الناطقة باسم الخارجية الروسية.. عهد جديد من التواصل مع المراسلين الأجانب

لماذا اقتحمت زاخاروفا استوديو «صدى موسكو» لدى مناقشة طرد صحافي بولندي؟

ماريا زاخاروفا الناطق الرسمي باسم وزارة الخارجية الروسية في أحد مؤتمراتها الأسبوعية («الشرق الأوسط»)
ماريا زاخاروفا الناطق الرسمي باسم وزارة الخارجية الروسية في أحد مؤتمراتها الأسبوعية («الشرق الأوسط»)
TT

الناطقة باسم الخارجية الروسية.. عهد جديد من التواصل مع المراسلين الأجانب

ماريا زاخاروفا الناطق الرسمي باسم وزارة الخارجية الروسية في أحد مؤتمراتها الأسبوعية («الشرق الأوسط»)
ماريا زاخاروفا الناطق الرسمي باسم وزارة الخارجية الروسية في أحد مؤتمراتها الأسبوعية («الشرق الأوسط»)

ماريا زاخاروفا.. الناطق الرسمي الجديد باسم وزارة الخارجية الروسية ما أن تولت مقاليد منصبها في صيف العام الماضي حتى داهمت الدوائر الصحافية والدبلوماسية بسلسلة من المبادرات التي سرعان ما وجدت طريقها إلى التنفيذ لتفرض أنماطا جديدة قلما شهدها في السابق عالم الصحافة الدبلوماسية.
يذكر أن الإعلاميين في موسكو في أعقاب توليها لمنصبها الجديد باتصال تليفوني من أحد المسؤولين في إدارة الصحافة والإعلام التي تترأسها ماريا زاخاروفا يطلب من الجميع تزويد الإدارة بالعناوين والمواقع التي يمكن للإدارة من خلالها التواصل معنا إلكترونيا، وهو نمط جديد في العلاقة لم نعهده عن إدارة كان يغلب عليها الطابع المحافظ في التعامل مع ممثلي الصحافة الأجنبية، وإن حفل تاريخها بالاستثناءات على غرار ما شهدناه إبان سنوات العمل مع ناطقين رسميين لوزارة الخارجية الروسية، وفي مقدمتهم فيتالي تشوركين الممثل الدائم لروسيا اليوم في الأمم المتحدة، وألكسندر ياكوفينكو السفير الحالي لروسيا في لندن. ولذا فإن ما طرحته ماريا زاخاروفا من مبادرات تحمل طابع العصرية ومنها استخدام الفضاء الإلكتروني ومواقع التواصل الاجتماعي، يبدو سبيلا جديدا للتخفيف من «قسوة» الرسميات، والتقيد بشكليات طالما حدّت من سرعة التواصل مع الخارجية الروسية، وتسجيل ردود أفعالها أو مواقفها من الأحداث المحلية والعالمية.
وكنا تناولنا على صفحات «الشرق الأوسط» في 28 سبتمبر (أيلول) الماضي تحت عنوان «دردشة مع ماريا» مبادرتها حول عقد لقاء دوري أسبوعي مفتوح لتبادل المعلومات مع الصحافيين الأجانب وتزويدهم بما لديهم من معلومات، والإجابة على ما يعن لهم من تساؤلات بعيدا عن الارتباطات والقيود الرسمية التي تحكم عمل الناطق الرسمي لوزارة الخارجية الروسية. غير أن ما شهدناه من نشاط مكثف خلال الأشهر القليلة الماضية، أكد أن ماريا زاخاروفا لم تكن لتكتفي بمثل هذه الخطوة التي عادت عليها وعلى نشاط إدارة الصحافة والإعلام بالكثير من الإيجابيات، وهو ما اطلعنا على بعض جوانبه من خلال مواقع التواصل الاجتماعي، وما يعكس الكثير من دقائق مواقف وردود أفعال الخارجية الروسية تجاه قضايا العصر. ولذا فلم يكن غريبا أن يبادر اتحاد الصحافيين الروس باتخاذ قراره حول منح ماريا جائزة «الشفافية في التعامل مع الصحافة» التي يمنحها لأصحاب الإسهامات المتميزة في هذا الشأن. وقد سجلت ماريا بعضا من انطباعاتها حول هذا الشأن، على صفحاتها في مواقع التواصل الاجتماعي مصحوبة بالشكر والتقدير وتأكيد أن ذلك اعتراف ضمني بنجاح مشترك، وأنه ينسحب بالدرجة الأولى على زملائها ولم تقل مرؤوسيها، في إدارة الصحافة والإعلام، بينما توجهت بالشكر إلى رجال الدبلوماسية الروسية في موسكو، وفي مختلف النقاط الساخنة في الخارج، ممن يضطلعون بأعباء رصد ما يجرى، واتخاذ ما يلزم من مواقف وجمع ما يتيسر من معلومات.
ولم تنسَ ماريا في هذا الشأن الاعتراف بما قدمه السابقون من رجال الخارجية الروسية من دروس وعبر، وبما تراكم عنهم من خبرات يستفيد منها اللاحقون عبر كل الأجيال.
