تونس: الدوران في حلقة مفرغة

مع استفحال الأزمات السياسية والاقتصادية

شباب تونسيون يقطعون شارعا رئيسيا بحرق إطارات سيارات في مدينة القصرين احتجاجا على العطالة وقلة فرص العمل (أ.ف.ب)
شباب تونسيون يقطعون شارعا رئيسيا بحرق إطارات سيارات في مدينة القصرين احتجاجا على العطالة وقلة فرص العمل (أ.ف.ب)
TT

تونس: الدوران في حلقة مفرغة

شباب تونسيون يقطعون شارعا رئيسيا بحرق إطارات سيارات في مدينة القصرين احتجاجا على العطالة وقلة فرص العمل (أ.ف.ب)
شباب تونسيون يقطعون شارعا رئيسيا بحرق إطارات سيارات في مدينة القصرين احتجاجا على العطالة وقلة فرص العمل (أ.ف.ب)

بعد نحو أسبوع من توقف أعمال العنف والاحتجاجات الاجتماعية والشبابية غير المسبوقة في تونس، لم تنجح «خريطة الطريق» الجديدة التي عرضها رئيس الحكومة، الحبيب الصيد، خلال نقاش مفتوح بالبرلمان في تطمين الـ300 ألف رجل أعمال تونسي ولا غالبية النقابات والأطراف السياسية. لقد تابعت وسائل الإعلام المعارضة والمستقلة والقريبة من الأحزاب المشاركة في الحكومة إبراز النقائص والسلبيات، وارتفعت من جديد الأصوات المطالبة بإحداث تغيير جوهري في المشهد السياسي.. بدءًا من الاستعاضة عن الحكومة الحالية بـ«حكومة إنقاذ وطني» قد تُعين على رأسها شخصية من رموز المعارضة العلمانية في عهد زين العابدين بن علي مثل أحمد نجيب الشابي ومصطفى بن جعفر.
وتتزامن هذه التطورات مع الذكرى الخامسة لانتفاضة 2011، وإسقاط حكم بن علي، وتعمق الانشقاق والأزمة الداخلية في حزب نداء تونس، الحزب الذي أوصل الرئيس الباجي قائد السبسي إلى قصر قرطاج ورفاقه إلى الحكم.
فإلى أين تسير تونس بعد بدئها العام السادس من ثورتها الشبابية بـ«تمرّد شبابي» جديد؟
على الرغم من تأكيد غالبية زعامات الأحزاب التونسية الأربعة المشاركة في حكومة رئيس الوزراء الحبيب الصيد، وقوفها إلى جانبه بعد مواجهات قوات الأمن مع عشرات الآلاف من الشباب العاطل عن العمل الذي نزل إلى الشوارع، فإن مؤشرات استفحال الأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية كثيرة جدًا.
ويعد ثلة من الخبراء السياسيين والاقتصاديين، مثل وزير المالية السابق حكيم حمودة، أن «الوقت قد حان ليفهم الساسة والاقتصاديون أن الأسباب العميقة لأزمات تونس السياسية والاجتماعية منذ سنوات هي انعكاسات الأزمة الاقتصادية العالمية 2008 - 2009 عليها».
وفي الوقت الذي تحتاج فيه تونس إلى نسبة نمو اقتصادي عامة سنويًا لا تقل عن 7 في المائة حتى توفر مائة ألف موطن شغل جديد للعاطلين عن العمل، تراجعت تلك النسبة إلى أقل من 5 في المائة منذ اندلاع الأزمة الاقتصادية العالمية في عام 2008، ثم إلى أقل من 3 في المائة بعد الإطاحة بحكم بن علي.
نسبة النمو في العام الماضي كانت قريبة من الصفر، وتوشك الأوضاع أن تستفحل هذا العام والعام المقبل ما لم ينتعش قطاع السياحة والخدمات مجددًا، على اعتبار أن مساهمته المباشرة وغير المباشرة مهمة في توفير موارد رزق مئات الآلاف من العائلات وآلاف المؤسسات الصناعية والزراعية والسياحية والخدماتية.
صعوبات أم ركود؟
وفي حين تعاقبت تصريحات التطمين الموجهة إلى الشعب الصادرة عن الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي ورئيس الوزراء الحبيب الصيد، وكذلك زعامات حزب حركة النهضة، فإن الخبراء والساسة المستقلين والمعارضين لا يخفون تخوّفاتهم من اندلاع انفجارات اجتماعية شبابية جديدة، احتجاجًا على عجز الحكومات الثماني التي تعاقبت على السلطة منذ «ثورة 2011» عن معالجة معضلتي البطالة والفقر.
