصول على بعض الرؤى حول كيفية انتهاء الحرب بشكل سيئ بالنسبة إلى الولايات المتحدة (وكذلك بالنسبة إلى كثير من الأفغان، لا سيما النساء).

أردت رؤية الحرب من الجانب الآخر لتقديم منظور قد لا يراه القارئ مطلقاً، ودروس مستفادة من الجماعة الوحيدة التي لم يُطلب منها ذلك، جماعة «طالبان». فبعد حرب فيتنام، التي تتشابه إلى حد كبير مع الحرب في أفغانستان لدرجة أنها أصبحت أشبه بالإكليشيه، مرّت عقود قبل أن تتعامل الولايات المتحدة مع عدوها السابق.

وبحلول ذلك الوقت، كان كثير من قادتها العسكريين قد ماتوا، وضاعت فصول من التاريخ ربما إلى الأبد، حسب المؤرخين.

الملا عثمان جوهري بمنزله في وايغال بولاية نورستان بأفغانستان (نيويورك تايمز)

قدمتُ هذا العرض للملا عثمان جوهري مرتين من قبل: الأولى كانت عبر حارسه الشخصي، الذي كان يرتدي زياً يشبه زي قوات العمليات الخاصة؛ والأخرى كانت عبر مساعده، الذي كان بمثابة قنبلة موقوتة في الانتظار، ولم يعد مطلوباً. أخيراً، جلستُ أمام الملا عثمان نفسه، وعندما انتهيت من حديثي، لم يقل شيئاً، ولم يحرّك حتى رأسه. نظرنا إلى الطعام الذي بدأ يبرد أمامنا حتى أشار إلى حارسه ليتهيأ، فقد كنا متجهين إلى موقع «ونت» بسفوح جبال «هندوكوش».

اليوم في «ونت»، ما زالت بقايا القاعدة الأميركية السابقة قائمة، مهدمة وممزقة كذكرى باهتة، أطرافها التي كانت قائمة في السابق ذابت في الأرض مثل لوحة لسلفادور دالي. أراني الملا عثمان خطوط إمداد «طالبان» ومواقع إطلاق النار، وأعاد تمثيل الحصار. لكن بينما كنا نتحدث على مدار الأيام التالية، ثم الأشهر والسنة التالية، أقنعني الملا عثمان بأن معركة «ونت» بدأت فعلاً قبل سنوات -لكنّ الأميركيين لم يكونوا يدركون ذلك. قال لنا إنه لكم يكن عضواً في «طالبان» عندما بدأت الحرب. وبعد انضمامه، أصبح موضع سخرية في قريته. كان السكان المحليون في الوادي يؤمنون بمستقبل وَعَدَتْهم به الولايات المتحدة. لكن بعد ذلك، بدأت الغارات الجوية الأميركية، التي استهدفت مسلحين مشتبه بهم، في قتل الأبرياء. هذه القصة مألوفة بشكل محبط، ولكن كان ما هو أغرب، فالأمريكيون قتلوا وجرحوا أولئك الذين دعموا وجودهم أكثر من غيرهم.

بدأت عمليات تجنيد «طالبان» في الازدياد، حسب الملا عثمان، مع تحول الأميركيين من حلفاء إلى أعداء.

يقول : «لم يكن هناك أي عنصر لـ(طالبان) هنا عندما بدأت الحرب»، عبارة قالها لي الملا عثمان جوهري في تلك الرحلة الأولى إلى قريته الأصلية في ويغال، التي تقع في عمق الوادي تحت الجبال الشاهقة المغطاة بالثلوج. «لكن بعد أن دخل الأميركيون وبنوا قواعدهم وقتلوا الأبرياء، نهض الناس وقرروا القتال».

دروس مستفادة

نورستان، منطقة جبلية في شمال أفغانستان، لم تكن تهدف مطلقاً لتكون نقطة محورية في الحرب على الإرهاب. لم تكن معقلاً طبيعياً لـ«القاعدة» أو «طالبان». في الواقع، خلال فترة حكمهم الأولى في التسعينات، كانت «طالبان» قد دخلت المنطقة بالكاد. ومع ذلك، اعتقد الأميركيون أنها طريق لتهريب الأسلحة والمقاتلين وملاذ آمن لتنظيم «القاعدة»، لذا بنوا قواعد وبدأوا في تنفيذ دوريات عدوانية في أماكن كانت معتادة على الاستقلال.

في رحلاتي عبر الوادي، قابلت حلفاء للولايات المتحدة تعرضوا للتشويه جراء الغارات الجوية، والذين فقدوا عائلاتهم أيضاً. هؤلاء الأشخاص كانوا بمثابة تذكير بقلة إدراك الولايات المتحدة للحرب التي كانت تخوضها. اتضح أن الأميركيين كانوا مخطئين بشأن كون نورستان معقلاً للإرهابيين. لكن قواعدهم أصبحت بمثابة مغناطيس يجذب المسلحين، مثل «حقل الأحلام» للمتمردين: الأميركيون بنوها، ثم جاءت «طالبان». وبحلول الوقت الذي قاد فيه الملا عثمان فريقه عبر الجبال لشن الهجوم على القاعدة الأميركية في «ونت»، كان الوادي قد تحوَّل ضد الأميركيين، وكانت النتيجة مأساوية.

*خدمة «نيويورك تايمز»