ويخطئ من يتصور أن ماريا تكتفي بتصفح المواقع الإلكترونية ومتابعة ما يسجله الآخرون، حيث تكشف صفحتها عن تسجيلها للكثير من المواقف التي يمكن القياس عليها لدى محاولة استيضاح المدى الذي يمكن أن تمضي إليه موسكو في معرض تناولها لأي من المشكلات المطروحة على أجندة السياسات المحلية أو العالمية. ومن ذلك ما طالعناه حول أسباب طرد الصحافي البولندي فاتسلاف رادزيفينوفيتش الذي اتخذت موسكو قرار «إنهاء مهمته الصحافية»، وقالت إنه رد على قرار وارسو بطرد أحد نظرائه الروس العاملين في بولندا. قالت ماريا إنها كانت في طريقها إلى وسط العاصمة لقضاء بعض الأمور الشخصية بعد انتهاء عملها. وتصادف أنها كانت تستمع إلى إذاعة «صدى موسكو» لمتابعة برنامج كان يشارك فيه ذلك الصحافي البولندي، في نفس اللحظة التي كانت فيها سيارتها تقترب من المبنى الذي تشغل فيه إذاعة «صدى موسكو» أحد أدواره العليا، مما جعلها تسارع بالاتصال برئيس التحرير ألكسي فينيديكتوف تسأله عما إذا كانت هناك فرصة لمشاركتها في ذلك البرنامج، فلم تكن لتفوت هذه الفرصة لإماطة اللثام عن الكثير مما لاكته الألسنة نيابة عن الصحافي البولندي وعن الجهات الرسمية الروسية التي اتخذت قرار طرده ردا على قرار إنهاء اعتماد زميله الروسي في بولندا. وقالت ماريا: «إن فينيديكتوف سارع بالاستجابة لطلبها، وصرخ يدعوها إلى سرعة الصعود، مؤكدا أنه سيبلغ المشاركين في البرنامج بالإعلان عن قرب وصولها لمشاركتهم الحديث والمناقشة».
وأضافت ماريا أن الحديث استمر في الاستوديو لمدة 15 دقيقة، بينما استأنفه الجانبان لقرابة الساعة ونصف الساعة «خارج الهواء» بعد انتهاء وقت البرنامج. ومضت زاخاروفا لتكشف عن استمرارهما في الجدل والنقاش حول مدى مشروعية مثل هذا القرار، وما يتعلق بذلك من تجاوزات ارتكبها الجانب البولندي، في نفس الوقت الذي حرصت فيه على تأكيد أنها لا تسمح لنفسها بتقدير مستوى مهنية الصحافي البولندي. قالت يكفي أنه «صحافي»، وأنها ترى «أن طرد أي صحافي إجراء غير عادل». لكنها ألقت بمسؤولية اتخاذ مثل هذا القرار على الجانب البولندي الذي قام بطرد الصحافي الروسي دون إبداء الأسباب، في الوقت الذي كان الجانب الروسي فيه أكثر صراحة ووضوحا حين كشف عن أن قرار طرد الصحافي البولندي جاء ردا على قرار السلطات البولندية بحق الصحافي الروسي.
ولم تكتفِ زاخاروفا بذلك لتكشف أن فاتسلاف (الصحافي البولندي) دعاها لزيارة وارسو، وأعرب عن استعداده لمرافقتها للتأكد من أنه وأقاربه يهتمون بالعناية بمقابر المحاربين السوفيات القدماء (في إشارة إلى الاحتجاجات الروسية ضد اعتداءات المتطرفين البولنديين على هذه المقابر)، وخلصت إلى القول «إن الأهم في هذا الشأن يكمن في أن كلا من الطرفين فهم الآخر»، وهو ما اعتبرته «سعادة بكل المقاييس».
ونمضي مع ماريا لنشير إلى ما كتبته مؤخرا حول المؤتمر الصحافي السنوي لسيرغي لافروف وزير الخارجية الروسية. قالت الناطقة الرسمية باسم هذه الوزارة التي تعد إحدى أقدم المؤسسات الدبلوماسية في العالم بكل ما يترتب على ذلك من تقاليد وخبرات تتراكم يوما بعد يوم، إن الإقبال على مؤتمر هذا العام يفوق كثيرا عن أمثاله في السنوات السابقة. وتلك حقيقة اكتوينا «ببردها وصقيعها»، حيث طال انتظارنا معشر الصحافيين الأجانب لما يزيد عن الساعة أمام مقر المركز الصحافي في درجة برودة تقترب من العشرين تحت الصفر. رصدت زاخاروفا أن الطابور امتد طويلا أمام المبنى على نحو كاد يكون مماثلا للطابور الذي تواصل لأيام طوال أمام قاعة تريتياكوف للفنون حيث معرض الفنان الروسي الراحل فالنتين سيروف بكل طرائفه التي بلغت حد تدخل وزارة الطوارئ ودفعها بالمطابخ الميدانية لإمداد المنتظرين في هذا الطابور طوال ساعات الليل في العراء في درجة برودة تبلغ أيضا ما دون العشرين تحت الصفر، بحاجتهم من الطعام والمشروبات الساخنة.
ونتوقف أيضا عند حرصها على الإعراب عن سعادتها بمقارنة طابور الراغبين في حضور مؤتمر صحافي يعقده عميد الدبلوماسية الروسية لافروف مع طابور هواة الفنون الجميلة الذين تزاحموا لمشاهدة ما عُرِض من لوحات الفنان الروسي العالمي سيروف بمناسبة الذكرى المائة والخمسين لميلاده. ونواصل لنقول إن زاخاروفا حرصت لاحقا على نقل صورة حية لما دار داخل قاعة المؤتمر الصحافي الذي طال ولأول مرة في تاريخ عقد مثل هذه المؤتمرات لما يزيد عن الثلاث ساعات، حرص عميد الدبلوماسية الروسية خلالها على الإجابة على كل الأسئلة دون كلل أو ملل متسلحا بذاكرة حديدية ولغة دبلوماسية رفيعة. ومن قاموس لافروف للأقوال المأثورة اختارت زاخاروفا ما قاله ردا على سؤال حول مدى احتمالات إعادة الولايات المتحدة لإطلاق العلاقات مع روسيا، «إن واشنطن تحتاج إلى إعادة إطلاق علاقاتها مع العالم كله وليس مع روسيا وحدها»، في إشارة إلى تورط واشنطن في الكثير من المناطق الساخنة في العالم، وهو ما قد يكون موضوعا يستحق التوقف عنده طويلا.