وفي هذا السياق، يعد الخبير الاقتصادي والاجتماعي رضا الشكندالي أن «حصيلة السياسات الاقتصادية والاجتماعية والأمنية المتعاقبة منذ 5 سنوات أن تونس انتقلت من مرحلة (الصعوبات) الاقتصادية قبل عام 2011 إلى مرحلة (الركود) الشامل اليوم». وحمّلت الخبيرة الاقتصادية والإعلامية جنات بن عبد الله مسؤولية هذا التطور السلبي إلى «حكومات ما بعد الثورة»، خصوصا الفريق الحكومي الحالي، وإلى «تقديم الولاء على الكفاءة والخبرة في التعيينات السياسية والإدارية».
«القنبلة الموقوتة»
في الوقت نفسه، حذّرت دراسات وتقارير أعدّها اتحاد نقابات العمال من انفجار «القنبلة الموقوتة» الشبابية والاجتماعية مجدّدًا، مهدّدة «المكاسب السياسية التي تحققت خلال السنوات الماضية، وعلى رأسها توسيع هامش الحريات وتنظيم انتخابات تعدّدية نزيهة والمصادقة على الدستور الجديد». ولقد حذّر عبيد البريكي، الأمين العام المساعد السابق لاتحاد نقابات العمال، من «تضخم نسب العاطلين عن العمل وتدهور أوضاع الطبقة الوسطى وتراكم مؤشرات الفقر».
في هذا السياق، يؤكد الخبير الاقتصادي شيحة قحة أن عدد العاطلين عن العمل ارتفع من 300 ألف قبل «ثورة يناير (كانون الثاني) 2011» إلى نحو 700 ألف حاليًا. ومن جانبه، قدّر وزير المالية السابق حكيم حمودة نسبة الفقراء اليوم في تونس - أي الذين يعيشون بأقل من دولار واحد يوميًا - بخُمس السكان في العاصمة والمناطق الساحلية وثُلث السكان في الجهات المهمّشة والحدودية مع الجزائر وليبيا، مثل القصرين والكاف وجندوبة ومدنين وتطاوين وقبلي.
خلل بين الجهات
وحسب تقرير أممي فإن الخلل في التوازن بين الجهات (أو الأقاليم) لا يزال خطيرًا في تونس بعد خمس سنوات من الثورة التي فجّرها شبابها. إذ بلغت نسب البطالة بين شباب المحافظات الداخلية نحو 50 في المائة مقابل نحو 6 في المائة فقط في محافظات الساحل السياحية مثل المنستير وسوسة اللتين هما موطن الرئيسين الأسبقين الحبيب بورقيبة وزين العابدين بن علي وغالبية وزرائهما ومستشاريهما.
وكشف التقرير نفسه فوارق جهوية مماثلة في مجالات التعليم والخدمات الطبية والصحية. فلقد بلغ الانخراط في التعليم بالنسبة للأطفال بين سن 6 و11 سنة نسبة 99.5 في المائة لمدينة تونس العاصمة وضواحيها، مقابل 92 في المائة في ولاية القصرين عام 2011.
وعلى الرغم من إقرار الحكومة الحالية والحكومات السابقة بهذه الحقائق، التي تفسّر عودة الاضطرابات والمواجهات التي تسببت في مقتل رجل أمن وإصابة مئات بجراح، فإن المعارضة لم ترحّب بـ«الوثيقة التوجيهية» الجديدة للتنمية التي قدّمها رئيس الوزراء الصيد أمام البرلمان.
كذلك تابع زعماء المعارضة اليسارية، مثل حمّة الهمامي زعيم «الجبهة الشعبية»، انتقاداتهم للفريق الحاكم وللائتلاف الحزبي الذي يدعمه بزعامة حزبي نداء تونس وحركة النهضة.
السير بين الألغام
لكن السؤال الذي يفرض نفسه في ظل هذه المزايدات: هل تعني ردود فعل قيادات اليسار ونواب المعارضة على الحكومة عودة للدوران في «الحلقة المفرغة»؟ أم ستكون مجرد مزايدات «سياسيوية» وتعبيرًا عن تحفّظات «شكلية» وليس على جوهر «خريطة الطريق» المقترحة؟
لعل من أبرز ما ينبغي التوقف عنده أن مضاعفات «الانتفاضة الشبابية الاجتماعية الجديدة» ليست اجتماعية فقط، بل تطوّرت إلى انتقادات سياسية بالجملة للحكومة. وشملت هذه الانتقادات أوضاع الحريات وحقوق الإنسان في البلاد و«ظاهرة عودة التعذيب»، ومن ثم وجد رئيس الحكومة نفسه مجددا، مطالبًا بـ«السير بين الألغام»، ومحاولة تقديم خطاب لا يستفزّ الشباب والعاطلين عن العمل ولا يغضب رجال الأعمال، مع محاولة التوفيق بين شركائه في الحكم وخصومه ومعارضيه.. عبر منهج «توافقي» و«براغماتي».
حتى متى؟
إلا أن من بين الأسئلة التي تفرض نفسها رغم ذلك: حتى متى ستستمر الأزمات الاجتماعية والقطيعة مع الشباب في بلد يفاخر بكون شبابه نظم قبل خمس سنوات «ثورة الشباب والكرامة»، وأنجز «تغييرًا سياسيًا سلميًا»؟ حتى متى سيقنع الشباب وأبناء الطبقات الاجتماعية الشعبية والفقيرة بـ«خطاب التطمين»، والوعود والإقرار بالنقائص وبشرعية مطالب المتظاهرين سلميًا مقابل اتهام بعض «الأطراف» (؟) بالتورّط في «الاندساس» و«التسلل» إلى التحركات السلمية ودفع جانب من المشاركين فيها نحو العنف والسرقة والاعتداء على رجال الأمن؟
لعل من بين التحديات هنا أن كثيرين من الجامعيين، على غرار عالم الاجتماع محمد الجويلي، يتحدثون عن «أزمة ثقة شاملة» تمرّ بها قطاعات واسعة من النخب والطبقة السياسية بمختلف ألوانها. و«أزمة الثقة» هذه ما عادت تقتصر على «الأقلية» و«بعض النخب»، بل توسّعت لتشمل غالبية السياسيين العلمانيين والليبراليين واليساريين والإسلاميين والقوميين.. إلخ. وهنا يعرب علماء النفس الاجتماعي وعلم الاجتماع مثل عبد الوهاب محجوب وعبد الوهاب حفيظ عن تخوّفهم من العودة بالبلاد إلى «المربع السابق»، أي مربع تمييع مطالب الشباب العاطل والمهمّش والطبقات الشعبية والوسطى واختزال الأزمة في مزايدات من يوصفون بـ«المخربين» و«المنحرفين» و«المتآمرين» على أمن الدولة الداخلي أو الخارجي. وقد بات المسكوت عنه أكثر من المصرح به.. بما في ذلك بالنسبة إلى كبار المسؤولين في حزب الرئيس السبسي وشركائه أحزاب الائتلاف الرباعي وللحكومة.
فوائد الدين
في الأثناء يلفت سياسيون وخبراء بارزون، مثل الناطق الرسمي باسم حزب العمال و«الجبهة الشعبية» المعارضة حمّة الهمامي، إلى أن «من بين أخطر التحديات التي تواجه البلاد اليوم وستواجهها خلال عامي 2016 و2017 حلول موعد تسديد فوائد الدين، التي تحوم حول سبع مليارات دولار، فضلا عن الخسائر التي ستلحق بالميزانية العامة للدولة وبمصالح الضرائب والجمرك، نتيجة الضربة الموجعة جدًا التي وجهت إلى قطاع السياحة في أواخر يونيو (حزيران) الماضي ثم إلى أعلى رموز الدولة (أي الحرس الرئاسي) من خلال هجوم 24 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي».
ومن جهته، يقول الخبير الاقتصادي، شيحة قحة، إن «مثل هذه المعضلات تزيد من تعقيد أوضاع الطبقات الشعبية والوسطى في مرحلة تراجعت معها إنتاجية الموظف والعامل إلى أدنى مستوياتها، وهذا مع تورّط الحكومات المتعاقبة منذ خمس سنوات في إعطاء أولوية للأجندات السياسية والحزبية و(الترضيات) والتعيينات وفق قاعدة (الأقربون أولى بالمعروف) وليس لمكافحة البطالة».
كذلك «أعطت الحكومات أولوية لتحسين أجور العمال، ترضية للنقابات وليس إلى التشغيل ومقاومة الفقر ضمن استراتيجية جديدة تبدأ بتحسن مناخ الأعمال والاستثمار بعيدًا عن الشعارات الفارغة»، كما أوضح الخبير الاقتصادي التونسي والدولي صالح جبنون.
فرص لا تعوّض
في المقابل، سجل إلياس فخفاخ، وزير السياحة والمالية السابق والقيادي في حزب التكتل، أن «الحكومة الحالية أمام فرص لا تعوض يفترض أن تساعدها على تحسين الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية». وفي هذا السياق لفت فخفاخ النظر إلى كون تونس كسبت نحو أربعة مليارات من الدنانير (مليارا دولار) بفضل تراجع أسعار النفط في وقت وجيز من نحو 120 دولارا إلى أقل من 30 دولارا.. بما خفّف أعباء الدولة في مجال دعم المحروقات. كذلك أشار إلى كون من بين «الفرص التي قد لا تعوّض» انخفاض سعر اليورو عالميًا مقارنة بالدولار، وهو ما يعني تخفيف أعباء حكومة تونس في مجال إرجاع الديون وتسديد فوائدها وخدماتها.
يضاف إلى كل ذلك أن العام المنقضي كان، مثلما أورد سعد الصديق وزير الفلاحة (الزراعة)، استثنائيًا من حيث مساهمته في ميزانية الدولة بفضل صادرات الزيوت والتمور والسمك التي ناهزت الملياري دولار. ما يبعث على التساؤل هل يعقل بعد كل هذا التمادي في تبرير «الإخفاقات في سياسات الحكومات المتعاقبة بالعوامل الأمنية فقط»؟ أوليس الإخفاق الأمني بدوره جزءا من فشل بعض المسؤولين الذين عينوا في مناصبهم على أساس قاعدة «الولاء قبل الكفاءة»؟