استنفار الإعلام المرئي اللبناني على مدى 24 ساعة يُحدث الفرق

إدمون ساسين (إنستغرام)
إدمون ساسين (إنستغرام)
TT

استنفار الإعلام المرئي اللبناني على مدى 24 ساعة يُحدث الفرق

إدمون ساسين (إنستغرام)
إدمون ساسين (إنستغرام)

تلعب وسائل الإعلام المرئية المحلية دورها في تغطية الحرب الدائرة اليوم على لبنان.

نوع من «التجنيد الإجباري» فرضته هذه الحالة على المحطات التلفزيونية وموظفيها ومراسليها، فغالبيتهم يمضون نحو 20 ساعة من يومهم في ممارسة مهامهم. وبعضهم يَصِلون ليلهم بنهارهم في نقل مباشر وموضوعي، وآخرون يضعون دمهم على كفّ يدهم وهم يتنقلون بين مناطق وطرقات تتعرّض للقصف. أما رؤساء التحرير ومقدِّمو البرامج الحوارية اليومية، فهم عندما يحوزون على ساعات راحة قليلة، أو يوم إجازة، فإنهم يشعرون كما السمك خارج المياه. ومن باب مواقعهم ومسؤولياتهم الإعلامية، تراهم يفضلون البقاء في قلب الحرب، وفي مراكز عملهم؛ كي يرووا عطشهم وشهيّتهم للقيام بمهامهم.