حكومة إنقاذ وطني
في مثل هذه الظروف قد يستسيغ كثيرون فكرة تشكيل «حكومة إنقاذ وطني» جديدة يتسابق أقطاب السياسة والمال في تونس على إعلان مرشحيهم لها مثل المهدي جمعة رئيس الحكومة السابق، والمنذر الزنايدي وزير التجارة والسياحة والنقل في عهد بن علي والمرشح السابق للانتخابات الرئاسية. لكن ثمة من يشكك فيما إذا كان الحل يكمن في إسقاط حكومة الصيد الثانية التي تشكلت قبل أسبوعين لا أكثر. ويتخوّف من أن يتسبب إسقاطها بشل مؤسسات الدولة التي تعاني أصلاً من عواقب غياب الاستقرار منذ مطلع 2011.
قد تتباين الآراء بين من يعطون أولوية للملفات السياسية ودعاة التفرغ للأولويات الاجتماعية والاقتصادية، بعيدًا عن أطماع «الزعماء» الذين يسيل لعابهم بعد كل أزمة عابرة من أجل الوصول إلى قصور السلطة.
«انتهازية» الساسة
الدكتور محسن الكوني، وهو أستاذ الفلسفة في ولاية القصرين، علق على انفجار الاحتجاجات الجديدة مجدّدًا في الوسط والمناطق المهمّشة بـ«الانتهازية» التي سادت النخب المثقفة والسياسية عندما لم تقدم معضلات البطالة والفوارق بين الجهات على أجنداتها السياسية وكل «الأولويات في البلاد». ولقد سبقه كثيرون، بينهم الجامعي قيس سعيد، الخبير في القانون الدستوري، فأكد مبكرا كون «الإصلاحات القانونية والدستورية ما كان لها أن تستنزف طاقات البلاد طوال الأعوام الماضية، ولا أن تشغلها عن أولوية الأولويات التي هي معالجة ملفات الفقر والبطالة واختلال التوازن بين المناطق المهمشة والجهات المحظوظة والمشكلات الهيكلية التي تنخر الاقتصاد والبلاد».
الثورة والثورة المضادة
في الأثناء تعمقت التناقضات داخل النخب السياسية والنقابية والثقافية بين من يدافعون عن «مكاسب الثورة» والمتهمين بخدمة «الثورة المضادة»، وأنصار إسقاط الائتلاف بين حزبي «النداء» و«النهضة» ومن يدعو إلى تعزيزه.. بين الذين يقدّرون حيادية رئيس الحكومة الحالي الحبيب الصيد واستقلاليته ونظافة يديه، ومن يتهمه بالفشل والإخفاق. وجاء «التطبيع» مع عدد من رموز النظام السابق وأصهاره ووزرائه ومستشاريه من دون مسار واضح للإنصاف والمصالحة الوطنية، ومن دون استرجاع ممتلكات الدولة وأموال الديوانة والضرائب، ليدعم مواقف «الشباب الثائر بطبعه ضد القديم والسلطة» كما يقول عالم الاجتماع عبد الوهاب محجوب.
وفي هذا السياق تطرح نقاط استفهام حول الأسباب الحقيقية التي أدت إلى توقيف مئات من السياسيين ورجال الأعمال دون غيرهم وحول ملابسات الإفراج عنهم وغلق ملفاتهم. ولئن اعتبر قسم من المتظاهرين في القصرين وسيدي بوزيد وتونس العاصمة «الإفراج في ذكرى الثورة عن صهر بن علي والتعهد بتسوية ملف صهر ثان قريبًا»، تكريسا لانتصار «الثورة المضادة»، فإن من بين الملاحظات التي يقدمها خصومهم أن «التطبيع مع غالبية أصهار بن علي ومع رجال الأعمال والوزراء المتهمين السابقين بالفساد المالي إنما تحقق في عهد (الترويكا)، ثم في عهد حكومة التكنوقراط برئاسة المهدي جمعة وفي ظل حكم حزب النداء».
وبالتالي، هل لا يزال مشروعًا الحديث عن قوى «الثورة» و«الثورة المضادة» بالنسبة إلى النخب السياسية والحزبية التي تتحكم في قوانين اللعبة منذ خمس سنوات، أم أن من حق الشباب أن يثور عليها جميعا باعتبارها متهمة بدرجات متفاوتة في الإخفاقات المتعاقبة بسبب عدم اعتمادها سياسة شفافة للإنصاف والمصالحة، وتورطها في «تسويات تحت الطاولة» و«عدالة انتقائية وانتقامية» وخيارات الابتزاز خدمة لمصالح شخصية وحزبية وجهوية وفئوية؟
الولاء قبل الكفاءة

على هذا الصعيد أيضًا تتباين التقييمات للخبرات التونسية في الإدارة ومؤسسات الدولة. ولا شك أن كثيرا من بين المسؤولين في الوزارات والإدارة المركزية والإدارات الجهوية والمحلية كانوا قبل الثورة يفتقرون إلى النزاهة أو الخبرة والكفاءة أو إلى الاثنين معًا. ثمة من يقول إنه آن الأوان الآن لكي تصبح الأولوية في معايير إسناد المسؤوليات إلى الكفاءة والخبرة من الولاء.

* إعلامي وكاتب تونسي



لبنان يواجه تحدّيات مصيرية في زمن التحوّلات

جريمة اغتيال رفيق الحريري (غيتي)
جريمة اغتيال رفيق الحريري (غيتي)
TT

لبنان يواجه تحدّيات مصيرية في زمن التحوّلات

جريمة اغتيال رفيق الحريري (غيتي)
جريمة اغتيال رفيق الحريري (غيتي)

يواجه لبنان جملة من التحديات السياسية والعسكرية والأمنية والاقتصادية، خصوصاً في مرحلة التحوّلات الكبرى التي تشهدها المنطقة وترخي بثقلها على واقعه الصعب والمعقّد. ولا شك أن أهم هذه التحوّلات سقوط نظام بشّار الأسد في سوريا، وتراجع النفوذ الإيراني الذي كان له الأثر المباشر في الأزمات التي عاشها لبنان خلال السنوات الأخيرة، وهذا فضلاً عن تداعيات الحرب الإسرائيلية وآثارها التدميرية الناشئة عن «جبهة إسناد» لم تخفف من مأساة غزّة والشعب الفلسطيني من جهة، ولم تجنّب لبنان ويلات الخراب من جهة ثانية.

إذا كانت الحرب الإسرائيلية على لبنان قد انتهت إلى اتفاق لوقف إطلاق النار برعاية دولية، وإشراف أميركي ـ فرنسي على تطبيق القرار 1701، فإن مشهد ما بعد رحيل الأسد وحلول سلطة بديلة لم يتكوّن بعد.

وربما سيحتاج الأمر إلى بضعة أشهر لتلمُّس التحدّيات الكبرى، التي تبدأ بالتحدّيات السياسية والتي من المفترض أن تشكّل أولوية لدى أي سلطة جديدة في لبنان. وهنا يرى النائب السابق فارس سُعَيد، رئيس «لقاء سيّدة الجبل»، أنه «مع انهيار الوضعية الإيرانية في لبنان وتراجع وظيفة (حزب الله) الإقليمية والسقوط المدوّي لحكم البعث في دمشق، وهذا إضافة إلى الشغور في رئاسة الجمهورية، يبقى التحدّي الأول في لبنان هو ملء ثغرات الدولة من أجل استقامة المؤسسات الدستورية».

وأردف سُعَيد، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، إلى أنه «بعكس الحال في سوريا، يوجد في لبنان نصّ مرجعي اسمه الدستور اللبناني ووثيقة الوفاق الوطني، وهذا الدستور يجب أن يحترم بما يؤمّن بناء الدولة والانتقال من مرحلة إلى أخرى».

الدستور أولاً

الواقع أنه لا يمكن لمعطيات علاقة متداخلة بين لبنان وسوريا طالت لأكثر من 5 عقود، و«وصاية دمشق» على بيروت ما بين عامَي 1976 و2005 - وصفها بعض معارضي سوريا بـ«الاحتلال» - أن تتبدّل بين ليلة وضحايا على غرار التبدّل المفاجئ والصادم في دمشق. ثم إن حلفاء نظام دمشق الراحل في لبنان ما زالوا يملكون أوراق قوّة، بينها تعطيل الانتخابات الرئاسية منذ 26 شهراً وتقويض كل محاولات بناء الدولة وفتح ورشة الإصلاح.

غير أن المتغيّرات في سوريا، وفي المنطقة، لا بدّ أن تؤسس لواقع لبناني جديد. ووفق النائب السابق سُعَيد: «إذا كان شعارنا في عام 2005 لبنان أولاً، يجب أن يكون العنوان في عام 2024 هو الدستور أولاً»، لافتاً إلى أن «الفارق بين سوريا ولبنان هو أن سوريا لا تملك دستوراً وهي خاضعة فقط للقرار الدولي 2254. في حين بالتجربة اللبنانية يبقى الدستور اللبناني ووثيقة الوفاق الوطني المرجعَين الصالحَين لبناء الدولة، وهذا هو التحدي الأكبر في لبنان».