المشهدية الإعلامية برمّتها اختلفت هذه عن سابقاتها. فهي محفوفة بالمخاطر ومليئة بالصدمات والمفاجآت من أحداث سياسية وميدانية، وبالتالي، تحقن العاملين تلقائياً بما يشبه بهرمون «الأدرينالين». فكيف تماهت تلك المحطات مع الحدث الأبرز اليوم في الشرق الأوسط؟

الدكتورة سهير هاشم (إنستغرام)

لم نتفاجأ بالحرب

يصف وليد عبود، رئيس تحرير الأخبار في تلفزيون «إم تي في» المحلي، لـ«الشرق الأوسط»، حالة الإعلام اللبناني اليوم بـ«الاستثنائية». ويضيف: «إنها كذلك لأننا في لبنان وليس عندنا محطات إخبارية. وهي، بالتالي، غير مهيأة بالمطلق للانخراط ببث مباشر يستغرق ما بين 18 و20 ساعة في اليوم. بيد أن خبراتنا المتراكمة في المجال الإعلامي أسهمت في تكيّفنا مع الحدث. وما شهدناه في حراك 17 أكتوبر (تشرين الأول) الشعبي، وفي انفجار مرفأ بيروت، يندرج تحت (الاستنفار الإعلامي) ذاته الذي نعيشه اليوم».

هذا «المراس» - كما يسميه عبود - «زوّد الفريق الإخباري بالخبرة، فدخل المواكبة الإعلامية للحرب براحة أكبر، وصار يعرف الأدوات اللازمة لهذا النوع من المراحل». وتابع: «لم نتفاجأ باندلاع الحرب بعد 11 شهراً من المناوشات والقتال في جنوب لبنان، ضمن ما عرف بحرب المساندة. لقد توقعنا توسعها كما غيرنا من محللين سياسيين. ومن كان يتابع إعلام إسرائيل لا بد أن يستشفّ منه هذا الأمر».

جورج صليبي (إنستغرام)

المشهد سوريالي

«يختلف تماماً مشهد الحرب الدائرة في لبنان اليوم عن سابقاته». بهذه الكلمات استهل الإعلامي جورج صليبي، مقدّم البرامج السياسية ونشرات الأخبار في محطة «الجديد» كلامه لـ«الشرق الأوسط». وأردف من ثم: «ما نشهده اليوم يشبه ما يحصل في الأفلام العلمية. كنا عندما نشاهدها في الصالات السينمائية نقول إنها نوع من الخيال، ولا يمكنها أن تتحقق. الحقيقة أن المشهد سوريالي بامتياز حتى إننا لم نستوعب بسرعة ما يحصل على الأرض... انفجارات متتالية وعمليات اغتيال ودمار شامل... أحداث متسارعة تفوق التصور، وجميعها وضعتنا للحظات بحالة صدمة. ومن هناك انطلقنا بمشوار إعلامي مرهق وصعب».

وليد عبود (إنستغرام)

المحطات وضغوط تنظيم المهام

وبالفعل، منذ توسع الحرب الحالية، يتابع اللبنانيون أخبارها أولاً بأول عبر محطات التلفزيون... فيتسمّرون أمام الشاشة الصغيرة، يقلّبون بين القنوات للتزوّد بكل جديد.

وصحيحٌ أن غالبية اللبنانيين يفضّلون محطة على أخرى، لكن هذه القناعة عندهم تتبدّل في ظروف الحرب. وهذا الأمر ولّد تنافساً بين تلك المحطات؛ كي تحقق أكبر نسبة متابعة، فراحت تستضيف محللين سياسيين ورؤساء أحزاب وإعلاميين وغيرهم؛ كي تخرج بأفكار عن آرائهم حول هذه الحرب والنتيجة التي يتوقعونها منها. وفي الوقت نفسه، وضعت المحطات جميع إمكاناتها بمراسلين يتابعون المستجدات على مدار الساعات، فيُطلعون المشاهد على آخر الأخبار؛ من خرق الطيران الحربي المعادي جدار الصوت، إلى الانفجارات وجرائم الاغتيال لحظة بلحظة. وفي المقابل، يُمسك المتفرجون بالـ«ريموت كونترول»، وكأنه سلاحهم الوحيد في هذه المعركة التنافسية، ويتوقفون عند خبر عاجل أو صورة ومقطع فيديو تمرره محطة تلفزيونية قبل غيرها.

كثيرون تساءلوا: كيف استطاعت تلك المحطات تأمين هذا الكمّ من المراسلين على جميع الأراضي اللبنانية بين ليلة وضحاها؟

يقول وليد عبود: «هؤلاء المراسلون لطالما أطلوا عبر الشاشة في الأزمنة العادية. ولكن المشاهد عادة لا يعيرهم الاهتمام الكبير. ولكن في زمن الحرب تبدّلت هذه المعادلة وتكرار إطلالاتهم وضعهم أكثر أمام الضوء».

ولكن، ما المبدأ العام الذي تُلزم به المحطات مراسليها؟ هنا يوضح عبود في سياق حديثه أن «سلامة المراسل والمصور تبقى المبدأ الأساسي في هذه المعادلة. نحن نوصيهم بضرورة تقديم سلامتهم على أي أمر آخر، كما أن جميعهم خضعوا لتدريبات وتوجيهات وتعليمات في هذا الشأن... وينبغي عليهم الالتزام بها».