وشدّد، من ثم، على ضرورة «استكمال بناء المؤسسات الدستورية، خصوصاً في المرحلة الانتقالية التي تمرّ بها سوريا»، وتابع: «وفي حال دخلت سوريا، لا سمح الله، في مرحلة من الفوضى... فنحن لا نريد أن تنتقل هذه الفوضى إلى لبنان».

العودة للحضن العربي

من جهة ثانية، يحتاج لبنان في المرحلة المقبلة إلى مقاربة جديدة عمّا كان الوضع عليه في العقود السابقة. ولا يُخفي السياسي اللبناني الدكتور خلدون الشريف، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن لبنان «سيتأثّر بالتحوّلات الكبرى التي تشهدها المنطقة، وحتميّة انعكاس ما حصل في سوريا على لبنان». ويلفت إلى أن «ما حصل في سوريا أدّى إلى تغيير حقيقي في جيوبوليتيك المنطقة، وسيكون له انعكاسات حتمية، ليس على لبنان فحسب، بل على المشرق العربي والشرق الأوسط برمته أيضاً».

الاستحقاق الرئاسي

في سياق موازٍ، قبل 3 أسابيع من موعد جلسة انتخاب الرئيس التي دعا إليها رئيس مجلس النواب نبيه برّي في التاسع من يناير (كانون الثاني) المقبل، لم تتفق الكتل النيابية حتى الآن على اسم مرشّح واحد يحظى بأكثرية توصله إلى قصر بعبدا.

وهنا، يرى الشريف أنه بقدر أهمية عودة لبنان إلى موقعه الطبيعي في العالم العربي، ثمّة حاجة ماسّة لعودة العرب إلى لبنان، قائلاً: «إعادة لبنان إلى العرب مسألة مهمّة للغاية، شرط ألّا يعادي أي دولة إقليمية عربية... فلدى لبنان والعرب عدوّ واحد هو إسرائيل التي تعتدي على البشر والحجر». وبغض النظر عن حتميّة بناء علاقات سياسية صحيحة ومتكافئة مع سوريا الجديدة، يلفت الشريف إلى أهمية «الدفع للتعاطي معها بإيجابية وانفتاح وفتح حوار مباشر حول موضوع النازحين والشراكة الاقتصادية وتفعيل المصالح المشتركة... ويمكن للبلدين، إذا ما حَسُنت النيّات، أن يشكلّا نموذجاً مميزاً للتعاون والتنافس تحت سقف الشراكة».

يحتاج لبنان في المرحلة المقبلة إلى مقاربة جديدة

النهوض الاقتصادي

وحقاً، يمثّل الملفّ الاقتصادي عنواناً رئيساً للبنان الجديد؛ إذ إن بناء الاقتصاد القوي يبقى المعيار الأساس لبناء الدولة واستقرارها، وعودتها إلى دورها الطبيعي. وفي لقاء مع «الشرق الأوسط»، قال الوزير السابق محمد شقير، رئيس الهيئات الاقتصادية في لبنان، إن «النهوض الاقتصادي يتطلّب إقرار مجموعة من القوانين والتشريعات التي تستجلب الاستثمارات وتشجّع على استقطاب رؤوس الأموال، على أن يتصدّر الورشة التشريعية قانون الجمارك وقانون ضرائب عصري وقانون الضمان الاجتماعي».

شقير يشدّد على أهمية «إعادة هيكلة القطاع المصرفي؛ إذ لا اقتصاد من دون قطاع مصرفي». ويشير إلى أهمية «ضبط التهريب على كل طول الحدود البحرية والبرّية، علماً بأن هذا الأمر بات أسهل مع سقوط النظام السوري، الذي طالما شكّل عائقاً رئيساً أمام كل محاولات إغلاق المعابر غير الشرعية ووقف التهريب، الذي تسبب بخسائر هائلة في ميزانية الدولة، بالإضافة إلى وضع حدّ للمؤسسات غير الشرعية التي تنافس المؤسسات الشرعية وتؤثر عليها».