من ناحيته، يشير صليبي إلى أن المراسلين يبذلون الجهد الأكبر في هذه الحرب. ويوضح: «عملهم مرهق ومتعب ومحفوف بالمخاطر. لذلك نخاف على سلامتهم بشكل كبير».

محمد فرحات (إنستغرام)

«إنها مرحلة التحديات»

وبمناسبة الكلام عن المراسلين، يُعد إدمون ساسين، مراسل قناة «إل بي سي آي»، من الأقدم والأشهر في هذه المحطة. وهو لا يتوانى عن التنقل خلال يوم واحد بين جنوب لبنان وشماله. ويصف مهمّته خلال المرحلة الراهنة بـ«الأكثر خطراً». ويشرح من ثم قائلاً: «لم تعُد هناك خطوط حمراء أو نقاط قتال محددة في هذه الحرب. لذا تحمل مهمتنا التحدّي بشكل عام. وهي محفوفة بخطر كبير، لا سيما أن العدو الإسرائيلي لا يفرّق بين طريق ومبنى ومركز حزب وغيره، ويمكنه بين لحظة وأخرى أن يختار أهدافه ويفاجئ الجميع... وهذا ما وضع الفرق الصحافية في خطر دائم، ونحن علينا بالتالي تأمين المعلومة من قلب الحدث بدقة».

وفق ساسين، فإن أصعب المعلومات هي تلك المتعلقة بالتوغّل البرّي للجيش الإسرائيلي، «فحينها لا يمكن للمراسل معرفة ما يجري بشكل سليم وصحيح على الأرض... ولذا نتّكل أحياناً على مصادر لبنانية من جهة (حزب الله)، و(اليونيفيل) (القوات الدولية العاملة بجنوب لبنان) والجيش اللبناني والدفاع المدني، أو أشخاص عاشوا اللحظة. ومع هذا، يبقى نقل الخبر الدقيق مهمة صعبة جداً. ويشمل ما أقوله أخبار الكمائن والأسر، بينما نحن في المقابل نفتقر إلى القدرة على معرفة هذه الأخبار، ولذا نتوخى الحذر بنقلها».

«لبنان يستأهل التضحية»

في هذه الأثناء، يتكلم مراسل تلفزيون «الجديد» محمد فرحات «بصلابة»، عندما يُسأل عن مهمّته الخطرة اليوم.

محمد كان من بين الفريق الإعلامي الذي تعرّض لقصف مباشر في مركز إقامته في بلدة حاصبيا، وخسر يومذاك زملاء له ولامس الموت عن قرب لولا العناية الإلهية، كما يقول. ويتابع: «لقد أُصبت بحالة إنكار للمخاطر التي أتعرّض لها. في تلك اللحظة عشت كابوساً لم أستوعبه في البداية. وعندما فتحت عيني سألت نفسي لبرهة: أين أنا؟»، ويضيف فرحات: «تجربتي الإعلامية ككل في هذه الحرب كانت مفيدة جداً لي على الصعيدين: الشخصي والمهني. من الصعب أن أُشفى من جروح هذه الحرب، ولكني لم أستسلم أو أفكر يوماً بمغادرة الساحة. فلبنان يستأهل منا التضحية».

العلاج النفسي الجماعي ضرورة

أخيراً، في هذه الحرب لا إجازات ولا أيام عطل وراحة. كل الإعلاميين في مراكز عملهم بحالة استنفار. ولكن ماذا بعد انتهاء الحرب؟ وهل سيحملون منها جراحاً لا تُشفى؟

تردّ الاختصاصية النفسية الدكتورة سهير هاشم بالقول: «الإعلاميون يتعرضون لضغوط جمّة، وفي الطليعة منهم المراسلون. هؤلاء قد لا يستطيعون اليوم كشف تأثيرها السلبي على صحتهم النفسية، ولكن عند انتهاء الحرب قد يكون الأمر فادحاً. وهو ما يستوجب الدعم والمساندة بصورة مستمرة من مالكي المحطات التي يعملون بها». وأضافت الدكتورة هاشم: «ثمة ضرورة لإخضاعهم لجلسات علاج نفسية، والأفضل أن تكون جماعية؛ لأن العلاج الموسمي غير كافٍ في حالات مماثلة، خلالها يستطيعون أن يساندوا ويتفهموا بعضهم البعض بشكل أفضل».