نقطة جمارك المصنع اللبنانية على الحدود مع سوريا (آ ف ب)

لبنان ودول الخليج

يُذكر أن الفوضى في الأسواق اللبنانية أدت إلى تراجع قدرات الدولة، ما كان سبباً في الانهيار الاقتصادي والمالي، ولذا يجدد شقير دعوته إلى «وضع حدّ للقطاع الاقتصادي السوري الذي ينشط في لبنان بخلاف الأنظمة والقوانين، والذي أثّر سلباً على النمو، ولا مانع من قوننة ليعمل بطريقة شرعية ووفق القوانين اللبنانية المرعية الإجراء». لكنه يعبّر عن تفاؤله بمستقبل لبنان السياسي والاقتصادي، قائلاً: «لا يمكن للبنان أن ينهض من دون علاقات طيّبة وسليمة مع العالم العربي، خصوصاً دول الخليج... ويجب أن تكون المهمّة الأولى للحكومة الجديدة ترسيخ العلاقات الجيّدة مع دول الخليج العربي، ولا سيما المملكة العربية السعودية التي طالما أمّنت للبنان الدعم السياسي والاقتصادي والمالي».

ضبط السلاح

على صعيد آخر، تشكّل الملفات الأمنية والعسكرية سمة المرحلة المقبلة، بخاصةٍ بعد التزام لبنان فرض سلطة الدولة على كامل أراضيها تطبيقاً للدستور والقرارات الدولية. ويعتبر الخبير العسكري والأمني العميد الركن فادي داوود، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن «تنفيذ القرار 1701 ومراقبة تعاطيها مع مكوّنات المجتمع اللبناني التي تحمل السلاح، هو التحدّي الأكبر أمام المؤسسات العسكرية والأمنية». ويوضح أن «ضبط الحدود والمعابر البرية مع سوريا وإسرائيل مسألة بالغة الدقة، سيما في ظل المستجدات التي تشهدها سوريا، وعدم معرفة القوة التي ستمسك بالأمن على الجانب السوري».

مكافحة المخدِّرات

وبأهمية ضبط الحدود ومنع الاختراق الأمني عبرها، يظل الوضع الداخلي تحت المجهر في ظلّ انتشار السلاح لدى معظم الأحزاب والفئات والمناطق اللبنانية، وهنا يوضح داوود أن «تفلّت السلاح في الداخل يتطلّب خطة أمنية ينفّذها الجيش والأجهزة الأمنية كافة». ويشرح أن «وضع المخيمات الفلسطينية يجب أن يبقى تحت رقابة الدولة ومنع تسرّب السلاح خارجها، إلى حين الحلّ النهائي والدائم لانتشار السلاح والمسلحين في جميع المخيمات»، منبهاً إلى «معضلة أمنية أساسية تتمثّل بمكافحة المخدرات تصنيعاً وترويجاً وتصديراً، سيما وأن هناك مناطق معروفة كانت أشبه بمحميات أمنية لعصابات المخدرات».

حقائق

علاقات لبنان مع سوريا... نصف قرن من الهيمنة

شهدت العلاقات اللبنانية - السورية العديد من المحطات والاستحقاقات، صبّت بمعظمها في مصلحة النظام السوري ومكّنته من إحكام قبضته على كلّ شاردة وواردة. وإذا كان نفوذ دمشق تصاعد منذ دخول جيشها لبنان في عام 1976، فإن جريمة اغتيال الرئيس اللبناني المنتخب رينيه معوض في 22 نوفمبر (تشرين الثاني) 1989 - أي يوم عيد الاستقلال - شكّلت رسالة. واستهدفت الجريمة ليس فقط الرئيس الذي أطلق مرحلة الشروع في تطبيق «اتفاق الطائف»، وبسط سلطة الدولة على كامل أراضيها وحلّ كل الميليشيات المسلّحة وتسليم سلاحها للدولة، بل أيضاً كلّ من كان يحلم ببناء دولة ذات سيادة متحررة من الوصاية. ولكنْ ما إن وُضع «اتفاق الطائف» موضع التنفيذ، بدءاً بوحدانية قرار الدولة، أصرّ حافظ الأسد على استثناء سلاح «حزب الله» والتنظيمات الفلسطينية الموالية لدمشق، بوصفه «سلاح المقاومة لتحرير الأراضي اللبنانية المحتلّة» ولإبقائه عامل توتر يستخدمه عند الضرورة. ثم نسف الأسد «الأب» قرار مجلس الوزراء لعام 1996 القاضي بنشر الجيش اللبناني على الحدود مع إسرائيل، بذريعة رفضه «تحويل الجيش حارساً للحدود الإسرائيلية».بعدها استثمر نظام دمشق انسحاب الجيش الإسرائيلي من المناطق التي كان يحتلها في جنوب لبنان خلال مايو (أيار) 2000، و«جيّرها» لنفسه ليعزّز هيمنته على لبنان. غير أنه فوجئ ببيان مدوٍّ للمطارنة الموارنة برئاسة البطريرك الراحل نصر الله بطرس صفير في سبتمبر (أيلول) 2000، طالب فيه الجيش السوري بالانسحاب من لبنان؛ لأن «دوره انتفى مع جيش الاحتلال الإسرائيلي من جنوب لبنان».مع هذا، قبل شهر من انتهاء ولاية الرئيس إميل لحود، أعلن نظام بشار الأسد رغبته بالتمديد للحود ثلاث سنوات (نصف ولاية جديدة)، ورغم المعارضة النيابية الشديدة التي قادها رئيس الوزراء الراحل رفيق الحريري، مُدِّد للحود بالقوة على وقع تهديد الأسد «الابن» للحريري ووليد جنبلاط «بتحطيم لبنان فوق رأسيهما». وهذه المرة، صُدِم الأسد «الابن» بصدور القرار 1559 عن مجلس الأمن الدولي، الذي يقضي بانتخاب رئيس جديد للبنان، وانسحاب الجيش السوري فوراً، وحلّ كل الميليشيات وتسليم سلاحها للدولة اللبنانية. ولذا، عمل لإقصاء الحريري وقوى المعارضة اللبنانية عن السلطة، وتوِّج هذا الإقصاء بمحاولة اغتيال الوزير مروان حمادة في أكتوبر (تشرين الأول) 2004، ثمّ باغتيال رفيق الحريري يوم 14 فبراير (شباط) 2005، ما فجّر «ثورة الأرز» التي أدت إلى انسحاب الجيش السوري من لبنان يوم 26 أبريل (نيسان)، وتبع ذلك انتخابات نيابية خسرها حلفاء النظام السوري فريق «14 آذار» المناوئ لدمشق.تراجع نفوذ دمشق في لبنان استمر بعد انسحاب جيشها بضغط أميركي مباشر. وتجلّى ذلك في «الحوار الوطني اللبناني»، الذي أفضى إلى اتخاذ قرارات بينها «ترسيم الحدود» اللبنانية السورية، وبناء علاقات دبلوماسية مع سوريا وتبادل السفراء، الأمر الذي قبله بشار الأسد على مضض. وأكمل المسار بقرار إنشاء محكمة دولية لمحاكمة قتلة الحريري وتنظيم السلاح الفلسطيني خارج المخيمات - وطال أساساً التنظيمات المتحالفة مع دمشق وعلى رأسها «الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين - القيادة العامة» - وتحرير المعتقلين اللبنانيين في السجون السورية. حرب 6002مع هذا، بعد الحرب الإسرائيلية على لبنان في يوليو (تموز) 2006، التي أعلن «حزب الله» بعدها «الانتصار على إسرائيل»، استعاد النظام السوري بعض نفوذه. وتعزز ذلك بسلسلة اغتيالات طالت خصومه في لبنان من ساسة ومفكّرين وإعلاميين وأمنيين - جميعهم من فريق «14 آذار» - وتوّج بالانقلاب العسكري الذي نفذه «حزب الله» يوم 7 مايو 2008 محتلاً بيروت ومهاجماً الجبل. وأدى هذا التطور إلى «اتفاق الدوحة» الذي منح الحزب وحلفاء دمشق «الثلث المعطِّل» في الحكومة اللبنانية، فمكّنهم من الإمساك بالسلطة.يوم 25 مايو 2008 انتخب قائد الجيش اللبناني ميشال سليمان رئيساً للجمهورية، وفي 13 أغسطس (آب) من العام نفسه عُقدت قمة لبنانية ـ سورية في دمشق، وصدر عنها بيان مشترك، تضمّن بنوداً عدّة أهمها: «بحث مصير المفقودين اللبنانيين في سوريا، وترسيم الحدود، ومراجعة الاتفاقات وإنشاء علاقات دبلوماسية، وتبنّي المبادرة العربية للسلام». ولكن لم يتحقق من مضمون البيان، ومن «الحوار الوطني اللبناني» سوى إقامة سفارات وتبادل السفراء فقط.ختاماً، لم يقتنع النظام السوري في يوم من الأيام بالتعامل مع لبنان كدولة مستقلّة. وحتى في ذروة الحرب السورية، لم يكف عن تعقّب المعارضين السوريين الذي فرّوا إلى لبنان، فجنّد عصابات عملت على خطف العشرات منهم ونقلهم إلى سوريا. كذلك سخّر القضاء اللبناني (خصوصاً المحكمة العسكرية) للتشدد في محاكمة السوريين الذين كانوا في عداد «الجيش السوري الحرّ» والتعامل معهم كإرهابيين.أيضاً، كان للنظام السوري - عبر حلفائه اللبنانيين - الدور البارز في تعطيل الاستحقاقات الدستورية، لا سيما الانتخابات الرئاسية والنيابية وتشكيل الحكومات، بمجرد اكتشاف أن النتائج لن تكون لصالحهم. وعليه، قد يكون انتخاب الرئيس اللبناني في 9 يناير (كانون الثاني) المقبل، الاستحقاق الأول الذي يشهده لبنان من خارج تأثير نظام آل الأسد منذ نصف قرن.